"قتل وفساد".. من يحرّك قضايا ضد عائلة البارزاني في المحاكم الأميركية؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواجه عائلة البارزاني التي تدير الحكم في إقليم كردستان العراق، جملة من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأميركية، تشمل القتل خارج نطاق القضاء، والإخفاء القسري، والإبادة الجماعية، والتعذيب والنفي، وجرائم مرتبطة بالتهريب الدولي للمخدرات.

ويتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، إدارة الإقليم الكردي، ويرأس كردستان العراق ابن أخيه نيجيرفان إدريس، بينما يتولى نجله الأكبر مسرور رئاسة الحكومة، فيما يقود ابنه الآخر منصور، القوة الخاصة في قوات البيشمركة.

"حروب النفوذ"

ومنذ أواخر يناير/كانون الثاني 2024، تستعد جماعات ضغط أميركية لاستئناف الإجراءات القانونية التي بدأها "صندوق ضحايا كردستان" (KVF) والناشط ماكي رافاند، القريب من حزب العمال الكردستاني المنافس، إذ من المقرر أن تستأنف القضية أمام محاكم واشنطن في يونيو/حزيران 2024.

"صندوق ضحايا كردستان"، هو مؤسسة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة الأميركية، ويمثلها ماكي رافاند، الناشط الكردي المنفي في ألمانيا، وجون دوس، وهو كردي الأصل أيضا.

وبحسب تقرير نشرته مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية في 26 أبريل/نيسان 2024، فإن "صندوق ضحايا كردستان- ومدعين مجهولين آخرين- يتهمون في شكواهم جميع أفراد عائلة البارزاني بارتكاب عدد كبير من الجرائم كالتعذيب والاختطاف والإعدام خارج نطاق القضاء، بما في ذلك قتل ضابط مخابرات أميركي (لم تذكر اسمه)". 

ولكون قضية قتل ضابط المخابرات الأميركي تعد دعوى مدنية، فإن المدعين يسعون للحصول على تعويضات بقيمة 9 مليارات دولار، وفقا للمجلة الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية. 

يعتمد "صندوق ضحايا كردستان" على الدبلوماسي السابق ستيفن ستديرت، المستشار الخاص للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ويلسون ريغان، للفت الانتباه إلى قضيته، فقد ساعد الأخير في إنشاء الصندوق، ويُعتقد أيضا أنه ساعد في جمع البيانات لدعم الشكوى ضد عائلة البارزاني.

ورجحت المجلة الفرنسية، وقوف شركتي اتصالات واحدة كويتية وأخرى فرنسية وراء إثارة قضايا فساد ضد عائلة البارزاني، وذلك من أجل استرداد تعويضات بقيمة 1.65 مليار دولار من قضية شركة الاتصالات العراقية "كورك تيليكوم".

وأكدت المجلة أنه لا تزال تلك العائلة وحكومة إقليم كردستان "هدفا لحملة قانونية تشنها شركتا أجيليتي الكويتية وأورانج الفرنسية للاتصالات، اللتان تريدان استرداد تعويضات بقيمة 1.65 مليار دولار من قضية شركة الاتصالات العراقية كورك تيليكوم، التي يسيطر عليها مسعود البارزاني".

وفي أبريل 2023، أعلن رئيس هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، علي المؤيد، كسب قرار قضائي لصالح الهيئة "بات وملزم" لشركة "كورك تيليكوم" للاتصالات، بدفع قرابة 800 مليون دولار لخزينة الدولة، حتى تتمكن من العودة للعمل في البلاد.

وينفي مقربون من الفريق القانوني لشركة "أجيليتي" الكويتية مسؤوليته عن الشكوى المقدمة من صندوق الضحايا الكردستاني، لكن "الضغط على طرف غير متعاون من خلال إجراءات قانونية رفيعة المستوى يعد أحد أقدم الحيل في عالم حروب النفوذ"، وفقا للمجلة الفرنسية. 

ويندرج معظم الادعاءات تحت "قانون ماغنيتسكي" العالمي للمساءلة عن حقوق الإنسان، والذي يمكن من خلاله فرض عقوبات على الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم في مجال حقوق الإنسان.

ورأت المجلة الفرنسية أن "الغاية من كل هذه المساعي هي تشويه سمعة كردستان العراق في الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن أربيل لعبت دورا داعما للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة منذ عام 2015".

غياب الحصانة

وفي 12 مارس/آذار 2023، أفاد موقع "معهد المشاريع الأميركية" في تقرير مطول، بأن "مسرور البارزاني بدا غير مدرك أن بعض المقربين الغائبين بشكل ملحوظ من قائمة المتهمين تحدثوا إلى المحققين وتفاوضوا على الحصانة لأنفسهم على حسابه".

وأوضح أنه "من باب المجاملة، عرض محامو صندوق ضحايا كردستان القضية على تريفة عزيز ممثلة حكومة الإقليم لدى الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة أسابيع من أجل التفاوض".

ونقل الموقع عن "مقربين من القضية" لم يكشف هويتهم، قولهم إن "مسرور يعتقد أنه قادر على إغلاق القضية، مثلما فعل في قضية سابقة وغير ذات صلة رفعها شنيار أنور حسن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022".

وشنيار أنور حسن، الكردية التي تحمل الجنسية الأميركية، قدمت دعوى ضد مسرور البارزاني، بتهمتي التهديد والتشهير في محكمة "الكساندريا الفيدرالية" في ولاية فرجينيا التي تسكن فيها.

وطالب محامو البارزاني المحكمة بإعطاء الحصانة إلى مسرور بوصفه مواطنا عراقيا ورئيس حكومة محلية وهي جزء من العراق.

وأشار المعهد إلى أن "هناك أربعة أسباب تجعل البارزانيين حمقى للاعتقاد بأن المحكمة الجزئية الأميركية لمقاطعة كولومبيا سترفض القضية لأسباب تتعلق بالحصانة السيادية".

أول تلك الأسباب أن "مسرور قد يقول إنه يتمتع بحصانة سيادية بموجب القانون الأميركي، لكن إقامته الدائمة في الولايات المتحدة تقوض ذلك، ولا يمكنه أن يدعي ذلك، بل إن إقامته تثير أسئلة ضريبية وشفافية لن يتمكن من التهرب منها بعد الآن".

السبب الآخر، هو أن مسعود (والد مسرور) "رغم أنه ليس مواطنا أميركيا، فإن هذا لا يمنحه التحصين، لأنه داخل السلطة القضائية الأميركية، هناك ثلاثة مستويات من المحاكم الفيدرالية: المحكمة الجزئية الأميركية حيث تقع الآن دعوى البارزاني، ومحكمة الاستئناف الدائرة، والمحكمة العليا". 

وتابع: "لسوء الحظ بالنسبة لمسعود، فإن سابقة المحكمة العليا تتعارض معه، إذ حكمت المحكمة ذاتها عام 2010 ضد رئيس الوزراء الصومالي الأسبق محمد علي سمتر في قضية رفعها ضده ضحايا التعذيب الصوماليون".

ووجدت المحكمة العليا أن قانون الحصانات السيادية الأجنبية لا يحمي محمد علي سمتر من الجرائم المرتكبة بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب، وهو نفس القانون الذي انتهكه مسعود البارزاني، وفقا للتقرير.

الأمر الثالث، هو أن "الكثير من الدعاوى القضائية المرفوعة من صندوق ضحايا كردستان أيضا تتعلق بجرائم مالية وفساد وغش لرجال الأعمال الأجانب. ولسوء الحظ بالنسبة لعائلة البارزاني، فإن قانون الحصانات السيادية الأجنبية لا يحصنهم من المساءلة بموجب القانون الأميركي عن الفساد والاحتيال أيضا".

أما السبب الرابع والأخير، فأوضحه المعهد بالقول "السوابق القضائية المحيطة بقانون أضرار الأجانب لعام 1789 ليست في صالح البارزانيين، كون هذا القانون يمنح المحاكم الأميركية الولاية القضائية على أي دعوى مدنية يرفع فيها مواطن أو مقيم غير أميركي قضية للحصول على تعويض عن جريمة ارتكبت انتهاكا لقانون الدول أو معاهدة للولايات المتحدة". 

استدعاء البارزاني

وفي فبراير/ شباط 2024، استدعت المحكمة الجزائية الأميركية لمقاطعة كولومبيا رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور البارزاني على خلفية اتهامه بقتل أميركي واغتيال 3 صحفيين أكراد وإسكات الأصوات والحريات، ورفعت ضده نحو 25 قضية قانونية.

وكشف موقع "أميركان إنتربرايز"، وهو مركز أبحاث أميركي شبه رسمي، خلال تقرير نشره في 5 فبراير 2024، أن "عائلة البارزاني الحاكمة متهمة بقتل موظف حكومي أميركي وجرائم تتعلق بالفساد والاختطاف والتزوير بحسب دعوى قضائية رفعتها مؤسسة ضحايا كردستان". 

وذكر أنه "يرجح أن يطالب رئيس وزراء كردستان مسرور بارزاني بالحصانة السيادية من الاتهامات، لكنه وفقا للدعوى يعد مقيما دائما في الولايات المتحدة".

ولفت إلى أن "الادعاءات موسعة وموثقة بالتفصيل، حيث إن الشكوى مكونة من 327 صفحة وتشمل الجرائم عائلة البارزاني وأفراد الأسرة عن طريق الزواج وآخرين معروفين وغير معروفين بنمط نشاط غير قانوني وفساد على مستوى مؤسستهم الإجرامية العابرة للحدود".

ومن هذه الاتهامات، وفقا للمركز: "قتل موظف ووكيل حكومي أميركي وتعذيب آخر، والاحتيال والحنث باليمين لدى مؤسسة الهجرة الأميركية، وجرائم قتل خارج نطاق القضاء والاخفاء القسري، والإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، والنفي غير القانوني للمواطنين الأكراد وجرائم مرتبطة بالتهريب الدولي للمخدرات". 

وأشار المركز إلى أن "الصفحات من 122 إلى 127 في الشكوى المقدمة اتهمت مسرور البارزاني وشقيقه ويسي بالمشاركة في التخطيط والإعداد والتنفيذ لأخذ رهائن واختطاف وقتل ضابط وموظف (لم يُذكر اسمه)، كان يؤدي واجبات رسمية، مع سبق الإصرار والترصد".

وتابع أنه "بعبارة أخرى، عمل رئيس وزراء كردستان العراق وشقيقه الأصغر، الذي يرأس قوات الأمن (الأسايش)، على اختطاف ضابط وموظف في الحكومة الأميركية، والذي وصفه البعض بأنه ضابط أو عميل استخبارات وتم قتله حيث تم تضمين صورة لجثة الضابط في الشكوى". 

وأشار التقرير إلى أن "المحكمة الجزئية الأميركية ستنظر بالقضية في الأشهر المقبلة، رغم أن حكومة إقليم كردستان وعائلة البارزاني ستسعى بالتأكيد إلى إبطالها لأسباب مختلفة تتعلق بالحصانة السيادية أو المكانة، ومع ذلك، لم تقلل أي من هذه الإستراتيجيات من جوهر الاتهامات".

وخلص إلى أنه “حان الوقت لمجلس الشيوخ لمتابعة وظيفته الرقابية والسؤال في جلسة مفتوحة أو مغلقة: هل قُتل موظف حكومي أميركي في كردستان العراق، وتحت أي ظرف مقبول في حين أن البارزانيين وممثليهم يطلبون مرارا وتكرارا المزيد من المساعدات من الحكومة الأميركية؟”

وكانت صحيفة "أميركان بروسبيكت" قد نشرت في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2021 تقريرا، كشفت فيه أن مسرور البارزاني، يملك عقارا في ولاية ميامي الأميركية تبلغ قيمته نحو 18 مليون دولار، وأرفق التقرير بعدد من الوثائق التي تحمل توقيع الأخير.

وفي اليوم التالي، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق، بيانا فند فيه كل ما صدر عن تقرير الصحيفة الأميركية، واتهم الصحفي الأميركي الذي كتب التقرير بأنه على علاقة بالمواطنة الكردية المعارضة "شنيار أنور".