بعد اصطياد إسرائيل لهم.. هل تنسحب إيران من سوريا حفاظا على قادتها؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الراهن، يمر الحرس الثوري الإيراني بواحدة من أكثر المراحل استهدافا لقادته بضربات إسرائيلية قاتلة في سوريا، حيث تزعم طهران أن وجودهم في هذا البلد "بصفقة استشارية" بطلب من رئيس النظام بشار الأسد.

وكشفت الأيام الأخيرة، أن تحركات قادة الحرس الثوري الكبار مرصودة بشكل دقيق من قبل إسرائيل على الأراضي السورية؛ الأمر الذي دفع تل أبيب لاصطياد عدد منهم بهجمات مباشرة داخل منازل سرية يقيمون فيها بسوريا.

اصطياد القادة

وفضحت هذه الهجمات الإسرائيلية مدى الاختراق الأمني لتحركات قادة وضباط الحرس الثوري في سوريا، خاصة أنها أدت إلى مقتل أكثر من 10 من ضباطه منذ ديسمبر/كانون الأول 2023 بينهم جنرالات كبار.

وآخر ضربة إسرائيلية كبرى كانت صباح 20 يناير/ كانون الثاني 2024 حين قصفت مبنى سكنيا مؤلفا من أربعة طوابق في منطقة المزة بالعاصمة دمشق، أسفر عن مقتل خمسة مستشارين في الحرس الثوري.

وأفادت وكالة "مهر" الإيرانية في البداية بأن الضربة الإسرائيلية على المنزل الذي سوي بالأرض، أودت بـ"مسؤول استخبارات الحرس الثوري في سوريا صادق أميد زاده ونائبه الحاج غلام وعنصرين آخرين".

وسبق ذلك ضربة موجعة لطهران، باغتيال الجنرال رضى موسوي، أحد المستشارين الكبار للحرس الثوري بسوريا، في ضربة صاروخية إسرائيلية استهدفت منزلا يوجد فيه بمنطقة "السيدة زينب" في 25 ديسمبر 2023.

وموسوي أحد أقدم مستشاري "فيلق القدس" الوحدة الموكلة بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري، بل أكثرهم خبرة وثاني أعلى رتبة عسكرية في الفيلق تُقتل خارج إيران، بعد قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الذي اغتيل بضربة أميركية في بغداد عام 2020.

وأمام هذه المعادلة العسكرية الجديدة المربكة لإيران بعدما أصبح قادة الحرس الثوري في عين الملاحقة من قبل إسرائيل، تحدثت وكالة "رويترز" البريطانية عن لجوء طهران إلى سحب بعض هؤلاء من سوريا.

وقالت خمسة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" مطلع فبراير 2024 إن الحرس الثوري سحب كبار ضباطه من سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد بشكل أكبر على المليشيات المتحالفة معه للحفاظ على نفوذه هناك.

وأثار الحرس الثوري الإيراني مخاوفه مع النظام السوري من أن تسرب المعلومات من داخل "قوات الأمن السورية" لعب دورا في الضربات الأخيرة، بحسب ما كشفته ثلاثة مصادر للوكالة.

وذكرت ثلاثة من المصادر أنه في الوقت الذي يطالب فيه المتشددون في طهران بـ"الانتقام"، فإن قرار إيران سحب كبار ضباطها يرجع جزئيا إلى رغبتها في تجنب الانجرار مباشرة إلى صراع محتدم في الشرق الأوسط.

وبينما قالت المصادر إن إيران ليس لديها نية للانسحاب من سوريا- وهي جزء رئيس من مجال نفوذ طهران - فإن إعادة التفكير تسلط الضوء على كيفية ظهور عواقب العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني إقليمي كبير أطلعته طهران على إفادة، إن كبار القادة الإيرانيين غادروا سوريا مع عشرات من الضباط متوسطي الرتب، ووصف ذلك بأنه "تقليص للوجود".

وأشارت ثلاثة من المصادر أن الحرس الثوري سيدير العمليات في سوريا عن بعد بمساعدة حليفه "حزب الله" اللبناني.

وقال مصدر آخر، وهو مسؤول إقليمي مقرب من إيران، إن أولئك الذين مازالوا في سوريا تركوا مكاتبهم وابتعدوا عن الأنظار، وإن "الإيرانيين لن يتخلوا عن سوريا لكنهم قلصوا وجودهم وتحركاتهم إلى أقصى حد”.

لكن ما نشرته "رويترز" لم يرق لطهران، حيث نفى السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، التقارير الصحفية التي تحدثت عن سحب بلاده كبار ضباطها من سوريا.

وقال أكبري في 11 فبراير 2024 خلال مؤتمر صحفي عقده بسفارة طهران لدى دمشق، بمناسبة "الذكرى الـ45 للثورة الإيرانية": "بناء على تقنية المعلومات التي تطورت بشكل كبير، فليس هناك أي حاجة لعناصر بشرية لأخذ المعلومات".

وأشار إلى أن إيران "تحسن الظن" بمسؤولي النظام السوري، وترفض تماما مثل هذه الأحاديث ولا صحة لها.

وذكر أكبري أن القوات الإيرانية في سوريا موجودة بالتنسيق الكامل مع حكومة نظام الأسد، و"بشكل قانوني وبناء على الأنظمة الدولية"، على حد زعمه.

وأكد أن القوات الإيرانية ستكون موجودة أينما يطلبها النظام السوري، مضيفا: "نحن بالقوة نفسها موجودون وحاضرون في سوريا وأبدا لن ننسحب".

مهمة إستراتيجية

وأرسلت إيران إلى سوريا ابتداء من عام 2012 آلاف المقاتلين الإيرانيين والأجانب فضلا عن "مستشارين عسكريين" من الجيش والحرس الثوري للقتال إلى جانب قوات الأسد لوأد الثورة التي انطلقت في مارس/ آذار 2011.

واعترف المسؤولون الإيرانيون والسوريون منذ فترة طويلة بأن لدى إيران مستشارين وخبراء عسكريين في سوريا.

واستغلت إيران حاجة الأسد لها لمنع سقوط حكمه، للبدء بـ"استكمال ترسيخ وجودها العسكري" على الأراضي السورية والوصول إلى البحر المتوسط.

وتمكنت طهران من تشكيل فصائل محلية موالية لها، وصل عددها إلى جانب المليشيات الأجنبية التي جلبتها إلى مئة ألف مقاتل ينتشرون في كل المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.

وشكل الوجود الإيراني "قلقا بالغا" لإسرائيل وخاصة بعد انتشار مليشيات إيرانية قرب الجولان المحتل وتركيز طهران على إدخال أسلحة نوعية إلى سوريا وإيصال بعضها إلى "حزب الله" ذراع إيران العسكري الذي ينشر قوة له جنوب لبنان المحاذي لشمال إسرائيل.

الأمر الذي دفع إسرائيل للبدء في شن غارات جوية على مصالح إيرانية بسوريا، وكانت باكورة ذلك، في 5 مايو/أيار 2013 حينما شنت غارات على ريف دمشق مستهدفة أسلحة إيرانية مرسلة إلى "حزب الله".

مؤسسة الدفاع الإسرائيلية ترى أن الحرس الثوري الإيراني هو على الأرجح الوحدة المحددة التي ستحاول شن هجوم ضد إسرائيل.

وتشكل الحرس الثوري عقب قيام ما يسمى "الثورة الإسلامية الإيرانية" عام 1979 لحماية النظام الديني الشيعي الحاكم وتوفير ثقل مقابل للقوات المسلحة التقليدية.

ويشغل ضباط الحرس الثوري السابقون مناصب رئيسية في المؤسسة الإيرانية، من الحكومة إلى البرلمان. 

ومعظم أعضاء حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هم ضباط سابقون في الحرس الثوري.

وبعد الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن العشرين، شارك الحرس الثوري بقوة في عمليات إعادة الإعمار بإيران ووسع نطاق مصالحه الاقتصادية لتشمل شبكة واسعة من الشركات بدءا من مشروعات النفط والغاز وانتهاء بالتشييد والاتصالات، حيث تقدر مصالحه الاقتصادية بمليارات الدولارات.

ويتبع الحرس للمرشد الإيراني علي خامنئي (84 عاما) وله نحو 125 ألف مقاتل في وحدات برية وبحرية وجوية.

ويقود الحرس أيضا مليشيا (الباسيج) وهي قوة من المتطوعين موالية للمؤسسة الدينية وتُستخدم في كثير من الأحيان لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

أما "فيلق القدس" فهو هو ذراع التجسس الخارجي وشبه العسكري للحرس الثوري الذي يؤثر بشدة على الجماعات المسلحة المتحالفة معه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من لبنان إلى العراق ومن اليمن إلى سوريا. ويقاتل أعضاؤه لدعم نظام الأسد.

وتتمثل المهمة الأساسية "لفيلق القدس" في إنشاء مليشيات مسلحة تتبع لها في بلدان "محور المقاومة" بقيادة طهران، حيث يتسم تنظيمها "بالغموض والتعقيد".

تكتيك مرحلي

وسبق أن أكد قائد الحرس الثوري الإيراني السابق الجنرال محمد علي جعفري عام 2019 أن القوات الإيرانية لن تنسحب من سوريا، رافضا التهديدات الإسرائيلية، بحسب وكالة "فارس" للأنباء.

ونقلت الوكالة عن جعفري حينها قوله "سنحتفظ بجميع مستشارينا العسكريين والثوريين وكذلك معداتنا وأسلحتنا التي لنا في هذا البلد الإسلامي لتدريب وتقوية مقاتلي المقاومة ودعم الشعب السوري المظلوم"، بحسبه.

من جانبه، يرى المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو أن "إيران لن تسحب الضباط والمستشارين في الحرس الثوري تحت الضربات الإسرائيلية؛ لأن زيادة هذه الضربات يعني إصرار في الجانب الإيراني على المشروع الطويل الأمد في سوريا الذي كان الهدف الأساس من التدخل وصرف مليارات الدولارات لتثبيته بسوريا".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال" أن "الضربات الإسرائيلية لن تؤدي لقطف ثمار محاولة تل أبيب منع تمدد إيران وترسيخ وجودها في سوريا وحلم نظام الملالي بربط إيران بالعراق ثم سوريا فلبنان".

ورأى أنه "حتى لو سحبت إيران ضباط الحرس الثوري في هذه المرحلة من سوريا فإنها ستكون لدراسة إستراتيجية التقليل من استهدافهم من قبل إسرائيل ومنح قيادة العمليات في هذه المرحلة لرتب متوسطة في الحرس".

ونوه جلو إلى أن "عملية سحب إيران لضباط الحرس الثوري من سوريا، هي محاولة للكشف عن المصدر الأساسي الذي يسرب المعلومات الاستخبارية حول تواجدهم ومكان إقامتهم وتنقلاتهم للطرف الإسرائيلي وبالتالي تنفيذ هجمات وقتلهم في مساكن سرية حتى داخل المحافظات السورية".

ويرى مراقبون أن "خطوة طهران غير المعلنة بسحب قادتها الكبار من سوريا، تأتي بالتوازي مع الوضع الداخلي في إيران".

إذ إن طهران حريصة أيضا على تهدئة التوترات بينما تستعد لإجراء انتخابات برلمانية مهمة مطلع مارس 2024، حيث لا تريد الكتل الانتخابية المحسوبة على الحرس الثوري أن تتأثر بتساقط المزيد من الضباط في سوريا.

وذكرت صحيفة "إيران إنترناشيونال"، أن البعض في طهران "يشتبهون في وجود تسلل إسرائيلي لتعقب وتحديد أماكن وجود ضباط كبار في الحرس الثوري في سوريا".

ولذلك فإن اصطياد إسرائيل تسعة من قادة الحرس الثوري خلال شهر واحد وقتلهم، سيدفع طهران إلى إعادة حساباتها من ناحية الحفاظ على حياة البقية منهم، حتى وإن تطلب ذلك إبعاد من تبقى منهم نحو إيران دون أن تعلن ذلك صراحة.

ولا سيما أن عملية إرسال هؤلاء الضباط لم يتأثر في السنوات السابقة عندما تساقط العشرات منهم في معارك مع المعارضة السورية.

فقد قتل كثير من قادة وضباط الحرس الثوري في معارك مع المعارضة السورية، إلا أن ذلك لم يثن طهران عن إرسال المزيد منهم رغم عودتهم بتوابيت إلى إيران.

وآنذاك كانت طهران تتبع تكتيكا عسكريا يتمثل بقيادة ضابط من الحرس الثوري لمجموعة من المليشيات الإيرانية الأجنبية على محاور القتال مع المعارضة السورية.

وهذا ما أدى إلى خسارة إيران العشرات من هؤلاء الضباط في المعارك بسوريا ومن أشهرهم العميد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، حسين همداني، الذي أعلن عن مقتله في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 بمحافظة حلب.

كما قتل العميد عبد الله خسروي قائد كتيبة الفاتحين المؤلفة من متطوعين إيرانيين للقتال في العراق وسوريا في أكتوبر 2017، وغيرهم الكثير.