رئيس إيران الجديد يختار العراق أولى وجهاته الخارجية.. الخلفيات والأهداف

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 31 أغسطس/ آب 2024، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن عزمه زيارة العراق، كأول وجهه خارجية له منذ توليه منصبه، ما أثار تساؤلات بشأن أسباب هذه الزيارة التي يتنقل خلالها بين بغداد والبصرة والنجف وإقليم كردستان.

وصوّت مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) على حكومة الإصلاحي مسعود بزشكيان في 21 أغسطس/آب 2024، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة نتيجة مصرع رئيس البلاد الأصولي، إبراهيم رئيسي، في 19 مايو/ أيار 2024، في حادثة تحطم طائرته في شمال غرب إيران.

"بلد صديق"

بزشكيان علل سبب اختيار بلاد الرافدين أول محطة خارجية، بقوله إنه "بلد صديق لنا وأول زيارتي الخارجية ستكون له، وسأقوم بزيارة مرقد الإمام علي (خليفة المسلمين الرابع) في مدينة النجف".

وبحسب تصريحات نقلتها وكالة "تسنيم" الإيرانية في 31 أغسطس، شدد بزشكيان على ضرورة "التعامل والتعاون مع الدول المجاورة والعالم بأسره لحل المشاكل الاقتصادية في إيران".

وأكد بزشكيان "ضرورة وضع خطط لجذب الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وأنه من أجل تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 بالمئة، يجب جذب 100 مليار دولار من داخل البلاد وخارجها".

وفي 28 أغسطس، أكد السفير الإيراني في بغداد محمد كاظم آل صادق، أن زيارة بزشكيان إلى العراق ستكون لمدة ثلاثة أيام بداية من 11 سبتمبر 2024، وستشمل إقليم كردستان والبصرة.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن السفير قوله إن "الزيارة ستشهد توقيع أكثر من 30 اتفاقية بين البلدين في الملفات الاقتصادية والأمنية والتجارية، إضافة إلى اتفاقيات تخص ملف المياه".

لكن السفير الإيراني، أكد في تصريح باليوم نفسه لوكالة "تسنيم" أن مذكرات التفاهم كان من المقرر أن يوقعها رئيسا البلدين خلال زيارة رئيس الجمهورية السابق إبراهيم رئيسي إلى العراق.

وأكد آل صادق أن "بعض المذكرات تحتاج إلى إحالة من قبل الوزراء المختصين في الحكومة وسيوقعها وزراء البلدين في وقت آخر بسبب بدء تشكيل الحكومة الجديدة"، معربا عن ارتياحه لمستوى العلاقات بين البلدين الصديقين والجارين إيران والعراق على مختلف المستويات.

وقال السفير الإيراني: نأمل أن تكون زيارة رئيس بلادنا للعراق أكثر فعالية في تطوير العلاقات على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وأن تؤدي إلى تعميق وتجذير وتوسيع العلاقات بيننا.

وفي يوليو، وجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دعوة رسمية إلى بزشكيان لزيارة بغداد، عقب تصريحات للرئيس الإيراني أكد فيها أن بلاده تولي اهتماما كبيرا للعراق، وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره العراقي عبد اللطيف جمال رشيد.

"خيار وحيد"

وبخصوص دوافع جعل العراق خيار بزشكيان الأول، قال المحلل السياسي العراقي نزار حيدر، إن "الرئيس الإيراني لا يملك خيارات عدة ليفضل أحدها على غيرها في وجهات زياراته الخارجية"، حسبما نقلت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 29 أغسطس.

وأوضح حيدر، أن "حلفاء إيران المقربين سوريا ولبنان واليمن دول ضعيفة، ليس من الحكمة أن يقع اختياره عليها، كما أن بين طهران والدول الإقليمية مطبات سياسية ودبلوماسية كثيرة لم تسمح له أن يختار أيا منها، لذا فإن العراق هو خياره الوحيد المتاح".

وأعرب الخبير في الشأن العراقي أن "زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى بغداد تتعلق بشكل كبير بالملف الاقتصادي، فالعراق هو الرئة الاقتصادية الأهم بالنسبة إلى بلاده".

وتابع: "سواء على مستوى الصادرات التي تجاوزت ثلاثة مليارات دولار خلال الربع الثاني فقط من هذا العام، أو ملف الغاز والكهرباء، فضلا عن ملف تهريب العملة وغسيل الأموال الذي مازال العراق متورطا به الى حد كبير وتعد طهران أحد المستفيدين الأساسيين منه".

ورأى المحلل السياسي ضرورة أن "تضع بغداد كل الملفات المعقدة على طاولة المفاوضات مع الضيف الإيراني، وعلى رأسها؛ ملف دعم الفصائل المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة وملف تهريب العملة والمخدرات وملف المياه والكهرباء والغاز".

وأشار إلى أن "طهران قررت تبني سياسة خفض التصعيد في المنطقة لأسباب عدة منها داخلية وخارجية، وقد تجلى هذا الخيار منذ قبول المرشد الإيراني ترشح الرئيس الحالي الإصلاحي لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت بعد مقتل الرئيس الإيراني السابق في حادث تحطم الطائرة".

وبيّن  حيدر أن "الفصائل المسلحة في العراق وكلاء طهران التي توظفها في علاقاتها المتأزمة مع الولايات المتحدة، فإذا كان قرار إيران هو الالتزام بسياسة خفض التصعيد، فإن نشاط الولاء سينخرط في هذه السياسة كجزء لا يتجزأ منها، فالفصائل، لا تمتلك قرارها وإنما يملى عليها من خارج الحدود".

من جهته، كتب الصحفي ورجل الدين الإيراني، محمد جواد أكبرين، عبر منصة "إكس" في 1 سبتمبر، قائلا: "قال الطبيب الليلة الماضية (بزشكيان) إن وجهة رحلته الرسمية الأولى هي إلى العراق لأداء الزيارة (إلى مرقد الإمام علي)، لذلك فإن رحلته شخصية".

وشدد أكبرين على ضرورة أن "يذهب (الرئيس الإيراني) على نفقته الخاصة، وليس مع ميزانية الحكومة وبيت المال. وهذا ما يأتي منهم نقدا؛ ولا يبدو أن بعض الوعود الأخرى في نطاق صلاحياته".

وتابع الصحفي الإيراني، قائلا: "بالمناسبة، لم أعترض (على الزيارة)، بل شددت على صلاحياتهم وقدراتهم. وهذا ما يمكنه فعله لاحترام حقوق الناس، وليس استخدام الميزانية العامة للسفر الشخصي، وإلا فليس لديه أشياء أخرى كثيرة يريد القيام بها".

ملفات مهمة

وليس على صعيد العراق فقط، فإن سلسلة تحديات تواجه الرئيس الإيراني الجديد، منها: السخط الشعبي والانقسامات في الداخل، والاقتصاد المتعثر والمنطقة المضطربة التي دفعت إيران إلى شفا الحرب مرتين خلال عام 2024، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" خلال تقرير لها في 28 يونيو.

وتشهد إيران تدهورا اقتصاديا غير مسبوق منذ عودة العقوبات الأميركية في عام 2018 بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي المبرم في 2015، إذ تجاوز معدل التضخم في البلاد حتى أواخر مارس 2024، نسبة 52 بالمئة، وبذلك يكون قد سجّل أعلى معدلاته منذ 80 عاما.

وأفاد التقرير بأنه "لا يمكن إصلاح الاقتصاد دون معالجة السياسة الخارجية، بما في ذلك المواجهة مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي والمخاوف بشأن التدخل العسكري الإيراني في المنطقة من خلال شبكتها من الجماعات المسلحة بالوكالة".

وعلى الصعيد ذاته، فإن واحدة من التحديات التي تواجه الرئيس الإيراني الجديد هي العلاقة مع دول الجوار، لا سيما العربية منها، رغم التطبيع الذي شهدته العلاقات السعودية الإيرانية في عهد إبراهيم رئيسي، وعودة التمثيل الدبلوماسي في كلا البلدين منذ منتصف عام 2023.

وقال موسوي خلخالي رئيس تحرير موقع "إيران دبلوماسي" إن "العلاقة بين إيران والدول العربية حاليا تشبه حالة وقف إطلاق النار مع وجود خلافات، لكن بعد الحضور العربي خاصة السعودي في تشييع الرئيس إبراهيم رئيسي، فيظهر أن هذه العلاقة في طريقها للتحسن".

وأضاف خلخالي خلال حديث مع قناة "الجزيرة" القطرية في 28 يونيو 2024، أن "هناك تطورات إيجابية بشأن العلاقة مع مصر، واحتمال تطوير إيران لعلاقاتها مع دول عربية ليس لها علاقة بها حتى الآن".

وبخصوص الملف النووي، استبعدت وكالة "رويترز" في 29 يونيو، أن "يُحدث الرئيس الجديد فارقا كبيرا في سياسة إيران بشأن البرنامج النووي أو دعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، إذ إن خامنئي (مرشد الأعلى للبلاد) هو من يمسك بخيوط الشؤون العليا للدولة ويتخذ القرارات الخاصة بها".