اتحاد كونفدرالي لمواجهة استعمار الغرب.. هل يغير المشهد السياسي بإفريقيا؟
هذا الإعلان يعني أن تعمل الدول الثلاث من الآن فصاعدا تحت راية واحدة
صُنع التاريخ الإفريقي من جديد في النيجر يوم 6 يوليو/تموز 2024، حين قرر زعماء 3 دول في غرب القارة السمراء، تأسيس اتحاد كونفدرالي يستهدف التصدي للاستعمار الغربي وعملائه.
القادة العسكريون الجدد لدول مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الذين سيطروا على السلطة أخيرا وطردوا القوات الفرنسية والأميركية من بلادهم، اتخذوا قرارات مهمة سياسية واقتصادية وأمنية، في أول قمة لهذا الاتحاد الكونفدرالي، أزعجت الغرب.
القرارات تتعلق بالوحدة بين بلدانهم عبر ميثاق لتشكيل "اتحاد دول الساحل" الإفريقي، وتوحيد العملة، وتكامل القدرات العسكرية، وغيرها.
وهو حلم طال انتظاره لتوحيد شعوب إفريقيا تحت راية التعاون والتكامل الإقليمي، والاعتماد على الذات ومنع استغلال الغرب لمواردهم وتحويل بلادهم لقواعد عسكرية.
وهذا الإعلان يعني أن تعمل الدول الثلاث من الآن فصاعدا، تحت راية واحدة، وتتبنى سياسة خارجية وأمنية موحدة، مسترشدة بالمصالح الإفريقية، ومدعومة ببنك مركزي مشترك.
وهو "اتحاد" يمثل انتقالة مهمة وتطويرا لـ "تحالف دول الساحل" الذي تأسس في سبتمبر/أيلول 2023، نحو الوحدة، وبهدف تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات الأمن، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافة.
ضد الاستعمار
رغم أن من نفذوا الانقلابات المتتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر عامي 2022 و2023، هم من العسكريين، إلا أن انقلابهم هذه المرة جاء ضد الاستعمار الفرنسي والأميركي لبلادهم.
وكذلك ضد الحكام الموالين للغرب، ممن تنازلوا عن ثروات بلادهم وقواعدها العسكرية للمستعمرين الغربيين، مقابل فتات السلطة والثروة.
هذه الانقلابات تبعها عمليات طرد لجيوش المستعمرين واحدًا تلو الآخر، من دول الساحل ووسط إفريقيا، حتى إن فرنسا خسرت 4 دول طُردت منها، هي مالي وغينيا وبوركينا فاسو عام 2021 والنيجر والغابون 2023.
كما ألمح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو 16 مايو/أيار 2024 لقرب طرد بلاده الجنود الفرنسيين وغلق القواعد العسكرية الفرنسية بالسنغال، بسبب "تأثير هذا الوجود على سيادتنا الوطنية واستقلالنا الإستراتيجي"، وفق وكالة "رويترز" البريطانية.
وطردت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، القوات الفرنسية، وتبعه طرد النيجر أيضا للجيش الأميركي من أراضيها بشكل كامل يوم 7 يوليو/تموز 2024، بحسب "وكالة الأنباء الفرنسية".
وجاء ذلك بعدما أمر المجلس العسكري الحاكم في أبريل/نيسان 2024 الولايات المتحدة بسحب جنودها الذين يبلغ عددهم قرابة ألف عسكري، وخروج الجيش الأميركي من بلاده.
هذه الانقلابات ضد الاستعمار الغربي وأعوانه من الحكام، والتي أعقبها طرد القوات الأجنبية، واكبها الانسحاب أيضا من منظمات أنشأها الغرب لربط هذه الدول به.
وأبرزها "تجمع أو تحالف دول الساحل" الفرنسي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي تضم 15 بلدا في القارة.
ففي عام 2021 انسحبت مالي، من "تجمع دول الساحل"، وهو تحالف شكلته فرنسا من 5 دول، بدعوى "محاربة الإرهاب"، في حين أن الهدف الأساسي منه كان تبرير وتوفير سبب بقاء الجيش الفرنسي هناك.
ثم انسحبت منه بوركينا فاسو والنيجر 2 ديسمبر/كانون أول 2023، وبالتالي لم يتبق سوى دولتين فقط في التجمع هما موريتانيا وتشاد، ما يعني انهياره فعليا.
ونزع انسحاب الدول الثلاث من هذا التجمع وانهياره، من فرنسا حجة توظيفه بدعوى محاربة الإسلاميين في إفريقيا بينما كانت تؤلب به الصراعات الإفريقية لتبقى بقواتها هناك.
وأعلنت هذه الدول في 6 يوليو التحول من تحالف دول الساحل (AES) إلى اتحاد دول الساحل (CES).
أكدوا، أنه لا نية للعودة لـ "إيكواس" مجددا، واتهموا الكتلة "بالفشل في الوفاء بدورها"، بسبب سيطرة الغرب عليها، وتعهدوا بتعزيز اتحادهم الخاص (اتحاد دول الساحل)، بحسب وكالة أسوشيتدبرس الأميركية 7 يوليو 2024.
وكان خروجهم من إيكواس مدفوعا جزئيا باتهامات مفادها أن "باريس تتلاعب بالكتلة ولا تقدم الدعم الكافي للجهود المناهضة للجهاديين"، وفق "صوت أميركا" 6 يوليو.
وقال الزعماء الثلاثة، الذين تولوا السلطة عبر انقلابات، في بيان صدر في ختام القمة إنهم "قرروا اتخاذ خطوة أخرى نحو تكامل أكبر"، و"اعتمدوا معاهدة لإنشاء كونفدرالية"، بحسب إذاعة "صوت أميركا".
دوافع الاتحاد
بحسب تقديرات إفريقية وفرنسية وأميركية، سعت هذه الدول للتحلل من النفوذ الغربي، وتقوية استقلالها السياسي، وأمنها الجماعي، وتنشيط وتكامل اقتصاداتها، والسيطرة على مواردها بنفسها، عبر تشكيل هذا الاتحاد الكونفدرالي.
بحيث تهدف هذه الخطوة إلى تقليل الاعتماد على القوى الغربية التقليدية، مثل فرنسا، والتوجه نحو تعزيز العلاقات مع دول مثل روسيا، التي أبدت استعدادها لدعم الأنظمة الجديدة عسكريًا واقتصاديًا.
وقد أشار لهذه الأهداف زعيم بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، خلال اجتماع تأسيس الاتحاد الكونفدرالي في النيجر، متهما الدول الأجنبية باستغلال إفريقيا.
قال "تراوري" "إن الغربيين يرون أننا تابعون لهم، وأن لهم حقا في ثرواتنا أيضا، ويعتقدون أنهم هم الذين يتعين عليهم أن يستمروا في إخبارنا بما هو جيد لدولنا".
وتابع: "لقد ولى هذا العصر إلى الأبد، وستظل مواردنا لنا ولشعوبنا"، بحسب وكالة "رويترز" 7 يوليو 2024.
كما وصف القائد العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني قمة اتحاد الدول الثلاث الكونفدرالي بأنها "تتويج لإرادتنا المشتركة الحازمة لاستعادة سيادتنا الوطنية".
وتابع في اجتماع تدشين الاتحاد الكونفدرالي أن “إيكواس” التي تأسست منذ ما يقرب من 50 عاما أصبحت "تهديدا لدولنا"، وفق "أسوشيتد برس".
وأكد: "نحن بصدد إنشاء منظمة اقتصادية شعوبية، بدلا من منظمة إيكواس التي تخضع توجيهاتها وتعليماتها لقوى غريبة عن إفريقيا".
بدوره، قال زعيم مالي العقيد أسيمي غويتا الذي انتخب زعيما للاتحاد "إن الهجوم على واحد منا سيكون هجوما على جميع الأعضاء الآخرين".
ووقع الزعماء الثلاثة على ميثاق يلتزمون فيه بتأسيس برلمان إقليمي وبنك مماثلين للبرلمان والبنك اللذين تديرهما الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
كما تعهدوا بتجميع مواردهم العسكرية والتعاون لمكافحة انعدام الأمن في بلدانهم.
وفي 7 مارس/آذار 2024، اتفقت الدول الثلاث على إنشاء قوة مشتركة "لمواجهة التهديدات الأمنية في جميع أنحاء أراضيها: وفق وكالة "رويترز".
ويُمثل إنشاء هذا الاتحاد تحقيقا أوليا جديا لتعطش الشعوب الإفريقية للخروج من العباءة الفرنسية.
كما يعد لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة، حيث يعد خطوة مهمة نحو الوحدة الإفريقية، تعتمد على القدرة الإقليمية الذاتية في مواجهة التحديات المشتركة.
فرص وتحديات
يضم اتحاد دول الساحل، الذي وضعت لبنته الأولي في 16 سبتمبر/أيلول 2023، وتم تدشينه رسميا 6 يوليو 2024، مالي والنيجر وبوركينا فاسو بموجب اتفاقية دفاع مشترك.
وقد أعقب توقيع الميثاق المتعلق بهذا التحالف، الذي يحمل اسم "ليبتاكو-غورما"، اجتماعات وخطط لمبادرات من شأنها دفع الهيكل الجديد إلى الأمام نحو وضع النظام الأساسي للتحالف، وتحويله إلى كونفدرالية.
وبموجب الاتفاق، تخطط الدول الثلاث بالفعل لإنشاء قوة دفاعية مشتركة. ورغم أن هذه المبادرة جديرة بالثناء، لأنها تختم طموح توحيد إمكانات هذه الدول الثلاث، فإن التساؤلات تثار حول قدرتها على مقاومة تقلبات الزمن.
وخاصة أنها تقودها أنظمة عسكرية انتقالية من المفترض أن تسلم السلطة لحكومات مدنية قد لا تسعى إلى نفس الجهود أو تنمي نفس الطموحات، بحسب دراسة لمركز "بوليسي سنتر" 24 أبريل 2024.
ورغم أن الميثاق يعطي الأولوية للدفاع الجماعي عن سكان الدول الثلاث، لكنه يتضمن أيضا تدابير تتجاوز التعاون داخل التحالف وتضع رؤية لتكامل الدول الثلاث في إطار كونفدرالي.
والآن، يتعين على مالي والنيجر وبوركينا فاسو أن تتوصل إلى حل لمسألة دمج اقتصادات الدول الثلاث وإقامة اتحاد اقتصادي أوثق، من خلال التوفيق بين السياسات الضريبية، واللوائح التجارية، والبنية الأساسية الاقتصادية.
كما سيتعين على أعضاء التحالف إقناع القوى السياسية وسكان الولايات بدعم مثل هذا الاتحاد، الأمر الذي قد يتطلب حملات توعية طويلة الأمد، ونقاشا عاما، وإصلاحات مؤسسية داخلية في كل دولة.
أيضا يهدف هذا الاتحاد الكونفدرالي إلى العمل على تعزيز التوافق بين جيوش الدول الأعضاء الثلاث وإنشاء إطار دفاعي مشترك، يمكن أن يشمل اتفاقيات دفاع متبادلة أو إنشاء قوة دفاع مشتركة.
ولا يعني هذا أنه لا توجد عقبات، إذ تختلف هذه الدول من حيث التنوع العرقي، وتعدد الإيديولوجيات والتوجهات السياسية.
ويمكن للتنافسات التاريخية والاختلافات في المصالح بين المجموعات العرقية والسياسية المختلفة أن تعوق ترسيخ فكرة الكونفدرالية، وفق مركز "بوليسي سنتر".
لكن منطقة الساحل تحتل موقعا جيوستراتيجيا مهما في غرب إفريقيا، ومن شأن الاتحاد بين هذه البلدان أن يعزز ثقلها السياسي والاقتصادي على الساحتين الإقليمية والدولية.
المصادر
- Military leaders of Niger, Mali and Burkina Faso rule out returning to the ECOWAS regional bloc
- Junta-led Sahel states rule out return to West African economic bloc
- Sahel military chiefs form confederation, cement exit from West Africa bloc
- From the Alliance of Sahel States to the Confederation of Sahel States: The Road is Clear, But Full of Traps