بعد ربع قرن من فضيحة "تالسينت".. ما حقيقة الاكتشافات الغازية بالمغرب؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد اكتشاف العديد من مكامن الغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة، تكثر التكهنات حول قدرة المملكة المغربية على تغطية احتياجاتها الخاصة، أو حتى على التصدير. 

وتتجه شركة “شاريوت أويل آند غاز” البريطانية، المتخصصة في التنقيب عن البترول والغاز، إلى إطلاق أعمال حفر جديدة غرب المغرب، حيث تنتظر الشركة ترخيص السلطات لـ20 بئرا جديدا.

وفي هذا الصدد، تكشف مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن الاكتشافات التي أعلنتها الشركات العاملة في المغرب في الأشهر الأخيرة، وتحاورت مع مسؤولين مغاربيين عن كميات الغاز المكتشفة وآثارها على سد الاحتياج المحلي.

كما تساءلت عما "إذا كان هذا المكتشف قد يجعل المملكة قادرة على الاستقلال والاكتفاء الذاتي، أو الوصول إلى مرحلة تصدر فيها الطاقة للعالم الخارجي؟".

ويهدف المغرب إلى الحصول على 52 بالمئة من طاقة البلاد من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ويفيد التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي في تنويع الاقتصاد المغربي، مما يقلل من اعتماده على قطاع اقتصادي واحد، فضلا عن خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي.

شكوك وطموح

في بداية التقرير، توضح المجلة الفرنسية أن موقف المغرب فيما يتعلق بطموحات الغاز يُعد "حذرا للغاية". 

وعند توجيه أسئلة إلى وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة والمكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن في المغرب، الذراع التنفيذية للدولة في هذا المجال، فإن الإجابات والكلمات تُوزن وتُقاس بدقة.  

وتعزو المجلة هذا الاحتياط والحذر من أن "ذاكرة فضيحة (تالسينت) بالمغرب سيئة السمعة لا تزال حية في الأذهان بعد ما يقرب من ربع قرن".

وبهذا الشأن، تذكر  أن هذه الفضيحة حدثت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ضاعفت شركة "سكيدمور إنيرجي" الأميركية، من خلال فرعها "لوني ستار إنيرجي"، الإعلانات عن اكتشافات وفيرة للنفط والغاز. 

ولكن سرعان ما خاب الأمل، حيث تبين أن الاكتشافات المزعومة كانت خاطئة، بحسب المجلة. ورغم ذلك، تنوه المجلة الفرنسية أن "الوضع اليوم مختلف تماما".

فبعد حصولها على تراخيص من الحكومة المغربية، أعلنت شركة "SDX Energy"، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، في 29 أبريل/ نيسان 2024، عن بدء إنتاج الغاز في منطقة الغرب، حيث تقع مدينة القنيطرة.

ووفقا لما ذكرته المجلة، فإن العديد من الشركات الصناعية الدولية الكبرى، مثل شركة "PSA" الفرنسية وشركة "Aptic" الأميركية -التي كانت تُعرف سابقا باسم "Delphi"- وشركة "Citic Dicastal" الصينية، تقع في المنطقة الصناعية من مدينة القنيطرة، والتي تُسمى "Atlantic Free Zone".

حقول جديدة

وبجانب المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن (ONHYM)، تشير "جون أفريك" إلى أن شركة "SDX Energy" كثفت عمليات الحفر لعدة سنوات في محاولة لتلبية احتياجات البلاد من الغاز. 

لدرجة أنها قررت أخيرا التخلي عن أصولها في مصر من أجل "التركيز" على أنشطتها المغربية، بحسب ما ورد عن المجلة. 

وفي هذا الخصوص، صرحت المجموعة البريطانية قائلة: "منذ عام 2017، نفذت "SDX" برنامج حفر نشط في حوض الغرب، والذي حقق حتى الآن معدل نجاح يزيد عن 80 بالمئة. وحققت اثنتان من الاكتشافات توسعا لمنطقة الإنتاج الرئيسة للشركة نحو الشمال". 

وتابعت: "تقدر "SDX" الموارد القابلة للاسترداد لهذين البئرين ما بين 2.2 و 2.8 مليار قدم مكعب من الغاز، وحوالي 20 مليار قدم مكعب من الموارد المحتملة".

وعلى جانب آخر، تلفت المجلة الفرنسية إلى أن الشيء نفسه ينطبق على شركة "Sound Energy" البريطانية الأخرى، التي تنفذ العديد من المشاريع في حقل "تندرا" في الشرق.

وفي إطار ما ذُكر سابقا، تخلص المجلة إلى أنه "كلما زادت التجارب الناجحة، زادت أسباب المملكة في الأمل في تلبية احتياجاتها من الغاز بنفسها".

ففي منطقة الغرب وحدها، أُجريت 67 عملية حفر آبار بين عامي 2000 و 2022، منها 40 عملية كشفت عن وجود غاز طبيعي.

وكما يشير المكتب المغربي في وثيقة قُدمت للبرلمان عام 2022، فإن ربحية هذه العمليات الاقتصادية مضمونة بـ "وجود خط أنابيب وسوق محلي يتكون من العديد من الصناعيين".

وبفضل هذه العمليات، وفق المجلة، تبيع شركة "SDX Energy" حوالي 150.000 متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا لعدة شركات صناعية في القنيطرة. 

أما في منطقة الصويرة، حيث يثير حقل "مسكالا" للغاز آمالا كبيرة، فإن الإنتاج -الموجه إلى الوحدات الصناعية لشركة "OCP" العملاقة- يبلغ في المتوسط ​​30 مليون متر مكعب سنويا.

وبهذا الشأن، تقول وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة: "لقد أدت أعمال الاستكشاف والبحث إلى اكتشافات حقول غاز طبيعي في حوض الغرب وفي حقل (تندرا)، وأخيرا حقل (العرائش)، كما حقق ذلك استغلال الغاز والمكثفات في حوض الصويرة في حقل (مسكالا)".

وأضافت الوزارة:" كما سمحت هذه الأعمال بتحديد مؤشرات غاز ونفط في أحواض رسوبية أخرى، بما في ذلك أحواض (كرسيف) و(إينزكان)".

“لا شيء مؤكد”

ومع تطور هذه المشاريع المختلفة، تطرح "جون أفريك" سؤالا بإلحاح: "هل ستتمكن المملكة من تلبية احتياجاتها من الغاز من باطن أرضها؟".

وبحسب ما صرحت به وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، والمعروفة بحذرها في هذا الموضوع، فـ"لا شيء مؤكد". 

حيث تقول: "ما يجب معرفته هو أن اكتمال أعمال الاستكشاف ودرجة نضج المشاريع ذات الصلة وفرضيات تطوير الحقول المكتشفة، بالإضافة إلى تسريع التحول الطاقوي للمغرب، تسمح لنا بأن نكون واثقين، ونقدّر أنه يمكن تلبية احتياجات محطات الطاقة الغازية لأكثر من عشر سنوات".

وتضيف الوزيرة: "بالتأكيد، ستساهم الاكتشافات الأخيرة في تقليل اعتمادنا على الطاقة المستوردة، لكنها لن تلبي بمفردها جميع احتياجاتنا المستقبلية من الطاقة". 

وسلطت بنعلي الضوء على أن رؤية المغرب لسوق الغاز هي "سوق مفتوح يتضمن الموارد المحلية، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى الغاز الطبيعي المسال المستورد عبر البنية التحتية الإيبيرية ومحطات الاستيراد المستقبلية على السواحل المغربية".

وبالنسبة للأسئلة المتعلقة بإمكانيات البلاد للتحول كـ"مصدر للغاز"، توضح المجلة أن قسم التحول الطاقي لا يزال حذرا فيما يخص هذا الشأن.

حيث تقول بنعلي: "من السابق لأوانه الحديث عن تصدير الغاز بالنظر إلى حجم الاكتشافات الحالية ونمو احتياجاتنا، وكذلك إلى حجم أعمال الاستكشاف والبحث الذي أُجري، والذي يظهر أن أحواضنا الرسوبية لا تزال غير مستكشفة بشكل كاف".

كما أضافت أنه "يجب على حاملي تراخيص الانتفاع قبل التفكير في تصدير إنتاجهم، المساهمة في تلبية احتياجات السوق المحلي أولا"، وفق ما ذكرته المجلة.

الطاقة المتجددة

وبالحديث عن رفع نسبة الطاقة المتجددة، تنقل المجلة الفرنسية عن وزارة الانتقال الطاقي أن "المملكة إذا كانت تنوي تسريع وتيرة العمل لرفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 52 بالمئة في مزيجها الكهربائي، فهي لا تنوي حرمان نفسها من الفرص التي يتيحها الغاز".

وتوضح ليلى بنعلي ذلك قائلة: "الغاز الطبيعي هو المكمل الضروري للطاقة المتجددة. حيث يوفر المرونة ويساهم بشكل كبير، إلى جانب الطاقة المتجددة، في خفض انبعاثات الكربون في صناعتنا". 

وأضافت: "على جانب آخر، سيسمح لنا الغاز أيضا بخفض نفقاتنا على الطاقة بشكل هيكلي، فهو مصدر انتقال منخفض الكربون يمكن استخدامه في قطاعات مختلفة".

وتبرز المجلة أنه بالنسبة إلى ليلى بنعلي، فإن "اللجوء إلى الغاز ضروري أيضا للتحرر من الفحم". 

كما تلفت الأنظار إلى أنه سيلعب كذلك "دورا حاسما في إدارة تقلبات الإنتاج الناجمة عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب التخزين".

فبمجرد أن "تؤثر الظروف الجوية على أداء ألواح الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، يصبح تنشيط محطات الطاقة الغازية ضروريا لتعويض انخفاض الإنتاج الكهربائي"، وفق المجلة.