جوع وشيك.. كيف يكافح نازحو شمال غرب سوريا في رمضان جراء نقص المساعدات؟
"الناس حزينة لشدة العجز في تأمين احتياجات رمضان"
يحل شهر رمضان 2024 على النازحين في مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، في ظل نقص حاد في التمويل الدولي، مما يعمق معاناة المواطنين الإنسانية.
وارتفعت خلال الأشهر الأخيرة وتيرة التحذيرات من خشية عدم قدرة المنظمات الإنسانية العاملة هناك على تحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش للمدنيين في الشمال السوري.
نقص التمويل
وفي أحدث المؤشرات الميدانية، رصدت منظمة "منسقو استجابة سوريا" العاملة شمال غربي سوريا مطلع مارس/ آذار 2024، أدنى انخفاض بعدد الشاحنات الإغاثية الواردة عبر المعابر الحدودية منذ أشهر عدة.
وبلغ عدد الشاحنات الواردة عبر ثلاثة معابر حدودية مع تركيا (باب الهوى، باب السلامة، الراعي) خلال فبراير/ شباط 2024 واحدا وأربعين شاحنة مساعدات دولية فقط.
في حين كانت المساعدات الواردة عبر المعابر الحدودية الثلاثة خلال فبراير 2023 هو 456 شاحنة موزعة على المعابر الحدودية الثلاثة المذكورة.
وبالتالي، فإن نسبة الانخفاض مقارنة بين الشهرين خلال العامين 2023 و2024 بلغ نسبة 91 بالمئة.
وأكدت منظمة "منسقو استجابة سوريا"، أن حدود الفقر والجوع في مناطق شمال غرب البلاد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مقارنة بالأعوام السابقة لتصل إلى مستويات قياسية.
ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري)، 5 ملايين نازح، حيث كانت تدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن.
قبل أن يجري فتح معبري باب السلامة والراعي بتفويض أممي (حتى 13 مايو/ أيار 2024) عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، والذي أدى إلى مصرع 2172 شخصا بمناطق المعارضة.
ويجري عبر معبر باب الهوى الحدودي الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلو مترا إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي إلى سوريا.
ووصلت معدلات البطالة ضمن المجتمع المحلي في شمال غرب سوريا إلى 88.74 بالمئة بشكل وسطي، وفق المنظمة المذكورة.
وأمام زيادة العجز في الاستجابة الإنسانية وزيادة عدد المحتاجين للمساعدات وخاصة خلال فصل الشتاء والمصاعب الكبيرة التي تواجه المدنيين في تأمين احتياجاتهم الأساسية في المنطقة، زار وفد أممي شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى في 7 مارس 2024.
وكان الوفد برئاسة نائب المنسق الإقليمي الإنساني للأمم المتحدة، ديفيد كاردن، الذي حضر لتقييم أوضاع السكان وفهم احتياجاتهم، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المخاطر التي يشكلها نقص التمويل الدولي لمشاريعهم.
وقال زياد النابلسي، مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان في شمال غربي سوريا خلال الزيارة إنهم يواجهون العديد من التحديات، أبرزها نقص التمويل، ما يعيق قدرتهم على مواصلة دعم المشاريع الإنسانية والتنموية في المنطقة.
وأوضح أن معاناة المنطقة تفاقمت بفعل الأزمات المتلاحقة مثل زلزال 2023 وجائحة كورونا، علاوة على الأزمة الاقتصادية الأليمة التي تعيشها البلاد منذ 2011.
وأضاف النابلسي: "نحن كصندوق الأمم المتحدة للسكان نجد أن نحو 40 بالمئة من المراكز الصحية التي تقدم الدعم الصحي للمرأة تغلق أبوابها، وأيضا أكثر من 30 بالمئة من مراكزنا الاجتماعية تضطر إلى الإغلاق بسبب عدم كفاية التمويل، ولذلك فإن التمويل ضروري".
جوع وشيك
وأعلن برنامج الأغذية العالمي مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023 أنه سينهي في يناير/ كانون الثاني 2024 برنامجه للمساعدات في جميع أنحاء سوريا.
وفي يوليو/ تموز 2023، قال برنامج الأغذية العالمي إنه اضطر إلى قطع المساعدات عن نحو نصف 5.5 ملايين سوري يدعمهم في البلاد بسبب قيود الموازنات.
وعلى الفور، انعكس ذلك على لقمة عيش النازحين، فبحسب بيان لوكالات إغاثة ومنظمات سورية نشر مطلع يناير 2024 فإن نحو 4.5 ملايين شخص، بينهم 4.1 ملايين في حاجة ماسة إلى المساعدات، فيما 3.7 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وقال البيان إن أوضاع المدنيين شمالي سوريا "تتفاقم بسبب التخفيضات في تمويل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، مما يعرض السوريين الضعفاء لخطر الجوع الوشيك".
ويعاني أهالي الشمال السوري من "التسييس" المتكرر لإدخال المساعدات الإنسانية من قبل نظام الأسد وحليفته روسيا التي تمارس ضغطا كبيرا على حرية المساعدات داخل مجلس الأمن الدولي.
وما تزال روسيا التي تدخلت عام 2015 لإنقاذ نظام الأسد من السقوط عقب ثورة شعبية اندلعت في مارس 2011، تحاول إشراك نظام الأسد في إدخال المساعدات، وهو ما ترفضه المعارضة ودول الغرب؛ خشية الابتزاز واستخدام الغذاء كسلاح مقابل الإذعان للأسد والعودة لسلطته.
وفي ظل انهيار غير مسبوق للأوضاع الإنسانية شمال غربي سوريا مع قدوم شهر رمضان تبرز المعاناة أكثر مع عدم قدرة العوائل على تناول وجبات كافية.
وأكد النازح السوري أبو محمد من أحد مخيمات النزوح في ريف إدلب "غياب أي تجهيزات غذائية لشهر رمضان لانعدام القدرة الشرائية".
وقال أبو محمد لـ"الاستقلال" إن عمله في ورشة بناء لا يسد احتياجات أسرته، مبينا أن العوائل النازحة لا تتوفر لديها سوى الزيتون والخبز القليل.
وأضاف: "السلة الرمضانية هو ما ينتظرونه لتحضير وجبة الإفطار وللحصول على الشاي والسكر والزيت، وهذا حال كل النازحين في ظل الغلاء".
ومضى يقول: "الناس حزينة لشدة العجز في تأمين احتياجات رمضان وخاصة مع الانقطاع المتكرر لتوزيع المساعدات".
وانتشر تسجيل مصور لمسنة سورية من أحد مخيمات الشمال السوري في 8 مارس 2024 قالت فيه: "منذ 6 أشهر لم نأكل اللحمة".
وأضافت: "لم نجهز أي شيء من المواد الغذائية لشهر رمضان".
تختلف الأماكن، والمأساة واحدة.. منذ سنوات ومعاناة أهل الخيام في الشمال السوري مستمرة، وتتضاعف المعاناة مع قدوم شهر #رمضان#إدلب #سوريا #الأسد pic.twitter.com/QFj5QlnBJn
— نون بوست (@NoonPost) March 9, 2024
وتلجأ العوائل في الشمال السوري للتغلب على قلة المساعدات الإنسانية الدولية إلى عمل أغلب أفراد العائلة القادرين بما ذلك الأطفال، لتأمين الخبز وبعض الخضراوات لسد الرمق.
وتحتاج على سبيل المثال عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص في ريفي حلب وإدلب إلى (10 دولارات) لتحضير وجبة غداء خالية من اللحوم الحمراء المحلية التي يبلغ سعر الكيلو الواحد منها (12 دولارا)، بينما يبلغ سعر كيلو الدجاج (3 دولارات) وهذه الأسعار فوق طاقة النازحين.
اللافت كذلك أن النازحين غير قادرين على شراء المواد والسلع الأساسية الضرورية؛ بسبب عدم مساواة الدخل اليومي مع الاحتياجات الشهرية لهم.
مبادرات وحلول
وأمام هذه الحالة المتكررة كل عام في مخيمات النازحين السوريين قرب الحدود التركية، يأمل العاملون في المجال الإنساني أن تزداد وتيرة التمويل ويتم تأمينه بسرعة لضمان استمرارية مشاريعهم وإيصال المساعدات إلى المحتاجين في شمال غرب سوريا.
ويضاف إلى ذلك، آثار الزلزال المدمر الذي ضرب شمال محافظة حلب إلى غرب وجنوب إدلب في 6 فبراير 2023 والواضحة على المباني المتصدعة والمخيمات المليئة بالمدنيين الذين فقدوا منازلهم وسط حالة الفقر وتراجع المساعدات الإنسانية الدولية.
ولا سيما أن كل حملات المناصرة والتحذيرات الأممية لم تنجح في تأمين الاحتياجات للنازحين الذين يعتمدون بشكل كبير ورئيس على المساعدات الدولية، قبل قدوم شهر رمضان المعروف بطقوسه الخاصة لدى المسلمين.
وضمن هذا السياق، قال مدير منظمة "سيريا ريليف" العاملة في الشمال السوري، عبد الرزاق عوض: "لقد أثر توقف برنامج المساعدات بشكل مباشر على النازحين في الخيام شمال غربي سوريا كونهم كانوا يستفيدون من السلال الغذائية الشهرية".
وأضاف عوض في تصريحات صحفية أن "المشكلة حاليا تتركز حول مدى تجاوب المانحين مع الاحتياجات الإنسانية المطلوبة في شمال غربي سوريا من أجل الخطط الرمضانية التي أطلقتها المنظمات العاملة هناك".
واستطرد: "نحاول التركيز على معاناة الأهالي في المخيمات من خلال الضرر الكبير الذي يؤثر على انقطاع السلال الغذائية على صحتهم ومعيشتهم".
ومضى يقول: "لا يوجد تجاوب كافٍ لتغطية عدد صغير من المخيمات المتضررة جراء توقف المساعدات رغم معاينة الوفود الأممية لشكوى العوائل بخصوص توقف المساعدات وإصحاح مياه الشرب، وهي كارثة تضاف إلى جملة الكوارث هناك، لأنه لا توجد بعد أي خطط عملية من قبل تلك الوفود".
وذهب عوض للقول: "ما تقوم به المنظمات السورية لمواجهة هذه الأزمة هو الاعتماد على التبرعات الفردية والحملات لاستجلاب الدعم من أهل الخير لتحقيق أكبر قدر ممكن من أجل سد الحاجات الكبيرة لأهالي المخيمات".