حزب الله.. يبتلع لبنان أم يحميه؟
"لبننة حزب الله أم حزبلة لبنان"، بهذا التعبير احتار كثيرون في محاولة توصيف العلاقة بين الدولة اللبنانية وجماعة حزب الله، فهل اكتست الدولة بأعلام الحزب حتى تلاشت ملامحها تدريجيا تحت سطوة وهيمنة الحزب، أم أن الدولة تسعى جاهدة لتطويع الحزب كأحد مكوناتها وجزء من نسيجها الديني والوطني والاجتماعي وصبغه بصبغة لبنان بعيدا عن أي صبغات أخرى؟
وتوالت خلال الأيام الأخيرة العديد من التصريحات والأنباء بشأن الحزب، لعل أحدثها تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من قلب العاصمة بيروت، حيث أبدى مخاوف بلاده "بشأن أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة، والمخاطر التي تشكلها تلك الأنشطة على الأمن"، ليرد عليه نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني بأن "الحزب لبناني وغير إرهابي وممثل بالحكومة والبرلمان".
ولعل إشكالية العلاقة بين الحزب وإيران من ناحية، وعدائه للاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى يشكلان مرجعا لفهم موقف الولايات المتحدة والتي تصنف الحزب منظمة إرهابية وتبعتها في ذلك دول عديدة من بينها بريطانيا مؤخرا، إلى حد أصبح فيه الحزب منبوذا إقليميا ودوليا، في وقت تتعرض داعمته الأولى إيران لضغوط شديدة.
"هيمنة سياسية"
في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، خرجت الحكومة اللبنانية من رحم معاناة استمرت شهورا، منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، ورغم أن حزب الله لم يحصل سوى على 3 وزارات فقط، إلا أن الجميع في لبنان اتفق على أن الحزب أدار عملية تشكيل الحكومة وسيطر عليها رغما عن رئيسها سعد الحريري، ليضمن وجوها لا تخالفه.
ورأى مراقبون، أن هيمنة حزب الله على الحكومة ليست عبر وزراء وحلفاء له في الحكومة فحسب، وإنما عملية تشكيل الحكومة نفسها، حيث وضع منذ البداية مطالبه "الغير قابلة للتفاوض" وحصل بعدها على موافقة الحريري، أي أن حزب الله يريد السيطرة على وزارة الصحة العامة المربحة، إذ يدور حديث عن أن الوزير الجديد جميل جبق هو الطبيب الشخصي السابق لأمين عام الحزب حسن نصر الله.
ثم شرع الحزب في إدارة حصص الطوائف والأحزاب الأخرى، ورغم أن القوات اللبنانية (مسيحي) حصل على مقاعد في الانتخابات، لكن حزب الله همّشها في عملية تشكيل الحكومة، وبدلا من الحصول على حقيبة الدفاع، حرص الحزب على أن تذهب الوزارة إلى أحد حلفائهما وهو "إلياس بو صعب".
وبالمثل، تمكن حزب الله من إدارة حصة الدروز، فأجبر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على التخلي عن أحد المقاعد الثلاثة المخصصة لشخصية وافق عليها منافس جنبلاط، طلال أرسلان، وهو حليف للحزب، كما طالب حزب الله بأن يقدم الحريري حصة في الحكومة إلى كتلة من الموالين للحزب والسنة المؤيدين للأسد.
وعليه، فقد أظهرت عملية تشكيل الحكومة بوضوح، وفق التحليل السابق، كيف أن حزب الله يدير النظام السياسي بأكمله، حيث بات يسيطر الآن على تحالف الأغلبية من كل الطوائف اللبنانية، مما يؤكد حقيقة أن لبنان وحزب الله هما في الواقع مرادفان.
الطائفية تحكم
وقبل الخوض في تفاصيل الموضوع، وجب التوقف أمام التركيبة الطائفية للبنان والتي تلعب دورا كبيرا في تقسيم المناصب والنفوذ، في بلد مزقته طائفية اضطر إليها اللبنانيون بعد مواجهات دامية، لكنها أوصلته إلى شفا الانهيار لمفهوم الوطن والانتماء له، بحيث تحول الأمر تدريجيا إلى عصبية عرقية وطائفية طاغية.
ووفق إحصاءات غير رسمية، يشكل المسلمون نحو 50 بالمئة من اللبنانيين ينقسمون تقريبا بالتساوي بين سنة وشيعة، مقابل نحو 37 بالمئة مسيحيين موارنة، وتتوزع البقية بين طوائف وعرقيات أخرى أبرزها الدروز 7 بالمئة، والروم الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس وغيرهم.
شهد لبنان حربا أهلية طاحنة لمدة 15 عاما من 1975 إلى 1990 قتل فيها مئات الآلاف، كما غزت إسرائيل لبنان خلال هذه الفترة، إذ وصلت القوات الإسرائيلية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، قبل أن تنسحب وتحتل جنوب لبنان حتى عام 2000.
وضع اتفاق الطائف، الذي رعاه المجتمع الدولي والموقع في مدينة الطائف السعودية 1990 نهاية للحرب الأهلية اللبنانية، وتم تعديل الدستور اللبناني بناء على هذا الاتفاق الذي كان من نتائجه تقليص سلطات رئيس الجمهورية.
واعتمد الاتفاق مبدأ المناصفة بين المكونين الرئيسيين للبنان مسلمين ومسيحيين، ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني، لكن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.
يقوم مجلس النواب اللبناني بانتخاب رئيس الجمهورية، الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان، ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
توزع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، حسبما ينص عليه اتفاق الطائف، بينما يترأس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية، ويتولاه حاليا ومنذ سنوات طويلة زعيم "حركة أمل" نبيه بري.
أما منصب رئيس الوزراء، فهو من نصيب المسلمين السنة، وجرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية عام 1943، قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946 رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين أو طائفة رئيس الوزراء.
التقاسم الطائفي للمناصب في لبنان، لا يقتصر على الرئاسات الثلاثـة، بل يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة، فقائد الجيش على سبيل الجيش ماروني، أما وزير الداخلية فهو سني ومدير قوى الأمن الداخلي سنى ومدير المخابرات العسكرية شيعي، وهناك أيضا حصص للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأرثوذكس والأرمن.
إمبراطورية المخدرات
عودة بشيء من التفصيل إلى حزب الله، المكون الأكثر بروزا وجدلا على الساحة اللبنانية، تأخذنا تصريحات حديثة لأمينه العام وزعيمه الأبرز حسن نصر الله إلى إشكالية كثرت فيها المعلومات والأقاويل والتحليلات، وهي المتعلقة بالإمبراطورية المالية لحزب الله ومصادر تمويله.
في 8 مارس/آذار الجاري، ألقى نصر الله خطابا في ذكرى تأسيس ما يسمى "هيئة دعم المقاومة الإسلامية" التي تهتم بتأمين الدعم المالي واللوجستي والاجتماعي للحزب، داعيا أنصاره إلى ما أسماه "الجهاد بالمال" لمواجهة العقوبات المفروضة على الحزب والتي أدت باعترافه إلى ضائقة مالية.
وقال: "أنا أعلن اليوم أن المقاومة بحاجة إلى المساندة والاحتضان الشعبي"، وأن على الهيئة مواصلة "عملها لتوفر المال"، مضيفا: "قد نواجه بعض الصعوبات وبعض الضيق"، ومتوقعا أن "تُدرج أسماء شركات وتجار ومؤسسات وجمعيات داعمة للحزب على لائحة العقوبات".
في مدينة الشرق الواقعة بباراجواي اللاتينية، ألقي القبض عام 2002، على المهاجر اللبناني "أسعد بركات"، بتهمة التهرب الضريبي، ووضعته وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات عام 2004، واصفة إياه بأنه "الذراع الأيمن لحسن نصر الله في أمريكا الجنوبية"، واتهمته بإدارة شبكة سرية لجمع الأموال لصالح حزب الله عبر تهريب المخدرات والسلع المقرصنة.
كان بركات مجرد حلقة أولى في شبكة حزب الله المزعومة، ففي عام 2008 أُلقي القبض على "نمر زعيتر" بتهمة محاولة تهريب الكوكايين للولايات المتحدة، وفي وقت لاحق عام 2013 قُبض على شقيق أسعد بركات، "حمزة علي بركات"، بتهمة تأسيس شبكة احتيال وتهريب بصحبة مجموعة من المهربين اللبنانيين في منطقة الحدود الثلاثية، وفي منتصف 2018، اعتُقل شخص آخر من العائلة هو "محمود علي بركات" بتهمة تبييض الأموال لصالح الحزب.
أثارت تلك الوقائع ومثيلاتها حالة من الجدل حول طبيعة العلاقة الناشئة بين حزب الله وشبكات الجريمة المنظمة في أمريكا الجنوبية، علاقة هدفت في المقام الأول إلى كسب المال من كل شيء، بداية من البضائع المزيفة مثل الساعات ونظارات الشمس والإلكترونيات المقلدة وأقراص الدي في دي المقرصنة، مرورا بتجارة السجائر وتهريب البشر، وانتهاء بعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات، بهدف إيجاد موارد دخل إضافية لمواجهة الأزمات المالية المتلاحقة التي ضربت صفوف الحزب، خاصة مع الاستنزاف المتواصل لموارد الحزب عبر سنوات الحرب في سوريا.
شبكات عماد مغنية
منذ نشأته، كانت مسألة التمويل نقطة الضعف الأكثر خطورة في جسد حزب الله، فرغم الالتزام الكامل من إيران نحوه، فإن مكانتها المهتزة في النظام الدولي وخطوط التمويل المباشرة عبر سوريا وضعت الحزب دوما تحت رحمة الاضطرابات السياسية في إيران وسوريا، ولم تكن ضريبة "الخمس" التي يجمعها رجال الدين من الشيعة اللبنانيين الفقراء كافية لسد العجز المالي، ومواجهة أزمات التمويل المتتالية التي واجهها الحزب عاما بعد عام، ليدرك حتمية البحث عن مصادر مالية مكملة أو بديلة.
أُسندت تلك المهمة إلى عماد مغنية، رجل المهام الصعبة في الحزب، وقائده العسكري الأبرز، والذي اغتيل في دمشق عام 2008، واتهمته الولايات المتحدة بالتورط في قتل أكبر عدد من الأمريكيين في جميع أنحاء العالم قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
على الفور، شرع "مغنية" في وضع اللبنات الأولى لتأسيس وحدة شؤون مالية تابعة للجناح العسكري لحزب الله، صانعا ما وصفته واشنطن لاحقا بأنه "تحالف غير مسبوق بين جماعات مسلحة أيديولوجية إقليمية وبين الشبكات العالمية لتجارة المخدرات والجريمة المنظمة"، تحالف أسهم في تدفق مئات الملايين من الدولارات إلى خزائن الحزب، عبر منظومة من العمليات التجارية الشرعية والغير شرعية.
شبكات "مغنية" تشبه كثيرا نظام الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تعد شبكة الدعم الخاصة، المعروفة باسم "السيانيم" أكبر الشبكات العالمية وأكثرها فاعلية، حيث يعتمد "السيانيم" ببساطة على توظيف المجتمع اليهودي العالمي كشبكة دعم استخباراتي مكونة من عشرات الآلاف من العملاء المحتملين، والذين يتم تجنيدهم وقت الحاجة.
وتتشابه لبنان مع إسرائيل بشكل كبير من حيث امتلاك البلاد لإحدى أكبر قواعد المهاجرين حول العالم، حيث يتوزع قرابة 11-13 مليون شخص من ذوي الأصول اللبنانية بين القارات المختلفة، من الولايات المتحدة إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي وأستراليا، ومن شرق آسيا إلى غرب أفريقيا، وهو مجتمع ضخم للغاية خاصة بالمقارنة مع عدد اللبنانيين في الداخل.
"الدعارة أيضا حل"
لم تقتصر مهمة حزب الله في البحث عن مصادر تمويل جديدة، أو مكملة على "شبكات مغنية" أو تجارة المخدرات، بل تخطتها إلى إدارة "شبكات الدعارة" أو الرقيق الأبيض أو تجارة الجنس كما يسميها البعض، وهي القضية الشائكة التي تتكشف خيوطها بين الحين والآخر.
ففي 24 فبراير/شباط الماضي، تلقى اللبنانيون فضيحة تورط مساعد مسؤول اللجنة الأمنية في حزب الله (أ. ص. ط) وعقيد في الشرطة القضائية (ف. ح)، في إنشاء وإدارة شبكة دعارة بالقرب من مقر اللجنة الأمنية في بعلبك الواقعة وسط سهل البقاع المشهور.
مصادر قالت، إن "زواج المتعة هو الغطاء الذي يستخدمه حزب الله في إدارة شبكات الدعارة"، مشيرة إلى أن "الجهاز الأمني لحزب الله معروف بعلاقاته مع شبكات تجارة المخدرات والرقيق الأبيض عبر العالم، وهو يتوسل بيوت الدعارة من أجل جمع المعلومات حول الأشخاص في أوروبا ولبنان وغيرها من البلدان".
لم تكن القضية السابقة هي الأولى من نوعها؛ ففي أبريل/نيسان 2016، ضجت الساحة اللبنانية والعالمية بالكشف عن وجود أخطر شبكة للإتجار بالبشر في لبنان، حررت فيها 75 فتاة تعرضن للتعذيب، وأجبرن على ممارسة الجنس تحت التهديد بالإشهار بهن ونشر صور عارية لهن.
وفي هذه القضية ورد اسم حزب الله، حين رُبط اسم الشبكة بـ"علي حسين زعيتر"، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه "وكيل مشتريات حزب الله"، إذ نشر فريق التواصل بوزارة الخارجية الأمريكية، تغريدة ربط فيها شبكة الدعارة السابقة بالمسؤول المالي بالحزب.
العلاقة مع إيران
بدأت هياكل "حزب الله" في الظهور للمرة الأولى في الجنوب اللبناني أوائل ثمانينيات القرن الماضي مستندة إلى القاعدة الشعبية لرجل الدين الشيعي محمد حسين فضل الله، قبل سنوات قليلة من تأسيس الحزب بشكل رسمي عام 1985، كتنظيم سياسي إسلامي شيعي مرتبط أيديولوجيا بنظام "الثورة الإسلامية" الإيرانية، وملتزم مذهبيا بولاية الفقيه، وفي الوقت نفسه كحركة مقاومة دينية ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني الذي وقع عام 1982.
أسهم التزام الحزب المعلن تجاه ولاية الفقيه وولعه بـ "الثورة الإسلامية" في ربطه بطهران منذ البداية، وهي رابطة لم يجتهد أي من الطرفين في إخفائها على كل حال، ما دفع إلى هيمنة الاعتقاد الشائع بأن حزب الله كان بالأساس أحد المشروعات الإيرانية الهادفة إلى بسط هيمنتها على المسلمين الشيعة في المنطقة، لذا لم يكن مستغربا أن تكون طهران هي من دربت الطليعة الأولى لمقاتلي الحزب عبر كتائب الحرس الثوري، التي تدفقت إلى لبنان بتنسيق مع الحكومة السورية المسيطرة على البلاد آنذاك.
ولكن من وجه آخر، يمكن اعتبار ظهور حزب الله، والتنظيمات السياسية الشيعية بشكل عام، رد فعل سياسي واجتماعي على التاريخ الطويل من التهميش الذي عاناه الشيعة في النظام السياسي اللبناني منذ استقلال البلاد منتصف الأربعينيات، حيث عاش أغلبهم في المراتب الدنيا من السلم الاجتماعي، مع فرص متدنية في التعليم والوظائف، وإقصاء كامل من النظام السياسي الذي أنشأته فرنسا وهيمنت عليه النخب المسيحية، وقد ألقى ذلك بدوره على المجتمعات الشيعية التي انزوت إلى الهامش المجتمعي وفشلت بالتبعية في تحقيق استقلالها الاقتصادي.
في ضوء ذلك، كان الدعم الإيراني بالمال والعتاد أمرا حاسما لحزب الله وقت تأسيسه، ففي الوقت الذي امتلك فيه الحزب القاعدة الشعبية الضرورية التي وفرتها له جموع الشيعة المتدينين المهمشين، واليائسين بفعل الحرب الأهلية طويلة الأمد، كان الحزب يفتقر إلى أدنى مقومات الاستقلال المالي، وهو ما دفعه إلى الاعتماد على الأموال الإيرانية في تشغيل هياكله الإدارية، وتفعيل شبكته الخدمية التي أسسها بهدف بناء قاعدة جماهيرية أكبر بين الشيعة اللبنانيين، وحتى في تمويل عملياته العسكرية ضد الإسرائيليين والأمريكيين.
كانت إيران حاضرة دوما على الوجه الأمثل للحضور، حيث تشير التقديرات إلى أن طهران قدمت مساهمة ثابتة لا تقل عن 100 مليون دولار سنويا لحزب الله منذ نشأته، زادت خلال التسعينيات لتصل إلى 200 مليون دولار، ثم إلى 300 مليون دولار مدعومة بارتفاع أسعار النفط.
إلا أن طهران اضطرت عام 2009، لتخفيض دعمها للحزب بمقدار 40 بالمئة بفعل انخفاض أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل الاقتصاد الإيراني، ولكنها عادت ورفعت ميزانية الحزب من جديد خلال عامي 2012 و2013، حيث قدرت وكالة "رويترز" ميزانية حزب الله عام 2013 بين 800 مليون إلى مليار دولار، تأتي نسبة 70-90 بالمئة منها من إيران، وشهد عام 2013 ذاته، عودة العقوبات الدولية تجاه إيران، لتتجه طهران نحو تخفيض جديد في الدعم عام 2015 بفعل تلك العقوبات.
خلاف ذلك، لا يأتي الدعم الإيراني لحزب الله بشكل مباشر من الدولة، ولكن يُقدَّم بدلا من ذلك عبر شبكة الاقتصاد غير الرسمي في إيران، المعروفة باسم "البونياد"، والمسيطرة على 20 بالمئة من الاقتصاد الإيراني وفق بعض التقديرات، وهي شبكة تضم سلسلة من الكيانات والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي يسيطر عليها المرشد الأعلى الإيراني وكبار رجال الدين.
على سبيل المثال، قامت مؤسسة الإمام الرضا، إحدى أشهر الجمعيات التابعة لرجال الدين بإيران، بمنح "حزب الله" قرابة 180 مليون دولار لإعادة بناء المنازل التي دُمّرت خلال غزو عام 2006 الإسرائيلي، كما لا يتم تمرير هذا الدعم من خلال البنوك والنظم المصرفية الرسمية، وغالبا ما يُنقل عبر الطائرات إلى سوريا ويتم تهريبه لاحقا عبر الحدود إلى لبنان.
بقوة السلاح
ظلت هيمنة سلاح حزب الله العسكرية على لبنان متخفية تحت عباءة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حتى قامت الثورة السورية وتكشفت الحقائق منذ ذلك الحين، فهذا السلاح الإيراني بالأساس تحول إلى أداة لقتل السوريين وإجهاض ثورتهم، وفيما بعد ارتكاب المجازر الطائفية عبر ميليشيات موالية.
لكن الحقيقة أنه قبل ذلك، لعب سلاح حزب الله دورا بالغا في فرض سيطرته العسكرية عبر عدة مواجهات داخل لبنان، خاصة مع بعض التنظيمات السنية التي تعادي الحزب، فيما وصل التعاون بين الجيش اللبناني والحزب إلى ابتلاع الثاني للأول.
وبحسب دراسة نشرها مركز كارنيجي للسلام الدولي، فإن الحرب في سوريا وضعت الحياد المفترض للجيش اللبناني في مأزق وعر، فنظرا إلى نفوذ حزب الله وتأثيره في لبنان، لم يتمكن الجيش من فعل الكثير بشأن ضلوع الحزب في الحرب السورية، وفي المقابل، يملك الجيش مطلق الحرية في التضييق على المسلحين السنة الراغبين في التوجه إلى سوريا لأنهم لا يحظون بالدعم من أي قوة سياسية لبنانية كبرى.
يعود هذا العداء المتنامي بين الجيش والسنّة في لبنان إلى ما قبل النزاع السوري، ففي عام 2007، خاض الجيش حربا ضد تنظيم "فتح الإسلام" السنّي الجهادي في مخيم نهر البارد الفلسطيني، وفي يونيو/حزيران 2013، وقعت صدامات عنيفة في مدينة صيدا بين الجيش، المدعوم من حزب الله، وبين أنصار الشيخ السني أحمد الأسير، المعروف بعدائه لحزب الله.
انضمام عناصر من حزب الله للقتال إلى جانب الجيش اللبناني في هذه الصدامات، عزّز شكوك السنّة بأن الجيش والأجهزة الأمنية تتجه نحو أن تصبح تحت سيطرة التنظيم الشيعي، وبالفعل بلغت الروابط بين حزب الله والجيش اللبناني مستويات جديدة من التعاون إبان موجة التفجيرات التي استهدفت الأحياء الشيعية في العاصمة بيروت والمنطقة الحدودية في أواخر 2013 ومطلع 2014.
وبحلول 2013، كان الجيش اللبناني يتبادل معلومات أمنية قيّمة مع حزب الله، ويقول مصدر عسكري إن تبادل الاستخبارات ساهم في نجاح الجيش في تفكيك شبكة إرهابية متورطة في عشرات الهجمات، وجاء إعلان حزب الله بأن تدخله في سوريا يهدف إلى حماية لبنان من "التهديد التكفيري من الجهاديين" ليزيد من حدة اتهامات السنّة للجيش بالانحياز إلى الحزب.
ورغم أن الجيش يتألف من مختلف الطوائف اللبنانية، بما يعكس النظام الطائفي في البلاد، إلا أنه في الأعوام الأخيرة، يتولّى الشيعة والمسيحيون المناصب العليا الأساسية في المؤسسة العسكرية.
ترسانة عسكرية متعاظمة
ولعل الحديث عن سلاح حزب الله يقود إلى الدعم العسكري المباشر الذي تقدمه إيران للحزب، حيث يدرب العديد من مقاتليه كما يتلقى الحزب تدريبات إيرانية تبدأ من حروب العصابات، مرورا بتطوير الصواريخ وإطلاقها والحروب البحرية، ووصولا إلى تشغيل الطائرات بدون طيار.
كما تقوم إيران بتوريد الأسلحة للحزب اللبناني بشكل مباشر بما يشمل البنية التحتية الرئيسة لترسانة صواريخ الحزب التي يُقدّر عددها اليوم بـ120 ألف صاروخ، وبعض الأسلحة المدفعية وحتى الطائرات بدون طيار.
ووفق تقارير إعلامية، تنقسم الوسائل القتالية لحزب الله بعد حرب 2006 إلى مجموعات هي:
- وسائل قتالية من الصناعات الإيرانية: منها منظومة الصواريخ بعيدة المدى من طراز "فجر 3" بمدى 43 كم؛ و"فجر 5" بمدى 75 كم.
- وسائل قتالية من إنتاج الصناعات العسكرية السورية: تضمنت هذه الوسائل، صواريخ 220 ملم يصل مداها إلى 75 كم؛ ومنظومة صواريخ 302 ملم مداها يزيد على 100 كم.
- وسائل قتالية من إنتاج دول أخرى جرى تحويلها إلى "حزب الله" من سوريا وإيران: صواريخ متطورة مضادة للدبابات من طراز "كورنت، ميتس" و"آر بي جي- 29"، أو صواريخ مضادة للطائرات من طراز (SA-7) و (SA-14) من إنتاج روسي جرى نقلها من سوريا، أو صاروخ الشاطئ ــ البحر من طراز (802 ــC ) من إنتاج الصين، والذي حول من إيران.
كما يمتلك حزب الله نوعيات أخرى من الصواريخ، أبرزها "كاتيوشا" الروسية، وصواريخ "رعد" الإيرانية الصنع، وصواريخ "زلزال" الباليستية، وصواريخ "فاتح-110".