قوات حفتر تعرقل تنقيب تركيا عن الغاز.. من يقف وراءها؟
حلّ أزمة تركيا مع اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر مهم، حتى وإن كانت تعتبره "إرهابيا" ولا تعترف بشرعيته، إلا أنه من الضروري استحضار البعد التاريخي والعمق الجغرافي والديموغرافي الذي يربط البلدين عبر البحر المتوسط.
وأوضح الكاتب التركي زكريا كورشون، في مقال له على صحيفة "يني شفق" التركية، إن الأسبوع الماضي شهد واقعة تهديد من قبل حفتر، الذي يعرّف نفسه بأنه قائد الجيش الوطني في ليبيا، إذ أصدر بيانا، اعتبر فيه أن الأهداف التركية في ليبيا باتت تحت مرمى نيرانه، بعد أن أعلن اختطاف عدد من المواطنين الأتراك، وأغلق جملة من المطاعم في مدينة بنغازي.
بعد أيام قليلة على خسارته مدينة غريان الإستراتيجية، أمر حفتر قواته باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية وكافة الأهداف التركية على الأراضي الليبية من شركات ومشروعات ومقار، وذلك ردًا على ما اعتبره "غزوا تركيا غاشما" تتعرض له ليبيا.
كما جرى منذ الخميس الماضي تعليق الرحلات الجوية من بنغازي إلى تركيا، وأقدمت الأجهزة الأمنية الموالية لحفتر شرق ليبيا على اعتقال ستة أتراك يشتغلون في ورش للسيارات تم الإفراج عنهم لاحقًا، إضافة إلى إغلاق المطاعم والمحال التجارية التي تحمل أسماء تركية، مثلما حصل في مدينة أجدابيا شرق البلاد.
"أسلوب قراصنة"
ووصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، احتجاز 6 بَحّارة أتراك من طرف القوات التابعة للواء الليبي المتقاعد قبل أيام قبل إطلاق سراحهم بـ"القرصنة".
ونقل بيان صدر، الخميس، عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية عن أردوغان قوله، ردا على أسئلة صحفيين: إن "ما حدث هو أسلوب قراصنة بكل معنى الكلمة، فهو (حفتر) قرصان عن جدارة".
وفي معرض رده عن سؤال حول كيفية تعاون تركيا وليبيا في شرق البحر المتوسط، قال أردوغان: "لدينا بالفعل اتفاق عسكري، وقمنا بتعزيزه، الجهة التي تحاورها الأمم المتحدة في ليبيا بموجب القانون الدولي هو فايز السراج (رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا)".
حرب بالوكالة
وفي السياق ذاته، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن بلاده سترد على أي هجوم تنفذه قوات حفتر ضد مصالحها، مؤكدا على أن "الثمن سيكون باهظا جدا لأي موقف عدائي أو هجوم على مصالح بلاده، وأن أنقرة سترد بالطريقة الأقوى والأكثر فعالية".
وتابع الكاتب، القصة لم تنتهِ هنا، فعلى الرغم من أن حفتر وجيشه يتلقى الضربات ويصاب بالهزائم تباعًا من قبل حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس، فإن المسألة ارتبطت بشكل أو بآخر بسلاح تبيعه أنقرة إلى طرابلس للتفوق في المعركة ضد حفتر.
أشارت "يني شفق" في مقالها إلى قضية أعمق؛ وهي وجود تركيا في البحر المتوسط وتنقيبها عن الغاز، الذي لا يعجب الكثير من الأطراف، منها عربية، كمصر والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، وكذلك بعض الدول الأوروبية وفرنسا ومن باب أولى اليونان. اختلط الوضع، وأثيرت الكثير من القلاقل شرق المتوسط، ما يعيق عمليات التنقيب عن الغاز التي تقوم عليها تركي، وهنا جاء حفتر ليقود حربًا بالوكالة عن هذه الأطراف ويشتبك مع تركيا.
وفيما الوضع كذلك، يضيف الكاتب واصفا المشهد،: "يخرج علينا من مصر، عبدالفتاح السيسي المهووس بشخصية جمال عبدالناصر، الذي يرغب أن يكونه، يطل علينا من ليبيا خليفة حفتر، الذي يريد أن يكون قذافي جديد". قبل أن يستطرد، إن الظروف الداخلية للبلاد العربية في تلك الفترة، سيما بعد الحرب العالمية الثانية دفعت بعبد الناصر والقذافي ليمضي كلٌ في طريقه.
وعلى الرغم من أن كليهما كان يعاني من مشاكل في طريقته بالحكم، إلا أن أفكارهما حول القومية والاشتراكية العربية أثارت جدلاً كبيراً وخلافًا بين الرجلين، على عكس، السيسي وحفتر هذه الأيام، ليس لهم ذلك الموقف أمام الاستغلال والهيمنة العالمية؛ وقد تقاضوا لقاء هذه المواقف دعمًا كبيرًا ، ويبدو الحراك أنه مستقل وذو بعد إقليمي.
علاقات قديمة
عاد الكاتب إلى 400 سنة مضت، وقال: عقب انهيار الدولة العثمانية فضّل الجميع اتباع سياسة متوازنة مع وريث هذه الدولة وهي بالطبع، تركيا، وذلك على الرغم من الإرث الطويل من الخلاف مع هذه الأطراف وتلك الدولة؛ حتى في بعض الأحيان يكون هذا التوازن ضد البلدان الأخرى؛ ويصب بذات الوقت في صالح تركيا.
على سبيل المثال، وعلى الرغم من وجود لوبي يوناني قوي في مصر، لم يكن جمال عبدالناصر مباشرة في الجانب اليوناني من العلاقات التركية-اليونانية. وبالمثل، في المسألة القبرصية، اتخذ موقفًا جانبيًا حتى أنه أرسل لهم المساعدة.
قال كورشوم، إنه زار ليبيا، وكانت المرة الأولى عام 83 وكان الدعم الذي أرسله القذافي لحركة السلام في قبرص ما يزال حاضرا؛ كان القذافي موضع تقدير تقريبًا من قبل كل الأطراف في ذلك الوقت، فمن جهة هو يدافع عن حقوق أمته ومن جهة أخرى يناهض الإمبريالية، وبدأ يُنظر لليبيا أنها منطقة أعمال صاعدة خاصة مع الانقلاب الذي نفذه القذافي في 12 سبتمبر/أيلول 1969.
كانت الأوضاع في تلك الفترة تشي بعلاقة متصاعدة بين تركيا وليبيا؛ لكن الأمور اختلفت بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القذافي ونظامه؛ ومع ذلك، كانت هناك تطورات في العلاقات الثنائية بين الدولتين، وكانت فرصة لتطوير التجارة سيما في قطاع الأعمال والإنشاءات، وذلك بفضل محمد المنغوش وزير الإعمار والإسكان قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في ليبيا، وهو الرجل الذي أتم تعليمه بتركيا، وبدعم منه، أتاح الفرصة لرجال الأعمال الأتراك بتطوير عملهم ومنحهم العمل في تركيا، في فرصة - حتى هذا اليوم لم تتح لهم مثلها.
التريث مطلوب
أيا كان ما سيحدث في ليبيا، اليوم كما في الأمس وغدا، فهي تمثل بالنسبة لتركيا العمق التاريخي لشمال إفريقيا؛ لذلك، فإن التغلب السريع على الأزمة الأخيرة هو إنجاز مهم؛ لكن القضية الرئيسية هي كيفية منع هذه الأزمات وما شابهها من الآن فصاعدًا.
لا تعترف تركيا بحفتر ولا بشرعيته، بل "تراه إرهابيًا يقود بلاده نحو الإرهاب" وفق تصريحات رسمية، وعليه فإن فرصة الحوار معه وتحسين العلاقات بين أنقرة والمليشيات التي يقودها قد لا تكون ممكنة، سيما وأنها ترى حكومة حفتر المدعوم من الخارج، غير شرعية أيضا.
ومع ذلك، سيكون النظر بطريقة أوسع والتصرف بشكل أكثر دقة لمتابعة التطورات الإقليمية بعناية أكبر واعتناق رأي وسط، أفضل من التورط في النزاعات؛ لذلك، من الضروري النظر إلى الأزمة الليبية من منظور تاريخي.
على مر التاريخ، تأثرت ليبيا دائمًا بالصراعات الدولية في البحر المتوسط وشهدت أكثر فتراتها استقرارًا في القرون العثمانية، ومع الغزو الإيطالي الذي بدأ في عام 1911، وضعت النزاعات الدولية تركيا في وضع صعب بدأ ولا يزال مستمرا على الجزيرتين.
بالضبط بعد مائة عام من هذا التاريخ، ورغم تأثرها بالربيع العربي، واجهت ليبيا العديد من الحقائق الجديدة؛ وتواجه مرة أخرى الصراعات الوطنية/ الدولية.
من الصعب جداً تقييم العملية التي أدت إلى الإطاحة بالقذافي، الذي حكم البلاد لمدة نصف قرن تقريبًا، بديناميات داخلية خالصة. في الواقع، إن التناقض بين سنوات التنمية وعدم التنمية بين 1911-2011 وأدوار الجهات الفاعلة الدولية في ليبيا أعدت خلفية هذا الوضع الجديد؛ وبالتالي لا يمكن دراسة التوتر بين تركيا وليبيا، بشكل مستقل، دون النظر لتلك الفترة التاريخية الطويلة والمشتركة بين الدولتين.
في الوقت الحالي، تعد ليبيا، وكذلك الجماعات الداخلية المتناثرة، مسرحًا للصراع بين القوى الخارجية التي تدعمها.
ومن المهم، يختم الكاتب، إعادة دراسة التاريخ المشترك بين ليبيا وتركيا، إذا أرادت أنقرة حل المشاكل العالقة في شرق المتوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجغرافي والتركيبة الديموغرافية أيضا، وبعض الأتراك الذين لهم أصل ليبيي.
ولا يعد فقط التهديد بأن "مصالح حفتر وقواته" أهداف مشروعة لتركيا هو الخطوة الوحيدة التي يمكن القيام بها في الشأن الليبي، فهي أبسط ما يمكن لتركيا القيام به دون ضجة. لكن لا ينبغي أن ننسى أنه لا يمكن تحقيق النجاح في السياسة الخارجية والدبلوماسية والحرب إلا إذا استفادت الأطراف من مزاياها.