عقود التسليح.. كيف يتعاظم الحضور التركي وتغيب فرنسا في الساحل الإفريقي؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

فرانكفونية زائلة وعثمانية حاضرة.. كلمات يمكن أن تلخص المشهد العسكري في غرب إفريقيا وتحديدا دول الساحل، حيث يتعاظم الحضور التركي بالتزامن مع طرد فرنسا من تلك البلدان.

وتمثل صفقات السلاح والشراكات الدفاعية التي تعقدها الجمهورية التركية أخيرا في غرب إفريقيا، مظهرا من مظاهر التوسع الدبلوماسي، وامتداد النفوذ التركي لينافس قوى عالمية.

وعلى رأسها فرنسا التي ظلت تهيمن على مناطق بعينها مثل الساحل الإفريقي لعقود طويلة، وتعدها ضمن سياج سطوتها وإرثها الاستعماري القديم.

فكيف توسعت تركيا عبر صناعاتها الدفاعية المتقدمة في تلك المنطقة؟ ولماذا عدت باريس ذلك التوسع تهديدا لها؟ 

"أك سنغور" إلى أنغولا 

واستطاعت أنقرة أخيرا إتمام صفقة عسكرية مع لواندا، عاصمة "أنغولا" الدولة التي تقع على الساحل الغربي لجنوب إفريقيا، وتعد سابع أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة الإجمالية.

ففي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ذكرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية، أن الصناعات الدفاعية الجوية التركية تستعد لتسليم طائرات مسيرة إلى أنغولا. 

وستقدم أنقرة للواندا عدة طائرات مسيرة هجومية من طراز "أك سنغور"، أحد أبرز وأحدث المسيرات في أسطول الدرونز التركي. 

كما بدأت في تدريب أفراد الجيش الذين سيشغلونها هناك بعد تأخر لعدة أشهر نتيجة الصعوبات المالية التي تواجهها لواندا بسبب ديونها للصين.

وأوردت المجلة الفرنسية أن فنيي الصناعات الجوية التركية، كثفوا في الأشهر الأخيرة زياراتهم إلى قاعدة "فوركاس أرماداس" بأنغولا، لتدريب مشغلي طائرات "أك سنغور" الهجومية مستقبلا.

وكشفت أنه لم يذكر عدد الطائرات عند توقيع العقد، ولكن يعتقد أن تركيا ستسلم ثلاث طائرات مسيرة على الأقل إلى جانب محطة أرضية.

وستمكن "أك سنغور"، التي يبلغ طول جناحيها 24 مترا، الجيش الأنغولي من تنفيذ ضربات دقيقة، بالإضافة إلى مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي تشمل الدوريات البحرية.

وقد جرى توقيع العقد مع شركة الصناعات الجوية التركية، بقيمة 93 مليون دولار، من خلال شركة Simportex الحكومية للتسليح والتي تتبع للقوات المسلحة الأنغولية.

وجاءت الصفقة بعد توطيد العلاقات بين البلدين، والتي بدأت بزيارة رسمية أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنغولا في أكتوبر 2021. 

وبالإضافة إلى أنغولا، صدرت شركة الصناعات الجوية التركية مسيرات "أك سنغور" إلى دولتين إفريقيتين أخريين. 

إذ طلبت الجزائر ست طائرات منها عام 2022، في حين تشغل القوات الجوية التشادية طائرة واحدة على الأقل منها بالفعل، والتي وصلت في أبريل/ نيسان 2024 إلى العاصمة نجامينا.

مدرعات لـ "كوت ديفوار" 

من أنغولا إلى "كوت ديفوار"، حضرت الصناعات العسكرية التركية في الدولة الفرانكفونية الواقعة على الساحل الإفريقي.

وتحد هذه الدولة غانا من الشرق، وغينيا وليبيريا من الغرب، ومالي وبوركينا فاسو من الشمال، إضافة إلى إشرافها من الجنوب على خليج غينيا والمحيط الأطلسي.

وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2024، أتمت شركة أوتوكار "Otokar"، التركية لتصنيع المركبات المدرعة عقدين جديدين لتجهيز الجيش الكوت ديفواري بقيادة الجنرال لاسينا دومبيا، والدرك الإيفواري بقيادة الجنرال ألكسندر أبالو توري. 

ومن المقرر أن توفر الشركة دفعة من 10 مركبات مدرعة من طراز "كوبرا 2" للجيش وأخرى للدرك، تستخدم في المقام الأول بصفتها مقاومة للألغام، ومحمية من الكمائن.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت شركة "أوتوكار" موردا منتظما للجيش الإيفواري، وصدرت حوالي 60 مركبة "كوبرا 2" إلى البلاد. 

وقد تمحور العقد الأول حول توفير وسائل النقل لقوات حفظ السلام الإيفوارية المنتشرة مع بعثة الأمم المتحدة متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى، والذين يتمركزون حاليا كقوة استجابة سريعة في منطقة "بريا" في شرق تلك الدولة.

وأثناء وجود أعضاء الشركة التركية في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، عرضوا تزويد الجيش الإيفواري بجدول صيانة لمركبات الأمم المتحدة يتضمن إرسال فنيين عسكريين أتراك.

مسيرات إلى النيجر

كما استطاعت الشراكات الدفاعية التركية العبور إلى النيجر وهي دولة حبيسة في غرب إفريقيا. 

ففي 10 أكتوبر 2024، أوردت صحيفة "7 خبر" التركية، أن حكومة الجنرال عبد الرحمن تشياني أوشكت على الانتهاء من صفقة شراء غير مسبوقة من شركة تصنيع الطائرات المسيرة التركية Lentatek.

وبينت أن المجلس العسكري بالنيجر في المراحل النهائية من تقديم طلب شراء المسيرات التركية في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 80 مليون يورو.

وتشمل خمس طائرات مسيرة من طراز Karayel-SU المخصصة للمراقبة والهجوم، ومحطة تحكم ومعدات مرتبطة بها مثل نظام اتصالات مرتبط بالأقمار الصناعية والذخائر. 

وذكرت أن حكومة تشياني تستثمر عائدات استئناف صادرات النفط الخام عبر بنين، لتمويل صفقاتها العسكرية مع دول حليفة مثل تركيا.

وأكملت أن المجلس العسكري للنيجر أراد في البداية شراء المزيد من طائرات TB-2 المسيرة من شركة بايكار التركية. 

وسلمت الشركة بالفعل في مايو/أيار 2022 ست طائرات إلى النيجر خلال عهد الرئيس محمد بازوم، والذي وضع قيد الإقامة الجبرية مع زوجته منذ انقلاب يوليو/تموز 2023.

وما عطل الصفقة أن المجلس العسكري اشتبه في أن بايكار فرضت سعرا زائدا على العقد، ثم حاول تقديم طلب إلى شركة MALHAT التابعة لمجموعة EDGE  الإماراتية والتي لديها شراكات رئيسة مع العديد من شركات التسلح التركية.

تدخلات رسمية 

لكن جرى حل الإشكالية أثناء زيارة أجراها إلى عاصمة النيجر نيامي في يوليو 2024، كل من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس جهاز المخابرات التركية إبراهيم كالين، ورئيس وكالة الصناعات الدفاعية التركية هالوك جورجون.

إذ حل الوفد التركي المسألة بعد أن فحصوا طلبات المجلس العسكري المتعلقة بالمعدات العسكرية.

وزيادة عليها قدم المجلس العسكري للمسؤولين الأتراك طلب الشراء من خلال شركة Kibitya Solutions النيجرية لشراء الأسلحة.

والتي سبق أن استخدمها رئيس أركان الجيش النيجري العميد موسى سالاو برمو في يونيو/حزيران 2024، لطلب طائرات مسيرة صغيرة من طراز HBR30-E قادرة على الطيران لمدة ساعتين من شركة Z-Sistem التركية. 

وفوض برمو رسميا شركة Kibitya بذلك، والتي تتفاوض الآن مع شركة Lentatek على النقاط النهائية للصفقة.

وتمدد النفوذ العسكري التركي أخيرا إلى النيجر، التي تواجه تحديات أمنية صعبة في مواجهة تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (غرب)، وجماعة بوكو حرام (شرق).

ووقعت تركيا مع النيجر في يوليو 2020، اتفاقية عسكرية مثيرة ومهمة، ما مثل اختراقا لافتا لمناطق النفوذ الفرنسي.

وكذلك تأتي نيجيريا، التي تعد أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان والناتج الداخلي الخام وصادرات النفط، فخطت خطوة مهمة نحو تعزيز تعاونها العسكري مع تركيا.

ففي عام 2018، وقع البلدان اتفاقية تعاون في مجال التدريب العسكري، تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية ومكافحة قراصنة البحار، وإنشاء مقرات مشتركة، وتنفيذ مناورات ثنائية، وتبادل الوفود العسكرية، وإرسال مراقبين لمناورات البلدين.

باريس متخوفة

النشاط العسكري التركي المتصاعد في الساحل الإفريقي لطالما عزز مخاوف فرنسا، القوة الاستعمارية التقليدية في تلك المنطقة.

ففي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة نشرتها مجلة "جون أفريك" تركيا باتباع "إستراتيجية" تهدف إلى تأجيج مشاعر معادية لفرنسا في إفريقيا، واستغلال "نقمة ما بعد حقبة الاستعمار".

ونشر موقع "تي آر تي" التركي في 9 يوليو 2023، أن أنقرة باتت قبلة للقادة الأفارقة، لا سيما من تلك الدول الساخطة على باريس أو الساقطة من الفلك الفرنسي، في الوقت الذي اتخذ فيه الرئيس رجب طيب أردوغان إستراتيجية مختلفة في غرب القارة.

فقد رعى القمة التركية الإفريقية خلال العام 2022 التي شارك فيها 17 زعيما إفريقيا و102 وزير، بما يمثل ذروة نجاح الدبلوماسية التركية في جهودها للشراكة مع إفريقيا.

وفي 27 أبريل 2021، رأى موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي أن “العثمانيين دخلوا مرة أخرى إلى القارة السمراء (استخدموا ذلك المصطلح في إشارة إلى قوة تركيا إبان الحكم العثماني)”.

إذ تمركزوا في الموانئ العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ​​إلى منطقة الساحل ومن القرن الإفريقي إلى رأس الرجاء الصالح، وفق ذات المصدر. 

وقال: إن "وصولهم إلى هناك جاء لهدف محدد وهو إثبات الوجود وربما تحقيق الازدهار والتوسع على حساب الآخرين، أو بالأحرى القوى المتهالكة والشائخة مثل فرنسا وإيطاليا والبرتغال".

وأكد أن الإستراتيجية الخارجية الجديدة لتركيا بقيادة أردوغان، شملت عدة دول في إفريقيا جنوب الصحراء. 

فبعد أن تمت دراستها بدقة وتنفيذها بعناية، دخلت تركيا منطقة "فرانس أفريك" (مستعمرات فرنسا السابقة)، وأبحرت إلى أقصى جنوب القارة.

وهذا بالإضافة إلى التوسع في الفضاء الاستعماري البرتغالي السابق والاستحواذ على النفوذ الإيطالي في القرن الإفريقي، وفق الموقع.