عدوان سلطة عباس على مقاومة جنين.. "عربون" لحكم غزة أم خشية مصير الأسد؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

بينما تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي سجلت بطولات لمجاهدي الفصائل المختلفة، تسجل سلطة رام الله، بالمقابل، خيانات يندى لها الجبين، تُظهر الفرق بين الثرى والثريا.

قرابة شهر مر على بدء عملية حصار السلطة الفلسطينية للمقاومين ضد الاحتلال داخل "مخيم جنين" في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وانطلاق الهجوم العسكري لقوات السلطة عليهم لقتلهم واعتقالهم في 14 ديسمبر، تحت شعار "حماية الوطن".

وبلغ عدد القتلى 10 فلسطينيين، هم 4 مواطنين، بينهم "يزيد جعايصة"، أحد قادة “كتيبة جنين” التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

و5 من قوات السلطة المدعومة من جانب قوات الاحتلال، والتي يطلق الفلسطينيون عليها وصف “جيش دايتون”، وذلك نسبة للجنرال الأميركي الذي درب قوات السلطة، واستطاع أن يغير عقيدتهم بأن يجعل عدوهم هم المقاومين للاحتلال وليس الصهاينة.

الخطة التي بدأتها السلطة، في توقيت مشبوه مع إبادة غزة وصمتها، في مخيم جنين الذي يعد ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية، تشير تقديرات إسرائيلية وفلسطينية أنها ستكون البداية لقمع بقية المقاومين الذين يتصدون للاحتلال في بقية المدن، خاصة نور شمس، وطولكرم، وبلاطة، والفارعة.

بحيث يتبع عمليات الاحتلال داخل هذه المدن التي فشل في إخضاعها، دخول قوات سلطة محمود عباس لها، وفق دور مرسوم لها، إسرائيليا وأميركيا، بهدف إنهاء حالة المقاومة، التي بدأت قبل 4 سنوات ضد جيش الاحتلال وكانت نواتها في مخيم جنين.

تفاصيل الخطة

تحاول السلطة الفلسطينية اختزال ما يحصل في مخيم جنين على أنه صراع بين "كتيبة جنين" والسلطة، لكن الحقيقة أن كل قوى المقاومة في الضفة وعلى رأسها "كتائب شهداء الأقصى" الجناح المقاوم لحركة فتح، تشارك في هذه المقاومة ضد الاحتلال وضد سلطة رام الله المعاونة معه.

وضمن هذه السردية تزعم السلطة أن أبطال مخيم جنين "خارجون عن القانون"، بحجة أنهم يقاومون الاحتلال، الذي قصف مخيم جنين بالطائرات والدبابات والصواريخ أكثر من مرة، وأخلت له السلطة الشوارع لاقتحام المخيم واعتقال من يريد.

وبالتزامن مع خطة إسرائيلية لإنهاء المقاومة في غزة والقضاء على فكرة "الدولة الفلسطينية"، شجع فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تفعيل خطة "فرض السيادة" على الضفة، وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ذلك بوضوح.

وتحدثت صحف عبرية عن تحويل الضفة لـ"كانتونات" إدارية منفصلة تابعة لها أمنيا وتشرف عليها وإلغاء اتفاقية أوسلو، ورأوا أن هذه ستكون "هدية ترامب لإسرائيل" من أجل إنهاء الحروب في الشرق الأوسط كما زعم.

وتشير تقديرات إسرائيلية إلى وجود خلاف بين فريقين من القادة الصهاينة، أحدهما يرى التخلص من السلطة نهائيا بضم كل الضفة، وطرد منسوبيها خارج "إسرائيل"، وإعلان وفاة "حل الدولتين"، وعودة الحكم العسكري كما كان عقب حرب 1967.

والثاني، يرى أن دورها الحالي -كشرطي لإسرائيل في الضفة- يجعلها أكثر فائدة و"ديكور" يخفف الانتقادات التي توجه لتل أبيب، وتلافي انتقادات عالمية بتقدير أنها ممثل لدولة فلسطين التي أصبحت عضوا في الأمم المتحدة.

وضمن هذا الدور الثاني، تحدثت صحف عبرية، عن خطة إسرائيلية أميركية عربية لدعم السلطة للتخلص من المقاومة.

موقع "واللا"، كشف في 22 ديسمبر 2024، أن الحملة الأمنية التي أطلقتها أجهزة الأمن الفلسطينية في جنين، “جاءت بموافقة من قبل أنظمة مصر والأردن والسعودية”.

ونقل عن ثلاثة مصادر فلسطينية وأميركية وإسرائيلية، أن هذه الخطة للتخلص من المقاومة في الضفة، تقودها أساسا إسرائيل والولايات المتحدة، وتدعمها دول عربية مثل مصر والإمارات والسعودية والأردن.

وضمن هذا المخطط، أعلن الجيش الإسرائيلي في 19 ديسمبر، أن المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) "قرر تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي ​​مع السلطة الفلسطينية، وتزويدها بعتاد عسكري بعد اتفاق مع واشنطن".

وبحسب الجيش، فقد “تقرر بحث نقل معدات عسكرية إضافية إلى أجهزة الأمن الفلسطينية، لمساعدتها في التعامل مع (الفصائل المقاومة)”.

وطالبت واشنطن إسرائيل، بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة للسلطة الفلسطينية، على خلفية العملية الأمنية الواسعة المستمرة والتي تنفذها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، وفق صحف أميركية. 

ومنذ 4 سنوات، يعاني مخيم جنين اعتداءات عسكرية صهيونية متتابعة، تصاعدت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفرت عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية للمخيم.

وبموازاة حرب الإبادة على غزة، وسع جيش الاحتلال عملياته وصعد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية ما أسفر عن 835 شهيدا ونحو 6 آلاف و500 جريح، وفق معطيات فلسطينية رسمية.

مستقبل السلطة

ويبدو أن السلطة الفلسطينية، التي تشعر بقرب أجلها، ما لم تتعاون مع الخطط الإسرائيلية والأميركية لوأد المقاومة، اختارت أن تكون عجلة في ترس حملة "فرض السيادة" الإسرائيلية، حفاظا على مكاسب ومكتسبات حصل عليها رجالها بدلا من طردهم خارج الأرض المحتلة مجددا بعدما أعادهم "اتفاق أوسلو" لها.

لذا أعلنت خطة فرض سلطتها في المخيمات ومدن الضفة ومنع أي مقاومة للاحتلال، تحت شعار “حماية الوطن”، بهدف "ملاحقة المسلحين ومن يقف خلفهم".

وكان لافتا أن هذا تم بالتزامن مع إعلان واشنطن إصدار توجيهات لتل أبيب بمدها بأسلحة وعتاد جديد لتقوم بهذا الدور.

وبررت السلطة الفلسطينية حملتها الأمنية بحجة أن “وجود المسلحين في مخيمات الضفة الغربية يشكل سببا رئيسا لاقتحامها من قبل جيش الاحتلال تحت حجة إنهاء المقاومة، وهذا ما يعرض المواطن الفلسطيني للخطر!!”.

إلا أن محللين فلسطينيين وإسرائيليين يشيرون إلى أن السبب الحقيقي هو "مخاوف السلطة أن يزعزع تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية، وجودها المرتبط بالتنسيق الأمني مع الاحتلال".

ويرون أن تطور قدرات المقاومة في الضفة يزيد من احتمالات تراجع النفوذ الأمني للسلطة في الضفة، وسيطرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهي تخشى تكرار سيناريو قطاع غزة.

وأن نجاح السلطة في تدمير المقاومة في الضفة بات هدفا مصيريا لقادة رام الله، لأن نجاح وصمود المقاومة، معناه أن تكون نهاية سلطة عباس في جنين.

وذكر موقع "أكسيوس" الأميركي في 15 ديسمبر 2024 أن العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين "حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة".

ونقل عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن "دافع العملية الأساسي هو توجيه رسالة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأن السلطة شريك موثوق به".

كما نقل موقع "واللا" العبري في 15 ديسمبر 2024 عن مسؤول فلسطيني كبير قوله "إن هذه العملية هي لحظة انتصار أو هزيمة للسلطة الفلسطينية".

وذكر موقع “أكسيوس” أيضا، نقلا عن مصادر فلسطينية وأميركية أن العملية في جنين هي نتيجة "التأثير السوري"، و"خشية القيادة الفلسطينية أن يقوم الإسلاميون بإسقاط السلطة الفلسطينية، مثلما أطاح السوريون بنظام بشار الأسد".

وأكد مسؤولون فلسطينيون وأميركيون، أن من الدوافع الأخرى للعملية هي "محاولة منع تكرار نموذج سوريا في الضفة الغربية".

وأشاروا إلى أن سلطة عباس في رام الله وفريقه "كانوا قلقين أن يُلهم ما حدث في سوريا الجماعات الإسلامية الفلسطينية لتثور عسكريا ضد عباس".

وقال الموقع الأميركي عن مسؤول فلسطيني، أن مصر والأردن والسعودية تدعم عملية جنين “لأنها لا تريد للإسلاميين السيطرة على السلطة في الضفة أيضا”.

وكشف أن مساعدي عباس أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاري الرئيس المنتخب ترامب مسبقا على عملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايكل فنزل اجتمع بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.

وقال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، بموقع “واللا” في 15 ديسمبر إن إدارة بايدن طلبت من إسرائيل الموافقة على المساعدة العسكرية الأميركية لأمن السلطة بالضفة، بهدف دعم عمليتها الواسعة في الضفة الغربية.

أكد أن السفير والمنسق الأمني الأميركيين طلبا من إسرائيل الموافقة على تسليم المعدات والذخائر للسلطة.

وقالت صحف أميركية إن السلطة الفلسطينية أعطت المسؤول الأمني الأميركي الجنرال فنزل قائمة بالمعدات والذخائر التي تحتاجها قوات الأمن الفلسطينية بشكل عاجل من إسرائيل.

وستأتي "هذه المساعدة، بشكل رئيس من الوكالات الدولية، التي سيسمح لها أيضا بتوفير التدريب لقوات (أجهزة الأمن الفلسطينية)"، وسيكون ضمنها زيادة التعاون الاستخباراتي مع السلطة الفلسطينية، بحسب صحيفة "هآرتس".

وأن مسؤولا فلسطينيا أبلغه أن "المسلحين في جنين، الذين زعم ​​أنهم ممولون من إيران، أفضل تسليحاً وتجهيزا من قوات الأمن الفلسطينية"، ولو كانت تمتلك الأسلحة الكافية لكانت العملية انتهت بالفعل". 

وأظهرت أنباء لقاءات قادة رام الله مع المنسق الأمني فنزل، الحديث عن دور للسلطة ضمن الخطة الأمنية التي طرحتها الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2023 بعد اجتماع العقبة بالأردن وبمشاركة إسرائيلية، وسميت "خطة فنزل".

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قد نشرت تفاصيل هذه الخطة وأهدافها وهي "إنهاء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتغيير توجهات السلطة الفلسطينية بحيث تصبح أكثر صلابة في التعاطي مع المقاومين".

حل إسرائيلي

ويبدو أن توافق "المصالح" بين السلطة وإسرائيل بشأن القضاء على المقاومة، خاصة حماس والجهاد، في الضفة وغزة، وراء شدة هذه الحملة هذه المرة، بحيث تنفذ السلطة الحل الإسرائيلي للقضاء على المقاومة بيدها.

فلأول مرة استخدمت السلطة الفلسطينية قذائف "آر بي جي" لقصف المخيم وأدى عدوانها لانقطاع الكهرباء والماء وأغلقت المدارس عن أجزاء من المخيم والمدينة، ويطلق قناصوها النار بشكل كثيف وعشوائي على شوارع المخيم. 

وهو ما أثار احتجاجات كبيرة في الضفة حاولت السلطة التغلب عليها بالدعوة لمظاهرات شعبية "مصنوعة" ضد مقاتلي جنين.

كما قام أمن السلطة بشن حملة اعتقالات واسعة بحق النشطاء والإعلاميين والمقاومين وحتى المواطنين العاديين ممن انتقدوا جرائمها في مخيم جنين ومحاولتها تخويف المجتمع بالضفة.

وحرصت أجهزة أمن السلطة على تصوير تعذيبهم لأحد المعتقلين السياسيين ونشر الفيديو في محاولة لتخويف أهالي الضفة الذين خرجوا في 11 مدينة للتظاهر ضد ممارسات السلطة.

وانتشرت فيديوهات بشكل متعمد لإجبار أجهزة أمن السلطة لمعتقلين على ترديد عبارات، من بينها "الله، الرئيس أبو مازن"، بعد انتقادهم لعملية السلطة ضد المقاومة في جنين.

وتحدثت كتيبة جنين عن أن هذه الأجهزة قتلت منذ 7 أكتوبر 2023، 14 مواطنا خارج إطار القانون دون حسيب ولا رقيب.

وردت كتيبة جنين على عملية السلطة ضدها، باقتحام أحد مواقع تجمع قوات دايتون (أجهزة السلطة) مؤكدين أنهم "استولوا على سلاح نوعي"، وقالوا للسلطة في بيان: "استعدوا أنتم وأسيادكم لصفعة الكتيبة، فستكون قاسية".

وبحسب ما أورد موقع "واللا" في 15 ديسمبر 2024، أوعز محمود عباس، لرؤساء الأجهزة الأمنية بشن الحملة الأمنية في جنين، والسيطرة على مخيمها، رغم "تحفظات" بعض رؤساء الأجهزة.

لكن رئيس السلطة، أبلغهم بأن "كل من سيخالف أوامره سيُقال"، وأكدت كتيبة جنين أن لديها معلومات عن احتجاز السلطة 237 من عسكرييها رفضوا المشاركة في العملية بمخيم جنين.

وقالت حماس عبر بيان في 27 ديسمبر إن "مشاهد ضرب عناصر أجهزة أمن السلطة وإذلالهم للمواطنين، وملاحقتهم للنساء والشبان وإجبارهم تحت التهديد على تقديم إفادات أو كتابة منشورات تدعم روايتها المضللة بخصوص حملتها الأمنية اللاوطنية التي تستهدف المقاومة في الضفة، تجاوز خطير وانحدار جديد لسلوك هذه الأجهزة القمعية بحق شعبنا".

بروفة لغزة

وتشير تقارير إسرائيلية وغربية إلى أن ما تفعله السلطة في جنين والضفة هو "بروفة" أو "عربون" تحاول تقديمه للاحتلال وأميركا حتى يقبلوا بسيطرتها على غزة بعد انتهاء العدوان الصهيوني عليها.

صحيفة "واشنطن بوست" أكدت في 22 ديسمبر 2024 أن "السلطة الفلسطينية تسعى لدور في غزة عبر مواجهة المقاومين للاحتلال في الضفة الغربية"

وأشارت إلى هدف عملية جنين هو محاولة السلطة الفلسطينية أن تثبت قدرتها على إدارة الأمن في المناطق التي تسيطر عليها في الضفة الغربية، لتبرير سعيها إلى "حكم قطاع غزة بعد الحرب".

ونقلت شبكة "سي إن إن" في 23 ديسمبر 2024 عن أحد قادة الكتائب، وهو قيس السعدي، قوله إن "إسرائيل تمنح السلطة فرصة لوأد المقاومة لتقول لها: إذا تمكنتم من إثبات قدرتكم على السيطرة على جنين، وهي مدينة صغيرة، فإننا سنفكر في تسليمكم غزة".

لكن الشبكة الأميركية تؤكد أن العملية الأمنية التي أطلقتها السلطة المدعومة من الغرب، "لم تؤد إلا إلى تقوية المقاومة"، ما يهدد نفوذ السلطة بقوة ويأتي عكس أهداف العملية.

وتقول وكالة أنباء "أسوشيتد برس" في 25 ديسمبر إن قدرة السلطة الفلسطينية على احتواء الجماعات المسلحة هناك سيتردد صداها إلى ما هو أبعد من الضفة الغربية، أي غزة.

وأشارت إلى أن "السلطة تريد أن تضع نفسها في موقف يسمح لها بتولي الحكم في غزة بمجرد انتهاء الحرب هناك".

مقاومة سلمية!

ويقول الكاتب والمحلل الفلسطيني ياسين عز الدين إن "السلطة تتبنى أكذوبة كبيرة اسمها المقاومة السلمية" لتبرير قمعها المقاومة.

وأكد عز الدين عبر منصة "إكس" أن السلطة تحارب المقاومة بحجة أنها تتبنى "المقاومة السلمية"، لكنها لا تقوم بأي مقاومة سلمية، بل وتقمع المسيرات التي تخرج للاحتجاج والتنديد بممارسات الاحتلال، أو تطالب بوقف الاستيطان بالضفة.

وأوضح أن السلطة تترك الاحتلال ينفذ بناء مستوطنات حتى في المناطق التي تسيطر عليها (ب) وفق اتفاق أوسلو، مثل كشف منظمة سلام إسرائيلية أنه تم بناء 7 مستوطنات داخل مناطق السلطة (المنطقة ب)، دون أن تعلن السلطة أو تحتج بأن هذا يتعارض مع سيادتها.

ويصف عز الدين، السلطة بأنها "ليست موجودة للمطالبة بحقوق شعبنا، بل لتكون وكيلا عن الاحتلال من أجل قمع شعبنا، ولا تتبنى أي شكل من أشكال المقاومة".

وأكد أن هدف الاحتلال منذ بداية تأسيس السلطة هو "إجهاض الانتفاضة ووقف مقاومة شعبنا".

والفرق بين ياسر عرفات وعباس أن الأول كان يبتز دولة الاحتلال بالمقاومة، فكلما تعطلت المفاوضات ترك المقاومة تتحرك مثلما حصل في انتفاضة النفق 1996 ثم قمعها بعد التوصل لاتفاق.

أما في انتفاضة الأقصى فخرجت الأمور عن سيطرته فتخلص الاحتلال منه وجاء بمحمود عباس، الذي تعلم الدرس بأنه لا يجوز الخروج عن وظيفته في حفظ أمن دولة الاحتلال، وفق قوله.

لذا يصف السلطة الفلسطينية بأنها "مشروع جواسيس وليس مشروع مقاومة سلمية، ولو كانت مقاومة سلمية لرأينا شيئا مختلفا تماما".

وتقول صحيفة "واشنطن بوست" في 22 ديسمبر 2024 إن الغضب على قوات الأمن في الضفة الغربية “مرتفع للغاية”، لأنها تعمل في ظل الاحتلال، وتضيق الخناق على مساحة الحرية ومقاومة الاحتلال بموجب الاتفاقيات الأمنية.

وتنقل عن فلسطينيين قولهم إن السلطة لا تتدخل لوقف عنف المستوطنين الإسرائيليين أو الغارات العسكرية المميتة، وتكتفي هذه القوات بالعمل لصالح إسرائيل، ويصفونها بأنها "أداة في يد عباس للفساد وقمع المعارضة الداخلية".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن تهاني مصطفى، المحللة المختصة بشؤون الأراضي الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، إن عملية جنين "ستؤدي بالتأكيد إلى نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية وقاعدتها الشعبية في حركة فتح".

لكنها تقول إن "وجود السلطة ليس مهددا، لأنها تعتمد على الغرب، وليس شعبها، للحصول على التمويل".

وقالت وكالة "رويترز" في 17 ديسمبر 2024 إن سكان الضفة يقولون "إن سلوك قوات الأمن التابعة للسلطة يشبه الطريقة التي يتصرف بها الجيش الإسرائيلي تقليديا في جنين".

وأكدت فصائل فلسطينية أن عملية "حماية وطن" التي تنفذها السلطة في الضفة الغربية، أثارت معارضة شديدة في جنين واندلعت اشتباكات عنيفة في مدن أخرى بالضفة الغربية بما في ذلك طوباس في غور الأردن وطولكرم في الشمال ضد السلطة بسببها "تنذر بمزيد من الانقسام الفلسطيني".

وقالت وكالة "أسوشيتد برس" في 25 ديسمبر 2024 إن "مواجهة السلطة لفلسطينيين، في وقت ينظر فيه كثيرون إلى السلطة بصفتها مقاولا فرعيا لإسرائيل، من شأنه أن يعمق الانقسامات في المجتمع الفلسطيني".

فيما تشير تحليلات فلسطينية إلى أن هذه العملية “تهدد ما تبقى من السلطة الفلسطينية التي تأسست قبل ثلاثة عقود بموجب اتفاقات أوسلو للسلام المؤقتة، وتحولت من حماية فلسطين لخدمة أمن الاحتلال”.