سيناريوهات خطرة تواجه روسيا بعد انتهاء ولاية بوتين في 2024
الانتهاء المرتقب لفترة رئاسة رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين عام 2024 يثير شهية المحللين لتوقع شكل المنظومة التي سيخلفها رحيل الرجل الذي وقف على سدة الحكم في الكرملين خلال الأعوام الـ 19 الأخيرة والتي يصل إجمالي مددها لربع قرن كامل في عام رحيله المرتقب.
بوتين الذي وصفه غريمه ورجل الأعمال النفطي- المعارض حاليا- ميخائيل خودوركوفسكي بأنه: "ليس ليبراليا ولا ديموقراطيا لكنه أكثر ليبرالية وديموقراطية من 70% من الشعب الروسي" يبدو مشهد فراقه صعباً على دولة انطبعت عودتها للساحة الدولية بشراسة استمدتها من صورته الذهنية المصاغة بعناية.
لا شيء مستبعد
"الصورة يمكن ألا تتطابق مع الواقع"، هذا ما تفيده التجارب في عالم جمهوريات ما بعد الحرب الباردة، ولعل الاستقالة المفاجئة للرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف أواخر مارس/آذار الماضي بعد قرابة 3 عقود في الحكم تأتي في هذا السياق المليء بالمفاجآت، فهل يفعلها بوتين وينسحب دون سابق إنذار؟
كثيرون يستبعدون هذا السيناريو نظراً لطبيعة تركيبة الحكم التي ورثها بوتين مطلع الألفية من سلفه بوريس يلتسين، والتي قام بتعديلها ليمثل تنافس مراكز القوى صراعاً يسمو فيه بوتين فوق الفرقاء.
الصورة النمطية التقليدية والتي دأبت وسائل الإعلام الغربية على ترويجها في قالب ساخر يبدو فيه نظام بوتين بأنه (نظام الرجل الواحد)، تظهر حقيقة تشكيلة الحكم في نظامه خليطاً بين رأسمالية صاعدة تمثلها نخب رجال الأعمال (الأوليجاركيين الجدد) وحرس حديدي من مسئولي الكرملين والقوات الأمنية والعسكرية (السيولفيكي).
هذا التدافع الهرمي يتصاعد لهرمية يبدو فيها بوتين "رمانة ميزان" لتوازنات دقيقة يحاول فيها (الأوليجاركيين الجدد) رشوة (السيلوفيكي) للحصول على امتيازات التعاقدات الحكومية والإعفاءات الخاصة، فيما يحاول فيها رجال (السيلوفيكي) الانتقام من رافضي دفع الإتاوات بمحاكمات واعتقالات بتهم شتى.
وحده بوتين يقف في المنتصف ناهراً رجال الأعمال عن دفع الأموال لرجال حكومته وشاكياً لهم من عجزه عن ضبط شهيتهم للأموال والمزيد منها، ومحفزاً في الوقت نفسه أعضاء في إدارته للقبض بيد من حديد وتخليص البلاد من رجال الأعمال السارقين ولصوص ثروات البلاد.
ويجمع الكثيرون على أن من شأن الغياب المفاجىء لبوتين عن الساحة (بالموت أو الاستقالة) أن يدفع بها لسيناريوهات فوضى ربما تبدو أيام يلتسين الأخيرة نزهة جميلة عند المقارنة.
وارثون محتملون
ومع تدني شعبية بوتين داخلياً إثر تراجع سياسات (بوتين نومكس) الاقتصادية والتي ميزت العقدين الأخيرين من سيطرته على مقاليد الحكم في الكرملين، والتي تدنت لتصل- وفق آخر استطلاعات للرأي- لنحو ٣٠% من إجمالي الناخبين الروس، هذا التراجع في الشعبية قادته زيادة نسب الضرائب ورفع سن التقاعد في بلاد تمتعت لوقت قريب بتدفقات نقدية عالية من عوائد بيع النفط والغاز.
ويتنامى الهمس في أروقة الكرملين عن 3 خلفاء محتملين لبوتين من ضمنهم وزير الاقتصاد مكسيم أوريشكن، ومدير شؤون الرئاسة آنتون فاينو ووزير الزراعة ديمتري باتروشيف، وهم الذين تتوقع المصادر المطلعة بأروقة صناعة القرار الروسية بأنه تتم تهيئتهم من قبل بوتين لخلافته في سدة الرئاسة بنمط يبقى فيه بوتين عضواً في مجلس رئاسة الدولة- بعد تقوية صلاحياته - صانعاً للملوك من وراء ستار.
سيناريو بيلاروسيا
وبعيداً عن خيار ابتعاد بوتين عن الأضواء وتواريه خلف "دمية" رئاسية، يتوقع محللون أن يتمكن بوتين من تمرير اتفاقية وحدة اندماجية مع جمهورية روسيا البيضاء (بيلاروسيا) مما يعني عملياً تكوين دولة جديدة بدستور جديد وبالتالي "تصفير" العدادات الرئاسية ليتمكن بوتين من الحكم مدداً أخرى يحددها دستور الدولة الوليدة.
فيما يبدو أقل السيناريوهات إمكانية للحدوث هو تكرار تجربة التناوب التي سبق وخاضها بوتين مع صنيعته ديمتري ميدفيديف حين أنابه في كرسي الرئاسة ليغدو رئيساً للوزراء بين عامي 2008 و2012 وهو سيناريو قد لا يحظى بقبول شعبي هذه المرة.
وفيما تحلم النخب المعارضة والناشطين في منظمات المجتمع المدني الروسية بظهور شخصية "نظيفة" تخلف بوتين، يبدو أن العطب على ما يبدو يستوطن ذات المؤسسة الرئاسية التي ما فتئت تخرج رئيساً سلطوياً تلو الآخر، ويبدو نموذج الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين شاهدا على هذا "العطب".
يلتسين الذي ذاع صيته أواخر الثمانينات كقيادي سوفييتي ديموقراطي يؤمن بالحريات العامة والتداول السلمي للسلطة انتهى به الحال نهاية التسعينيات رئيساً أتوقراطياً يمسك بكل مقاليد السلطة دون حياء، وشاع وقتها أن القادم الجديد عمدة سان بطرسبرج الشاب فلاديمير بوتين سيكون نموذجاً لروسيا الجديدة، فحولته دهاليز الكرملين خلال عقد من الزمان لسلطوي متعطش للسلطة ومحارب في سبيل بقائه في سدتها.
تركة الأزمات
تركة الأزمات وأيا كان "شخص" خليفة بوتين في الحكم ستواجهه مجموعة أزمات ليس أقلها العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أزمة القرم والصراع مع أوكرانيا، يضاف إليها التدخلات العسكرية الروسية المتزايدة التكلفة في سوريا وفنزويلا والاتهامات الغربية المتكررة لروسيا بالتدخل لإعاقة مسيرة الانتخابات الديموقراطية في أوروبا والولايات المتحدة.
هذا عدا التكلفة المتصاعدة لحملات إعادة تسليح القوات الروسية بأنظمة حرب باهظة الكلفة، والصعود السريع للجار الجنوبي متمثلاً في الصين وشهيتها الآخذة في التزايد لمد نفوذها هي الأخرى عبر مشروع الطريق والحزام.
انتقادات بوتين المستمرة للقادة الغربيين ومحاولاته فرض مناطق نفوذ مطلق الصلاحيات بالقوة الصلبة يقابله ضعفه الذاتي الشديد في الرغبة باستثمار أمواله الشخصية وأموال نخبته الحاكمة في الغرب دون قيود والسفر حول العالم دون ملاحقات أو تبعات، وتلك هي الأمنية التي لم تتحقق للقيصر حتى الآن.
المصادر
- RUSSIA AFTER PUTIN
- The Putin Files: Julia Ioffe
- Constitution and Economy after Putin. A Roadmap for a new Russia | Free Russia Foundation
- THE ARRIVAL OF POST-PUTIN RUSSIA
- Vladimir Pozner: How the United States Created Vladimir Putin - YouTube
- Who Will Lead Russia after Putin?
- The real and hidden costs of Russia’s foreign policy
- Russia After Putin: Where’s the Vision of Something Better?
- Putin’s last term Taking the long view
- Future of Russia after Putin // CaspianReport Q&A - YouTube
- Europe Should Woo Russia When Putin’s Gone
- russia road map 04 september draft programme
- We need to plan for Russia after Putin | Natalie Nougayrède | Opinion | The Guardian
- Opinion | What Russia After Putin? - The New York Times