بعد سجن "حنا" و"ميننديز".. كيف يستغل ترامب الملف لابتزاز السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

أسدلت محكمة أميركية الستار على فضيحة، بطلها الخفي هو جهاز المخابرات المصرية في عهد رئيسها السابق عباس كامل، وحكمت على العميل وائل حنا بالسجن 8 سنوات ومصادرة أمواله، في 29 يناير/ كانون الثاني 2025

يأتي ذلك جراء وقائع رشوة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية السابق بمجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور بوب ميننديز، الذي حكم عليه أيضا بالسجن 11 عاما، للتستر على ملف مصر في مجال حقوق الإنسان ورفع الحظر عن المعونات العسكرية.

وبات السؤال هو هل تتأثر علاقة نظام مصر بواشنطن بعدما أثبت حكم المحكمة ما كشفته الأجهزة الأمنية الأميركية من تورط القاهرة في رشوة نواب بالكونغرس بذهب ومجوهرات ودولارات؟ أم يستغل الرئيس الجديد دونالد ترامب الواقعة للضغط على نظام عبد الفتاح السيسي في ملفات أخرى؟

وما مصير شركة "اللحوم الحلال" التي أنشأتها مخابرات مصر ومنحت "حنا"، وهو مسيحي مصري الأصل، أميركي الجنسية، احتكار توريد اللحوم المصدرة إلى مصر بختم “حلال” المطابق للشريعة الإسلامية، بعد مصادر أمواله التي هي أموال المخابرات؟

وهل تستمر الشركة ويتم تغيير قيادتها رغم انعدام أي خبرة لدى "شركة حنا" في هذا المجال حيث كان الاحتكار سببا في زيادة أسعار اللحوم في مصر؟ أم يجرى تدشين شركة بديلة؟ أم ينفرط عقدها وينتهي احتكارها وتعود الشركات السابقة بختم “حلال”؟

ورقة الضغط

وفضحت القصةَ منذ البداية صحفٌ عديدة أبرزها "نيويورك تايمز" بعدما وقعت على وثائق حكومية تؤكد وجود فضيحتين لنظام السيسي، الأولى تعيين مسيحي يدعى وائل حنا لرئاسة شركة إسلامية لشهادات اللحوم الحلال لمصر.

وتسهيل احتكار حنا لعملية إعطاء شهادة تصدير اللحم الحلال لمصر، ومنع 4 شركات كانت تعمل في هذا المجال ما رفع سعرها عشرات الأضعاف.

والثانية، توظيف نظام السيسي لحنا ومصري أميركي آخر هو فريد دعيبس، ليكونا عيون مخابرات عباس كامل في أميركا ووسطاء لتقديم رِشا للسيناتور الأميركي وزوجته خلال حفلات عشاء تخللها شرب الخمور.

ولا يُجرم القانون الأميركي أي وسيط أميركي يعمل رسميا لصالح حكومة أجنبية، طالما أن اسمه مُسجل بوزارة العدل كوسيط، أي "شركة لوبي" لحكومة أخرى، سواء للدعاية وترتيب زيارات أو غير ذلك.

لكنه يُعاقب على تقديم "رِشا" لموظفين في الحكومة أو مشرعين في الكونغرس، وهو ما فعله النظام المصري عبر وسيط المخابرات حنا، وثبت تقديمه رشا في صورة عينية باهظة بعضها ألواح ذهب خالص ومجوهرات بخلاف رحلات على حساب مصر.

واتهم مكتب المدعي العام في مانهاتن، ميننديز، بأنه "تلقى مئات الآلاف من الدولارات في صورة أموال وسبائك ذهبية، مقابل استخدام سلطته ونفوذه كعضو في مجلس الشيوخ، لمساعدة حكومة (النظام) المصري".

منها 13 قطعة من الذهب تزن أونصة واحدة، أعطاها حنا للسيناتور واثنتان من سبائك الذهب التي يبلغ وزنها كيلوغراما واحدا، أثناء تفتيش منزل السيناتور، وسيارة مرسيدس رشوة سعرها 60 ألف دولار.

كما اتهمه بـ"تمرير مساعدات عسكرية لمصر وغطى على انتهاكات حقوق الإنسان فيها، كما حاول التلاعب بتحقيقين جنائيين مرتبطين برجلي أعمال آخرين"، وفق “سي إن إن” في  29 يناير 2025.

ووجهت اتهامات فيدرالية بالفساد، للسيناتور الأميركي، لـ"استخدامه منصبه في مجموعة واسعة من المخططات الفاسدة في الداخل والخارج تضمنت تعاملا مشبوها مع الحكومة المصرية"، وفق موقع وزارة العدل الأميركية.

وصدر الحكم عليه في 29 يناير 2025، بالسجن 11 سنة، و8 سنوات على حنا، الذي أُدين بتقديم رشا للسيناتور الديمقراطي وزوجته نادين أرسلانيان (التي لم تُحاكم بعد لمرضها).

ووفق الاتهامات استخدم حنا، معرفته بزوجة السيناتور (لبنانية أرمينية أميركية) في تسهيل مطالب مسؤولين عسكريين ومخابرات مصريين، للحصول على مساعدات أميركية، بدون اقتطاع أي جزء بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

كما تم الحكم بحبس رجل الأعمال المصري الأميركي فريد دعيبس المشارك في الفضيحة، والذي كان أعطى ميننديز وزوجته سبائك الذهب والنقود من المخابرات المصرية، بالسجن 7 سنوات وغرامة و3 سنوات مراقبة.

دور كامل

ورغم ترديد أسماء عباس كامل ووزير خارجية النظام المصري سامح شكري في القضية كمتهمين، إلا أن المحكمة قامت بإعفاء كليهما من الأحكام لأنهما كانا في مناصب رسمية وقت ارتكاب الجريمة.

وقبل صدور الحكم، أثيرت تكهنات، أكدتها مصادر سياسية، أن السيسي أقال كامل وشكري بسبب هذه الفضيحة بعد ضغوط أميركية حتى لا يحاكموا وتتشوه صورة مصر عالميا.

وتمت إقالة شكري من وزارة الخارجية في يوليو/ تموز 2024، وتبعه عباس كامل في أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

وأثار ذلك تساؤلات، هل هناك أوامر صدرت للسيسي من الولايات المتحدة بإقالة عباس كامل أو التخلص منه بسبب علاقته بقضية حنا والسيناتور ميننديز، وورود اسمه كمُتّهم في جلسات المحاكمة وربما طلب حضوره للمحاكمة فتمت إقالته.

وقد أكد الطيار الحربي المصري السابق شريف عثمان، المقيم في الولايات المتحدة والذي فضح رشوة وغسيل أموال عباس كامل في أميركا، وجود تحقيقات تُجرى منذ فترة حول هذا الأمر.

وتحدث عن قضايا غسيل أموال للمخابرات العامة وأنه شارك في فضحها مع المباحث الفيدرالية الأميركية وكانت سببا في الإطاحة بعباس كامل.

وقال الخبير المصري المقيم في أميركا، نايل شافعي، إن إقالة عباس كامل بعد شكري كان حتميا بعد جر اسميهما (وزوجتيهما) في تحقيقات الكونغرس الأميركي في فضيحة رشوة نظام مصر ومخابراته للسيناتور ميننديز عبر وائل حنا وسيط مخابرات النظام المصري.

وثارت الشبهات منذ البداية حول عباس كامل حين اتهمت محكمة مانهاتن في 16 يوليو 2024 ميننديز، بـ16 تهمة جنائية أبرزها اتهامه بـ"العمل عميلا أجنبيا" لصالح نظام مصر، إلى جانب "الرشوة والابتزاز والاحتيال" مع مسؤولين بالمخابرات في النظام.

وأثبتت وقائع المحاكمة تورط عباس كامل (الذي ظهر مع زوجته، بجانب السيناتور الأميركي وزوجته في صورة تم تداولها) بالإضافة إلى وزير الخارجية السابق شكري.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 11 يوليو 2024، إن السيناتور وزوجته نادين التقوا باللواء أحمد حلمي، أحد ضباط المخابرات المصرية في واشنطن، وسيدة تدعى مي عبد المجيد، كانت معه، لتناول العشاء.

وسبق أن قالت في 14 أكتوبر 2023: إن "المسؤول رقم 5" في نفس لائحة الاتهام بحق السيناتور ميننديز هو اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة وفق مسؤولين أميركيين.

و"المسؤول رقم 3" في لائحة الاتهام هو اللواء أحمد حلمي، كبير جواسيس مصر في واشنطن، وفق الصحيفة.

وقالت صحف أميركية أن زوجة عباس كامل حضرت بعض هذه اللقاءات مع ميننديز وأيضا فتاة قيل إنها تعمل ضابطة مع المخابرات المصرية دون تأكيد ونشرت صورا لهم.

وكشفت المحاكمة عن اتصالات بين كبار المسؤولين المصريين وميننديز، من خلال زوجته وشاهد المحلفون صورا للسيناتور وهو يتناول الطعام مع بعض مسؤولي المخابرات المصرية.

وأكدت "نيويورك تايمز" في 23 سبتمبر/ أيلول 2023 أن ميننديز التقى مع "مسؤول كبير" في المخابرات المصرية خلال يونيو/ حزيران 2021 قبل يوم واحد من اجتماعه مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ لبحث حقوق الإنسان في مصر وتخفيف الانتقادات الموجهة لها.

تأثير على العلاقات

وتشير تقديرات صحف أميركية إلى أن هذه الاتهامات قد تضفي مزيدا من التوتر على العلاقات بين واشنطن ونظام السيسي، في ظل الانتقادات الأميركية لملف حقوق الإنسان في مصر، ولكن الأمر سيعتمد على الرئيس الجديد دونالد ترامب الذي يعد السيسي صديقا له كما وصفه.

لكن هذه التقديرات ترجح أن تصبح هذه الإدانة لمصر عبر سجن حنا وميننديز، "ورقة ضغط أو تفاوض" مستقبلية، بيد ترامب يستخدمها مستقبلا وفق مصالح بلاده في قضايا يحتاج للضغط على السيسي بشأنها مثل التطبيع مع إسرائيل أو تهجير سكان غزة أو غير ذلك.

وقد رجح سفير سابق لـ"الاستقلال" أن يستغل ترامب هذه الفضيحة كورقة ضغط ضد نظام السيسي، مؤكدا أن هذه هي طريقة ترامب، ولم يستبعد أن يلعب بورقة تهجير سكان غزة التي يصر عليها.

وأثار ترامب جدالا حين أكد للمرة الثالثة في 30 يناير 2025 أن السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني سيوافقان على خطته لتهجير الفلسطينيين، مكررا ثلاث مرات: "نعم سيفعلان ذلك. سيفعلان ذلك. سيفعلان ذلك!!".

وحين سأله الصحفيون هل سيطبق عقوبات تجارية عليهما بعد رفضهما قبول التهجير؟ أجاب بكل ثقة: “سيفعلون.. سيُنفذون ذلك.. فنحن نفعل لهم الكثير، وسيفعلونها”!

وهو ما يثير تساؤلات حول سر إصراره وثقته في تنفيذ السيسي ما يطالبه به، والتساؤل عن السبب الغامض الذي وراء تصريحات ترامب المليئة بالثقة.

اللحم الحلال

وقبل إثارة قضية التجسس المتهم فيها السيناتور الأميركي وجهات رسمية مصرية، كانت ضجة كبيرة مثارة في الصحافة الأميركية، هي قصة شركة صغيرة، مسجلة في ولاية نيوجيرسي عام 2017 تحولت دون مقدمات لاحتكار إصدار شهادات الحلال لكل صادرات اللحوم والدواجن والألبان إلى مصر.

وكشف موقع "مدى مصر" مبكرا عام 2019 عن قصة شركة “SEG Halal” المصرية الإسلامية لشهادات الحلال، التي أسسها المسيحي وائل حنا، دون خبرة في هذا المجال، لكن أعطته حكومة السيسي حق احتكار شهادات لموردي اللحوم إلى مصر، وإلغاء تراخيص 4 شركات أخرى.

ورفعت الشركة الجديدة صاحبة الاحتكار رسوم إصدار شهادة الحلال إلى خمسة آلاف دولار عن كل شحنة، بعدما كانت في السابق بين 10 إلى 20 دولارا للطن المتري. 

وأثار القرار استغراب وريبة مسؤولي وزارة الزراعة الأميركية، وطلبت التحقيق في هذا الأمر، لكن تدخل ميننديز وطلب من الوزارة عدم التدخل، ليتبين لاحقا أن الشركة واجهة للمخابرات المصرية ومنها تخرج الرشا للسيناتور الأميركي.

وطالب المدعون بإدانة ميننديز لأنه "مارس ضغوطا على وزارة الزراعة الأميركية بشأن احتكار شهادة اللحوم الحلال التي استفاد منها أحد رجال الأعمال (حنا)".

وتبين أن الاحتكار الذي منحته حكومة السيسي لشركة حنا، كان لأهداف سياسية ضمن خطة رشوة السيناتور الأميركي.

وكانت شركة حنا هي الوسيط، في إتمام طلب لحكومة نظام مصر برفع الحظر الأميركي عن صفقة سلاح تقدر بـ300 مليون دولار، من خلال التصويت بالموافقة عليها في الكونغرس، بعد اعتراضات سابقة، تعود لسجل مصر السيئ في حقوق الإنسان.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في 28 أكتوبر 2023 أن الأوراق التي قدمها محامي حنا مدافعا عن نفسه ومطالبا باستعادة جواز سفره حتى لا يتعطل عمله، أوضح فيها أن حكومة السيسي هي التي اختارته وقدمت له الدعم والخبرة للترخيص بالحلال. 

ومما نقلته الصحيفة عما قاله للمحكمة، "أنا كمسيحي، ليست لدي خبرة في إصدار شهادات الحلال، وبالتالي أمدتني الحكومة المصرية بالأئمة والبيطريين المدربين لمساعدتي".

كما قال حنا للمحكمة في المذكرة القانونية لتبرير تسهيل احتكاره تجارة اللحوم أن "مصر أرادت أن تمنع الإخوان المسلمين من تمويل أنشطتهم عن طريق الشركات العديدة التي تُصدر شهادات الحلال لواردات اللحوم، وبالتالي تعاملت معه وحده لضمان أنه ليس من الإخوان المسلمين".