قانون الإضراب بالمغرب.. لماذا أبدت النقابات مرونة مع حكومة أخنوش؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم أن عاهل المغرب محمد السادس صادق على مشروع “قانون الإضراب” في مجلس وزاري عام 2016، إلا أنه لم يخرج إلى حيز الوجود، بسبب العرقلة التي وجدها من لدن النقابات.

وبعد 8 سنوات من التأجيل دون مصادقة برلمانية، حصلت حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش على الضوء الأخضر من النقابات لإخراج القانون، وسط تحذير من المعارضة البرلمانية وبعض الأصوات الحقوقية.

حق الإضراب

وشرعت الحكومة في المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم "97.15" المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بلجنة القطاعات الاجتماعية، في 18 يوليو/تموز 2024.

وفي هذا الصدد، قالت نائبة الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، إنه "لابد من التأكيد بداية أن تقنين الحق في الإضراب كحق دستوري أمر مطلوب، لأنه يصون هذا الحق ويحميه من أي شطط أو تعسف بالتأويل غير الديمقراطي للنص الدستوري في غياب قانون ينظم ممارسة الحق في الإضراب".

وأشارت الشويكة لـ"الاستقلال"، إلى أن "مشروع قانون الإضراب كان جاهزا للنقاش، بحيث تم تقديمه في المجلس الحكومي منذ 2013، وهو المشروع الذي أعدته وزارة الشغل آنذاك ووقعه وزيرها حينها عبد السلام الصديقي، المنتمي لحزب التقدم والاشتراكية، لكنه لقي معارضة شديدة رافضة له بشكل حاد من لدن النقابات.

واسترسلت: “بعدها تمت المصادقة على مشروع قانون الإضراب بالمجلس الوزاري في سبتمبر/أيلول 2016”.

ونبهت الشويكة إلى أن "التذكير بهذا المسار يهدف إلى الإشارة للتأخر والعرقلة التي لقيها هذا القانون كغيره من القوانين منها قانون النقابات...".

وتابعت: “لذلك نؤكد أن الأصل هو إتاحة الفرصة لمناقشة مشاريع القوانين لا عرقلتها وإقبارها، ومنها قانون الإضراب، لكي يكون بالفعل قانونا يحمي ويصون هذا الحق الدستوري”.

ونبهت القيادية النقابية إلى أن "هذا النقاش يتقاطع ويلتقي مع ضرورة نقاش القوانين الانتخابية التي تفرز ما يسمى بالنقابات الأكثر تمثيلية، وكذا بقانون النقابات الذي يفترض أن يكرس الديمقراطية الداخلية للنقابات وشفافية تدبيرها".

واستطردت: "ولعل هذا ما يجعل بعض النقابات التي تعترض على مناقشة كل هذه القوانين، ونرى أن نبرتها اليوم إزاء مناقشة قانون الإضراب أقل حدة مما كانت عليه في السابق".

تفاعل برلماني

وبخصوص الجدل الذي خلقه موقف النقابات الداعمة للحكومة الحالية، تساءل رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بووانو، عن "السبب الذي جعل مشروع قانون الإضراب لا يَطرح مشكلا عند النقابات اليوم مع أنها هي نفسها التي ظلت ترفض مناقشته في البرلمان".

واسترسل بووانو في كلمة له خلال المناقشة باللجنة المشار إليها سابقا، "لابد من معرفة أسباب الرفض قبل عام 2021 وأسباب القبول اليوم، وهل هذه الأسباب لها علاقة بالمصلحة العامة أو مصالح خاصة".

وشدد رئيس المجموعة النيابية (معارضة) على "ضرورة إعمال التوافق في قانون الإضراب"، و"إشراك جميع الأحزاب وجميع النقابات"، منبها إلى أن إقرار القانون دون توافق فيه مخالفة توجيهات الملك، وسيؤدي إلى إحداث فتنة.

وعبر المتحدث ذاته عن أمله في أن "يحمي قانون الإضراب العمال من تعسف العديد من أرباب العمل، كلما طالبوا بحقوقهم أو أسسوا مكاتب نقابية، وأن يوضح هذا القانون عددا من الإشكالات، ومنها الإضراب السياسي والإضراب الاحتجاجي، والاقتطاع من الأجر بسبب الإضراب، وغيرها من الإشكالات".

واسترسل: "كما نأمل أن يرافق هذا القانون قوانين أخرى لها علاقة به، منها مدونة (قانون) الشغل".

من جانب آخر، طالبت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، بإحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 15.97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، على "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" (هيئة استشارية رسمية)، لإبداء رأيه فيه.

ورأت المجموعة، أن هذا المشروع له أهمية خاصة، ورهانات منتظرة، وأثار على مجالات متعددة، أبرزها تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وجلب الاستثمارات.

بدوره، انضم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إلى المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، في المطالبة برأي من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول مشروع قانون الإضراب.

ووجه فريق حزب التقدم والاشتراكية (معارض)، في 24 يوليوز، طلبا إلى رئيس المجلس النواب، لإحالة طلب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروع قانون تنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وطلب رأيه الاستشاري في هذا المشروع.

ويأتي طلب هذا الرأي الاستشاري حسب الفريق، لكون المشروع أولوية تهم المجتمع ككل، تتجاوز حسب مراسلته منطق “التموقع” السياسي، ومنطق التوجس المتبادل بين الطبقة العاملة والمقاولة، سعيا نحو إيجاد توافقات متينة وبناءة تكون في مستوى "مغرب 2024 وما بعده".

يشار إلى أن الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران، أصدرت عام 2013 منهجية للتفاوض الاجتماعي بشأن القانون، وأحدثت لجنة عليا للتشاور برئاسة رئيس الحكومة، تتضمن أمناء أحزاب الأغلبية والنقابات الأكثر تمثيلية، ورئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب.

وفي سبتمبر/أيلول 2024، صدر بلاغ عن الديوان الملكي، جاء فيه أن مشروع هذا القانون الذي تم إعداده طبقا للفصل 29 من الدستور، وطبقا للمعايير الدولية المعترف بها من طرف منظمة العمل الدولية، يهدف إلى تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في القطاعين العام والخاص، وفي المرافق الحيوية.

وأضاف "كما يحدد في إطار التوازن بين الحقوق والواجبات التدابير الواجب الالتزام بها قبل وأثناء القيام بالإضراب والعقوبات المطبقة على مخالفي أحكام هذا القانون التنظيمي، فضلا عن تمكين السلطات العمومية من ضمان النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات".

الحقل النقابي

رغم أن النقابات الأكثر تمثيلية لم تعد تبدي مقاومة شديدة حول إصدار القانون كما فعلت مع الحكومتين السابقتين، إلا أن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عبر عن رفضه لإصدار المشروع دون تشاور واسع.

وأعلن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب "رفضه للصيغة الحالية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب، تقديرا لمواده المقيدة للحق في ممارسة الإضراب، وانعكاسها السلبي على ممارسة الحريات النقابية".

ودعا الاتحاد وفق ما ورد في بيان صادر عنه في 19 يوليو 2024، الحكومة إلى التعجيل بفتح مشاورات وطنية موسعة ومسؤولة من خلال حوار متعدد الأطراف يشمل التنظيمات النقابية كافة، مراعاة لأهمية وحساسية هذا القانون، الذي سينظم إحدى الآليات الأساسية لممارسة الحريات النقابية.

وأكد الاتحاد على وجوب تأطير الحقل النقابي ضمن مقاربة شمولية وغير مجزأة تتضمن ثلاثة محاور متكاملة ومترابطة، تتضمن "تكريس الحق في التنظيم وممارسة الحريات النقابية"، و"مراجعة المنظومة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بانتخابات ممثلي المأجورين ومناديب العمال"، و"مأسسة الحوار الاجتماعي وإلزامية تنفيذ الاتفاقات الاجتماعية".

وشدد الاتحاد على رفضه المبدئي لأي نزوع “نحو تكبيل وتقييد الحرية في ممارسة حق الإضراب والاحتجاج”، معبرا عن استعداده للمساهمة في تجويد مضامين هذا المشروع والانخراط في حوار جدي بما يضمن تنظيم ممارسة الحق في الإضراب دون تضييق على الحريات والحقوق المرتبطة به.

من جانبها، قالت خديجة الزومي، النائبة البرلمانية عن حزب "الاستقلال" المشارك في الحكومة، والقيادية في نقابة "الاتحاد العام للشغالين"، إن "المشاورات متقدمة وجرت بخصوص مشروع القانون التنظيمي وقدمنا مجموعة من الملاحظات للوزارة والحكومة، ولا يمكن أن نقول بالعودة إلى الانطلاق من الصفر، كما يطالب البعض".

وأوضحت الزومي لموقع "هسبريس" المحلي في 18 يوليو 2024، أن الاستشارات الواسعة تعني التشاور مع "النقابات الأكثر تمثيلية؛ لأن هذه هي الديمقراطية، والنقابات التي ليست لها تمثيلية فطبيعي ألا يشملها التشاور المؤسساتي لأنه مبني على نتائج الانتخابات".

وسجلت النقابية ذاتها أن القانون التنظيمي للإضراب "قانون يهم الاقتصاد وينبغي أن يحصل فيه التوافق، وأثناء الدراسة ستقدم تعديلات كبيرة ثم في مجلس المستشارين ستكون النقابات والتعديلات أكبر من مجلس النواب".

وأكدت أن القانون يجب أن "يناقش ويقول فيه كل فريق أو نائب ما أراد ويأتي بأي رأي معقول حتى وإن كان لأطراف غير ممثلة".

وأشارت الزومي إلى أن الإضراب حق دستوري؛ لكنه غير مقنن، مبرزة "أننا معنيون بالحرص على مصلحة المواطن وألا يضيع كذلك المستثمرون ونحن ضد الاستعباد، والقانون سيأتي لحماية جميع الأطراف، ولا يمكن أن نستمر بدون قانون نحتكم إليه".

وطالبت "بإعطاء الوقت الكافي لمناقشته حتى وإن استغرق سنة، لأنه قانون مهم لجميع المغاربة".

قراءة في المضمون

وقالت القيادية النقابية والفاعلة السياسية، الشويكة، إن ثمة مجموعة من الملاحظات الجوهرية حول مشروع قانون الإضراب، الذي يتبين أنه عوض أن ينظم ويؤطر الحق في الإضراب يحد منه ويضيق عليه من خلال مجموعة من المواد.

وأضافت الشويكة لـ"الاستقلال"، ففي المادة 3 يحصر هذا المشروع الحق في الدعوة للإضراب للنقابة الأكثر تمثيلية، والمتتبع للمشهد النقابي منذ  برلمانيات 2021 يلاحظ أن مفهوم الأكثر تمثيلية يشوبه الكثير من الغبش والغموض وتغيب عنه المصداقية الحقيقية.

واسترسلت: “ولا أدل على ذلك من الحراك التعليمي الذي استمر لمدة 3 أشهر مع انطلاق الموسم الدراسي، إذ حضرت التنسيقيات وغابت ما تسمى النقابات الأكثر تمثيلية، بل لم يكن لها أي صدى لدى الشغيلة التعليمية التي لم تستجب لبياناتها بتعليق الإضراب، بل حتى قواعد ومنخرطي هذه النقابات لم تأبه لبياناتها، مما يضرب مفهوم التمثيلية ويضعه موضع استفهام”.

والتنسيقيات هي تكتلات تعمل عمل النقابات، إلا أن الاختلاف بينها أن النقابات لها رخص قانونية، ما يسمح لها بالجلوس على طاولة المفاوضات، عكس التنسيقيات.

لذلك، تردف الشويكة، يتبين أن إخراج قانون تنظيمي للإضراب يتطلب إصلاحات جوهرية في القوانين الانتخابية المتعلقة بالنقابات.

وتابعت المتحدثة ذاتها، وقبل ذلك أو بموازاته إخراج قانون النقابات، لأنه سيضمن أن تكون القيادات النقابية التي يعول عليها القواعد في الدعوة للإضراب منبثقة من إرادة المنخرطين والمناضلين فعلا، وليست زعامات خالدة نسجت شبكة من المصالح الشخصية التي تتعارض مع مصلحة الطبقة العاملة.

وقالت الشويكة إن المادة 3 في فقرتها الرابعة تؤكد على أن الدعوة للإضراب تقتضي استمرارية المرفق بالحد الأدنى من الخدمة، دون تحديد هذا الحد أو تحديد القطاعات التي تتطلب ضرورة هذه الاستمرارية.

وأردفت، ولذلك، فإذا كان هذا المقتضى الذي تنص المادة 20 على أنه لا يمكن خوض الإضراب إلا بعد الاتفاق على الحد الأدنى للخدمات الأساسية، وتسمح للمشغل باللجوء إلى قاضي المستعجلات في حال عدم حصول الاتفاق، وتمنع إمكانية خوض الإضراب إلا بعد صدور أمر قاضي المستعجلات، كل ذلك يكبل الحق في الإضراب ويلغي جدواه.

ونبهت الشويكة إلى أنه، وفي جميع القطاعات، وباستثناء تلك التي تتطلب توفير حد أدنى لاستمرارية الخدمة، يطرح السؤال التالي، ما جدوى خوض الإضراب إذا كان العمل سيستمر بشكل عادي؟.

وأضافت لأن "الأصل في الإضراب عن العمل عندما تغلق جميع آليات التفاوض، هو خلق نوع من الضغط المؤقت لفتح التفاوض حول مطالب الطبقة العاملة".

ولم يخف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، الأبعاد السياسية من مسارعة الحكومة إلى تمرير هذا القانون التراجعي، قائلا إنه يعكس توجه حكومة رجال الأعمال المناهض للديمقراطية.

وأضاف الغلوسي في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 23 يوليو، "وكذلك تمرير قوانين نكوصية أخرى كقانون التقاعد، وقانون مهنة المحاماة، والقانون الجنائي"، معتبرا أن “الحكومة تسابق الزمن لتكبيل المجتمع وتكميم الأفواه وجعله رهينة وفريسة بين مخالب اللوبيات المستفيدة من الفساد والريع لعقود أخرى من الزمن”.

ورأى أن هذا التوجه “يقامر بمستقبلنا جميعا عبر تعميق أسباب الاحتقان الاجتماعي، وتهديد وضرب الاستقرار والخدمات العمومية، وضرب كل آليات ومؤسسات الوساطة والتضييق على الحقوق والحريات”.

وقال الغلوسي، إن "على من يدفع في اتجاه ضرب المكتسبات أن يعي أيضا أن الناس لا يمكن استغفالها كل الوقت، الناس فقط تتحمل وتصبر ولكن للصبر حدود".