بعد العدوان على غزة.. موقع ألماني: شعارات الغرب لم تعد صالحة للاستخدام
في ضوء تعامل الجنوب العالمي ببرود مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورفع جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، تحدث موقع ألماني عن تضخم قوة الجنوب العالمي وتأثيره ونفوذه في مقابل الدول الغربية.
وفي هذا التقرير، يسرد موقع "تيليبوليس" موقف الجنوب العالمي من عدة قضايا جوهرية بالتفصيل، موضحا أسباب اتخاذه مواقف مناهضة للغرب في السنوات الأخيرة.
والجنوب العالمي مصطلح بدأ يظهر دوليا في دراسات ما بعد الاستعمارية، للإشارة إلى ما قد يسمى أيضا بأسماء مثل "العالم الثالث" أو " البلدان النامية" أو "البلدان الأقل نموا".
أهمية الجنوب العالمي
في البداية، يستهل الموقع تقريره بتوضيح أن الدعوة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس خلال يناير/ كانون الثاني 2024 كانت موجهة بشكل رئيس إلى الغرب؛ أي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
واصفا إياهم بأنهم "الذين قاموا خلال السنوات الأخيرة بتوريد كميات كبيرة من الأسلحة إلى كييف، بهدف استعادة المناطق التي تسيطر عليها روسيا عسكريا".
وبعد تلقي زيلينسكي تصفيقا حارا لخطابه، يشير الموقع إلى إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الموافقة على حزمة قيمتها 50 مليار يورو على مدى أربع سنوات لأوكرانيا، حتى بدون موافقة المجر.
وفي خطابه، على الرغم من إشارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنه مستعد لهدنة، وصف زيلينسكي بوتين بأنه "وحش"، لا يكتفي بـ"هدنة لتهدئة الوضع".
كما روج زيلينسكي مرة أخرى لخطة سلام مكونة من 10 بنود، أبرزها انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، لكنه اتهم المسؤولين الروس بارتكاب جرائم حرب.
وأخيرا، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "المحللين وحتى السياسيين الذين يؤيدون هذه الخطة ينظرون إلى هذه المطالب على أنها غير قابلة للتحقيق نظرا لتوازن القوى الحالي في ساحة المعركة".
وفي هذا الصدد، يلفت الموقع إلى أن زيلينسكي مدرك أنه لا يحتاج فقط إلى دعم الدول الغربية لتنفيذ خطته، بل إلى "بقية العالم" الذي أصبح أكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية، خاصة وأن دول ما يسمى بـ"الجنوب العالمي" اكتسبت نفوذا اقتصاديا كبيرا.
وبالنظر إلى القوى العالمية من الناحية الاقتصادية، يوضح "تيليبوليس" أن دول البريكس تمثل الآن 30 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي.
في حين أن حصة مجموعة السبع أقل من ذلك، كما أن الاتجاه ضد الولايات المتحدة وألمانيا واليابان آخذ في الازدياد.
ولذلك، بحسب الموقع، أكد الرئيس الأوكراني في دافوس أنه "من المهم بالنسبة له أن يشارك ممثلون من الصين والجنوب العالمي في قمة أوكرانيا، حيث يرغب في تشكيل تحالف دولي لخطة السلام".
وبهذا الشأن، صرح زيلينسكي قائلا: "نود بشدة أن تشارك الصين في صيغة السلام الخاصة بنا في القمة".
ولكن في المقابل، يلفت الموقع إلى أن ممثلي الحكومة من بكين تعاملوا ببرود مع أوكرانيا في دافوس.
ويرجح التقرير أن "قرار الصين بعدم الاجتماع مع الأوكرانيين كان مقصودا وليس نتيجة لمشكلة في الجدولة كما أُعلن".
ووفقا لما نُقل عن مسؤول أمريكي كبير، فإن "بكين رفضت طلب كييف لعقد اجتماع في مرحلة ما خلال الزيارات المتبادلة لسويسرا".
كما قال مسؤول أمريكي كبير آخر إن "الصين رفضت أي اجتماعات بعد أن دعت روسيا البلاد إلى إنهاء الاجتماعات الدبلوماسية مع أوكرانيا".
معركة مصالح
بناء على ما ذُكر سابقا، يقول "تيليبوليس" إن "هذا الحادث لا يظهر بأي حال من الأحوال أن الصين -وبالتالي دول أخرى مثل البرازيل وجنوب إفريقيا- لا تفهم موقف أوكرانيا أو تتغاضى عن العدوان الروسي".
وبدلا من ذلك، يعتقد أن "موقف بكين البارد يوضح أنه في أجزاء كبيرة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، يُفهم الحرب والصراع في أوكرانيا على أنهما حرب بالوكالة، هدفت بها الولايات المتحدة إلى توسيع حلف شمال الأطلسي الناتو".
ويؤكد الموقع أن "واشنطن وحلفاءها يسعون إلى تحقيق مصالح جيوسياسية، بينما يلعب القانون الدولي والأخلاق دورا ثانويا".
وهنا، يسلط الموقع الضوء على أن "مصالح الغرب ليست بأي حال من الأحوال نفس مصالح الجنوب العالمي".
فأسوأ آثار العقوبات، على سبيل المثال، تتحملها البلدان الأكثر فقرا في هيئة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
ومن المؤكد أن "البلدان النامية لم تؤمن بالمهمة التي تقوم بها القوة العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".
لافتا إلى أنها "تزعم مرارا وتكرارا أن حروبها ومعاركها وأنظمتها التجارية غير العادلة أو حروب شركائها هي كفاح عالمي من أجل السلام والديمقراطية والحرية والازدهار".
وعلى سبيل المثال، كان من المعروف جيدا أن "الحرب على الإرهاب" التي شنتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش عام 2001، والتي تستمر حتى يومنا هذا في المنطقتين العربية والإفريقية، لم تكن -كما أعلن البيت الأبيض- مدفوعة بـ "التحالف الجماعي" ولم تُنفذ لـ"استعادة السلام العالمي.
ويؤكد الموقع الألماني هنا أن "التحالف الغربي تصرف لحسابه الخاص، غير مبال بمصالح واحتياجات (بقية العالم)، إن لم يكن انتهج موقفا ضدها".
ومن الجدير بالإشارة إلى أن "العديد من الولايات في الجنوب امتثلت آنذاك لأوامر الولايات المتحدة ووقفت على الهامش لأنها لا تريد أن تثير استياءها".
ولكن بالنظر إلى الواقع الحالي، يؤكد "تيليبوليس" أن هذا الموقف تغير.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من نظام العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، أعلنت البرازيل في عهد الرئيس لولا دا سيلفا بثقة أنها ستدعو بوتين إلى اجتماعات عالمية عام 2024.
كذلك يستمر العديد من الدول، بما في ذلك الصين والهند، في التجارة مع روسيا.
العدوان على غزة
وفي ذات الوقت، أشار الموقع الألماني إلى أن هذا الموقف ليس قاصرا على الموقف من الحرب في أوكرانيا، "فمن الممكن أيضا رؤية السلوك (المتمرد) في منطقة الاضطرابات الأخرى في الجنوب العالمي".
فتستمر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في دعم عدوان إسرائيل على غزة وتزويد حكومة بنيامين نتنياهو بالأسلحة اللازمة لهذه الحرب.
في حين الغالبية العظمى من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تدعو فقط إلى وقف إطلاق النار، بل إن بعضهم يتجه كذلك إلى الإدانة القانونية لإسرائيل.
حيث رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي.
وبحسب الموقع، تحظى الدعوى بدعم منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة من بينها السعودية وإيران وباكستان والمغرب.
كما يذكر الموقع أنه من بين مؤيدي جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ماليزيا وتركيا والأردن وبوليفيا وجزر المالديف وناميبيا وباكستان.
إضافة إلى ذلك، انضمت المئات من مجموعات المجتمع المدني والنقابات والمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم.
ولأن ما يحدث الآن في محكمة العدل الدولية يشهده العالم لأول مرة، يقول الموقع الألماني إن ذلك أثار إنذارات في واشنطن وتل أبيب.
ففي الماضي، قامت إسرائيل ببساطة بمقاطعة المحاكم الدولية وتحقيقات الأمم المتحدة لأنها تعدها غير عادلة ومتحيزة.
لكن لأول مرة، حضرت إسرائيل جلسات هذه القضية، وأرسلت فريقا قانونيا رفيع المستوى للدفاع عن نفسها ضد اتهامات الإبادة الجماعية.
والذي أثار الانتقادات الحادة مرة أخرى هو إعلان ألمانيا أنها ستدعم إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها محكمة العدل الدولية.
فبحسب "تيليبوليس"، أدانت الحكومة الناميبية -من بين حكومات أخرى- هذه الخطوة، مسلطة الضوء على القتل الجماعي لأعضاء مجموعتي هيريرو وناما العرقيتين على يد ألمانيا بين عامي 1904 و1908.
وفي الوقت نفسه، يذكر الموقع أن جنوب إفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي طالبوا المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم المحتملة في غزة. وفي الوقت الحالي، انضمت المكسيك وتشيلي إلى الدعوى.
كما رفعت ثلاث منظمات حقوقية فلسطينية بالفعل دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، داعية الهيئة إلى التحقيق مع إسرائيل بتهمة "الفصل العنصري" و"الإبادة الجماعية"، والمطالبة بإصدار أوامر اعتقال بحق سياسيين إسرائيليين بارزين.
وبذلك، يشير الموقع إلى أن ما تقوله دول الجنوب العالمي بشكل أكثر وضوحا ويعبر عنه بالأفعال هو أن "الغرب، تحت قيادة الولايات المتحدة، لا يمكنه ولا يجب أن يستمر على هذا النحو".
انتهاء تاريخ الصلاحية
وبالنظر إلى هذا الموقف الجديد الذي تتبناه دول الجنوب العالمي، يقول الموقع إنه "إذا كان العنف والحرب محظورين، فيجب أن ينطبق هذا على الجميع بالتساوي، وليس فقط عندما تقول الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو ذلك".
وبحسب الموقع الألماني، لابد أن يُصمم حل للصراعات بشكل عادل، والذي يتطلب المفاوضات والدبلوماسية التي تأخذ في الحسبان المصالح الأمنية لكل الجهات الفاعلة المعنية.
والآن، في رأي "تيليبوليس"، "أصبح بوسع الصين والبرازيل وجنوب إفريقيا والعديد من البلدان الأخرى خارج نادي النخبة من مجموعة السبع، أن تقدم البدائل وتقاوم الضغوط الرامية إلى فرض العقوبات".
وفي هذا السياق، يلفت الموقع إلى أن "زيلينسكي بالفعل بدأ يروج لخطته للسلام في جميع أنحاء العالم، حيث يدرك أنه محتاج إلى الجنوب العالمي".
وللسبب نفسه، ترسل إسرائيل فريقا قانونيا رفيع المستوى إلى لاهاي لطمأنة "بقية العالم" على الأقل، وفق الموقع.
وفي ختام التقرير، يقول الموقع الألماني إن "الحوثيين باليمن أيضا فهموا حركات الانسحاب والتصادمات العالمية والفرص الكامنة في هذه التحولات".
ولذلك، أعلنت المليشيا، التي تريد الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، أن "السفن الصينية والروسية سيتم منحها ممرا آمنا عبر البحر الأحمر، رغم مهاجمتها للسفن الأميركية".
وفي رأي الموقع، "إنهم يحاولون بوعي شديد دق إسفين في خط المواجهة الجيوسياسي".
وهنا، بشأن وضع الغرب، يقول الموقع: "يبدو أن الحكومات ووسائل الإعلام في البلدان الصناعية الغنية تستمر في افتراض أن بقية العالم سوف يستخدم رواياته الأخلاقية عن الحروب الجيدة والسيئة وفوائد الكرم الغربي كمقياس للعمل".
ولكن -كما يصف الموقع- "هذه القصص لها تاريخ انتهاء الصلاحية، ومن المحتمل أنه انتهى بالفعل".