منظمة الدول التركية.. هل تصبح رقما اقتصاديا قويا على المستوى العالمي؟
أدى اتساع النظام العالمي باستمرار إلى إجبار دول العالم على تطوير نفسها من خلال إجراء إصلاحات وزيادة قدرتها بشكل عام.
كما شهد الاقتصاد أيضا تغيرات عديدة نتيجة لهذا الاتساع مما أثّر على حركات التجارة العالمية.
وتؤثر عمليات البيع والشراء النشطة على سياسات الدول وصلاحياتها من حيث القوة الاقتصادية.
وفي حين أن مبادرة "الحزام والطريق" الصيني عامل مهم هنا، إلا أن "منظمة الدول التركية" أيضا تجري تعاونا تجاريا جادا مع الدول الأعضاء فيها.
وفي هذا السياق، نشر مركز "أنقرة لدراسة السياسة والأزمات" (أنكسام) مقالا للكاتب، يونس إمره شاهين، قال فيه إن "منظمة الدول التركية شهدت تغيرات في رؤيتها وأهدافها منذ إنشائها، وسعت إلى خلق الوحدة في مجال التعاون الاقتصادي، وذاع صيتها في آسيا والعالم يوما بعد يوم".
وتأسست منظمة الدول التركية (المجلس التركي سابقا) في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، وتضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، فيما تحمل كل من المجر وتركمانستان وشمال قبرص التركية صفة عضو مراقب فيها.
رؤية 2040
وأوضح شاهين أنه "تم طرح سلسلة من المشاريع المشتركة وسبل التعاون في المجال الاقتصادي في منظمة الدول التركية تحت اسم (رؤية 2040)".
وركزت الدول التركية على مساواة سياسات التنمية الاقتصادية، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والرقمي.
كما تم إدراج استخدام العملة الوطنية في التجارة بين الدول الأعضاء ضمن هذه الرؤية أيضا.
وذكر الكاتب أيضا أن مشروع "الممر الأوسط" يعد نسخة حديثة من "طريق الحرير" القديم، حيث يربط الأسواق في الصين وشرق آسيا بأوروبا عبورا من أراضي الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية.
ويوفر هذا الممر فرصا تجارية أكثر فعالية من حيث التكلفة وأسرع على طول الطريق الذي يبلغ طوله 7 آلاف كيلومتر مقارنة بالممر الشمالي الذي يبلغ طوله 10 آلاف كيلومتر.
ومن خلال الاستفادة من "الممر الأوسط"، تتعاون الدول التركية لتوفير المزيد من الطاقة الإنتاجية في مختلف القطاعات، وخلق الفرص التجارية، وتطوير البنية التحتية.
وأشار الكاتب شاهين إلى أن "زيادة القدرة مع الشركاء الإستراتيجيين يقع ضمن أهداف الرؤية أيضا".
وقدم زيادة حجم التجارة بين أعضاء منظمة الدول التركية دليلا على ذلك، حيث ارتفعت من 33 مليار دولار عام 2022 إلى حدود 42 مليار دولار عام 2023.
ويواصل مشروع "TuranSEZ" العمل ضمن هذا النطاق.
وفيما يتعلق بهذا الموضوع، ذكر وزير التجارة التركي عمر بولات في بيانه عقب قمة أستانا (انعقدت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) بأن منطقة "TuranSEZ" الصناعية في كازاخستان هو مشروع كبير يغطي المبادرات الاقتصادية المشتركة للدول التركية.
وعد الكاتب تطبيق "توران" المالي، الذي تمّ تفعيله في تركيا لخدمة منظمة الدول التركية، إحدى الخطوات الرائعة في سبيل تحقيق الوحدة.
كما يظن الكاتب أن "هذا التطبيق (توران) يعد بمثابة مبادرة مصرفية قوية في العالم التركي، لزيادته من حجم الاستثمارات".
رأس مال مشترك
ولفت الكاتب إلى أنه "تمّ تأسيس صندوق الاستثمار التركي رسميا بعد شهرين من وضع أسسه خلال المفاوضات التي عقدت في مارس/ آذار 2023".
وكان الهدف من إنشاء صندوق كهذا هو إنقاذ الدول التركية من هيمنة المؤسسات المالية الدولية على الاقتصاد، وتعزيز الحكم الذاتي الإستراتيجي للدول التركية.
وتقرر أن يكون مركز هذا الصندوق في مدينة إسطنبول، وتم تعيين الأمين العام السابق لمنظمة الدول التركية، بغداد أمراييف، رئيسا له.
وبذلك سيشجّع هذا الصندوق التنمية الاقتصادية وزيادة الأنشطة التجارية وزيادة المشاريع في الدول التركية.
ويبلغ رأس المال الأولي لصندوق الاستثمار التركي 500 مليون دولار، كما أنه من المتوقع أن يكون بديلا لصندوق النقد الدولي (IMF) في الأهداف طويلة المدى.
وأشار الكاتب هنا إلى "عدم وجود نظام هرمي بين الدول في هذا الصندوق، حيث تكون لكل دولة عضو حصة متساوية".
وإضافة لصندوق الاستثمار التركي، يُعد "ممر زنغزور" المقرر افتتاحه بين تركيا وأذربيجان خطوة مهمة في سبيل زيادة تجارة سكة الحديد بين الدول التركية.
كما يحمل هذا الممر أهمية للتجارة العالمية أيضا لأنه طريق عبور بين آسيا وأوروبا، وفق شاهين.
وفي هذا الشأن، صرّح وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو بأن تركيا تركز بشكل كبير على زيادة النقل بالسكك الحديدية بين أعضاء منظمة الدول التركية.
وقامت دول هذه المنظمة بتصدير ما يبلغ قيمته 5.6 مليارات دولار عبر السكك الحديدية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023.
ويعود 1.8 مليار دولار من هذه الصادرات إلى أذربيجان، في حين كانت الدولة صاحبة أعلى زيادة في الصادرات هي كازاخستان.
ويتضح أن هذا التعاون بين دول المنظمة التركية قد نتج عنه زيادة بنسبة 16.3 بالمئة مقارنة ببيانات عام 2022.
ولذلك بحسب مصادر معينة، يُذكر بأن أذربيجان قد استثمرت أكثر من 20 مليار دولار في اقتصاد منظمة الدول التركية.
وبالنظر إلى الخطوات الحالية المتخذة في مجال التعاون الاقتصادي، توقع الكاتب قيام منظمة الدول التركية بمشاريع كبرى في السنوات المقبلة.
وإلى جانب صندوق الاستثمار، تواصل هذه الدول سياستها حول زيادة حجم التجارة فيما بينها وتقليل الإدمان الاقتصادي الخارجي.
ورجح الكاتب أن يقدم التعاون التجاري "مساهمات كبيرة في صعود منظمة الدول التركية على الساحة العالمية".