"لكسبرس": هكذا تطارد فرنسا مجرمي الحرب من طالبي اللجوء
سلطت مجلة "لكسبرس" الفرنسية، الضوء على زيادة أعداد المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في بلدانهم، الذين يطلبون اللجوء إلى فرنسا، مشيرة إلى أن العدالة تحاول تعقبهم، وإثبات التهم عليهم من أجل الحكم عليهم، لكن الإجراءات تحول دون ذلك.
وقالت المجلة في تحقيق لها: إنه "بعد مرور 31 عاما، كان يأمل عبد الحميد شعبان في إعادة تشكيل حياته بالقرب من باريس، بعيدا عن موطنه الأصلي في سوريا والسجون التي لقي فيها عشرات الآلاف من الرجال والنساء حتفهم منذ اندلاع الثورة في ربيع عام 2011".
جلادو الأسد
وأضافت: "شعبان الذي يلاحقه ماضيه، عضو سابق في مكتب التحقيق في مركز احتجاز تابع للنظام، وقد تم نفيه الآن، ويشتبه في أنه شارك في الانتهاكات المرتكبة ضد السكان المدنيين بين عامي 2011 و 2013، اعتقل في 12 فبراير/شباط 2018 في باريس".
ولفتت المجلة إلى أن "شعبان الشاب البالغ من العمر 30 عاما، وجهت إليه اتهامات بـ(التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية) وهو أول من يسقط، في فرنسا، في رحلة البحث عن جلادي بشار الأسد".
وتساءلت المجلة عن عدد الأشخاص الذي لديهم ماض مثل شعبان يحاولون الاختباء في فرنسا، مشيرة إلى أنه في الصراع المستمر الذي أدمى سوريا، ارتكب كل جانب فظائع.
تنظيم الدولة
وكشفت المجلة، أنه في مارس/آذار 2018، وقع أحد عناصر تنظيم الدولة، الذي كان يعيش كلاجئ في نورماندي، في شباك المديرية العامة للأمن الداخلي.
وبينت، أن "أحمد حمدان محمود عياش الأسودي، من مواليد 15 أبريل/نيسان 1984 في مدينة سامراء العراقية، يعيش في كالفادوس، ووفقا لسلطات بغداد، قام الرجل بإدارة منطقة مسقط رأسه نيابة عن تنظيم الدولة".
وذكرت المجلة، أنه "في يونيو/ حزيران 2014، شارك في مذبحة ما يقرب من 1700 مجند عراقي، معظمهم من الشيعة، في قاعدة سبايكر الجوية قرب تكريت، حيث اعترف تنظيم الدولة بقتل 1700 أسير من كتيبة تابعة للجيش العراقي في المعسكر".
ولفتت إلى أن أحمد الأسودي، المتهم من سلطات بغداد بارتكاب "جرائم حرب" و"اغتيالات تتعلق بمؤسسة إرهابية"، يصر محاميه على الدور الذي يلعبه موكله في الحرب ضد تنظيم الدولة باعتباره "عضوا مهما جدا في أجهزة الأمن القومي".
وبحسب صحيفة "ليبراسيون" اليومية، فإن مذكرة من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، تؤكد عضوية المشتبه به في الجهاز القمعي لبلده، على الأقل حتى 2007، فهل انضم لتنظيم الدولة بعد سقوط "صدام"، مثل العديد من كوادر النظام البعثي، مدفوعا بكراهية الشيعة وإيران؟ ووفقًا للوثيقة الأمريكية نفسها، ساهم الأسودي، في نوفمبر 2015، في نقل المسلحين الراغبين في شن هجمات إلى أوروبا.
وأشارت إلى أن أحمد الأسودي، تلقى ردا إيجابيا من المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية في يونيو/حزيران 2017، قبل أسابيع قليلة من قيام أجهزة المخابرات بتحديد هويته.
وفي الوقت نفسه، بحسب المجلة، قام عميل المخابرات السوري السابق عبد الحميد شعبان، بعد رفض طلبه في أوائل عام 2017، بتقديم استئناف إلى محكمة اللجوء الوطنية. يزعم فيها أنه كان "رديف"، ثم يزعم أنه أُرغم على إطاعة أوامر رؤسائه، وأقنعت حججه القضاة.
وأشارت إلى أن "الحظ لعب دورا سيئا بالنسبة إلى السوري حيث أبلغ مكتب الحماية عن قضيته أمام القضاء فور احتفاظه بطلب الحماية، فمنذ يوليو/تموز 2015، يُلزم القانون المدير العام للمكتب بالإشارة إلى المدعي العام في باريس عندما يشتبه في أن مرشحا للحصول على طلب اللجوء ارتكب، في بلده أو في أي مكان آخر جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو أعمال إرهاب أو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
كيف يتم التحقق؟
وتقول "لكسبرس"، إنه بعد صدور القانون يتم الآن فحص هذه الملفات المثيرة للقلق، فمنذ عام 2016 ، يزداد عدد المشتبه بهم الذين جرى إبلاغ القضاء عنهم كل عام: 6 في عام 2016، 20 في عام 2017، 33 في عام 2018.
وذكرت المجلة، أن الهيئة القضائية الفرنسية المختصة بجرائم الحرب حاليا تدرس 105 ملفا من بينهم ملفات 17 متهما سوريًا، منوهة في الوقت ذاته إلى الصعوبات التي تواجه عمل الهيئة نظرا إلى وجوب جمع الأدلة الحسية والشهادات التي تثبت ضلوع المتهمين بجرائم الحرب.
ونقلت "لكسبرس" عن القاضي والمتخصص في القانون الدولي والإنساني، ناتالي مارتن القول: "يتم رفض حق منح اللجوء للمتهمين لأنه توجد أسباب جدية للاعتقاد بأن هؤلاء الأشخاص قد ارتكبوا جرائم، لكن هذا لا يكفي من أجل البدء في تنفيذ الإجراءات الجنائية".
وأضافت: "يجب أن نجمع العناصر المادية والشهادات القادرة على إثبات الآثار المترتبة على الأفراد ومسؤولياتهم في الوقائع التي نسبت إليهم ".
وأكدت المجلة، أن هذا العمل طويل وشاق، فحتى لو تمكن المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب من الاعتماد على قصص الناجين من الخلايا السورية، والمعلومات التي جمعها عدد لا يحصى من المنظمات غير الحكومية و 54 ألف صورة من الجثث المعذبة التي سربها مصور سابق يدعى "قيصر" كان يعمل في مركز التوثيق للشرطة العسكرية بسوريا، "سيحتاج ذلك إلى سنوات عديدة من الإجراءات"، كما توضح ناتالي مارتن.
وأوضحت "لكسبرس" أن "بعض المشتبهين نجوا من العدالة من بينهم، خالد الحلبي قائد قوات الأمن السابق في مدينة الرقة السورية وهو متهم بالقتل والتعذيب، الذي لجأ إلى النمسا بعد أن رفضت فرنسا منحه حق اللجوء".
وفشلت محاولات سابقة لمقاضاة المسؤولين السوريين في الخارج؛ نظرا لعدم توقيع سوريا على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، كما أعاقت كل من روسيا والصين صدور قرار من مجلس الأمن يسمح للجنائية الدولية بتشكيل محكمة خاصة بسوريا.
وأدى الصراع السوري إلى مقتل أكثر من 350 ألف شخص وتشير تقديرات منظمات حقوقية إلى اعتقال ما بين 350 ألف ومليون سوري، إضافة إلى ملايين اللاجئين في الداخل والخارج.