تقارير دولية: هكذا أسست الإمارات "مليشيات" باليمن.. من تستهدف؟
"تزود الإمارات ميليشيات مسلحة متهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن، بكم هائل من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بطرق غير مشروعة وبشكل متهور"، كان هذا نصا من تحقيق حديث أصدرته منظمة العفو الدولية، في مطلع فبراير/ شباط الجاري، بعنوان "عندما تحيد الأسلحة عن وجهتها: تحويل نقل الأسلحة إلى الميليشيات.. خطر جديد يحدق باليمن" .
اتهمت العفو الدولية بشكل صريح الإمارات بتزويد مجاميع "الحزام الأمني" و "قوات النخبة الشبوانية" و "ألوية العمالقة"، بالأسلحة التي استخدمت في ارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم ضد الإنسانية.
وتلك المجموعات هي تنظيمات أمنية وعسكرية موازية للقوات الحكومية قامت الإمارات بتشكيلها ودعمها، حيث يسيطر الحزام الأمني على المحافظات الجنوبية، وعلى وجه الخصوص محافظات عدن، لحج، وأبينز.
وتحكم قوات النخبة الشبوانية، سيطرتها على محافظة شبوة، أما العمالقة فهو عبارة عن قوات مكونة من أربعة ألوية عسكرية تم تشكيلها من المقاومة الجنوبية المدعومة من الإمارات، وتحكم سيطرتها على الساحل الغربي التهامي.
وقال التحقيق إنه "من خلال المعلومات التي قام بجمعها وتحليلها، ثبت إن الإمارات أصبحت قناة رئيسية لتوريد المركبات والمدرعات ومدافع الهاون والبنادق والمسدسات والرشاشات، بطرق غير مشروعة، إلى ميلشيات غير خاضعة للمساءلة ومتهمة بارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة".
إدانات أممية للإمارات
توالت تقارير منظمات أممية وتحقيقات صحفية على إدانة دولة الإمارات، فقد أصدرت لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة في أغسطس/ آب من العام 2018، تقريرا أكد تورط الحزام الأمني بارتكاب جرائم حرب محتملة، وانتهاكات بحق القانون الدولي الانساني، وأعمال عنف تراوحت بين "اختطاف وتعذيب واغتصاب"، نفذتها قوات الحزام الأمني التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة.
كما أن تقريرا سابقا بعنوان "من داخل السجون السرية: استطعنا سماع الصراخ" لوكالة "اسوشيتد برس" قد كشف عن وجود 18 سجنا سريا تديرها قوات تابعة للإمارات في جنوب اليمن، تقوم بتعذيب سجناء بوسائل وحشية دون محاكمات ، وهو الأمر الذي أكدته العفو الدولية في تحقيقها.
وأضافت أن الانتهاكات شملت الاحتجاز تحت تهديد السلاح والتعذيب بالصدمات الكهربائية والإيهام بالغرق والتعليق من السقف والإذلال الجنسي والحبس الانفرادي المطول والظروف المزرية وعدم الحصول على ما يكفي من الطعام والماء، في سجون سرية تدعى " المواقع السوداء".
وفي السياق ذاته، كشفت منظمة سام للحقوق والحريات في تحقيق سابق لها عن سجون سرية وحالات تعذيب وانتهاكات جسيمة تقوم بها قوات النخبة الشبوانية.
وكان تحقيق استقصائي سابق قامت به مؤسسة "بازفيد نيوز" الأمريكية، قد كشفت عن إبرام الإمارات صفقة مع شركة تعهدات أمنية أمريكية للقيام بأعمال اغتيال لكوادر من حزب الإصلاح وضباط أمنيين في عدن.
انتهاك "تجارة الأسلحة"
ومع أن الإمارات ضمن الدول الموقعة على "معاهدة تجارة الأسلحة"، التي تنص في بندها السادس على عدم نقل أسلحة يتم استخدامها في ارتكاب جرائم حرب، إلا أنها تتجاهل كل ذلك وتقوم بنقل أسلحتها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة إلى اليمن وتزود بها فصائل ترتكب انتهاكات جسمية وجرائم ضد الإنسانية، وهي إلى جانب ذلك مستمرة في شراء الأسلحة.
وذكر تحقيق العفو الدولية أن الإمارات اشترت منذ شن التحالف العربي حربه في اليمن ما قيمته 3.5 مليارات دولار، حيث كانت الإمارات قبل عاصفة الحزم قد أبرمت صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا واستراليا وبلجيكا والبرازيل وبلغاريا والتشيك وجنوب إفريقيا.
وكان المتحدث باسم معرض الدفاع الدولي العميد راشد الشامسي إحمالي قد ذكر أن صفقات الأسلحة التي حصلت عليها الإمارات حتى فبراير/ شباط 2017 بلغت قيمتها 5.2 مليار دولار، مقارنة ب 4.8 مليار دولار في 2015 أي قبل نحو عامين.
"كتائب أبي العباس"
ما لم يذكره تقرير منظمة العفو، هو أن الإمارات تدعم "كتائب أبي العباس"، وهي فيصل مسلح يقوده السلفي عبده فارع، المكنى "أبو العباس"، حيث تسعى لتشكيل حزام أمني على محافظة تعز، للقضاء على حزب الإصلاح في المحافظة والحد من نفوذه، على غرار الحزام الأمني الذي تم تشكيله في عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة.
وكان تحقيق استقصائي بثته قناة "الجزيرة" بعنوان "الصندوق الأسود"، قد كشف عن وجود مقابر سرية في المناطق التي تسيطر عليها "كتائب أبي العباس"، ومسؤولية عادل العزي الرجل الثاني في الكتائب عن عمليات تصفية واغتيالات، إضافة إلى تسجيلات مسربة تتضمن توجيه "أبو العباس" شخصيا لبعض أفراده بقصف أماكن في تعز، تُعقد فيها اجتماعات رسمية لقيادة محافظة تعز.
وكشف التحقيق أيضا، عن دور دولة الإمارات في صناعة "أبي العباس" وكيفية دعمه.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أدرجت "أبو العباس" في قائمة الإرهاب، لانخراطه في العمل مع تنظيمات إرهابية، وارتباطه بأنشطة تمويلية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة، بحسب بيان سابق للحزانة.
ومالم يذكره التحقيق أيضا، قوات "النخبة الحضرمية" التي شكلتها الإمارات في حضرموت ثم دعمها، بغية إنشاء حزام أمني يطوق حضرموت، على غرار النخبة الشبوانية والحزام الأمني.
تحركات لحظر الأسلحة
قال الباحث ببرنامج الحد من الأسلحة وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، باتريك ويلكين، إن "اليمن يتحوّل سريعا إلى ملاذ آمن للميليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، غير الخاضعة للمحاسبة إلى حد كبير، مشيرا إلى أن الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة الأمريكية ولبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، كانت محقة، فتلك الدول مستمرة في تجاهلها وتوريدها أسلحة إلى قوات التحالف، كما كانت إيران ضالعةً في ارسال أسلحة لقوات "الحوثيين".
وكانت منظمة العفو، قد دعت جميع دول العالم إلى وقف توريد السلاح إلى جميع أطراف النزاع في اليمن، لمنع ارتكاب جرائم وانتهاكات ضد حقوق الإنسان.
تجدر الإشارة إلى أن فينلندا كانت قد أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إيقاف بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، حيث قال رئيس وزراء فنلندا يوها سيبيلا حينها، لإذاعة "أوليسراديو" الحكومية، إن "الوضع في اليمن تسبب بهذا القرار ".
ومن قبلها، أعلنت كل من الدانمارك والنرويج وألمانيا إيقاف تصدير الأسلحة، في الوقت الذي تتزايد ضغوط شعبية فرنسية على ماكرون لإيقاف تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات على خلفية الحرب في اليمن.
ويناقش مشرعون أمريكيون مشروع قرار في الكونجرس الأمريكي ينهي الدعم العسكري الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وقد كشف تحقيق استقصائي حديث صدر في 5 فبراير / شباط عن وصول أسلحة أمريكية إلى الحوثيين باليمن.
وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل، إن واشنطن لم تسمح للسعودية والإمارات بنقل أسلحة إلى طرف ثالث في اليمن، وأنهم بصدد التحقيق في ذلك.
كل تلك الاجراءات التي تقوم بها الإمارات في اليمن أسهم في انتاج مليشيات مسلحة ووفر بيئة مناسبة لارتكاب انتهاكات جسيمة لا حصر لها، تراوحت بين السجون السرية في عدن، والمقابر السرية في تعز، وكل ذلك برعاية إماراتية، طبقا لتقارير منظمات دولية.