استبداد وانتهاكات.. هذه مآلات "اتفاقية الهجرة" بين السيسي وأوروبا

15354 | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

مخاوف متزايدة من تداعيات إبرام الاتحاد الأوروبي والنظام المصري في مارس /آذار 2024 اتفاقيات في مجالات عدة بقيمة 7.4 مليارات يورو على مدى أربع سنوات، أبرزها التعاون في "مكافحة الإرهاب" والهجرة إلى أوروبا. 

وعن انعكاسات سلبية محتملة قد يؤدي إليها التعاون في وقف تدفقات الهجرة، قال معهد بحثي إيطالي إن “أوروبا واجهت سلسلة من التحديات المتعلقة بإدارة هذه الظاهرة، ودفعها ذلك إلى تبني عدة إستراتيجيات، منها إضفاء الطابع الخارجي على الحدود الأوروبية في دول عبور مهاجرين غير نظاميين إليها”.

وأوضح "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن هذا النهج، الذي انطلق مع اتفاق الهجرة بين بروكسل وأنقرة عام 2016، تم تأكيده في عام 2024 بتوقيع اتفاق جديد مع القاهرة.

دور إستراتيجي

وقال المعهد الإيطالي إن "الاتحاد الأوروبي عانى قبل توقيع اتفاقية الهجرة مع تركيا في مارس 2016 من حالة من الفوضى لأنه لم يكن مستعدا على الإطلاق للتعامل مع أزمة إنسانية بحجم كبير".

في إشارة إلى أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 عقب ثورة 2011 ضد نظام بشار الأسد وما تسببت فيه من تدفقات هجرة غير مسبوقة نحو القارة العجوز. 

ونص الاتفاق على تعهد أنقرة بإدارة ومنع تدفقات الهجرة من أراضيها نحو الأراضي الأوروبية، مقابل تمويلات كبيرة وإلغاء تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى أوروبا، وكذلك إعادة إطلاق المفاوضات بشأن إمكانية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.

ورغم إغلاق طريق الهجرة من البلقان وتكثيف عمليات الرقابة على الحدود التركية، لم تتوقف تدفقات الهجرة، بل على العكس من ذلك، انتقد المعهد الإيطالي تسبب هذه الإجراءات في زيادة كبيرة في الاتجار بالبشر وظهور "طرق بلقان صغيرة" جديدة.

لذلك رجح استمرار الاتحاد الأوروبي في دعم أنقرة بغاية تخفيف ضغوط الهجرة على الحدود الشرقية بشكل أكبر قصد تركيز جهوده على إدارة طريق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.

وبعد الشرق، قرر الاتحاد الأوروبي تحويل اهتمامه نحو الحدود الجنوبية وإشراك مصر في إستراتيجية لمنع تدفقات الهجرة إليه بعد تونس عام 2023.

ولفت المعهد الإيطالي إلى أن "دور مصر الإستراتيجي في إدارة الهجرة نما بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ويزداد أهمية بالنظر إلى الصراع في السودان المجاور، حيث تسبب في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم والتي قد تصبح تهديدا خطيرا لاستقرار نظام الاستقبال الأوروبي الهش بالفعل".

وكان الاتحاد الأوروبي ومصر قد وقعا في 17 مارس 2024 اتفاقية تهدف من خلال حزمة تمويلية بقيمة 7.4 مليارات يورو إلى تعزيز التعاون في مجالات مختلفة.

وتشمل العلاقات السياسية، واستقرار الاقتصاد الكلي، والاستثمار المستدام والتجارة، بما في ذلك الطاقة والمياه والأمن الغذائي وتغير المناخ، والهجرة، والأمن وتنمية رأس المال البشري.

ويمثل الاتفاق، بحسب المعهد، خطوة مهمة في العلاقات بين الجانبين، لافتا إلى أنه يثير أيضا عدة تساؤلات ومخاوف بشأن تداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وفي تحليله للتطور المستقبلي للاتفاقية، شدد على "ضرورة عدم إغفال بعض العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي ستؤثر حتما على الديناميكيات المصرية".

زيادة الاستبداد

على الصعيد الداخلي، ألمح المعهد إلى أن الاتفاق يهدد "بتقوية النظام الاستبدادي" برئاسة عبد الفتاح السيسي، مما يسمح باستخدام التعاون مع الاتحاد الأوروبي "كشرعية دولية لسياساته القمعية". 

ولفت إلى أنه “قد يكون لذلك عواقب سلبية على المجتمع المصري ونضاله من أجل المزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية”.

وجزم "معهد تحليل العلاقات الدولية" بأن "المسائل المتعلقة بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في البلاد تمثل أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تشكل عقبة أمام نجاحه على المدى الطويل". 

واستطرد: “لذلك، قد يُضطر الاتحاد الأوروبي إلى الاختيار بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين قيمه الأساسية، وقد يتخذ قرارا بعدم صرف التمويلات في حالة لم يتخذ النظام المصري إجراءات مهمة لتحسين وضعية حقوق الإنسان”. 

وتابع بأن “عدم إحراز تقدم من هذه الناحية، من شأنه أن يقوض شرعية الاتفاق واستدامته في نظر الرأي العام الأوروبي والدولي”.

كما شدد على “ضرورة ألا يطغى التعاون بين الاتحاد الأوروبي والقاهرة وما قد يؤدي إليه من أمن واستقرار لكليهما، على ضمان الاحترام الكامل لحقوق وكرامة المهاجرين واللاجئين”.

وفي ظل ارتفاع إمكانية ارتكاب تجاوزات قد تنال حقوق الإنسان في مصر، أوصى المعهد بأن "يراقب الاتحاد الأوروبي الوضع عن كثب ويتخذ التدابير المناسبة لمعالجة أي انتهاكات".

وقال إن "الاتفاق يثير مخاوف بشأن معاملة المهاجرين واللاجئين في مصر، لا سيما مع تسجيل شكاوى في الماضي حول حالات احتجاز تعسفي وتعذيب ومعاملات لاإنسانية".

ويتوقع أن يؤدي الوضع إلى زيادة الضغط على النظام المصري لتكثيف إجراءات مراقبة الحدود وقمع تدفقات الهجرة دون معالجة الأسباب الجذرية للهجرة القسرية.

في المقابل، يرى المعهد أن الاتفاق قد "يمهد الطريق لمزيد من التعاون الثنائي في عدد من المجالات الرئيسة، ما قد يسهم في زيادة الاستثمارات الأوروبية وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للشعب المصري".

وزاد بأنه "قد يسهم في مزيد من الحوار والتكامل بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وكذلك تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط".

وخلص المعهد إلى أن "الاتفاقية تلبي هدف أوروبا في احتواء الهجرة وتحقق كذلك غاية النظام المصري في الحصول على المساعدات الأوروبية، إلا أنها تثير في نفس الوقت مجموعة من التساؤلات والمخاوف بشأن تطوراتها المستقبلية وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية".