الجيش يبحث عن مخرج.. كيف أسقط حراك الجزائر انتخابات 4 يوليو؟
للجمعة السادسة عشر على التوالي، نزل الجزائريون لشوارع العاصمة والمدن الجزائرية مجددين تمسكهم بالمطالب التي رفعوها منذ اليوم الأول بالحراك الذي انطلق 22 فبراير/ شباط 2019، المطالبة برحيل جميع رموز النظام الجزائري، وتحقيق انتقال سياسي يضمن انتخابات حرّة وشفافة تعيد السيادة والقرار للشعب الجزائري وتقطع مع الفساد والاستبداد.
إلا أنّ رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح الذي يعتبر المؤثر الأكبر في الحياة السياسية في البلاد ما بعد حقبة بوتفليقة، يحذر من دخول البلاد في فراغ دستوري، وذلك بعد انقضاء آجال إيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة 4 يوليو/تموز 2019، ما يفتح الباب أمام اجتهادات دستورية جديدة أو مبادرات خارج الأطر الدستورية.
لا مرشحين
بعد منتصف ليل 25 مايو/آيار الماضي، تاريخ انقضاء آجال إيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية، يتجه المجلس الدستوري نحو إخطار رئيس الدولة بـ"استحالة تنظيم الانتخابات".
بيان للمجلس الدستوري صدر 26 مايو/آيار 2019 مفاده أنه تلقى ملفين اثنين فقط للترشح في الرئاسيات، وسيفصل في صحة هذين الملفين وفق أحكام الدستور وقانون الانتخابات الجزائري، وهما "من طرف عبد الحكيم حمادي وحميد طواهري"، ولا يُعدُّ هذان المرشحان معروفين لدى الرأي العام في الجزائر.
وحسب القانون يشترط ضرورة حصول الراغبين في الترشح إلى الرئاسة على آلاف التواقيع من الناخبين أو مئات من أعضاء المجالس المنتخبة، وهو ما يبدو أنه لم يتوفر في هذين المرشحين.
وقبل ساعات من انتهاء مهلة تقديم الملفات أعلن أشهر 3 مرشحين محتملين انسحابهم من السباق الرئاسي، وفق بلاغ لوزارة الداخلية، وفي منشور على صفحته على فيسبوك، قال اللواء المتقاعد علي غديري الذي كان أول من أعرب عن رغبته في الترشح إنه قرر "عدم تقديم ملفه للمجلس الدستوري" تماشيا "مع رغبة الشعب".
كما أعلن حزب التجمع الوطني الجمهوري تعليق مشاركته في الانتخابات وعدم تقديم ملف ترشيح أمينه العام بلقاسم ساحلي إلى "غاية توفر الشروط المناسبة لنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي المصيري"، بحسب بيان للحزب.
من جانبه، قرر رئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، سحب ملف ترشيحه، نظرا "لانعدام التحضير الحقيقي والجدي لهذه المحطة الهامة وانعدام التنافسية السياسية المطلوبة لإضفاء الجو الديموقراطي لهذه الرئاسيات"، وفق بيان للحزب.
وكانت غالبية الشخصيات السياسية رفضت الانتخابات منذ إعلانها، على غرار علي بن فليس الذي ترشح مرتين ضد بوتفليقة، وكذلك عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب البرلمانية المعارضة والمحسوبة على التيار الإسلامي.
هذا الوضع يفرض على المجلس الدستوري التوجه للإعلان في غضون العشرة أيام التي تلي انتهاء الآجال القانونية لتقديم الترشحات، كأقصى حد ممكن، عن استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإحالة قرار إلغائها إلى الرئيس المؤقت (عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة)، الذي سيكون عليه طلب تفسيرات دستورية جديدة تتيح له البقاء في منصبه لفترة 90 يوما إضافية، بدءا من تاريخ الانتخابات الملغى.
رفض الجيش
بغض النظر عن الجهة التي ستعلن عن تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة 4 يوليو/تموز المقبل، سواء المجلس الدستوري أو الحكومة أو رئاسة الجمهورية، غير أن الأهم من كل هذا هو إخفاق السلطة بكل مكوناتها، في تمرير مشروعها بالقوة وتحدي إرادة الشعب، الذي ظل متمسكا برفض الانتخابات في ظل وجود الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي.
يبدو أنّه كان من الممكن تجنب كل هذا، لولا عناد السلطة في الذهاب إلى انتخابات مع مؤسسات ورجال يعتبرون من أهم الفاعلين في النظام السابق، وظل الشعب يهتف بضرورة رحيلهم في كل المسيرات والمظاهرات، رغم كل المحاولات التي ينتهجها قائد أركان الجيش أحمد قائد صالح بإقناع الشعب بمسار ظل يرفضه.
في خطاب أمام قادة الجيش بجنوب البلاد يوم 28 مايو/آيار الماضي، أكد الفريق صالح ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية "في أسرع وقت ممكن" باعتبارها أولوية، مستبعدا الفترات الانتقالية التي تطالب بها الحركة الاحتجاجية.
صالح قال: "الأولية الآن هو أن يؤمن الجميع بأهمية المضي قدما نحو حوار مثمر يخرج بلادنا من هذه الفترة المعقدة نسبيا، وإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن، بعيدا عن الفترات الانتقالية التي لا تؤتمن عواقبها".
وفي اليوم التالي جدد صالح تحذيره من سعي "بعض الأطراف لتأزيم الوضع وإطالة أمد الأزمة من خلال التعمّد في نشر الإشاعات والأخبار المزيفة والأكاذيب بطريقة مستمرة عبر العديد من الوسائط الإعلامية".
ووصف رئيس الأركان الأطراف السابقة أنها "تعمل وفق منطق العصابة"، وجدد التأكيد أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو الحوار، للبقاء في الشرعية الدستورية، والذهاب نحو صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية.
ورغم أنه لم يشر إلى الرابع من يوليو/تموز كموعد للانتخابات الرئاسية، لكن صالح استمر في المطالبة بتنظيم الانتخابات في أقرب الآجال، إلا أن الرد يأتي في كل جمعة رفضا لأي مسار تحت مظلة السلطة الحالية، ما يجعل من موقف الجيش الصلب مرفوضا من الشعب، وفارضا على السلطة إيجاد حلول جديدة.
فتوى دستورية
وأمام الرفض الشعبي المتواصل للانتخابات الرئاسية، واتجاه المجلس الدستوري إلى اتخاذ قرار بعدم وجود مترشحين لها مثلما ينص عليه القانون العضوي لنظام الانتخابات، يجعل من تواجد عبد القادر بن صالح في منصب رئيس الدولة خارج المظلّة الدستورية التي حددت مدة 90 يوما من أجل تنظيم انتخابات وتسليم السلطة إلى رئيس جديد منتخب.
وبالنظر إلى عدم وجود نص صريح في أحكام الدستور أو القانون الانتخابي يتحدث عن هذه الوضعية، فإن المجلس الدستوري مطالب بإيجاد فتوى قانونية يستنبطها من أحكام الدستور، لتفادي الوقوع في أي فراغ دستوري قد يشل مؤسسات الدولة لاسيما مؤسسة رئاسة الجمهورية أهم وأسمى مؤسسة في النظام السياسي الجزائري.
الأستاذ في القانون الدستوري نذير عميرش يفسر المسألة بأنّ "حالة عدم وجود مترشحين للانتخابات الرئاسية تشبه بحكم القياس حالة انسحاب أو وفاة أحد المترشحين في الدور الثاني لها (جولة الإعادة)، وهي فرضية وضعتها نص المادة 103 من الدستور، ووضعت لها حكما يتمثل في إقرار المجلس الدستوري بإعادة كل العمليات الانتخابية وتمديد الانتخابات الرئاسية في أجل لا يتعدى 60 يوما".
ويضيف عميرش في مقال على موقع "الجزائر الآن" أن "القرار المحتمل الذي سيصدر عن المجلس الدستوري سيتضمن عدم وجود مترشحين للانتخابات الرئاسية وبالتالي عدم جدوى إجراء الانتخابات في الموعد المقرر، ووجوب إعادة العمليات الانتخابية من جديد مع تمديد تنظيم الانتخابات الرئاسية في أجل أقصاه 60 يوما".
لكن في المقابل ينظر الحراك الشعبي بعين الريبة إلى المسارات التي يقودها الجيش ويصرّ على إنفاذها، خصوصاً إصراره على تطبيق مخرجات دستورية كان واضحاً منذ البداية أنها لن تساهم في حلّ الأزمة.
وفي مواجهة المأزق الراهن الذي نتج عن التناقض الواضح بين موقف الجيش ومطالب المتظاهرين، قد يمثل تشكيل هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات والإشراف عليها حلا سياسيا توافقيا من شأنه وضع حد للأزمة الراهنة، فيما تردد الحديث مؤخرا عن إمكانية تكليف شخصية تحظى باحترام الشارع لإدارة المرحلة الانتقالية، وجرى تداول أسماء بينها الوزير الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
المصادر
- الجزائر - رئاسيات 4 جويلية: السلطة تدفع ثمن "عنادها"
- غموض في الجزائر مع إقفال باب الترشيحات للانتخابات الرئاسية
- الجزائر: أحمد قايد صالح يريد إجراء الانتخابات الرئاسية "في أسرع وقت ممكن"
- الجزائر.. نحو فتوى دستورية لتأجيل الانتخابات الرئاسية
- المجلس الدستوري في الجزائر يعلن "إيداع ملفي ترشح" للانتخابات الرئاسية