قوميون تونسيون يحاربون في صفوف بشار.. من وراءهم؟

12

طباعة

مشاركة

حين يبدأ الحديث عن التونسيين الملتحقين بالقتال في سوريا بعد العام 2012، يتبادر إلى الذهن صورة الشباب الذين قرّروا الانضمام إلى عدد من جماعات المعارضة المسلحة، في مقدّمتها جبهة النصرة، وتنظيم الدولة، حسب ما كشفت تقارير ومواد إعلامية نشرتها هذه التنظيمات أظهرت مقاتلين تونسيين.

إلا أنّ ما لا يتم تداوله بكثرة، هو الحديث عن أولئك الشباب الذين انتقلوا إلى الأراضي السورية وحملوا السلاح، لكنهم اصطفوا في خندق نظام بشار الأسد وضمن تنظيمات عابرة للحدود تحمل أيديولوجيا مختلفة نجحت في تجنيدهم للقتال تحت راية نظام البعث السوري.

"متطوعون تونسيون ضمن الحرس القومي العربي دفاعا عن سوريا"، تحت هذا العنوان نشرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية أول اعتراف لقادة ميليشيا الحرس القومي العربي الجناح المسلح لمنظمة الشباب القومي العربي التي تستند في مرجعيتها إلى الفكر الناصري إثر زيارة لوفد إعلامي تونسي لمدينة حلب السورية خلال فبراير/شباط 2017.

حينها قال المسؤول السياسي للحرس القومي العربي بحلب باسل خراط، إن شبابا تونسيين يخوضون معركة مكافحة الإرهاب ضمن مقاتلي الحرس القومي العربي في سوريا.

وأضاف الخراط: "الحرس القومي العربي هو حركة مقاومة انبثقت من منظمة الشباب القومي العربي التي تستند في مرجعيتها إلى الفكر الناصري، يعمل تحت قيادة الجيش السوري ويتكون من مجموعة من الشباب العرب قدموا من الجزائر وتونس ولبنان ومصر وفلسطين المحتلة والعراق والأردن واليمن للدفاع عن سوريا، والدعم الوحيد الذي يتلقاه هو من الجيش والدولة في سوريا".

الميليشيا القومية

الغريب في الأمر أن الميليشيا القومية تأسست على التراب التونسي في سبتمبر/أيلول 2012 في المؤتمر الناصري العام الذي أقيم بتنظيم من "حركة الشعب" و"جمعية الوحدويين الناصريين" في تونس وحضرها قوميون من مختلف اﻷقطار العربية بمختلف فئاتهم وتنظيماتهم وأجيالهم.

بعد المؤتمر مباشرة بدأ العمل على تشكيل الكتائب العسكرية القتالية لتلك الميليشيا في لبنان وبالتحديد مدينة صيدا الجنوبية بدعم وتنسيق مع ميليشيا حزب الله اللبناني، وتم اختيار أسعد حسين حمود الملقب بـ "ذو الفقار العاملي" قائدا للمليشيا.

"العاملي" من بلدة كفرملكي في جنوب لبنان وهو ابن حسين أسعد حمود الملقب بـ "حيدر العاملي" منسق عام منظمة "الشباب القومي العربي" في لبنان وأحد مؤسسي رابطة القوميين العرب.

نظمت المنظمة مخيّما صيفيا لها بمدينة تونس خلال أغسطس/آب 2012، واستقبلهم الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي بقصر قرطاج، وظهر في فيديوهات نشرها موقع الرئاسة التونسية "ذو الفقار العاملي" قائد الميليشيا ضمن الوفد الشبابي.

كتيبة البراهمي

في 17 أغسطس /آب 2017، وفي حوار إذاعي في إذاعة الديوان التونسية، كشفت مباركة البراهمي عضو مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية والقيادية في حزب التيار الشعبي (قومي ناصري) وأرملة الفقيد محمد البراهمي وجود كتيبة ضمن الحرس القومي العربي تحمل اسم "الشهيد محمد البراهمي" والتي تقاتل في سوريا منذ العام 2013 إلى جانب قوات الجيش النظامي السوري.

مشيرة إلى أنه "أطلق اسم الشهيد البراهمي على هذه الكتيبة إكراما له من قبل بعض الشباب العربي القومي الذين التقاهم في تونس وتأسفوا لموته".

وأضافت: "هناك مجموعة من الشباب ربطتهم علاقات صداقة بالشهيد وبابني عدنان وشباب حزب التيار الشعبي، وأنا أيضا تعرفت عليهم والتقيتهم سنة 2013 في المنتدى الاجتماعي العالمي خلال مسيرة بمناسبة يوم الأرض وقمت بدعوتهم لتناول العشاء في منزلنا"، مشيرة إلى أن البراهمي التقاهم في ساعة متأخرة لأنه كان في لقاء مع حمدين صباحي الذي كان متواجدا بتونس في تلك الفترة.

وانتشر مقطع مصوّر لقائد الميليشيا القومية أسعد حمود يتوعّد فيه بالقصاص من قتلة السياسي التونسي محمد البراهمي، الذي اغتيل يوم 25 يوليو/تموز 2013 أمام بيته في أحد أحياء العاصمة التونسية.

في يناير/كانون الثاني 2014، ذكر تقرير مصور لميليشيا الحرس القومي، أذاعته قناة فرانس 24، لأوّل مرّة منذ تأسيسها حيث لا يسمح لأي قناة تلفزية بتصويرهم نظرًا لعدم اعتراف النظام بوجودهم حتى ذلك الوقت، وجود مقاتلين عرب ضمنها، وكشف التقرير وجود مقاتل تونسي من بين 3 مقاتلين ظهروا فيه.

وأكّد موقع المراسل السوري أن محمد العماري الملقب بـ "الجنرال" هو تونسي الجنسية، يعتبر أحد أبرز قيادات ميليشيا الحرس القومي، كما أنه يمتلك علاقة وثيقة وممتازة مع معظم الحركات اليسارية والناصرية في المنطقة.

سبق ونشر العماري في حسابه على فيسبوك في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، تدوينة أكّد فيها وجوده بالقرب من مقام السيدة زينب في قلب العاصمة دمشق، وانتشرت صور له بالزي القتالي للحرس تجمعه مع زعيم الميليشيا أسعد حمود على حاجز للفرقة الرابعة في الجيش النظامي السوري على الطريق الرابط بين العاصمة دمشق ومعبر المصنع على الحدود اللبنانية السورية بتاريخ 19 مايو/آيار 2013.

يعتبر العماري أحد أبرز القيادات الشابة في التيار الشعبي بتونس المنتمي للجبهة الشعبية المعارضة، ومن المقربين للمعارض الراحل محمد البراهمي، والذي ظهر معه في لقاء بمنزل الأخير رفقة أسعد حمود.

كما يلعب الناشط القومي والمحامي أحمد بن حمدان أدوارا قيادية داخل الميليشيا القومية، ويكثر تردده على سوريا في أكثر من مناسبة منذ انطلاق العمليات العسكرية بين النظام والميليشيات المؤيدة له، وفصائل المعارضة السورية.

إرهابيون أيضا

في الوقت نفسه، يثير التيار الشعبي ونوابه داخل مجلس نواب الشعب التونسي من فترة لأخرى ملف ما بات يعرف بتسفير الشباب إلى بؤر التوتر، حيث توجّه أصابع الاتهام إلى حركة النهضة بتسفير الشباب المنتمي إلى التيارات الإسلامية في تونس إلى سوريا عبر الأراضي التركية من أجل الالتحاق بفصائل المعارضة السورية أو تنظيمي النصرة والدولة، وهو ما أكدته قيادات الحزب في أكثر من مناسبة.

إلا أنّ الكشف عن وجود كتيبة تحمل اسم مؤسس الحزب وشبهات وجود قيادات تونسية تقاتل تحت رايتها، دفع قيادة التيار إلى إصدار جملة من التصريحات المتضاربة.

ففي الوقت الذي نفى فيه الأمين العام للحزب القومي أي علاقة بين حزبه والميليشيا المقاتلة في سوريا، نشرت مباركة البراهمي تدوينة على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" أن "إطلاق اسم زوجها محمد البراهمي على اسم إحدى الكتائب المقاتلة في سورية التابعة للشباب العربي القومي، يعد شرفاً لها ولحزبها الذي يساند المناضلين من أجل تحرير سورية، لا عصابات قتل وذبح وتنكيل كالتي أرسلتها أنت وجماعتك إلى الشام من مرتزقة وحمقى".

كما يرفض القيادي في الحرس القومي العربي أحمد بن حمدان اعتبار التونسيين المقاتلين إلى جانب النظام السوري إرهابيين ينطبق عليهم قانون الإرهاب التونسي.

حمدان نشر على صفحته على فيسبوك، أن الجريمة الإرهابية تهدف إلى "بث الرعب بين السكان أو حمل الدولة على فعل أو ترك أمر" وذلك كما يعرّفها القانون.

معتبرًا أن "كل من لم يثبت أنه يبث الرعب بين السكان وأنه لا يحمل دولة على فعل أو على ترك أمر لا يمكن اعتباره إرهابيًا"، في إشارة للمقاتلين التونسيين الذين اعتبر انتماءهم إلى الحرس القومي العربي "شرف".

ويجرّم القانون التونسي وضع النفس زمن السلم تحت ذمة جيش أجنبي، حيث طالب نور الدين البحيري رئيس كتلة حزب حركة النهضة التونسية بمجلس النواب بفتح تحقيق قضائي فيما يتداول من أخبار عن مشاركة مجموعة من التونسيين في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.

واعتبر البحيري أن تسفير الشبان التونسيين إلى سوريا، وانضمامهم إلى مجموعات مسلحة داعمة لجيش بشار الأسد يشكّل "مساسًا بالأمن القومي التونسي".