بعد انسحاب الكبار… هل يتحول المغرب إلى مركز إستراتيجي للأدوية في إفريقيا؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في وقت تنسحب فيه تدريجيا كبرى شركات الأدوية العالمية من الأسواق الإفريقية والشرق أوسطية، مفضلة التركيز على أسواقها التقليدية في أوروبا وأميركا واليابان، تحول الصناعة الدوائية في المغرب إلى قوة صاعدة بهدوء وثبات.

وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية: إن "مختبرات (معامل) مغربية بدأت تثبت حضورها وتتبنى إستراتيجيات متنوعة لا تقوم على منافسة الكبار في مجالاتهم، بل على اقتناص الفرص المهملة وإحياء مشاريع متروكة والتوسع في أسواق ناشئة".

وبالإشارة إلى أن الطلب على الأدوية في إفريقيا سيتضاعف بحلول عام 2040، أوضحت المجلة أن "المغرب يبدو مهيأ ليلعب دورا قياديا في خارطة الدواء الإفريقية، إذا ما تحول هذا الزخم الصناعي إلى مشروع وطني متكامل تدعمه الإرادة السياسية والتنسيق المؤسساتي".

قوة الدواء

ونقلت المجلة عن المدير العام لشركة "كوبر فارما"، أيمن الشيخ لحلو، قوله: إن "سوق إفريقيا والشرق الأوسط يُقدر بـ50 مليار دولار".

وأشار إلى أن "الشركات متعددة الجنسيات تنصرف عنه، لكن لدينا القدرة على بناء منصة صناعية موثوق فيها".

جدير بالذكر أن شركة "كوبر فارما" هي إحدى أعرق شركات الصناعات الدوائية في المغرب، تأسست عام 1933 في مدينة الدار البيضاء، وتحولت من فرع صغير لمختبر فرنسي إلى مجموعة صناعية دوائية متعددة الجنسيات مملوكة بالكامل للمغاربة. 

ولفتت المجلة إلى أن "هذا المختبر حاضر بالفعل في أبيدجان وكيغالي والرياض ودبي ومدريد وبراغ، كما يمتلك تسع مصانع ومشاريع شراكة مستهدفة".

وبطموح واضح، كما أكدت المجلة، يهدف المختبر أن يصبح الذراع الصناعية للمجموعات الدولية الراغبة في الحفاظ على ارتباطها بإفريقيا، من دون الوجود الفعلي فيها.

وفي هذا السياق، تلفت المجلة إلى أن "كوبر فارما" تعتمد على إنتاج الأدوية "البسيطة" تقنيا "low-tec"؛ تلك التي تخلت عنها الشركات الكبرى لتركز على العلاجات عالية القيمة. 

وهكذا، استحوذت الشركة المغربية على مصنع "سانوفي" في السعودية، ثم على مصنع "فايزر" في داكار، وفق ما أوردته "جون أفريك" في تقريرها. 

وهي -بحسب المجلة- إستراتيجية لإعادة تدوير المنشآت الصناعية بشكل مدروس، تتيح للمجموعة المغربية توسيع عروضها وتلبية احتياجات ضخمة، غالبا ما تُهمل.

علاوة على ذلك، قالت المجلة: إن "المختبر يُعد من القلائل الذين يعالجون مجالات علاجية مهمشة في السياسات الصحية الإفريقية، مثل الأمراض الجلدية وأمراض النساء وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض المزمنة". 

كما يمتلك أيضا مصنعا متخصصا في إنتاج الهرمونات المانعة للحمل، وهو حاليا قيد التقييم من قبل الاتحاد الأوروبي.

مسألة تنسيق

وفي هذا الإطار، سلطت "جون أفريك" الضوء على أن "تحويل هذا الطموح إلى إستراتيجية ناجحة يحتاج إلى الحد الأدنى من التنسيق بين القطاعين العام والخاص". 

وفي هذا الصدد، أكد الشيخ لحلو قائلا: "في السعودية، إذا كنت تنتج محليا، تحصل تلقائيا على الحق في الصفقات العمومية.. أما في المغرب، فنحن لا نطلب أراضي ولا دعما ماليا، نريد فقط فتح الأسواق".

ومن وجهة نظر المجلة، تُعد هذه إشارة واضحة إلى التردد الرسمي، والذي يفضل مدير "كوبر فارما" تفسيره بواقعية قائلا: "الحكومات لديها أولويات أخرى.. ولذلك، علينا أن نؤدي دورنا نحن أيضا".

ومن جهة أخرى، تحدث المجلة الفرنسية عن شركة "فارما 5"، وتوضح أنها تضع نصب أعينها طموح التوسع العالمي. 

حيث يشكل التصدير اليوم 27 بالمئة من رقم معاملاتها، وتسعى لرفعه إلى 80 بالمئة خلال خمس إلى سبع سنوات. 

وبالإشارة إلى أن أوروبا والخليج والولايات المتحدة في مرماها حاليا، ذكرت المجلة أنها أنشأت فرعا لها في فرنسا منذ عام 2019، بهدف استباق إعادة توطين سلاسل الإنتاج الدوائي، في وقت بدأت فيه أوروبا تعي مدى تبعيتها لآسيا. 

ولكن بحسب المجلة، عطلت عوامل الحرب في أوكرانيا والتوترات في سلاسل التوريد، والتعقيدات التنظيمية هذا المسار.

ولكن رغم ذلك، لم تفقد المجموعة إصرارها؛ إذ صرحت المديرة العامة، ميا لحلو الفيلالي، قائلة: إن "طموحنا هو العالم".

الأسواق الخارجية

وبالحديث عن شركة "سوثيما"، أوضحت "جون أفريك" أن لمياء التازي التي تتبع إستراتيجية متمايزة وواضحة المعالم، هي من تدير شركة "فارما 5".

وفي مقابلة مع موقع "Médias24"، في يونيو/ حزيران 2023، صرحت التازي قائلة: "نركز على الأدوية الباهظة.. استثمرنا في الأدوية البيولوجية المشابهة المعقدة (biosimilaires) والتخصصات القابلة للحقن".

وهي بذلك -كما تعبر المجلة- تتجنب حرب الأسعار في سوق الأدوية الجنيسة التقليدية، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات متزايدة لدى أنظمة الرعاية الصحية.

وفي هذا السياق، ذكرت أن "المختبر يملك عدة مواقع صناعية عالية المستوى، ويوجد في 45 دولة، كما يتميز بطاقة إنتاجية تصل إلى 60 مليون وحدة سنويا". 

بالإضافة إلى ذلك، صُنف المختبر ضمن قائمة أفضل 100 شركة في قطاع الصحة في العالم العربي، بحسب مجلة "فوربس الشرق الأوسط".

وفي عام 2023، عززت "سوثيما" استثماراتها في تحديث خطوط الإنتاج وتوسيع حضورها بالقارة الإفريقية، لا سيما في منطقة غرب إفريقيا.

من جهة أخرى، لفتت المجلة النظر إلى أن "لابروفان" تُعد من الرواد التاريخيين في قطاع الأدوية المغربي.

وتأسست الشركة سنة 1949، وتعتمد منذ عامين إستراتيجية منهجية تُعد ردا مباشرا على التبعية العالمية في قطاع الأدوية. 

وعلى حد قول المجلة، فإن المختبر المعروف محليا بـ "فيتامين C" بدأ أخيرا بالارتقاء إلى مستوى أعلى في عدة مجالات.

ففي مايو/ أيار 2024، أعلنت شركته الفرعية "إيروفان" عن دخولها السوق الأوروبية، ضمن خطوة تشكل جزءا من إستراتيجية ثلاثية الأبعاد.

كما أطلق المختبر وحدة متخصصة في إنتاج المواد الخام الصيدلانية "API"، بهدف دخول سوق يهيمن عليه حاليا كل من الهند والصين، وفق ما ورد عن المجلة. 

وفي تصريح له، في يناير/ كانون الثاني 2022، لمجلة "تيل كيل" المغربية، قال المدير العام لشركة "لابروفان"، فريد بنيس: "بإمكاننا أن نصبح الهند الجديدة لأوروبا في صناعة المواد الصيدلانية".

وإلى جانب هذا الهجوم الصناعي، أبرزت المجلة أن "لابروفان" أطلقت مبادرة تكنولوجية غير مسبوقة، عبر شراكة مع الجمعية المغربية للصحة الرقمية "SMSD"، لتطوير حلول في مجال الصحة الرقمية تعتمد على البيانات الطبية والذكاء الاصطناعي.

ورأت أن "الإستراتيجية موجهة نحو إفريقيا، لكنها مصممة أيضا لتتوافق مع المعايير الأوروبية".

جبهة غير موحدة

وفي سياق ما ذُكر سابقا، خلصت "جون أفريك" إلى أن "جميع الشركات السابق ذكرها تتجه جميعها نحو إفريقيا، غالبا بتمويل ذاتي، وأحيانا بدعم ملكي". 

فعلى سبيل المثال، وُقعت مذكرتي التفاهم لـ"كوبر فارما" في رواندا وكوت ديفوار بحضور العاهل المغربي محمد السادس، عام 2016.

وكما أفادت المجلة، تؤكد هذه الشركات جميعها امتلاكها لمهارات تقنية مطابقة للمعايير الأوروبية ويد عاملة مؤهلة وأدوات صناعية تنافسية، بالإضافة إلى توازن في الجودة والسعر يضعها ضمن أفضل خمس شركات على مستوى القارة.

ولكن رغم ذلك، شددت المجلة الفرنسية على أن "غياب التنسيق الحكومي لا يزال عائقا حقيقيا". 

واستطردت: "إذ لا يوجد شباك موحد لدعم التصدير، ولا إستراتيجية هجومية للدبلوماسية الاقتصادية في قطاع الأدوية، ولا برنامج هيكلي لمواكبة هذه الصناعة في المناقصات الدولية".

وكما يلخص أحد مستشاري القطاع: "المغرب يتمتع بتنافسية، لكنه يفتقر إلى الجرأة الصناعية".

وفي النهاية، أكدت المجلة على أنه "في وقت يُتوقع فيه أن يتضاعف الطلب على الأدوية في إفريقيا بحلول عام 2040، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي سوى 10 بالمئة من حجم الاستهلاك، فإن المغرب يمتلك فرصة حقيقية ليكون لاعبا أساسيا، بشرط أن يؤمن الجميع بهذا المشروع".