"القومية المسيحية".. مشروع ترامب الذي يخشاه يهود أميركا
"ما يقلق اليهود أن وثيقة المشروع لم يرد بها كلمة معاداة السامية"
رغم آمال إسرائيل ظاهريا، خاصة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بتطرفه في دعم دولة الاحتلال، إلا أن “يهود أميركا” باتوا قلقين من فوزه.
ويأتي هذا القلق من خشيتهم تطبيق حزبه الجمهوري ما يسمى "مشروع 2025" الإنجيلي، والذي يقولون إنه "معاد للسامية"، وقد يشكل “نهاية للحلم اليهودي في أميركا”، وفق موقع "فوروارد" اليهودي الأميركي في 11 يوليو 2024.
و"المشروع 2025"" عبارة عن أجندة سياسية محافظة يهدف من ورائه التيار الإنجيلي المتطرف الذي يهيمن على الحزب الجمهوري، لتطبيق ما يسميه مشروع "القومية المسيحية" في أميركا.
لذا يقرع اليهود الأميركيون ناقوس الخطر بشأن مشروع الحزب الجمهوري 2025، ويشعرون بالقلق منه لأنه يستهدف تحويل أميركا إلى "دولة مسيحية" محافظة للغاية، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية في 15 يوليو/تموز 2024.
القومية المسيحية
ويؤمن غالبية المنتمين للحزب الجمهوري بالفكر الإنجيلي المتطرف، وفرض القيم المسيحية بالقوة، وضرورة دعم إسرائيل وتجمع يهود العالم بها، لتسريع "مشيئة الرب" بقيام معركة نهاية العالم (هرمجدون) وانتصار الخير (هم) على الشر (غيرهم).
ويعتقد هؤلاء القوميون المسيحيون أن الولايات المتحدة "مسيحية" في الأساس، وأن البلاد انحرفت عن القيم المسيحية، وأنه يجب اتخاذ إجراءات لجعل هذه القيم السمة المميزة للحكومة والحياة العامة.
وضعوا مشروعا أسموه "مشروع 2025" صاغه مئات المحافظين البارزين في الولايات المتحدة، عبر تعاون عشرات المنظمات الدينية المحافظة، بقيادة مركز "هيرتيج فاونديشن" البحثي اليميني الإنجيلي.
كما ساهم في صياغته مجموعة من كبار الشخصيات من اليمين المؤيد لترامب، بمن في ذلك مسؤولون سابقون في إدارته، وأبرزهم، بول دانس، وكين كوتشينيلي، وبن كارسون، وبيتر نافارو، وروجر سيفيرينو، وغيرهم.
وكان موقع "بوليتيكو" الأميركي حذر في 20 فبراير/شباط 2024 من أن حلفاء ترامب يستعدون لإحياء "القومية المسيحية" في إدارته الثانية.
وأكد الموقع أن من يتولى قيادة هذه الجهود هو رئيس "مركز تجديد أميركا" الإنجيلي، "راسل فوغت"، وهو جزء من تحالف محافظ يستعد لعودة ترامب إلى السلطة.
وأوضح أن ترامب" ليس رجلا متدينا، ولكن القوميين المسيحيين كانوا من بين أكثر نشطاء حملته الانتخابية موثوقية".
وأكد "بوليتيكو" أن ترامب شكل تحالفا سياسيا مع الإنجيليين خلال حملته الأولى لتولي المنصب، ومنحهم أغلبية محافظة في المحكمة العليا، وحاليا يتبنى الحجة القديمة التي يروج لها اليمين المسيحي بأن "المسيحيين يتعرضون لاضطهاد شديد إلى الحد الذي يستلزم استجابة فيدرالية".
وحاول ترامب عدم الحديث عن مشروع القومية المسيحية، بعدما هاجمه الحزب الديمقراطي، لكن الكثير من مؤيديه ومستشاريه السياسيين "ضالعون في المشروع"، ما يعني أنه متورط فيه، وفق وكالة "رويترز" البريطانية في 16 يوليو 2024.
وتشير بنود المشروع إلى أنه يستهدف "إعادة هيكلة الحكومة الأميركية جذريا، وإلغاء تمويل وزارة التعليم، التي يحقق مكتب الحقوق المدنية التابع لها في مزاعم معاداة السامية، ما يزيد من قلق اليهود".
كما يسعى المشروع لمواءمة القوانين المتعلقة بالقضايا الاجتماعية مع العقيدة الدينية الإنجيلية، ما يعني إنهاء الإجهاض وزواج الشواذ وبعضها يدعمها بعض يهود أميركا.
وتتكون خطة "مشروع 2025" من 922 صفحة، تمثل رؤية المحافظين لما يجب أن يكون عليه شكل الحكومة الأميركية المقبلة من خلال توسيع السلطات الرئاسية.
وإصلاح القوى العاملة الفيدرالية، بحيث يمكن استبدالها بالموالين من الحزب الجمهوري، وفقا لموقع الراديو الأميركي "أن. بي. آر" في 16 يوليو 2024.
وجاء في الموقع الرسمي للمشروع أن "تصرفات السياسيين الليبراليين في واشنطن خلقت حاجة ماسة وفرصة فريدة للمحافظين للبدء في إزالة الضرر الذي أحدثه اليسار وبناء بلد أفضل لجميع الأميركيين عام 2025".
وأضاف: "لا يكفي أن يفوز المحافظون في الانتخابات، إذا أردنا إنقاذ البلاد من قبضة اليسار الراديكالي، فنحن بحاجة إلى أجندة حاكمة وإلى أشخاص مناسبين، على استعداد لتنفيذ هذه الأجندة في اليوم الأول من تولي الإدارة المحافظة المقبلة".
وبسبب هذا المشروع صعدت حملة الرئيس الأميركي جو بايدن من هجماتها الرامية لربط ترامب بالخطة التي أصدرتها مؤسسة محافظة وتتضمن مجموعة توصيات لشكل الحكومة المقبلة.
ومن بين أهداف "مشروع 2025" إعادة تشكيل البنية التحتية المدنية للتخلص مما يصفه الجمهوريون بـ"بيروقراطية الدولة العميقة"، بما في ذلك إقالة حتى 50 ألف موظف فيدرالي.
ولعبت حملة الرئيس الديمقراطي بايدن على وتر التحذير من مخاطر وصول ترامب إلى الحكم مستندة إلى أن هذا المشروع "دليل على أن ترامب سيتبنى سلسلة من السياسات السلطوية واليمينية المتشددة إذا أصبح رئيسا".
ونشرت الحملة فيديو مسربا يظهر فيه النائب الذي اختاره ترامب له، جي دي فانس، وهو يشكر قادة مشروع 2025 على عملهم في فرض القيم المسيحية وحظر الإجهاض ووقف تمويل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
التطبيع وإسرائيل
وحول السياسة الخارجية، يركز مشروع 2025 على إسرائيل والتطبيع مع الدول العربية.
وهناك عدد قليل من الإشارات في المشروع إلى إسرائيل، لكنها تتبع خطا سياسيا تقليديا مؤيدا لإسرائيل، جمهوريا، ومعتمدا من قبل اللوبي الصهيوني (أيباك)، وفق موقع "فوروارد" اليهودي في 10 يوليو 2024.
ويشير المشروع إلى "الحفاظ على دعم إسرائيل رغم استمرار أميركا في حماية شركائها في الخليج وتحمل المسؤولية عن الدفاع عنهم".
وفي الصفحة 294 جاء الحديث عن "الترويج لاتفاقيات إبراهيم" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج التي بدأت في عهد إدارة ترامب.
لكن مشروع 2025 يدعو إلى إضافة السعودية للقائمة، كما كانت إدارة بايدن تحاول القيام بذلك قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي قسم عن إيران والتكنولوجيا النووية يرِد "ضمان حصول إسرائيل على الوسائل العسكرية والدعم السياسي والمرونة اللازمة لاتخاذ ما تراه مناسبا من التدابير للدفاع عن نفسها".
وتقول الخطة إن "من مصلحة الولايات المتحدة الوطنية بناء ميثاق أمني في الشرق الأوسط يشمل إسرائيل ومصر ودول الخليج وربما الهند".
وأن "حماية حرية الملاحة" في الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس أمر حيوي للاقتصاد العالمي و"ازدهار الولايات المتحدة".
ولم تظهر كلمة "غزة" في الوثيقة وتم ذكر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" و"حزب الله" مرة واحدة في سياق التهديد الإيراني، وتقول الخطة إنه ينبغي "قطع التمويل" عن السلطة الفلسطينية.
يخشاه اليهود
هناك عدد من الأسباب التي تجعل الزعماء اليهود يشعرون بالانزعاج من "مشروع 2025"، فهم يرون فيه خطوة نحو الاستبداد، وتآكل حرية الدين، وتمكين حركة قومية مسيحية يرون أنها غارقة في معاداة السامية"، بحسب موقع “فوروارد” في 10 يوليو 2024.
فيما تقول صحيفة "ذا جويش نيوز أوف نورثن كاليفورنيا" اليهودية في 11 يوليو 2024 إن خطر "مشروع 2025" يكمن في كونه يُسوق ضمنيا لفكرة أن أميركا "دولة مسيحية" ويجب أن تسير كذلك.
لذا "يأمل القوميون المسيحيون في استخدام القوة السياسية لكسر الفصل بين الكنيسة والدولة، الذي يرى اليهود أنه المبدأ الأساسي الذي يضمن حرية الدين"، وفق موقع "فوروارد".
وأضاف أن "أتباع القومية المسيحية غالبا ما يصفون مهمتهم السياسية بأنها تعزيز القيم اليهودية المسيحية في المجال العام، وهناك تداخل قوي بين المسيحيين الصهاينة والقوميين المسيحيين، ولكن بعض اليهود يرون أن كليهما يشكلان غطاء لمعاداة السامية التي تدعم حركة القومية المسيحية".
من جانبها، قالت صحيفة “هآرتس” إن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمجتمع اليهودي الأميركي، هو خطة "مشروع 2025" لسحب التمويل من وزارة التعليم الأميركية.
إذ يقع "مكتب الحقوق المدنية"، المسؤول عن التحقيق في مزاعم معاداة السامية والحكم عليها، داخل هذه الوزارة، وقد فتح ما لا يقل عن 145 تحقيقا في مثل هذه الشكاوى لصالح يهود أميركا.
ويعني قرار سحب الدعم من الوزارة، ذهاب جهود هذا المكتب لمحاصرة معاداة السامية، أدراج الرياح، وفق "هآرتس".
وكان مكتب الحقوق المدنية وراء عدة مبادرات لمكافحة معاداة السامية، أبرزها ما يعرف برسالة "الزميل العزيز" التي تتضمن إرشادات أرسلت إلى مدارس وكليات أميركا لمنع ما يُسمى العداء لليهود.
وتضمنت الرسالة أمثلة على التمييز المعادي للسامية، مثل انتقاد إسرائيل، فضلا عن أشكال أخرى من الكراهية، بحسب "هآرتس".
وأكد البيت الأبيض أن هذه الإرشادات "تهدف إلى ضمان قيام الكليات والجامعات بعمل أفضل لحماية الطلاب اليهود وجميع طلابها" وسط الاحتجاجات المستمرة ضد عدوان إسرائيل على قطاع غزة.
وما يقلق اليهود، أنه في حين حثت 20 منظمة يهودية الكونغرس على "توفير أعلى تمويل ممكن" لمكتب الحقوق المدنية، صوت الجمهوريون في مجلس النواب، على خفض بـ10 ملايين دولار من تمويل المكتب لفشله في منع معاداة السامية.
وما يقلق اليهود أيضا أن وثيقة "مشروع 2025" لم يرد بها كلمة "معاداة السامية".
ويقول الباحث في مركز التقدم الأميركي، لاري كورب، إن "مشروع 2025" يستهدف تغيير السياسة الأميركية عموما، مشددا على أن تخوف اليهود "ربما يكمن فيمن صاغ المشروع"، أي الإنجيليين المتطرفين، حيث حمل المشروع لغة يمينية.
حيث أعربت رابطة مكافحة التشهير، في تقرير مايو/ أيار 2024 عن قلقها من بلوغ الأعمال المعادية للسامية المسجلة عام 2023 "مستوى غير مسبوق".
ماذا عن المسلمين؟
يخشى كثير من اليهود الأميركيون تفاقم ظاهرة معاداة السامية في الولايات المتحدة، وهو ما يشكو منه المسلمون أضعافا مضاعفة، وارتفاع معدلات استهداف المسلمين خاصة بعد بدء العدوان على غزة، لكن الحكومات الأميركية لا تهتم سوى باليهود.
وقال مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، في تقرير صادر عنه في يناير 2024 إن الشكاوى من التمييز والكراهية ضد المسلمين والفلسطينيين في الولايات المتحدة "ارتفعت بنحو 180 بالمئة" بعد بدء عملية إبادة غزة المستمرة.
وتشير دراسة لمركز "أميركيان بروجريسس" في 13 أبريل/نيسان 2022 أن فكرة القومية المسيحية التي وردت في مشروع 2025 هي "التهديد الأكبر" للحرية الدينية في أميركا.
ونقلت عن خبيرة الحريات الدينية، أماندا تايلر، من اللجنة المعمدانية المشتركة للحريات الدينية، أحدث القضايا القضائية والاتجاهات في مجال الحريات الدينية، أن الصراعات تنشب في أغلب الأحيان من القومية المسيحية.
ورأت أن هذه الفكرة تناهض الديمقراطية لأنها تقول بأن "أميركا أمة للمسيحيين وحدهم"، و"تهدد مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة وتقوض بند التأسيس في التعديل الأول" بالدستور الأميركي.
وأشارت إلى أن هذه القومية المسيحية تؤدي إلى التمييز، وفي بعض الأحيان العنف، ضد الأقليات الدينية وغير الدينية.
ووصفت القومية المسيحية بأنها "أيديولوجية تساهم في إساءة استخدام اليمين الديني للحرية الدينية كمبرر للالتفاف على القوانين واللوائح التي تهدف إلى حماية الديمقراطية التعددية".
وتُظهر الأبحاث التي أجراها عالما الاجتماع "أندرو وايتهايد" و"صامويل بيري" في كتابهما " استعادة أميركا إلى الله: القومية المسيحية في الولايات المتحدة" الارتباط الوثيق بين الإسلاموفوبيا والالتزام بأيديولوجية "القومية المسيحية".
وذلك حسبما يشير تحليل لـ"مجموعة الشبكات الإسلامية" (ING) في 18 مايو 2022.
وفي كتابهما، أوضح هذان العالمان، من خلال سلسلة من الاستطلاعات والمقابلات، أن قبول الصور النمطية المعادية للإسلام عن المسلمين ودينهم من بين أقوى المؤشرات على الالتزام بالأيديولوجية القومية المسيحية.
وفي كتاب آخر لـ"بيري" والباحث فيليب جورسكي عن العنصرية المتأصلة في القومية المسيحية، بعنوان: "العلم والصليب: القومية المسيحية البيضاء والتهديد للديمقراطية الأميركية" كشفا مخاطر هذه القومية المسيحية على المسلمين.
وأظهرا أن الالتزام بالقومية المسيحية، بما في ذلك رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) الضمني أو الصريح، يرتبط ارتباطا وثيقا بمجموعة متنوعة من الأفكار العنصرية، وتبرير استخدام مصطلح "القومية المسيحية البيضاء".
وأكدا أن "من الواضح من كل هذا أن القومية المسيحية البيضاء التي تهدد ديمقراطيتنا بل وسلامتنا الجسدية ترتبط ارتباطا وثيقا في أصولها وواقعها الحالي بكراهية الإسلام ومعاداة السامية"، لذلك دعيا إلى "التجمع معا للتضامن لمكافحة هذه العنصرية".
المصادر
- A Christian Nationalist America: U.S. Jews Raise Alarm About GOP's Project 2025
- What American Jews should know about Project 2025 and its connection to Christian Nationalism
- What American Jews should know about Project 2025 and its connection to Christian Nationalism
- Trump allies prepare to infuse ‘Christian nationalism’ in second administration
- Trump disavows Project 2025. What is it? And, how to beat shrinkflation
- Christian Nationalism Is ‘Single Biggest Threat’ to America’s Religious Freedom
- Islamophobia’s Key Role in White Christian Nationalism
- Project 2025's "Mandate for Leadership: The Conservative Promise"