بعد اغتيال أبرز قادته.. خطة "حزب الله" للحفاظ على حاضنته في لبنان

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بعد "الضربات الموجعة" والاختراقات الأمنية الإسرائيلية التي قادت لاغتيال زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، “تأثر سلبا" أنصار الحزب، ما دفع هرم القيادة المتبقية للتركيز على خطاب "رفع المعنويات".

وتولى نائب نصر الله، نعيم قاسم، مهمة بعث رسالة طمأنة إلى أنصار ومؤيدي حزب الله، بأن الأخير ما يزال متماسكا وأنه “نجح في ملء الفراغ” في هرم القيادة بعد جملة اغتيالات نالت الصف الأول فيه.

"رفع المعنويات"

فبعد اغتيال نصر الله جراء غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 خرج نعيم قاسم مرتين خلال ثمانية أيام فقط في كلمتين مصورتين تلفزيونيا، حملت الكلمة الثانية رسالة مباشرة إلى أنصاره في لبنان.

وقال قاسم في 8 أكتوبر 2024 إن قيادة حزب الله "منتظمة بدقة بحسب ما هو معمول به في القيادة والسيطرة"، مشددا على أن "الإمكانات العسكرية لحزب الله بخير".

ولفت قاسم (71 عاما) إلى أن الحزب تخطى "الضربات الموجعة التي أصابته ووفر بدائل في كل المواقع من دون استثناء".

وخاطب قاسم النازحين بقوله: "ترون إنجازاتنا الكبيرة.. نحن ثابتون وسننتصر، وأنتم بنزوحكم تدفعون ثمنا مشابها للثمن الذي تدفعه المقاومة".

وبدا واضحا أن نعيم قاسم، حاول التركيز في كلمته بهذا التوقيت الحساس من عمر الحزب على "رفع معنويات" جمهور الحزب في الداخل.

لا سيما أن إسرائيل تمكنت من تصفية هرم قيادة "حزب الله" خلال أسابيع في أقوى ضربة عسكرية يتعرض لها الحزب منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982.

ويدرك حزب الله أن هذه المرحلة التي يمر بها منذ اشتباكه مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر 2023 "إسنادا لغزة" كان الأصعب فيها هو اغتيال حسن نصر الله في معقل حاضنته الشعبية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ثم بدء إسرائيل توغلا بريا مطلع أكتوبر 2024 انطلاقا من جنوب لبنان، حيث تزعم تل أبيب أن عمليتها محدودة وذات هدف محدد يتمثل بإبعاد حزب الله عن الحدود.

إلا أن الوقائع الميدانية كشفت خلاف المزاعم الإسرائيلية حيث أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء لأكثر من مئة بلدة لبنانية غالبيتها من أبناء الطائفة الشيعية، وأحياء وبنايات سكنية في الضاحية الجنوبية.

وقد شكل ذلك النزوح، عاملا ضاغطا على حزب الله المنشغل أولا بترتيب صفوفه الداخلية وعدم قدرة أفراد الحزب الظهور بشكل علني في المناطق اللبنانية كما في السابق خشية الترصد والملاحقة والاغتيال، علاوة على تأجيل تشييع نصر الله للوقت المناسب كما قال الحزب.

كما أن انتشار النازحين في الطرقات اللبنانية من مناطق الجنوب تثير قلق حزب الله، بعدما هجر القصف الإسرائيلي أكثر من 1.2 مليون شخص، غالبيتهم الساحقة منذ اشتداد العدوان على لبنان في 23 سبتمبر 2024.

 بالمقابل، يواجه حزب الله في الوقت الراهن "حربا نفسية" من قبل إسرائيل إلى جانب تكثيف الهجمات العسكرية على مواقع الحزب وقياداته.

وقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 8 سبتمبر 2024 أثناء اجتماع مع القيادة الشمالية لجيشه بأن حزب الله "منظمة محطمة ومدمّرة من دون أي قيادة وإمكانيات قتالية تذكر، وبقيادة مفككة بعد القضاء على حسن نصرالله".

ويؤكد المراقبون أن فقدان حزب الله لكتلته القيادية التأسيسية، وكذلك جزء كبير من قياداته العسكرية، والعشرات من عناصر وحداته القتالية بتفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكية باتت لها تأثير على شعبيته في لبنان.

لا سيما أن حزب الله لطالما يصف وجوده بلبنان بأنه "الدرع الحامي للطائفة الشيعية" هناك.

"تكتيك إعلامي"

بينما قال نعيم قاسم في خطابه الأخير إن "إسرائيل لن تحقق أهدافها وسنلحق بها الهزيمة"، ولفت إلى أن "المقاومة ستكبّد الجانب الإسرائيلي خسائر كبيرة وستكون مقدمة لإنهاء الحرب"، أشار موقع النشرة المحلي اللبناني إلى أن هدف حزب الله هو "رفع المعنويات" عبر "التكتيك الإعلامي" الذي يعتمده الحزب، والذي غابت معه منذ نحو أسبوعين بيانات "النعي" التي دأب على إصدارها منذ عام، وفق الموقع.

ونوه الموقع، إلى أن كلام الشيخ قاسم عن وقف إطلاق النار والانفتاح عليه، هو “من باب تأييد الحراك السياسي الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري” مع الأطراف اللبنانية والدولية.

وقال الموقع: "حزب الله من الواضح في هذه المرحلة، يعمل ليس فقط لمحاولة طمأنة جمهوره على القدرات العسكرية للمقاومة، ولكن أيضا في مسعى لـ احتواء الخيبة التي ترتبت على الاغتيالات النوعية التي نفذتها إسرائيل، وبلغت أوجها مع اغتيال نصر الله، وأكملتها باستهداف خليفته المرجح السيد هاشم صفي الدين".

والاتصال مع رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين "مقطوع" منذ سلسلة الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية في 4 أكتوبر 2024. 

وذهب موقع النشرة للقول في 10 أكتوبر 2024 إن "قيادة حزب الله أو ما تبقى منها، تدرك جيدا أن البيئة الحاضنة المؤيدة للمقاومة تأثرت سلبا بكل ما جرى في الأسابيع الأخيرة، وشعرت أن الأمور خرجت عن السيطرة بصورة أو بأخرى، خصوصا بعد اغتيال نصر الله، الذي كان يُعتقَد على نطاق واسع أنّه محصن".

أكثر من ذلك، فإن "قيادة حزب الله" بحسب ما الموقع ذاته، "تدرك وجود نقمة لدى الكثير من المؤيدين، خاصة أن إيران التي لم تقدم الإسناد المطلوب بالحد الأدنى، حتى إنها كانت تفاوض على اتفاق نووي في عزّ العدوان، ولكن أيضا على قيادة الحزب، التي يرى البعض أنها ارتكبت أخطاء جسيمة في الحسابات والتقديرات، أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه".

شيعة لبنان

وضمن هذا السياق، يرى الناشط السياسي والأكاديمي اللبناني حارث سليمان، أن "الأحداث أوضحت أن حسابات حزب الله وخياراته، قد وقعت في أخطاء فادحة وقرارات كارثية، ولم تأخذ في الحسبان إلا رغبات إيران وإملاءاتها، دون مراعاة لمصلحة شيعة لبنان وشعبه". 

وأضاف سليمان في مقال أسبوعي نشره على موقع "جنوبية" في 10 أكتوبر 2024:"مهما حاول ما تبقى من قيادة حزب الله، أن يتنصل من مسؤوليته عن الكارثة التي أصابت لبنان عامة وأبناء الطائفة الشيعية خاصة، فإن إدانة أدائه ستبدو أمرا جليا على كل لسان".

وأردف: "فقد تم اقتلاع أكثر من 700 ألف شيعي من قراهم ومدنهم وأرزاقهم، ودفعوا هائمين على الطرقات ونازحين الى مراكز ايواء، لا تتوفر فيها شروط الإقامة، أو تجهيزات المنامة أو مستلزمات النظافة، وفي ظل سلطة لبنانية يمتلك قرارها “حزب الله”، ويتحكم بشكل كامل بكل إجراءاتها". 

ومنذ 23 سبتمبر 2024، وسعت إسرائيل نطاق الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لتشمل جل مناطق لبنان، بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية غير مسبوقة عنفا وكثافة، كما بدأت توغلا بريا في جنوبه ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الدولية والقرارات الأممية.

وتلك الغارات أسفرت عن 1323 قتيلا و3698 جريحا، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، وفق وكالة الأناضول.

وأمام ذلك، فإن إقرار حزب الله بمرحلة "الضربات المؤلمة" وحديثه عن تجاوزها و“تأمين البدائل في جميع المواقع بدون استثناء"، وفق ما قال نعيم قاسم هي محاولة واضحة لنسف فرضيات أن حزب الله "بات في نهاياته"، وأنه سيجرى القضاء عليه، وأن حاضنته في حالة إحباط وهزيمة كما يُردد خصومه.

ولهذا وفق المراقبين فإن حزب الله يسعى لرسم صورة ذهنية جديدة وطمأنة مناصريه، بأن إسرائيل التي كسبت ربما "جولة" أو أكثر، لم تربح "الحرب".

وضمن هذه الجزئية، يرى الكاتب اللبناني علي الأمين، أن "جمهور الحزب فقد مصدر الأمان، لأن أحدا منهم لم يكن يخطر في باله القدرة الإسرائيلية، ولم يكن يعلم حقيقة قوة حزب الله، المغايرة للصورة المتوهمة، والتي سقطت مع انكشاف حجم الاختراق الإسرائيلي للحزب واغتيال نصر الله، وعجزه عن ردع العدوان الإسرائيلي".

وأضاف الأمين في مقال نشره في 5 أكتوبر 2024 أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في 4 أكتوبر خلال زيارته لبيروت عن استمرار دعم “حزب الله” وشيعة لبنان، هو “محاولة لرفع المعنويات، وشد من عضد المقاتلين وأنصار الحزب، بعدما فقد العديد من قادته”.

وختم بالقول: "حسب المعلومات، فإن إيران أرسلت فرقها لتعويض النقص والخلل داخل قيادة حزب الله بعد فقد العديد من قادته وتشتت قدراته، كما أن طهران أمسكت مباشرة بمقاليد القيادة للحزب من خلال الحرس الثوري الإيراني".