"بلا إنجاز واحد".. هكذا حول بلينكن الخارجية الأميركية إلى جناح متشدد للجيش
“في إدارة بايدن تخلت وزارة الخارجية عن الدبلوماسية”
يجرى حديث بين خبراء السياسة الدولية والمتابعين للشأن الأميركي يشير إلى أن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، “حوّل السلك الدبلوماسي إلى جناح للجيش”.
ونشرت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية مقالا للكاتب، تيد سنيدر، قال فيه: "يُنقل عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، قوله لا يمكن تحقيق الكثير على طاولة المفاوضات دون تحقيق إنجازات في ساحة المعركة".
ويرى سنيدر أن "المسؤولين الأميركيين رددوا هذا النهج خلال الأسابيع الأخيرة حول عدة حروب جارية".
فعلى سبيل المثال، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة "تدعم وقف إطلاق النار" في لبنان، لكنه اعترف في الوقت ذاته بأن "الضغط العسكري قد يُمكّن للدبلوماسية أحيانا".
في الوقت ذاته، عبّر بلينكن عن هذا المبدأ، بالقول إنهم يقومون "بكل ما في وسعهم لتعزيز موقف أوكرانيا في ساحة المعركة حتى تكون في أقوى وضع ممكن على طاولة المفاوضات".
مزايدة على الجنرالات
وقال الكاتب الأميركي سنيدر: "في عهد إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، تطور مبدأ كيسنجر ليصبح أكثر من مجرد دعم الجنرالات للدبلوماسيين، بل بات الدبلوماسيون يزايدون على الجنرالات ويدفعونهم للأمام".
ونوّه إلى أن وزارة الخارجية في إدارة بايدن، ورغم أنها وعدت بفتح "عصر جديد من الدبلوماسية الدؤوبة"، إلا أنها تحولت إلى ذراع متشددة للبنتاغون.
وذكر سنيدر أن “في النقاش داخل إدارة بايدن حول ما إذا كان يجب السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى لضرب أهداف أعمق في الأراضي الروسية، كان الدبلوماسيون هم من يدفعون للتصعيد، بينما دعا البنتاغون والاستخبارات إلى الحذر”.
وأوضح أن "بلينكن وعد قائلا: من اليوم الأول… كلما تغيرت أساليب روسيا وكلما تغيرت ساحة المعركة، تكيّفنا مع ذلك".
وأضاف الوزير الأميركي: "ملتزمون بالاستمرار في هذا الاتجاه، وسنعمل على تعديل أساليبنا وتكييفها حسب الضرورة، بما في ذلك تحسين الوسائل التي نقدمها لأوكرانيا لتمكينها من الدفاع بفعالية ضد العدوان الروسي".
وأشار سنيدر إلى أن "البنتاغون هو من دعا إلى ضبط النفس، حيث حاججت الوزارة بأن الضربات بعيدة المدى فوائدها غير مؤكدة، بينما تنطوي على خطر التصعيد بكل تأكيد".
إذ بيّن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن "الضربات بعيدة المدى داخل روسيا لن تقلب موازين الحرب لصالح أوكرانيا"، وهو في ذلك يتفق مع الاستخبارات الأميركية في أن روسيا قادرة على نقل معظم أصولها بسرعة إلى خارج نطاق هذه الضربات.
وأشار سنيدر إلى أن "جدل التصعيد في أوكرانيا ليس جديدا، فقد شهدنا جوانب غير متوقعة في هذا النقاش من قبل".
فبعد غزو روسيا لأوكرانيا، حاججت وزارة الخارجية الأميركية بأن "الدبلوماسية الحقيقية" لا تكون في أوقات العدوان.
الوسائل العسكرية
وفي هذا السياق، كان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، هو من دعا إلى “ضرورة الدبلوماسية”.
وأكد أن الهدف المتمثل في الحفاظ على سيادة أوكرانيا والحفاظ على أراضيها يتطلب "حربا طويلة وصعبة جدا، مع خسائر كبيرة".
وفي الوقت نفسه، أوضح ميلي أنه "يمكن تحقيق تلك الأهداف بالوسائل العسكرية، لكن ربما يمكن الوصول إليها أيضا من خلال بعض الوسائل الدبلوماسية".
وقال سنيدر: "بهذا الشكل، كان كبير الجنرالات هو من يدعو إلى الدبلوماسية، بينما كان كبير الدبلوماسيين هو مَن يؤكد ضرورة تصعيد الحرب".
ولفت إلى أن "هذا ليس النقاش الأول حول الصواريخ بعيدة المدى، ففي 15 مايو/أيار 2024، وقبل أن توافق الولايات المتحدة على أي ضربات محدودة بعيدة المدى داخل روسيا، كانت وزارة الخارجية هي أول من طرحت فكرة إعطاء الضوء الأخضر لضربات كهذه".
وأشار سنيدر إلى أن بلينكن عندما سُئل عن حظر استخدام كييف للمعدات الأميركية لضرب الأراضي الروسية، رد قائلا: "لم نشجع أو نمكّن أوكرانيا من شن ضربات خارج أراضيها".
قبل أن يضيف: "لكن في النهاية، يجب على أوكرانيا أن تتخذ قراراتها بنفسها بشأن كيفية سير هذه الحرب، هذه قرارات يتعين على أوكرانيا اتخاذها، وهي ستحدد ما يناسبها".
وأكد الكاتب أن "الخارجية الأميركية تخلت عن الدبلوماسية منذ البداية، ففي 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمانات أمنية للولايات المتحدة، مع طلب رئيس هو عدم توسيع الناتو ليشمل أوكرانيا؛ لكن واشنطن لم تعد ذلك موضوعا للتفاوض".
مفارقة غريبة
وعلى هذا، قال سنيدر: "مع نهاية فترة ولايته، لا يمتلك بلينكن أي إنجاز دبلوماسي".
وأوضح أن "بايدن وعد في بداية ولايته بتقديم مسار موثوق لطهران للعودة إلى الدبلوماسية، كما وعد بتغيير السياسات الفاشلة التي ألحقت الضرر بالشعب الكوبي، ولم تفعل شيئا لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان".
ووعد أيضا بسياسة خارجية مختلفة عن "الفشل الكامل" لسلفه دونالد ترامب في فنزويلا، وكذلك بنهج جديد تجاه كوريا الشمالية "منفتح على الدبلوماسية واستكشاف مساراتها".
لكن لم تحقق وزارة الخارجية بقيادة بلينكن أيا من هذه الوعود، وفق تقييم الكاتب الأميركي.
واستطرد: "علاوة على ذلك، فشلت الوزارة في التوصل إلى وقف إطلاق النار، سواء في غزة أو أوكرانيا، وبدلا من ذلك، اعتمدت على شكل واحد من أدوات الضغط، سواء عبر العقوبات أو استخدام القوة العسكرية".
وتابع: “وفي هذا الوضع، بات البنتاغون هو مَن يقترح الحلول الدبلوماسية، ويشكك في استخدام القوة العسكرية بلا ضوابط”.
وطرح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال تشارلز كيو براون الابن، وعدد من كبار المسؤولين في البنتاغون سؤالا أخيرا في البيت الأبيض.
وجاء السؤال حول ما إذا كان الاعتماد المفرط على القوة العسكرية قد شجع شركاء الولايات المتحدة على التصرف بشكل أكثر عدوانية، متجاوزين الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن.
وقال سنيدر: "لطالما ارتبطت الدبلوماسية في الماضي بالقوة العسكرية".
واستدرك: "لكن في إدارة بايدن، تخلت وزارة الخارجية عن الدبلوماسية وقلصت نفسها لتكون الذراع المتشدد للبنتاغون".
وأضاف “للمفارقة، فإن البنتاغون كان الصوت الأكثر ارتفاعا في الدعوة إلى الدبلوماسية”.