اتفاقية الدفاع المشترك.. هل تعيد رسم خريطة التحالفات العسكرية في الخليج؟

"الأمر يتوقف على مدى استعداد الدوحة لمواجهة الواقع الجديد"
في تطور لافت يعكس تغيرا جذريا في موازين القوى بالشرق الأوسط، وقعت السعودية وباكستان اتفاقا دفاعيا مشتركا، أثار عاصفة إستراتيجية في الأوساط السياسية والعسكرية.
ويرى موقع "سوهو" الصيني أن “هذا الاتفاق لا يعد مجرد خطوة ثنائية، بل يمثل تحولا عميقا في نظرة دول المنطقة إلى الضمانات الأمنية الأميركية”.
وأكد أنه "يشير إلى احتمال إعادة تشكيل المشهد الأمني الإقليمي برمته، لا سيما مع تكهنات حول توقيع صفقات أسلحة بين قطر وباكستان".
هاجس أمني
واستهل الموقع تقريره مشيرا إلى التحول الذي أحدثته إسرائيل في المنطقة، قائلا: “من كان يتصور أن غارة جوية واحدة قد تعيد رسم مستقبل الشرق الأوسط؟”
وتابع: "عندما سقطت صواريخ إسرائيلية على الأراضي القطرية، لم يكن وقع الحدث على قطر وحدها، حيث أيقظت تلك الحادثة غير المسبوقة هواجس أمنية في العالم العربي بأسره".
وأشار إلى رد الفعل السعودي قائلا: "في تلك اللحظة، قررت الرياض التحرك، لا عبر شراء المزيد من السلاح، ولا عبر استجداء الحماية الأميركية، بل من خلال توقيع اتفاقية دفاع مشترك مباشرة مع باكستان".
فبحسب بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس"، زار رئيس وزراء باكستان شهباز شريف الرياض، تلبية لدعوة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث استعرض الجانبان خلال لقائهما العلاقات التاريخية والإستراتيجية، وعددا من المواضيع ذات الاهتمام المتبادل، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك.
وأفاد البيان بأن الاتفاقية تأتي في إطار "سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم"، كما تهدف إلى "تطوير جوانب التعاون الدفاعي، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".
وأكد البيان أن الاتفاقية "تأتي انطلاقا من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو 8 عقود، بين السعودية وباكستان، وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستنادا إلى المصالح الإستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين".
ووفق البيان، تنص الاتفاقية على أن "أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما".
وعقب الموقع الصيني على بنود الاتفاقية بالقول: "بهذا الاتفاق، لم تعد السعودية وباكستان مجرد دولتين صديقتين، بل أصبحتا حليفين عسكريين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أي أن الاعتداء على إحداهما يعني إعلان حرب على كليهما".
ووصف الموقع أجواء توقيع الاتفاقية قائلا: "في لقطة تعكس روح التحالف، ظهر الطرفان وهما يتبادلان العناق الحار بعد توقيع الاتفاقية، بينما كان قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، يبتسم ابتسامة فريدة".
ويعتقد أن "هذا القائد، الذي رُقي إلى رتبة مشير في مايو/ أيار 2025 عقب الاشتباكات الجوية بين الهند وباكستان، يُعد العقل المدبر وراء هذه الاتفاقية".
كما لفت الموقع إلى أن "السعودية رحبت بوفد شريف ببروتوكول استثنائي، ففور دخول الطائرة الباكستانية إلى الأجواء السعودية، رافقتها أربع مقاتلات سعودية في استعراض دبلوماسي نادر، يعكس عمق العلاقة بين البلدين".
نهاية النظام
وأشار "سوهو" الصيني إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اختارت السعودية هذا التوقيت لتوثيق علاقاتها العسكرية مع باكستان؟.
ليجيب بالقول: "تعاون السعودية مع باكستان ليس مصادفة؛ بل ينبع من استياء عميق من دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وتابع موضحا: "لطالما عدت الولايات المتحدة (الضامن الأمني) لدول الشرق الأوسط، لكن هذا الدور بدأ يتآكل تدريجيا".
وأشار الموقع إلى أن "الهجوم الإسرائيلي على قطر، الحليف الوثيق لواشنطن، كشف هشاشة هذه الضمانات، وأثار استياء واسعا في الأوساط العربية، وعلى رأسها السعودية".
ويرى أن رد الفعل الأميركي على الهجوم الإسرائيلي على قطر يشير إلى أن "الضمانات الأمنية الأميركية لم تعد حماية مطلقة، بل أصبحت مشروطة، وهو ما دفع دولا مثل السعودية إلى إعادة تقييم مستقبل تحالفها مع واشنطن".
وأضاف: "بدا من تعاطي واشنطن مع الهجوم الإسرائيلي أنها، في اللحظات الحرجة، تفضل حماية مصالح إسرائيل الإستراتيجية على حساب أمن الدول العربية".
من هنا، قدر التقرير أن "توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان لا يمثل مجرد تعاون أمني تقليدي، بل يعكس تحولا إستراتيجيا عميقا في حسابات الرياض الأمنية".
وأكمل: "فهو من جهة يعد ردا مباشرا على سلوك إسرائيل التوسعي والعدواني، ومن جهة أخرى يمثل تشكيكا واضحا في قدرة الولايات المتحدة على الإيفاء بوعودها الأمنية".
"بمعنى آخر، لا يستهدف التحالف بين السعودية وباكستان إسرائيل فحسب، بل يعد أيضا ردا على النفوذ التقليدي للولايات المتحدة"، يضيف الموقع.
ويتابع: "وإذا استمر هذا الاتجاه في التطور، فقد يشهد الشرق الأوسط إعادة تشكيل كاملة للمنظومة الأمنية فيه، سواء عبر إنشاء اتفاقيات أمنية متعددة الأطراف أو بناء شراكات جديدة".
مشيرا إلى أن "هذه التحركات تعكس سعي دول المنطقة لحماية نفسها بشكل مستقل بعيدا عن المظلة الأميركية، وبالتالي، تمثل هذه الاتفاقية بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل نهاية النظام الأمني القديم".
المظلة النووية
وأوضح الموقع الصيني أن "اختيار الرياض لإسلام آباد لم يكن عشوائيا، بل جاء بناء على عدة تقديرات، أبرزها امتلاك باكستان للسلاح النووي، كونها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك هذا النوع من القوة".
ولفت إلى أنه "عندما سُئل أحد كبار المسؤولين السعوديين عما إذا كانت باكستان ستوفر حماية نووية للمملكة، أجاب بتعبير يحمل الكثير من الدلالات: (هذه اتفاقية دفاعية شاملة تغطي جميع الوسائل العسكرية)".
وعقب الموقع على حديث المسؤول: "تصريحه هذا، وإن بدا عاما، إلا أنه يُفهم ضمنا على أنه إقرار غير مباشر بتضمين الحماية النووية ضمن بنود الاتفاق".
في هذا السياق، يُذكر أن السعودية كانت قد سبق ودعمت باكستان عام 1988 أثناء تطوير برنامجها النووي.
فبحسب الموقع، "عقب فرض الولايات المتحدة ودول غربية عقوبات على إسلام آباد، قدمت الرياض دعما اقتصاديا كبيرا لباكستان، عبر بيعها النفط بأسعار مخفضة، وتقديم مساعدات مالية مباشرة، فضلا عن الدعم السياسي لها في المحافل الدولية".
وإضافة إلى القوة النووية الباكستانية، أشار الموقع إلى أن "إسلام آباد أثبتت قدراتها العسكرية خلال النزاعات السابقة مع الهند".
وأردف: "ففي السنوات الأخيرة، أظهرت باكستان كفاءة قتالية عالية في مواجهتها مع الهند، لا سيما في أحدث المعارك الجوية، حيث برزت تقنيات طائراتها القتالية وقدراتها التشغيلية بشكل واضح".
علاوة على ذلك، فإن الروابط التاريخية بين السعودية وباكستان، وسجل التعاون العسكري الطويل بينهما، جعل توقيع الاتفاق "يبدو طبيعيا ومبررا".
فوفق التقرير، تصنف باكستان ضمن الدول الأكثر قربا للسعودية من ناحية التدريب العسكري المشترك، حيث يجرى تبادل الخبرات العسكرية بين الجانبين.
جدير بالذكر أن التعاون الأمني بين الدولتين يعود إلى عام 1967، وتعمق بعد حادثة الاستيلاء على المسجد الحرام عام 1979، حين ساعدت القوات الخاصة الباكستانية القوات السعودية على استعادة السيطرة على الحرم المكي.
وعام 1982، أرسى الجانبان اتفاقية تعاون أمني ثنائية أتاحت لباكستان تقديم التدريب والدعم الاستشاري وحتى الانتشار على الأراضي السعودية، حيث وجد أحيانا ما يصل إلى 20 ألف جندي باكستاني، كما أصبحت الرياض مستوردا رئيسيا للأسلحة باكستانية الصنع.
ركيزة إستراتيجية
وسلط الموقع الضوء على المعركة الجوية بين الهند وباكستان، في مايو/ أيار 2025، ودورها في توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الرياض وإسلام آباد.
فقال: "في الاشتباكات الجوية الأخيرة بين الهند وباكستان، أعلنت باكستان أنها استخدمت مقاتلات (J-10) وصواريخ صينية الصنع لإسقاط خمس طائرات هندية، بما في ذلك مقاتلات رافال الفرنسية".
وتابع: "في المقابل، زعمت الهند إسقاط خمس طائرات باكستانية، لكن هذه الرواية قوبلت بشكوك دولية، خاصة بعد أن عرضت باكستان حطام الطائرات الهندية".
ويرى التقرير أن "هذا الانتصار أعاد تسليط الضوء على باكستان، ليس فقط كدولة تمتلك السلاح النووي الوحيد في العالم الإسلامي، بل كقوة عسكرية تقليدية متميزة".
وأكد على أن "هذه القدرات بالضبط هي ما تحتاجه السعودية لتعزيز قوتها الإستراتيجية".
"فضلا عن ذلك، يمنح التوافق الديني والثقافي بين السعودية وباكستان تعاونهما درجة عالية من الانسجام، ويضيف مزيدا من الأوراق في مواجهة التهديدات الخارجية"، حسب التقرير.
في خلفية الاتفاق، قدر التقرير أن "الصين رغم عدم مشاركتها بشكل مباشر في صياغة الاتفاق، إلا أنها أصبحت بشكل غير مباشر ركيزة إستراتيجية خفية وراءه".
وتناول الموقع دور بكين بشيء من التفصيل قائلا: "يتسم الانخراط الصيني في هذا التحول الإقليمي بقدر كبير من الدقة".
وتابع: "فعلى مدار السنوات الأخيرة، عززت الصين نفوذها في الشرق الأوسط من خلال التعاون الاقتصادي ومشاريع البنية التحتية".
وأردف: "وبصفتها شريكا لا يتدخل سياسيا، تبدو الصين وكأنها تطرح أمام الدول العربية طريقا جديدا، يساعدها على تنويع خياراتها وسط تعقيدات المشهد الدولي".
وفي سياق التحالف بين السعودية وباكستان، رجح أن "تلعب الصين دور الجسر الذي يربط بين البلدين، خصوصا في مجالات صفقات الأسلحة والدعم التقني".
بديل احتياطي
في هذا السياق، سلط الموقع الضوء على زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى العاصمة القطرية الدوحة في 11 أغسطس/ آب 2025.
واللافت في هذه الزيارة -وفق التقرير- أنه "كان في استقباله نائب رئيس الوزراء القطري ووزير الدولة لشؤون الدفاع خالد العطية، وليس مجرد مسؤول دبلوماسي عادي، ما يعكس أن الزيارة لم تكن بروتوكولية عابرة، بل تحمل دلالات سياسية واضحة".
وبحسب الموقع الصيني، "جاءت التكهنات الإعلامية حول هذه الزيارة مثيرة للاهتمام".
وقال: "تداولت بعض المصادر أن قطر تدرس شراء مقاتلات (J-10C)، وربما أيضا طائرات (JF-17)، في صفقة قد تشمل 48 طائرة، إلى جانب صواريخ PL-15 الصينية".
وعقب الموقع على هذه الأخبار بالقول: "قد تكون هذه الأنباء مجرد شائعات، لكن دعونا نفكر: قطر لا تعاني من نقص في الأموال، والمشتريات العسكرية بالنسبة لها ليست مسألة ميزانية، بل ثقة".
وأردف: "بعد القصف الأخير، بات واضحا أن الاعتماد على الولايات المتحدة قد يكون محفوفا بالمخاطر، وأن مقاتلات رافال الفرنسية، مهما كانت متطورة، تحتاج إلى دعم استخباراتي وسياسي قوي في أوقات الأزمات، وهنا يكمن جوهر المشكلة".
في المقابل، يرى الموقع أن "باكستان تقدم منظورا مختلفا، فرغم تحدياتها الاقتصادية، من التضخم المرتفع ونقص احتياطيات العملة الأجنبية، إلا أنها تمتلك خبرة قتالية حقيقية، صقلتها مواجهاتها المستمرة مع الهند".
وأشار إلى أن "علاقتها الوثيقة مع الصين مكنتها من تطوير ترسانتها العسكرية بمعدات متطورة".
بالإضافة إلى ذلك، تنظر الدوحة إلى المعركة الجوية بين نيودلهي وإسلام أباد "بصفتها دليلا عمليا على التفوق الباكستاني".
وفي هذا الصدد، تساءل الموقع: هل ستشتري قطر فعلا مقاتلات "J-10C"؟.
ليجيب: "لا يمكن الجزم بقرار قطر، لكن هناك اتجاهان واضحان، الأول: تنظر الدوحة إلى أن الاعتماد المستمر على الولايات المتحدة بات ينطوي على مخاطر ملموسة".
"والثاني، أن باكستان، كدولة إسلامية، تقدم دعما سياسيا وخبرة عسكرية تفوق ما يمكن أن توفره فرنسا التي تبيع السلاح فقط دون نقل للخبرات أو تقديم غطاء إستراتيجي"، وفق قوله.
وتابع: “السؤال الآن هو: هل تملك قطر الجرأة لتغيير مسارها الإستراتيجي أم ستكتفي بالبحث عن (بديل احتياطي)؟”
إعلان سياسي
وأبرز الموقع أنه "لا ينبغي تجاهل خلفية مهمة، وهي أن صفقات التسليح في الشرق الأوسط غالبا ما تتسم بالتوازن، حيث تشتري الدول من الولايات المتحدة وأوروبا، وأحيانا الصين، بهدف عدم استفزاز أي طرف".
واستدرك: "لكن الهجوم الأخير على قطر غير المعادلة، فإذا قررت الدوحة أن واشنطن لم تعد شريكا موثوقا، فإن شراء (J-10C) لن يكون مجرد تعزيز للترسانة، بل إعلان سياسي".
ولفت إلى أنه "إذا قررت قطر شراء 48 مقاتلة (J-10C)، وهو عدد كبير يكفي لتشكيل سرب مقاتلات كامل، فهذا يعني أن اعتمادها الإستراتيجي بدأ يتحول نحو آسيا".
وبحسب وجهة نظر الموقع الصيني، فإن "قطر أمام خيارين، إما أن تتجاهل الواقع وتواصل الاعتماد على الولايات المتحدة، وإما أن تستغل هذه الأزمة لتغيير مسارها".
ورجح أن "تتجه قطر للخيار الأول، حيث يرى أن العلاقة مع أميركا ممتدة لعقود، ولا يمكن قطعها بسهولة".
واستدرك: "لكن إذا اختارت قطر تغيير المسار، فهذا يعني أن القصف الإسرائيلي قد أيقظها، أما إذا تجاهلت ما حدث، فربما تنتظر الضربة التالية".
واستطرد: "باختصار، الأمر يتوقف على مدى اعتراف القيادة القطرية واستعدادها لمواجهة الواقع الجديد".
وتابع قائلا: “ويبقى السؤال مفتوحا: هل ستشتري قطر بالفعل مقاتلات (J-10C)؟ أم أنها ستنتظر هدوء العاصفة، ثم تعود إلى البيت الأبيض لتوقيع اتفاقيات جديدة، دون أن يتغير شيء فعليا؟”
واختتم حديثه متوقعا أن "يتصاعد سباق التسلح في الشرق الأوسط، وأن تتجه مزيد من دول الخليج إلى باكستان لتوقيع اتفاقيات دفاعية".
ولفت الموقع إلى أن "هذه التحولات تنذر ببداية تشكل (ناتو شرق أوسطي)، خاصة مع التقديرات أن إسرائيل ستستمر بالتصرف بجنون وبطرق لا يمكن التنبؤ بها".