ما هي فرص المعارضة الموريتانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

أحمد ولد سيدي | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعيش الساحة السياسية في موريتانيا مرحلة هامة من مراحل النزال السياسي بين النظام الحاكم، ممثلا في المرشح الحالي وزير الدفاع محمد ولد الغزواني، والقوى السياسية الأخرى المعارضة التي بدأت تأخذ مواقعها قبيل انتخابات الرئاسة لعام 2019.

وتتميز الانتخابات الرئاسية المقبلة في موريتانيا عن غيرها، كونها تشهد شبه انتقال ديمقراطي للسلطة، وذلك بعد إعلان الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز تخليه عن الترشح لولاية ثالثة بعد ضغط شعبي، وإذعانه لمواد الدستور التي تحظر عليه الترشح، وعدم المساس بهذه المواد بنيّة خوض الانتخابات للمرة الثالثة.

تباين في الرؤى

أفرزت الاجتماعات الأخيرة التي عقدتها أحزاب تحالف المعارضة الموريتانية رؤى مختلفة ومتباينة داخل التشكيلة السياسية، فبعد فشل قادة هذه الأحزاب في التوافق على مرشح موحد، واختيار خوض الانتخابات الرئاسية بعدة بمرشحين، واتخاذ قرار بالتحالف في حالة الدخول بجولة ثانية من الانتخابات، أصبحت هذه القوى أمام خيارات أكثر تعقيدا نتيجة الخلافات التاريخية بين رموزها، وإقصاء عدد منهم بسبب النصوص الدستورية التي تمنع ترشح هؤلاء نتيجة عامل السن، وهو ما من شأنه إحداث اختلالات في موازين القوى لصالح مرشح النظام.

ولم تكن مواقف قادة تحالف المعارضة وحدها هي من أضعف من قوة المعارضة الموريتانية، وإنما انشطار هذه القوى وانقسامها، الذي شكّل أبرز التحديات التي واجهت هذه القوى قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران المقبل.

وانقسمت قوى المعارضة بين معارضة محاورة (حزب التحالف الشعبي بقيادة رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، وحزب التحالف الديمقراطي بقيادة النائب السابق يعقوب ولد أمين)، وأخرى راديكالية تضم الإسلاميين، واليساريين، وبعض القوميين، وأخرى خارجية يتزعمها رجلي الأعمال محمد ولد بوعماتو، والمصطفى ولد الإمام الشافعي.

وأفرزت نتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية التي أجريت عام 2018، عدة كتل معارضة قوية، هي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي، وحزب تكتل القوى الديمقراطية، وحزب اتحاد قوى التقدم اليساري، وحزب حاتم، الذي يتزعمه صالح ولد حننا، إضافة إلى أحزاب معارضة أخرى ينظر إلى بعضها بأنه قوية.

لكن هذه القوى مجتمعة لم تتفق على مرشح موحد، فقد ذهب الإسلاميون، وحزب حاتم، وقوى وشخصيات مستقلة أخرى إلى تزكية سيدي محمد ولد بوبكر (وهو وزير أول سابق 2005- 2007)، بينما لم يصدر أي قرار رسمي عن الأحزاب الأخرى التي لا تزال تدرس اتخاذ مواقف قد يؤول بعضها إلى اختيار نفس المرشح (حزب اتحاد قوى التقدم)، وقد يفضل الآخر اختيار مرشح من داخل المعارضة أو من ضمن الشخصيات المستقلة في البلد.

وتعتبر المواقف المختلفة للقوى السياسية المعارضة في موريتانيا حاليا أبرز العراقيل التي تقف في وجه إحداث تنافس جدّي، يسمح بإحداث تغيير جذري محتمل في الانتخابات الرئاسية عبر جولة ثانية بين هذه القوى ومرشح النظام الذي تميل باتجاهه موازين القوى في المشهد السياسي حتى الساعة.

فرص المعارضين 

على الرغم من أن دفع قوى المعارضة بأكثر من مرشح في الانتخابات الرئاسية المقرر يونيو/حزيران 2019، ساهم في تقليل فرصها في النجاح أو الذهاب إلى جولة ثانية مع مرشح النظام محمد ولد الغزواني، إلا أن قوة التنافس بين الأخير، والمرشح الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر، المدعوم من حزب "تواصل" الإسلامي وبعض الاحزاب القومية والشخصيات المستقلة وهيئات المجتمع المدني، مطروحة للتداول بالساحة السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية بأشهر قليلة.

ويعتبر دعم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الإسلامي للمرشح سيدي محمد ولد بوبكر، أهم حدث يزيد من سخونة التنافس السياسي مع مرشح النظام؛ وذلك لكون الحزب أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان والمجالس المحلية والجهوية، بعد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، كما أن دعم بعض الأحزاب القومية والشخصيات المستقلة للمرشح جعله ثاني مرشح أوفر حظا بعد ولد الغزواني.

وقال مصدر مقرب من حزب "تواصل" طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"الاستقلال"، إن "الحزب سيوقع اتفاقا مع المرشح ولد بوبكر، بعدما جرى التشاور حول مشروع وثيقة اتفاق بين المرشح ومختلف الداعمين له ومن ضمنهم الحزب، وستكون هناك وثيقة شاملة لجميع الداعمين".

من جانبه، رأى رئيس تحرير وكالة الأخبار الموريتانية أحمد ولد محمد المصطفى، أن "موريتانيا مقدمة على نزال غير مسبوق في تاريخها، وهي بلاد معروفة تاريخيا بالترحال عموما، والترحال السياسي خصوصا"، مشددا على أنها "على أبواب انتخابات رئاسية غير مسبوقة".

و أعرب عن اعتقاده في حديث لـ"الاستقلال"، أن "المشهد السياسي حاليا اتسم بنزوح أحزاب وشخصيات كانت معارضة لدعم المرشح الذي يقدم كواجهة للموالاة، كما نزحت فيه أحزاب وشخصيات من معسكر الموالاة، إلى مرشحين معارضين أو قريبين من المعارضة".

وأكد ولد محمد المصطفى، أن "كل المؤشرات تشير إلى نزال قوي في هذه الانتخابات والى احتمال تأجل الحسم إلى الجولة الثانية بين المرشحين الأوفر مرشح السلطة محمد ولد الغزواني، والوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر، وذلك لعدة عوامل، منها: أن الطبقة السياسية تجاوزت لأول مرة في تاريخها الجيل الأول الذي واكب قيام الدولة أو عمل مع أول نظام يحكم (نظام الرئيس الراحل المختار ولد داداه)، حيث سيكون النزال الآن بين شخصيات تمثل الجيل الثاني أو الثالث من أجيال الدولة، أي التي حكمت في الثمانينات والتسعينات".

وأضاف: "لا يبدو من خلال المؤشرات أن البلد سيعيش قطيعة مع الأنظمة التي حكمته خلال العقود الأخيرة بسبب الامتزاج والميوعة التي عرفتها البرامج والخطابات الانتخابية، وبسبب الترحال الذي يجعل من كلا المعسكرين الموالاة والمعارضة والذي يحمل في داخله جينات من المعسكر الآخر، حيث أصبح لا يوجد مشهد موالٍ ولا معارض نقي، وإنما داخل المعارضة هناك أوجه موالية، وداخل الموالاة هناك أوجه كانت معارضة".

التدخل الخارجي

من جهته، أكد الصحفي إمام الدين ولد أحمدو، أن "جهات خارجية تسعى بالفعل للتدخل في سير الانتخابات الموريتانية وفي مجالات عدة أخرى، وخصوصا من دولة الإمارات التي لها علاقة طويلة مع موريتانيا، وعرفت بحضورها القوي في المجالات الاقتصادية والسياسية الإعلامية خلال السنوات الأخيرة".

وأضاف في حديث له أن "التجارب الإماراتية في كثير من بلدان المنطقة تجعل هذا التخوف واردا، وأن العلاقة التي ظهرت لبعض الأطراف السياسية مع الإمارات تدعم هذا التخوف، لكن المعرفة بطبيعة الشعب الموريتاني ومواقفه وتعاطيه السياسي تجعل أي تأثير خارجي سيظل محدودا، ولن يحقق أهدافه بشكل كامل، خصوصا وأن البلد ربما أخذ تجربة في التعاطي مع المواقف المتدحرجة، فهو منذ استقلاله يتأرجح بين موقفي المغرب والجزائر كجارين قويين مختلفتين، وقد رجح الحياد الإيجابي في أكبر الملفات وهو ملف الصحراء".

وأردف ولد أحمدو قائلا: "إن طبيعة الشعب تجعل من الاندفاع الذي عرفته موريتانيا في المحور الإماراتي وقطع العلاقات المتشنج مع قطر، استثناء لا قاعدة في السياسية الدبلوماسية للبلد".