"بروكنجز": لماذا فشلت إيران في إيقاف تجارة المخدرات منذ 1979؟
نشر معهد "بروكنجز" تقريرا عن السياسات التي انتهجتها إيران، خلال ثورتها عام 1979، ضد انتشار المخدرات. وجاء التقرير ضمن سلسلة تقارير أخرى نشرها المعهد عن الثورة الإيرانية، وترجمتها صحيفة "الاستقلال".
ويقول المعهد إنه "منذ الثورة الإسلامية في 1979، اكتسبت إيران سمعة بأنها تحتوي على أقصى عقوبات المخدرات بين الدول، وأنها خصمٌ للجهود الساعية إلى إصلاح السياسات المتعلقة بالمخدرات على مستوى العالم.
لكن بشكل عام، كانت سياسات المخدرات في إيران متنوعة للغاية، وجربت إيران - ربما أكثر من أي بلد آخر - مجموعة واسعة من السياسات للتعامل مع انتشار استخدام المخدرات وزراعة الأفيون، وكانت هذه السياسات تتراوح بين سياسات متساهلة وقاسية للغاية".
أكثر الأمور إدهاشا، بالنسبة لكاتبي التقرير الباحثان، فاندا فلباب لراون وبرادلي إس بورتر، هو أن "الثورة الإيرانية لم تغير سياسات المخدرات في البلاد".
الأفيون قبل الثورة
أفاد التقرير أن "سياسة المخدرات في إيران تذبذبت على نطاق واسع من القرن التاسع عشر حتى ثورة 1979؛ مترددة بين التشريع و الحظر الصارم. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت إيران -التي كانت تعرف آنذاك باسم بلاد فارس- واحدة من أكبر مصدّري الأفيون في العالم، حتى في ظل عدم سيطرة الحكومة على معظم أراضي البلاد.
ومع ذلك، فإن ترويج الدولة لزراعة الأفيون كان "ناجحاً" إلى حد التخلي عن زراعة القمح مقابل زراعة الأفيون، وقد ساهم هذا القرار في المجاعة الكبرى التي وقعت في الفترة مابين 1870 و1872، التي لقي فيها مليون ونصف المليون شخص حتفهم. (الروايات الإيرانية تلقي باللوم على المكائد البريطانية) وأصبحت صادرات الأفيون مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية وعائدات الضرائب في إيران".
وربط المقال هذه الأسباب الاقتصادية بــ"رغبة إيران في السيطرة على صادراتها من الأفيون إلى الصين وإلى أماكن أخرى، رغم توقيعها مجموعة من الالتزامات الدولية التي تحد من نشاطها في أوائل القرن العشرين. وحتى في الوقت الذي حظرت فيه الصين استيراد الأفيون الفارسي في عام 1912، أخذت إيران تشجع مزارعيها ورجال أعمالها على تصدير محاصيلهم إلى الصين".
وأوضح بروكنجز أنه "بعد صدور قانون الاحتكار في عام 1928 والذي يقضي باحتكار إنتاج الأفيون على وكالة حكومية، ازدادت زراعة الأفيون في إيران إلى 25000 هكتار [61776.38 فدان]، وازدادت معها الصادرات وعائدات الضرائب وسمعة إيران بكونها مروجًا للمخدرات على مستوى العالم".
وأشار التقرير إلى أن "بعض الصادرات كانت غير قانونية: فبموجب اتفاقية دولية، سمح لإيران بتزويد ما تقدر نسبته بــ 25% من الاحتياجات القانونية للأفيون لصناعة اللأدوية بين عامي 1929 و1955".
وقال الباحثان إنه "في أوائل القرن العشرين، ازداد تعاطي الأفيون في إيران بشكل كبير. وكان من بين السياسات الإيرانية المبكرة للتعامل مع حالة الإدمان المتزايد برنامج لتقديم كوبونات تموينية للمدمنين على الأفيون. ولكن السياسات الحازمة للحد من الإدمان أخذت تنمو على نحو تدريجي، لا سيما الحملات التوعوية واسعة النطاق التي يقوم عليها ناشطون اجتماعيون -مثل جمعية مكافحة الأفيون والكحول- التي أبرزت التأثير المدمر للإدمان. ومع ذلك، فقد قُدّر أن لدى إيران عددًا كبيرا من المتعاطين يصل إلى 1.5 مليون متعاط، من أصل 20 مليون نسمة في الخمسينات الميلادية".
"وفي عام 1955، فرض الشاه حظراً شاملاً على زراعة وحيازة وبيع الأفيون. كان لهذه السياسة أثر مدمر على مزارعي الأفيون في إيران البالغ عددهم 300 ألف شخص"، بحسب المصدر ذاته.
ومضى الباحثان إلى القول إن "السياسة أثرت بشدة على مجموعة واسعة من الممارسات العلاجية في بلد تنعدم فيه المرافق الطبية في العديد من المناطق الريفية التي كانت تستخدم الأفيون كدواء متعدد الاستخدامات. وعلى الرغم من أن الاستخدام والإدمان لم يتراجعا، فقد كانت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية كبيرة جدا. و وتضاعفت عقوبات السجن للمستخدمين والمدمنين: حتى أنه في عام 1959، تم تجريم حيازة بذور الخشخاش بغض النظر عن استخدامها حتى تلك المستخدمة في صناعة الخبز وصار يحكم على حائزها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات".
وأفاد المعهد أنه "تم تقويض الحظر بشكل منهجي من خلال تهريب الأفيون والهروين من أفغانستان وتركيا وبكميات كبيرة. لقد كان التهريب نتيجة حتمية لسياسة الحظر التي لم تراعي طلب الناس لاستخداماتها المختلفة، ولا وفرت برامج علاجية أو وقائية مزامنة لقرار الحظر. وكان التهريب من أفغانستان يصل إلى 100 طن سنويًا، وكان مليئًا بالمخاطر التي يعرّض لها المهربون أنفسهم مقابل 13 دولار لكل رحلة. ولم تكن عقوبات الإعدام التي تتوعد بها الحكومة الإيرانية المهربين لتردعهم عن الاستمرار في عملهم. فقد كان المهربون يتلقون تهديدات مماثلة بالقتل من رؤسائهم في أفغانستان إذا هم عادوا خالي الوفاض، فيضطر المهرب الأفغاني متى ما صادرت الحكومة الإيرانية بضاعته، أن يسطو على أهل الأرياف والقرى".
وبحسب التقرير، "رفع الشاه الحظر عن زراعة الأفيون في 1969 بعد أن واجهت حكومته خسائر فادحة في سوق الذهب والعملة الأجنبية التي كانت تذهب إلى تجار المخدرات الدوليين. وارتفعت زراعة الأفيون مرة أخرى تحت الاحتكار الحكومي لتصل إلى عشرين ألف هكتار. ومنحت الحكومة 110 آلاف مدمن غير قادر على الإقلاع بطاقات تسجيل للحصول على الأفيون الذي تقدمه لهم الدولة. وأشارت التقديرات الرسمية إلى أنه ثمة 300 ألف مدمن لم يتم إضافتهم لهذه القائمة".
بعد الثورة
وعاد تقرير معهد الأبحاث إلى ما بعد ثورة 1979، فأوضح أن "آية الله روح الله الخميني أعلن أن استخدام المخدرات عمل "غير إسلامي"، في محاولة إلى الحد من الإدمان. وعلى الرغم من أن آية الله قد وصف عمليات الإعدام التي كان الشاه يرتكبها بأنها "غير إنسانية"، وضعت الثورة برنامج "تطهير" يعاقب مجرمي المخدرات بالسجن والإعدام".
"رئيس محكمة العدل الثورية سيئ السمعة ورئيس المجلس الثوري لمكافحة المخدرات، صادق خلخالي، الذي كان في السابق رجل دين هامشي، حكم بالإعدام على ما لا يقل عن 582 تاجر مخدرات خلال فترة حكمه التي امتدت 11 شهراً في العام الأول من الثورة، إلى جانب مئات آخرين أعدموا بشكل تعسفي على جرائم متخيلة وبدون أي إجراءات قانونية. وزاد استخدام عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات بعد عام 1988، حيث حصل حوالي 10 آلاف شخص على عقوبة الإعدام بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات منذ ذلك الحين"، على حد تعبير الباحثين.
وأوضح التقرير أن "الثورة أنهت الزراعة المحلية للأفيون، وعلى الرغم من التأثيرات الاقتصادية على مزارعي إيران، تم قمع أي زراعة غير مشروعة، كما تم وقف إنتاج الأفيون والميثادون، ولكن لم تتوفر أي معالجة أخرى لمشكلة الإدمان".
المعهد رصد "تحرك أطراف خارجية لتوفير الطلب الشديد على المخدرات في إيران. وبحلول ذلك الوقت، كانت تركيا قد نجحت في إضفاء الشرعية على إنتاجها من الأفيون وحالت دون تحويلها إلى تجارة غير قانونية، حيث التزمت الولايات المتحدة بشراء جزء كبير من الأفيون التركي.
لذا أصبح تهريب المخدرات إلى إيران يأتي عن طريق باكستان حيث انطلقت زراعة الأفيون في المناطق القبلية الفقيرة في باكستان وازدهرت فيها خلال الثمانينات من القرن الماضي، وصارت تزود إيران وأوروبا والأسواق الأخرى. أما بحلول أوائل التسعينات، فقد جف الإنتاج الباكستاني غير القانوني نتيجة الجهود الأمريكية المبذولة لاستئصاله والطرق البديلة لكسب الرزق".
وتابع الباحثان سردهما للأحداث مضيفين، "تحول إنتاج الأفيون إلى أفغانستان، حيث كان يشكّل ممولًا للمجاهدين الذين قاتلوا الجيش السوفيتي الغازي بالإضافة إلى تمويل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لهم في منتصف الثمانينيات. ومن أجل تجويع المجاهدين وحرمانهم من الطعام والمأوى، تبنى الجيش السوفييتي سياسة الأرض المحروقة من أجل دفع سكان الريف للالتجاء إلى المدن (التي يسيطرون عليها)، فأحرقوا البساتين والحقول ودمروا قنوات المياه. وكانت النتيجة زيادة كبيرة في زراعة الأفيون؛ حيث إنه السلعة الوحيدة التي يمكن أن تنجو من الطقس القاسي ونقص المياه والأسمدة كما أنه ليس كالسلع القانونية التي يتعين معالجتها، أو تعتمد على الطرق الجيدة وسلاسل الإنتاج والأسواق المنظمة".
المخدرات في إيران اليوم
وأشار تقرير بروكنجز، إلى أنه "على الرغم من التطورات السياسية المثيرة في عام 1979 وسلسلة من التقلبات السياسية الواسعة لأكثر من قرن، ظل تعاطي المخدرات في إيران عنيدًا بشكل ملحوظ. فمن بين سكان يبلغ عددهم 81 مليون نسمة، يقدر أن ما بين مليونين وثلاثة ملايين إيراني يعانون من الإدمان، ويعد هذا من أعلى معدلات الإدمان في العالم".
واستند التقرير على أرقام، فأوضح أن "السجون في إيران تمتلئ بالمتعاطين للمخدرات: ففي 1987، تم سجن 78 ألف شخص في إيران بتهم تتعلق بالمخدرات. وفي عام 2004، كان العدد 431 ألفا و430. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تشاطرت إيران والولايات المتحدة أعلى المعدلات في العالم لسجناء تعاطي المخدرات".
ورصد الباحثان كيف غيرت الثورة السياق الاجتماعي والسياسي، إذ "تم حظر الكحول على جميع الأقليات الدينية، وفرضت قيود صارمة على التفاعل الاجتماعي بين الرجال والنساء، وتقلصت أسباب الترفيه. وأصبح من المحتمل أن تؤدي هذه الظروف إلى تفاقم تعاطي المخدرات الذي كان يحقق معدلات عالية للغاية حتى قبل الثورة.
بيد أن الضرر التي أنتجته تلك للعقوبات الكبرى والجهود المكثفة للسيطرة على ترويج المخدرات بعد الثورة كان التحول إلى المخدرات الثقيلة (مثل الهيروين)، بسبب تكثيفها وسهولة إخفاءها، فالهروين مثلا أسهل في تهريب من الأفيون. وهكذا، على الرغم من أن معدل الإدمان في إيران يكاد يكون نصف ما كان عليه في الخمسينيات، إلا أن خطورة الإدمان والآثار المرتبطة به ازدادت سوءًا".
"وأدت إخفاقات السياسات القاسية إلى إعادة إحياء الإصلاحات؛ ففي أواخر التسعينات، خفض الرئيس محمد خاتمي العقوبات المفروضة على تعاطي المخدرات، مركّزًا بدلا من ذلك على الجهود المبذولة لعلاج المخدرات والحد من المخاطر التي تتعلق بانتشار فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز.
عادت صناعة الميثادون إلى رواج، وتلقى حوالي 130 ألف عقار الميثادون في عام 2009. ولكن ضعفت هذه الإصلاحات التقدمية خلال سنوات رئاسة محمود أحمدي نجاد، ولا يزال من الصعب الحصول على الرعاية الصحية والعلاج وأنظمة تأهيل المدمنين، خاصة بالنسبة للنساء، للحساسية المجتمعية والثقافة المتحيزة التي تحيط بهن"، بحسب المصدر ذاته.
ووثّق التقرير بالأرقام أنه "في يناير/ كانون الثاني 2018، رفعت إيران كمية المخدرات التي يجرّم حائزها وتؤدي إلى فرض عقوبة الإعدام من مجرد 30 جراما من الهيروين والمورفين والكوكايين، و 5 كجم من الحشيش والأفيون، إلى أكثر من 50 كجم من الأفيون، و2 كجم من الهيروين، و3 كجم من ميث الكريستال.
وقد أتاح هذا التغيير إعادة النظر في قضايا لنحو 5000 شخص ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام، مع احتمال تخفيف أحكامهم إلى السجن أو الغرامة. كما تم إلغاء عقوبة الإعدام الخاصة بحيازة الماريجوانا والاتجار بها. وفي الوقت الذي صارت الحكومات في الغرب تشرّع الماريجوانا، سعى مقترح عام 2015 إلى إلغاء تجريم الأفيون والماريجوانا وتشريع زراعتهما تحت مراقبة الدولة".
إيران وتهريب المخدرات
واعتبر المعهد، أنه "مع ازدهار زراعة الأفيون الأفغاني على الحدود الإيرانية والإدمان المتزايد، سعت إيران إلى مكافحة التهريب إليها. فأنفقت أكثر من 800 مليون دولار على الحواجز الخرسانية والخنادق العميقة على طول حدودها مع أفغانستان وباكستان.
وتنفذ الحكومة الإيرانية كل عام ما بين 500 إلى 600 عملية اعتراض مسلح للمهربين. في عام 2017، كانت إيران - وفقاً للأمم المتحدة- تصادر ثلاثة أرباع مضبوطات الأفيون، وربع مضبوطات الهيروين في العالم. كما فقدت حوالي 4000 من ضباط الشرطة الإيرانية وحرس الحدود في عمليات مكافحة المخدرات.
ورعت إيران أيضًا، من خلال الدعم التقني والمالي، مبادرات لتوفير طرق بديلة للعيش في مقاطعة هرات الأفغانية. ومع ذلك فإنه لايزال نحو ثلث الهيروين في أفغانستان يتدفق إلى إيران وعبرها، حيث يزود سوقها الخاصة وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وأوروبا".
ورأى الباحثان أن "مجموعة كبيرة من الجهات الرسمية تورطت في إيران في تهريب المخدرات. بعد أن وصفت وزارة الخزانة الأمريكية عدة أفراد داخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني كمهربين للمخدرات. كما تورطت القوات العسكرية التي ترعاها إيران، مثل حزب الله اللبناني ومجموعات مختلفة من جماعات شبه عسكرية موالية لإيران في العراق في تجارة المخدرات".
وأشارا إلى "وجود مزاعم بأن حزب الله لا يقتصر على فرض الضرائب وحماية حقول القنب في وادي البقاع في لبنان فحسب، بل هو متهم بتهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية أيضا. وقد عثرت فلباب براون خلال المقابلات التي أجريت في العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2018 على معلومات تشير إلى أن الجماعات شبه العسكرية التي ترعاها إيران في العراق تقوم بتهريب الهيروين من إيران والكيبتاجون من سوريا إلى العراق".