بعد فضائح الاغتيالات.. هل تقدم الحكومة اليمنية شكوى دولية ضد الإمارات؟
أثار تحقيق استقصائي لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كشف عن وقوف دولة الإمارات وراء الاغتيالات السياسية في اليمن، جملة من التساؤلات عن مدى إمكانية تحريك الحكومة اليمنية شكوى ضدها في مجلس الأمن الدولي، وهل ستنتهي هذه العمليات في المرحلة المقبلة؟
بعد انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن والسيطرة على صنعاء عام 2014، دخلت الإمارات إلى البلاد تحت مظلة "التحالف العربي" الذي شكلته السعودية عام 2015 لإيقاف تقدم الحوثيين، والذين لا يزالون يتحكّمون في عدد من المدن اليمنية.
ورغم إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن عام 2019، لكنها لا تزال تتحكم بأذرعها التي سلحتها ودربتها في جنوب البلاد، ومن أبرزها "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي، والذي يسعى إلى الانفصال وإعلان دول جنوب اليمن.
حقائق مثيرة
التحقيق الذي نشرته "بي بي سي"، في 23 يناير/ كانون الثاني 2024، كشفت من خلاله عن وقوف الحكومة الإماراتية خلف تنفيذ عمليات اغتيال لدوافع سياسية في اليمن.
وقالت "بي بي سي"، إن الإمارات "دأبت على تمويل اغتيالات بدوافع سياسيّة في اليمن، الأمر الذي ساهم في تفاقم النزاع هناك بين الفصائل المتناحرة التي ظهرت من جديد تحت الأضواء الدوليّة في البحر الأحمر".
وبحسب التحقيق، فإن "تدريبات مكافحة الإرهاب التي وفرتها قوات من المرتزقة الأميركيين لوحدات إماراتيّة عاملة في اليمن استخدمت في تدريب عناصر محليّين يمكنهم العمل بتستّر، ما أدّى إلى زيادة ظاهرة في الاغتيالات السياسية المقصودة".
وتابع: "رغم الهدف المعلن للمرتزقة الأميركيين وهو القضاء على الخلايا الإرهابيّة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في جنوب اليمن، فقد ذهبت دولة الإمارات أبعد من ذلك لتجنيد عناصر سابقين في تنظيم القاعدة لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني لقتال حركة الحوثيّين وفصائل أخرى مسلّحة".
وأكدت "بي بي سي"، أنه "رغم تحالف السعودية والإمارات في بداية المعركة ضد الحوثيين، إلا أن خلافات نشبت بينهما لاحقا في اليمن، حيث دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، فيما تتبنى الرياض الحكومة الشرعية التي تسعى للحفاظ على وحدة البلاد".
وأشار التحقيق إلى أن هذا الخلاف وعوامل أخرى أدت إلى لجوء الإمارات إلى سياسة الاغتيالات، مؤكدا أن غالبية المستهدفين ينتمون إلى حزب "الإصلاح"، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
وأفاد معدو التحقيق بأنهم قابلوا أحد الأشخاص الذين كانوا خلف عملية اغتيال مصورة في عام 2015، ويدعى إسحاق غليمور، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأميركيّة).
وأصبح الرجل الثاني في مجموعة "سبير أوبريشن" (Spear Operations)، وهو من بين العناصر الأميركيّين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال بتكليف إماراتي.
وأقر العنصر الأميركي بأن الإمارات موّلته بهدف تنفيذ اغتيالات، مشيرا إلى أن بعض العمليات فشلت على غرار محاولة اغتيال النائب عن حزب الإصلاح إنصاف مايو، وذلك في محافظة عدن أواخر صيف 2015.
ولفتت "بي بي سي" إلى أن "غليمور أبلغ معد التحقيق بأن مهمته انتهت في اليمن عام 2016، لكن وتيرة الاغتيالات زادت بعد ذلك العام ولم تتوقف"، مؤكدا أنه وغيره أشرفوا على تدريب عناصر أمنية تتبع للإمارات في قاعدة عسكرية إماراتية جنوب اليمن.
وبحسب التحقيق، فإن 160 عملية اغتيال نفذت في اليمن بين عامَي 2015 و2018، ووجد أن غالبيّتها وقعت بعد عام 2016. وقال هؤلاء إن أكثرها حدث في 2016، ما عدا ثلاثا وعشرين عمليّة من أصل المئة والستين التي استهدفت أشخاصاً على صلة بالإرهاب.
وكشفت "بي بي سي" خلال التحقيق الاستقصائي أنها التقت أشخاصا نفذوا اغتيالات بالفعل، وأقروا بأن أهدافهم لم تكن على صلة بالإرهاب، وإنما هم أهداف للإمارات فقط.
ملف شائك
وبخصوص مدى تحرّك الحكومة اليمنية تجاه مجلس الأمن لتقديم شكوى ضد الإمارات، قال رئيس مركز "أبعاد" اليمني للدراسات الإستراتيجية، عبد السلام محمد، إن "موضوع الاغتيالات ملف شائك وجرى حاليا توثيق جهة واحدة وهم المرتزقة المرتبطون بدولة الإمارات".
وأضاف لـ"الاستقلال": "لكن هناك اغتيالات أخرى وقعت في صنعاء، يتهم فيها جماعة الحوثي ، وهي ربما أكثر بكثير من التي حصلت في عدن، وأيضا ثمة عمليات اغتيال نفذتها جماعات إرهابية مثل تنظيمي القاعدة والدولة".
وأوضح الباحث اليمني أن "ملف الاغتيالات يفتح دائما وقت الحروب ويغلق وقت السلام، ومثل هذه الجرائم إذا لم يتم التحقيق فيها ومحاكمة المجرمين فإنها تتكرر في وقت الأزمات وانهيار الدول وضعفها وعجزها".
وتابع: "نحن في اليمن اليوم نعيش حالة ضعف وعجز وغياب الدولة، فالحكومة الشرعية لا تستطيع أن تقوم بمهام سيادية كاملة، لا على الجزر والمياه الإقليمية التي يحدث الحوثي فيها فوضى، ولا على المحافظات المحررة من الحوثيين، والتي لا يزال للإمارات وجود فيها عبر قواتها وأذرعها".
وأردف: "لذلك ليس من السهل للحكومة بوضعها الضعيف هذا أن تطالب بمقاضاة الإمارات، خصوصا أن الأخيرة لا تزال موجودة في اليمن، بل إن الدولة الآن تريد أن تتفاهم معها على إدارة المناطق المحررة، لأن أي تصعيد سيسلبها ما تبقى من مدن تسيطر عليها جماعات موالية لأبو ظبي".
واستبعد محمد أن "تحرّك الحكومة اليمنية شكوى دولية ضد الإمارات، لكن من خلال الإجراءات التي ستتم في العدالة الانتقالية أو أي اتفاق هو محاكمة المتهمين بجرائم الاغتيالات، وهذا الأمر ضروري سيدوّن ويكتب في إطار أي اتفاق سلام قادم".
وأكد الباحث أنه "إذا استمرت الحروب في اليمن فستستمر الاغتيالات، وإذا استعادت الدولة قوتها فستضعف مثل هذه الحالات، لكن عمليا الآن هناك محدودية في مثل هذه العمليات بالمناطق المحررة، وأن مشاركة بعض الجماعات هذه ضمن الدولة يجعلها أكثر حذرا من استخدام أدوات الاغتيالات".
ولفت إلى أن "الحرب بشكل عام وتعامل الإمارات بعدم إعطاء الحكومة الشرعية فرصة لاستعادة سيادتها هو ما تسبب بتقوية المليشيات الحوثية بشكل مباشر أو غير مباشر".
وخلص الباحث إلى أنه "لو فرضت الدولة سيادتها في المناطق المحررة بدعم خليجي كامل، لانتقل إليها التجار ورجال الأعمال وتصبح الجبهة المناهضة للحوثيين موحدة، لكن الإمارات الآن متناقضة ليس بسبب الاغتيالات فقط، وإنما بدعم الجماعات المتحالفة مع الشرعية في تقويض الشرعية نفسها".
وفي 5 يوليو/ تموز 2023، اغتال مسلحان مجهولان، قياديا في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" بمحافظة تعز جنوب غرب البلاد، وفق مصدر مسؤول بأكبر حزب إسلامي بالبلاد.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن المصدر (لم تكشف هويته)، أن "مسلحين اثنين على متن دراجة نارية اغتالا شيخ قرية المشقر في مدينة المخا الساحلية (تابعة لمحافظة تعز) علي الحيسي".
وأفاد المصدر بأن "الحيسي أحد الوجاهات الاجتماعية لحزب التجمع اليمني للإصلاح بمدينة المخا وشارك في عمليات تحريرها من أيدي الحوثيين مطلع عام 2017".
وتخضع مدينة المخا الساحلية لسيطرة قوات "المقاومة الوطنية" المدعومة من دولة الإمارات، والتي يقودها نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح.
نفي إماراتي
ومع أن ما ورد في التحقيق الغربي من معلومات جاء على لسان شخصيات من مجموعة "سبير أوبريشن" التي كانت تنفذ الاغتيالات السياسية، لكن دولة الإمارات نفت كل ما جاء فيه، مشيرة إلى أن "المزاعم المتعلقة باغتيال أفراد لا علاقة لهم بالإرهاب كاذبة ولا أساس لها من الصحة".
وقال مسؤول إماراتي (لم يكشف عن هويته) خلال بيان لوكالة "فرانس برس" في 23 يناير، إن "الإمارات دعمت عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن بدعوة وعلم الحكومة اليمنية وحلفائها الدوليين".
وتابع المسؤول "لقد تصرفت دولة الإمارات العربية المتحدة وفقا للقانون الدولي المعمول به خلال هذه العمليات".
وقالت الإمارات إن مزاعم مماثلة صدرت في الماضي "وثبت بالفعل أنها غير صحيحة ولها دوافع سياسية"، بحسب المسؤول نفسه الذي أكد أنه "في حال ظهور أي مزاعم جديدة يحتمل أن تكون ذات مصداقية في المستقبل، فإن الإمارات العربية المتحدة ستجري بالطبع تحقيقات صارمة".
وفي 14 فبراير/ شباط 2020، قدم تحقيق استقصائي -نقلته وكالة الأناضول عن مصادر أميركية- عددا من الأدلة توضح وقوف الإمارات وراء جرائم اغتيالات ضد عدد من قيادات حزب الإصلاح اليمني نفذها فريق اغتيالات متخصص تابع لشركة أمن أميركية.
ونقلت الأناضول عن موقع "بزفيد" الأميركي أن "الإمارات منحت دور الوساطة لمحمد دحلان مستشار محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي (الرئيس الحالي للإمارات) للتعاقد مع شركة الأمن الأميركية الخاصة (سبير أوبريشن) المكونة من عسكريين سابقين بالقوات الخاصة بهدف تشكيل فرقة مرتزقة مهمتها اغتيال شخصيات سياسية ودينية مقربة من حزب الإصلاح".
ونقل الموقع عن أبراهام غولان، القائد السابق لبرنامج الاغتيالات في فرقة المرتزقة التي استأجرتها الإمارات في اليمن، وهو متعاقد أمني مجري إسرائيلي، أن "برنامج الاغتيالات المستهدفة في اليمن جاء بتكليف من الإمارات".
ويسلط لجوء الإمارات إلى شركات عسكرية خاصة أميركية مرتزقة الضوء على تطورات عدة تشهدها الحروب والصراعات الحديثة، ومن أبرزها تحول الحروب من النمط التقليدي -الذي كان يركز على تدمير القواعد الجوية أو ترسانات الأسلحة- إلى اغتيال أشخاص معينين بشكل مشابه لأسلوب الجرائم العالمية المنظمة، بحسب الموقع.
وأفاد "بزفيد" بأن ضابطا إماراتيا قدم للمرتزقة قائمة اغتيالات بها 23 بطاقة لأعضاء في حزب الإصلاح وعلماء دين، كما أنهم حصلوا على 1.5 مليون دولار شهريا مع مكافآت خاصة عن كل عملية اغتيال ناجحة.
كما أكد غولان أن الصفقة التي جلبت المرتزقة الأميركيين إلى عدن تم الاتفاق عليها خلال وجبة غداء في مطعم إيطالي بنادي الضباط في قاعدة عسكرية إماراتية في أبو ظبي، وكان مضيفهم فيها دحلان.
وعرّفت "سبير أوبريشن" عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها شركة أمن أميركية خاصة، تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات العسكرية والأمنية من التدريب على إطلاق النيران، لحماية مسؤولين ورجال أعمال، بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيار، وخدمات الأمان الرقمي ضمن تقنيات الحرب الإلكترونية.