مشروعات بلا تخطيط "تستنزف الأموال"..  كيف يسير ابن سلمان على خطى السيسي؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في توقيت واحد، ومع تصاعد أزمات تراجع أسعار النفط وعدم توفيرها العائدات الكافية لتنفيذ مشاريع رؤية 2030 الكبرى، وظهور عجز بالموازنة، حذرت تقارير اقتصادية دولية من مخاطر وأزمات قد تواجه السعودية.

وتعود تلك التحذيرات إلى إنشاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مشروعات في الصحراء بلا تخطيط "تستنزف الأموال" في المملكة.

وهو ما دفع المملكة لسد الفجوات، باللجوء إلى الاقتراض، حتى إنها تخطط لبيع آخر للأسهم في شركة أرامكو عملاق النفط السعودي.

كما أن أزمة نقص تمويل هذه المشاريع الضخمة، جعلت الرياض تقترض قرابة 20 مليار دولار بسندات في يناير/كانون ثان 2024 ولهذا تخطط لبيع أسهم من أرامكو.

ويرى محللون أن ابن سلمان يسير على نفس خطى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في بناء مشاريع وهمية ضخمة بلا عائد وأبراج في الصحراء بصورة تستنزف أموال الصندوق السيادي السعودي.

وأن هذه الأخطاء التي أدت بمصر إلى الاقتراض حتى أصبح النظام شبه مُفلس، ويبيع أصول البلاد واحدة تلو الأخرى، من شركات وأراضي، يكررها ابن سلمان.

ويقترض ابن سلمان المليارات (17 مليارا في يناير 2024) ويبيع أسهما من أكبر شركاته النفطية (أرامكو) لتعويض هذا الاستنزاف المالي، رغم فارق امتلاك صندوق المملكة السيادي 700 مليار دولار، في حين تبلغ ديون مصر 165 مليارا ولا تمتلك أي دولارات.

ما القصة؟

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قالت في 20 فبراير/شباط 2024، إن السعودية تواجه "ضغوطا مالية" بسبب خططها لبناء مشاريع بالصحراء تستنزفها ماليا.

أوضحت أن ما زاد الضغوط، تراجع حجم الأموال لدى صندوق الثروة السيادي، وانخفاض أسعار النفط، التي تعتمد السعودية على عوائدها، بما لا يلبي طموحات المملكة، بعدما تقلص حجم ما تجمعه من أموال بسبب مبيعات النفط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023 قال صندوق النقد الدولي إن السعوديين بحاجة إلى أن يصل سعر النفط إلى نحو 86 دولارا للبرميل على الأقل لتمويل التزامات إنفاقهم الكبير.

وقد بلغ متوسط ​​سعر خام برنت- المؤشر العالمي، 83 دولارا للبرميل عام 2023، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو أقل بشكل حاد من 101 دولار لعام 2022.

"وول ستريت جورنال"، نبهت إلى أن المبالغ المالية الهائلة التي أنفقتها السعودية، طوال عام 2023، أصبحت مرهقة لموازنتها.

ذكرت أن السعودية تقترض للمساعدة في تمويل مجموعة من المشاريع الطموحة بما في ذلك مدينة نيوم الصحراوية البالغة قيمتها 500 مليار دولار، والتي يرى محللون أنها شبيهة بـ "العاصمة الإدارية" بلاعة أموال مصر.

وكان صندوق الثروة السيادي أكد في يناير 2024 أن مستوياته النقدية، قد انخفضت حوالي 15 مليار دولار منذ سبتمبر 2023، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر 2020.

وأعلن الصندوق في 7 أغسطس/آب 2023 عن خسارة بلغت 15.6 مليار دولار في عام 2022، بحسب ما نقلت عنه وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، التي أوضحت أن أسباب ذلك تعود إلى تراجع قيمة استثمارات الصندوق في بعض المشاريع.

وكانت "بلومبيرغ" كشفت أن المملكة أنفقت ببذخ في عام 2023، بما يعادل نحو ربع المبالغ التي أنفقتها صناديق الثروة السيادية في أنحاء العالم، في نفس الفترة، والبالغة 123.8 مليار دولار.

وبلغ إنفاق صندوق الاستثمارات السعودي 31.5 مليار دولار عام 2023، من إجمالي 123.8 مليار دولار لجميع صناديق الثروة السيادية في العالم.

زاد من حجم الأزمة المالية أنه من المتوقع هذا العام 2024 أن تعاني المملكة من عجز في الميزانية قدره 21 مليار دولار، أو حوالي 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما تتوقع المالية السعودية أن تسجل عجزا سنويا حتى عام 2026.

وظهرت أولى نتائج هذا الارتباك بسبب نقص عوائد النفط من خلال الإعلان عن عجز في الميزانية، وانعكاس ذلك بشكل مباشر على تنفيذ المشاريع العملاقة وبروز مخاوف جدية من إمكانية ألّا تسير الأمور كما خطط لها ابن سلمان حين وضع خطط ومشاريع رؤية 2030.

إذ سجلت السعودية عجزا ماليا بلغ 80.9 مليار ريال (21.57 مليار دولار) في 2023، بعد أن سجلت فائضا بنحو 30 مليار دولار في 2022 مع ارتفاع أسعار النفط.

لكن الخفض المتعاقب في الإنتاج خلال معظم عام 2023 والعودة إلى أسعار أقل تسببا في بطء حاد في النمو وأعادا الميزانية إلى تسجيل عجز.

مشاريع استنزافية

وقال تقرير لموقع "جيس ريبورتس أون لاين" 13 يوليو/تموز 2023 "إن المشاريع الحكومية العملاقة غير المدروسة، قد تجلب لخطط السعودية الطموحة لمدينة نيوم الذكية صداعا اقتصاديا وسياسيا".

أكد أن من أسباب فشل المشاريع العملاقة "الرؤى الأكثر طموحا، من النوع الطوباوي، المحكوم عليها بالفشل غالبا".

أوضح: تتضمن هذه عادة تصميمات كبيرة، مبنية على افتراضات غير واقعية أو غير عملية وجرعة جيدة من التفكير بالتمني، والغرض الأساسي منها هو استعراض قوة الدولة، أو التباهي بثروتها، أو إقناع بقية العالم ببراعتها التكنولوجية.

أكد أنه غالبا ما تنتهي التصاميم الحكومية الكبرى بفشل باهظ الثمن، ومن الممكن أن يكون الضرر الناجم عن سوء تخصيص رأس المال بطيئا تدريجيا، لكنه سيأتي على طموحات المملكة في مجال المدن الذكية "بتكلفة كبيرة".

وقد أشار تقرير نشرته صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية في 21 فبراير/شباط 2024 إلى أن "المشاريع العملاقة المستقبلية في السعودية مكلفة للغاية، حتى إن ثرواتها النفطية قد لا تكون كافية لتنفيذها".


 

"بيزنس إنسايدر" نقلت عن محللين اقتصاديين تعليقه على ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال من أن السعودية بدأت في الاقتراض لتمويل المشاريع العملاقة بما في ذلك نيوم، بأنه قد يتم إلغاء أو تقليص بعض المشروعات.

وأكدت الباحثة في معهد الشرق الأوسط "كارين يونغ"، للصحيفة أن بعض مشاريع رؤية 2030 قد يتم تقليصها أو إيقافها بسبب ارتفاع التكاليف في السنوات المقبلة بسبب مشاكل التمويل.

ودخل ابن سلمان في مشاريع كبيرة مكلفة وباهظة لا قيمة لها وأنفق بسخاء على أخرى ترفيهية ورياضية ضمن خطته لتغيير هوية المملكة.

 وترتب على ذلك خسائر باهظة جعلت سعوديين ومصريين يقولون إنه يسير على خطى السيسي في تخريب الاقتصاد ما يهدد بتضييع ثروة المملكة السيادية.

أين ذهبت المليارات؟

التقارير الدولية التي تحدثت عن إنفاق صندوق الاستثمارات العامة السعودي، (السيادي في البلاد)، وحده، ربع المبالغ التي أنفقتها جميع صناديق الثروة السيادية في أنحاء العالم، عام 2023 والبالغة 124 مليار دولار تقريبا، أوردت أحد الأسباب حول تبذير الأموال بصورة غير معتادة.

وأنفق صندوق الثروة السعودي، نحو 31.5 مليار دولار من إجمالي 123.8 مليار دولار لجميع صناديق الثروة السيادية في العالم، خلال عام 2023، وفقا لمنصة "غلوبال أس.دبليو.أف" التي تتتبع أنشطة صناديق الاستثمارات السيادية في العالم.

وذكرت وكالة "رويترز" البريطانية مطلع يناير/كانون ثان 2024 أن الصندوق السعودي أنفق أيضا ببذخ على رياضتي كرة القدم والغولف وأحدث ضجة في عالم الرياضة، وفق رويترز.

وشملت عمليات الشراء الكبيرة إنفاق 4.9 مليارات دولار للاستحواذ على شركة الألعاب الأميركية "سكوبلي"، و3.6 مليارات دولار لشراء قسم تأجير الطائرات في "ستاندرد تشارترد"، و3.3 مليارات دولار لشراء شركة "حديد" لصناعة الصلب.

كما أشار تقرير لـ "غلوبال أس.دبليو.أف" أن الصندوق السعودي يمتلك حصة بقيمة 8.1 مليارات دولار في "أكتيفيجن بليزارد" و"إلكترونيك آرتس" في إطار خطط لجعل المملكة مركزا للألعاب الإلكترونية.

وضمن الاستنزاف المالي الكبير لصندوق الاستثمارات العامة كشفت صحيفة Read Write الأميركية 21 فبراير/شباط 2024 أن السعودية ستستثمر 100 مليار دولار لإنشاء صناعة الروبوتات المتقدمة.

وهذه ليست كلها مشاريع مربحة، فقد اشتري صندوق الاستثمارات مثلا 1،374،700،298 سهم، في شركة لوسيد موتورز.

وكان سعر السهم في نوفمبر 2021 يساوي 55.21 دولار لكنه تراجع إلى 3.58 دولارات في 20 فبراير 2024.

وفي نوفمبر/تشرين ثان 2023 قالت وكالة الأنباء السعودية "واس"، إن صندوق الاستثمارات العامة "دخل في اتفاق" مع شركة "فيروفيال" للاستحواذ على حصة 10 في المئة من "توبكو"، الشركة القابضة لمطار هيثرو البريطاني.

وكانت المملكة بمثابة معرض لخطط الإنفاق المبهرجة طوال عام 2023، ومن بينها مشروع تطوير عقاري بقيمة 48 مليار دولار يرتكز على مكعب طوله ربع ميل وشركة طيران عالمية لمنافسة عمالقة الطيران.

 وطلبت السعودية عام 2023 طائرات بقيمة 35 مليار دولار من بوينغ، نصفها لشركة الطيران الجديدة.

كما أن هناك أيضا خططا جديدة، منها إنفاق 38 مليار دولار لتطوير قطاع الرياضات الإلكترونية وألعاب الفيديو وإنشاء صناعة محلية لتصنيع السيارات الكهربائية.

ومن بين العناصر الأكثر تكلفة في هذه الخطة مشروع المكعب العملاق في الرياض، ومنتجع لليخوت على البحر الأحمر.

كما تضم مدينة شبيهة بالخيال العلمي يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة تسمى نيوم، وتتميز بزوج من المباني المغطاة بالزجاج المرآة بطول 110 أميال أطول من مبنى إمباير ستيت بتكلفة نصف ترليون دولار.

ومشروع بوابة الدرعية الضخم الذي تبلغ قيمته 62 مليار دولار. كما تعهدت نيوم في يناير 2024 بمبلغ 5 مليارات دولار لبناء سد عند قاعدة منتجع تزلج جبلي قاحل مخطط له يتميز باعتماده الكبير على صنع الثلج الاصطناعي.

سر الاستنزاف

وتؤكد تقارير اقتصادية دولية أن سر الاستنزاف للأموال السعودية هو الفشل في إدارتها وأنفاقها في مشاريع وهمية لتلميع صورة النظام الجديد الذي يسعى للظهور بعيدا عن الصبغة الدينية لدولة آل سعود.

وأوضحت أنه حتى الاستثمارات التي يشارك فيها صندوق الثروة السعودي، لا تعود بالفائدة على السعوديين.

وكمثال، ذكرت وكالة بلومبيرغ في 22 فبراير/شباط 2024 أن رئيس صندوق الثروة السعودية ياسر الرميان تفاخر بأن صندوق الاستثمارات العامة استثمر حوالي 100 مليار دولار في الولايات المتحدة بين عامي 2017 و2023.

وقالت الوكالة إن "الرميان" أكد أن "هذا أدى إلى خلق أكثر من 103 آلاف فرصة عمل هناك في أميركا"، ما يعني أن الحكومة تحارب البطالة في الولايات المتحدة وتفاقمها في المملكة.

كما انتقد نشطاء سعوديون إنفاق أموال المملكة في مهرجانات موسيقية وترفيهية خليعة ومسابقات رياضية وملاكمة ومصارعة في حين يعاني سعوديون من البطالة أو الفقر.

بل ويتم بالمقابل إخراس العلماء وقمع أصوات المساجد التي تصدح بالقرب منها أصوات ميكروفونات الموسيقى في المهرجانات.


 

وكجزء من رؤية 2030، خصص ابن سلمان أيضًا 62 مليار دولار لتطوير مدينة الدرعية القديمة، و23.6 مليار دولار لتطوير منتجع بيئي فاخر على البحر الأحمر، و5 مليارات دولار لتحويل منصة نفط في الخليج إلى منتجع سياحي للمغامرات، من بين مجموعة كبيرة من المشاريع.

وكانت أغلب المشاريع التي أعلن عنها داخليا بمليارات الدولارات، بلا دراسات جدوى، وبعضها في الصحراء القاحلة ولم يتم فيه أي خطوات.

 ومع هذا كان يجرى الترويج للمشاريع على أنها ستنقل المملكة في عهد ابن سلمان نقلة كبيرة.

وأشار تقرير سابق لـ "الاستقلال" إلى وجود تحقيقات في الكونغرس حول استخدم أموال هذا الصندوق السعودي كأداة للنفوذ في أميركا، ضمن إهدار "ابن سلمان" الأموال لتحقيق طموحات الزعامة.

كما أشار تقرير آخر لـ"الاستقلال" إلى إهدار ابن سلمان أموال صندوق الثروة السيادي على مشاريع وهمية منها مشروع سُمي "هايبرلوب وان" للربط بين مدينتي جدة ونيوم ومدن البحر الأحمر، عبر قطار سريع يعمل بمغناطيس تصل سرعته إلى 1220 كيلومترا في الساعة الواحدة.

وبعدما روج الإعلام السعودي لـ "الفكرة الوهمية"، ووصف المشروع بأنه "طفرة تكنولوجية كبيرة"، وتم إنفاق قرابة نصف مليار دولار عليه، وفق وسائل إعلام غربية، انهار المشروع بعد 5 سنوات، وألغت الشركة الأميركية الفكرة من أساسها وسرحت الموظفين.

الحل الأسهل

للحفاظ على نفس حجم التدفقات المالية لهذه المشاريع الباهظة، لجأت المملكة إلى "أداة تجنبتها في العقود الأخيرة، وهي الاقتراض".

وذلك بجانب التخطط لبيع أسهم في شركة النفط العملاقة، أرامكو، وفقا لما اكده أشخاص مطلعون على عملية البيع، لصحيفة وول ستريت جورنال.

إذ أبرمت صفقتي ديون، أوائل يناير 2024، بعرض سندات بقيمة 12 مليار دولار، وبعد بضعة أسابيع، باع صندوق الاستثمارات العامة بشكل منفصل سندات بقيمة 5 مليارات دولار أخري.

ومن المتوقع أن يصل دين المملكة إلى 26 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، هذا العام، بعد أن وصل إلى أدنى مستوى عند 1.5 بالمائة قبل عقد من الزمن، وفقا لشركة "كابيتال إيكونوميكس".

وتبلغ احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السعودي حوالي 400 مليار دولار، بانخفاض عن 700 مليار دولار عام 2015.

وقد أوضح "تيم كالين"، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، لصحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية 21 فبراير/شباط 2024 أن المملكة مضطرة للاقتراض، بسبب كم المشروعات التي قال "إنها أمر محير للعقل"، والتي نحاول القيام بها معا".

وأكد أن السعودية قد تحتاج إلى جمع 270 مليار دولار أخرى لصندوق الاستثمارات العامة بحلول عام 2030. 

ومن المرجح أن يتطلب ذلك مزيدا من الاقتراض، فضلا عن استهلاك احتياطيات العملات الأجنبية المستخدمة لربط الريال السعودي بالدولار.

بجانب القروض ستلجأ المملكة، لوسائل أخرى، أبرزها، على الطريقة المصرية، هي بيع أصول لجمع الأموال.

إذ ستبيع 1 بالمائة من أسهم شركة النفط الحكومية، أرامكو، لمستثمرين، وفقا لمصادر حكومية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وذلك بهدف جلب حوالي 20 مليار دولار من وراء عملية البيع تلك.

وقد ذهبت عائدات الطرح العام الأولي لأرامكو بقيمة 25.6 مليار دولار في عام 2019، وهو الأكبر على الإطلاق، إلى صندوق الاستثمارات العامة ويمتلك الصندوق السيادي 8 بالمئة من الشركة النفطية المذكورة.