بعد مؤتمر "فرض الوصاية".. ما سر تغير موقف الأردن حيال الإدارة السورية الجديدة؟

تغير موقف الأردن جاء بعد زيارات خليجية وغربية عديدة إلى العاصمة السورية دمشق
في تحوّل سريع للموقف الأردني من التغيير الحاصل في سوريا، أجرى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، زيارة إلى دمشق يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، التقى خلالها قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع وأبدى استعداد بلاده للمساعدة.
الموقف الأردني جاء بعد توجس أبدته عمّان، بدا أكثر وضوحا خلال استضافتها لمؤتمر "العقبة" في 16 ديسمبر/ كانون الثاني 2024، وخرج بنتائج واجهت انتقادات واسعة من شخصيات سورية، والتي عدتها محاولة لفرض وصاية على إدارة سوريا الجديدة.

"رسالة أردنية"
في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، في دمشق، في أول زيارة يجريها مسؤول أردني منذ الإطاحة بنظام المخلوع، بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال الصفدي بعد محادثات مع الشرع، إن بلاده "مستعدة لمساعدة السوريين في عملية إعادة الإعمار"، مضيفا: "نؤيّد عملية سياسية شاملة في سوريا ومستعدون لدعم جهود بنائها، ومتوافقون على دعم الشعب السوري في إعادة بناء وطنه ودولته لتكون دولة مستقرة حرة".
وأكد الوزير الأردني أنه يحمل لدمشق رسالة عن وقوف الأردن إلى جانب السوريين في بناء دولتهم، وأن بلاده تدعم العملية الانتقالية وصياغة دستور جديد لسوريا، "والانتقال لنظام سياسي يلبي كل طموحات السوريين".
وأوضح الصفدي أنه لمس خلال حديثه مع الشرع أنه "يريد وطنا يشعر فيه كل السوريين بالأمن والمساواة، ويدرك أهمية العلاقات السورية الأردنية، وأكد حرصه على التعاون".
وأضاف أن مباحثاته في دمشق شددت "على ضرورة بناء وطن حر لا إرهاب فيه ويحمي حقوق كل السوريين"، قائلا "ناقشنا موضوع الإرهاب وسنقف معا في مواجهته، لأنه خطر يهددنا جميعا".
ولفت الصفدي إلى أن الجانبين اتفقا على تشكيل آليات للعمل معا لمعالجة الأمور التي تسهم في مساعدة سوريا وبما يساعد في "أن تكون سوريا آمنة مطمئنة وتتهيأ الظروف لعودة اللاجئين".
وأشار الوزير الأردني إلى أن "تعميق إسرائيل توغلها في سوريا يخلق صراعا بالمنطقة"، عادّا إياه احتلالا جديدا يجب أن ينتهي، وضرورة أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطا على الجانب الإسرائيلي بأن لا تعبث بسوريا في هذه المرحلة الانتقالية.
وأكد الصفدي على أن الأردن، يستضيف 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة، 10 بالمئة فقط منهم في مخيمات اللاجئين، وبقيتهم منتشرون في كل أنحاء المملكة.
وتابع: هناك نحو 250 ألف طفل سوري ولدوا في المملكة، و155 ألف طالب سوري على مقاعد الدراسة منذ بداية الأزمة عام 2011، مشددا على أهمية أن تكون سوريا آمنة مستقرة، وأن تتهيأ ظروف العودة الطوعية الآمنة الكريمة للاجئين حتى يعودوا لبلدهم أيضا ليسهموا في إعادة البناء.
وقبل ذلك بيوم واحد، أكد وزير الاتصال الحكومي الأردني، محمد المومني، خلال مؤتمر صحفي أن الأردن انحاز لإرادة الشعب السوري، وأن هذا يعبّر عن صدق العلاقات بين البلدين، واصفا موقف بلاده حيال الأحداث في سوريا بأنه "متزن وعقلاني وقومي".
“فرض الوصاية”
الموقف الأردني هذا يأتي بعد انتقادات صدرت عن شخصيات سورية تجاه مؤتمر عقدته لجنة الاتصال الوزارية العربية بمدينة العقبة الأردنية في 16 ديسمبر، والذي دعا إلى عملية انتقالية سلمية سياسية سورية-سورية جامعة ترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
وشارك في الاجتماعات أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية التي تضم الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بحضور وزراء خارجية قطر والإمارات والبحرين، وتركيا.
وكذلك حضره أعضاء عن ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، إلى جانب كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، والمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون.
ودعا بيان العقبة الختامي في حينها، إلى "إنجاز عملية انتقالية وفق قرار مجلس الأمن 2254، تلبي طموحات الشعب السوري، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحفظ وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها".
لكن مخرجات "العقبة" قوبلت بانتقادات من شخصيات سياسية سورية، وتحديًد لجهة دعوة البيان الختامي إلى أن تكون عملية الانتقال إلى السلطة الجديدة والدستور الجديد تحت رعاية أممية، ووفق قرار مجلس الأمن 2254.
وأكدوا أن إسقاط نظام بشار الأسد، ألغى مفاعيل قرار مجلس الأمن رقم 2254، موضحين أن أركان العقد السياسي للقرار انتهت، بمعنى أن المعارضة تحولت إلى السلطة، والنظام انتهى، ما يعني -من وجهة نظرهم- أن مفاعيل القرار قد انتهت.
ومن أبرز المنتقدين لاجتماعات العقبة، المفكر السياسي والرئيس الأول للمجلس الوطني السوري المعارض، برهان غليون، الذي رأى أن "عقد اجتماع لجنة الاتصال حول سوريا في العقبة بحضور العديد من الدول التي لم تخف دعمها لنظام الأسد بدلا من عقده في دمشق الحرة بمشاركة السوريين لا يبشر بخير ولا يطمئن حول نوايا اللجنة".
وشكك غليون خلال تدوينته على منصة "إكس" في 15 ديسمبر بنوايا الاجتماعات بقوله: "الاجتماع يوحي بإرادة فرض الوصاية، ويظهر كمؤامرة أكثر بكثير من رغبة في التضامن وتقديم الدعم للسوريين".
وعلى الوتيرة ذاتها، شبّه الباحث السياسي المقيم في الولايات المتحدة رضوان زيادة نتائج اجتماعات العقبة بـ"الوصاية الدولية على سوريا".
وقال في حسابه على منصة "إكس"، إن "بيان العقبة وضع سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وإذا وافقت روسيا ودعمت هذا البيان وهو مرجح فسيصبح هذا البيان قرارا جديدا من مجلس الأمن يوجه كل المرحلة الانتقالية في سوريا المستقبل".
وصدر القرار 2254 عن مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2015، والذي ينص على بدء محادثات السلام بين النظام والمعارضة، مؤكداً أن "الشعب السوري هو من يحدد مستقبل البلاد".
ودعا القرار إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، وطالب بوقف أي هجمات ضد المدنيين فورا، لكن لم يُنفذ بسبب رفض رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.

مصالح أردنية
وبخصوص تفسير تغيّر موقف عمّان، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني حازم عيّاد، إن "الأردن توجّس من التغيرات السريعة في سوريا، كونها حدثت في مدة قياسية، وخلال لحظة لم تكن متوقعة، بسبب انفتاح كان يبديه النظام السوري السابق على المنطقة العربية".
وأضاف عيّاد لـ"الاستقلال" أن "العملية العسكرية الخاطفة للمعارضة السورية التي أطاحت بالنظام السوري السابق، أربكت المشهد الإقليمي والدولي، وبالتأكيد أربكت الموقف الأردني أيضا، ومرّ بمرحلة من التحفظ الشديد والترقب للتطورات والأحداث في سوريا".
وأكد الخبير الأردني أن بلاده كانت تراقب "مواقف القوى الإقليمية في المنطقة وموقف الولايات المتحدة بشكل خاص، وهذا ما يفسر درجة التحفظ والترقب العالي، والتي تم ترجمتها في اجتماع العقبة الذي وضع نحو 13 بندا من ضمنها القرار الأممي 2254".
ولفت عيّاد إلى أنه "بعد مضي أسبوعين بدأ الأردن يتحرر من الهواجس والتحفظات، وأصبح أكثر انفتاحا وخصوصا بعد توافد المسؤولين الدبلوماسيين الغربيين والعرب إلى سوريا، وبعد رسائل التطمينات التي صدرت من العاصمة دمشق، والتي تبين فيها قدرة المعارضة السورية- التي باتت تحكم- على ضبط الأمن إلى حد كبير".
وتابع: "بدأ الأردن يظهر انفتاحا كبيرا نتيجة لهذه السياقات الإقليمية والدولية وإن كان التحرك الأردني لم يأت مبادرا بقدر ما جاء ملتحقا بالتغيرات الحاصلة في الموقف العربي وخصوصا السعودي والقطري والخليجي ثم الموقف الأميركي الذي زار وفده دمشق أيضا".
ولفت إلى أن "هناك الكثير من المصالح المشتركة بين الأردن والجانب السوري، وهي تمثل الدافع الحقيقي للحراك الأردني تجاه دمشق، والتي تدفع بقوة نحو تجاوز التحفظات الناجمة عن سرعة التحولات في سوريا والإقليم وعلى رأسها ضبط الحدود والأمن في جنوب سوريا".

ومن المصالح أيضا، يضيف عيّاد، هو "مواجهة التحركات الإسرائيلية التي تهدد حوض اليرموك والحدود السورية الأردنية، إذ يمكن أن تقطع الصلة وأن تعيق حركة البضائع بين الجانبين في حال استمر التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية".
وأكد عيّاد أن "هناك الجانب الاقتصادي والمتعلق بحجم التجارة الكبير بين البلدين وخط الترانزيت، إذ إن الأردن يستطيع النظر إلى سوريا كبوابة له إلى لبنان وتركيا وإلى أوروبا أيضا، إضافة إلى ملف اللاجئين السوريين، وإعادة الإعمار وعدم التأخر كثيرا في فتح قنوات تسمح للاستثمار في الواقع الاقتصادي السوري".
وباعتقاد الخبير الأردني، فإن "الأردن قادر على التعايش مع نظام سياسي قريب من الإسلاميين أو إسلامي في سوريا، لأنه أستطاع التعايش مع حزب البعث السوي والعراقي رغم أن لهما امتدادات داخل البيئة الاجتماعية الأردنية، بالتالي هي ليست معوقا يقف أمام تطور العلاقات".
وأكد عيّاد أن من المصالح الأردنية مع الإدارة السورية الجديدة، هي "موضوع ضبط الأمن فيما يتعلق بعمليات التهريب وخصوصا المخدرات، والتي كانت أطراف كثيرة من النظام السوري السابق تستفيد منها".
وتُهرّب المخدرات التي تُصنع في سوريا في عهد نظام المخلوع بشار الأسد، إلى دول عدة مجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق، إضافة إلى أسواق ضخمة في دول الخليج.
وكان الأردن أحد أبرز اللاعبين في مكافحة تجارة الكبتاغون (حبوب مخدرة)، كونه يُعَد من أكثر البلدان التي تأثرت بهذه الظاهرة، فعلى مدار السنوات الأخيرة، أبلغت السلطات الأردنية عن ضبط ملايين الحبوب المهربة عبر الحدود مع سوريا.
المصادر
- الصفدي: اتفاق أردني سوري لمكافحة تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا
- الصفدي من دمشق: الأردن يدعم استقرار سوريا ويرفض التوغل الإسرائيلي في أراضيها
- الصفدي يؤكد للشرع دعم الأردن للعملية الانتقالية في سوريا
- المومني يصف موقف الأردن تجاه الأحداث في سوريا
- إسقاط الأسد وتدمير حزب الله.. كيف ينعكس على تجارة المخدرات بالمنطقة؟