بعد سقوط الأسد.. ماذا عن خطة إيران لحماية واستعادة عناصرها الفارين إلى لبنان؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

ما يزال التكتم سيد الموقف بشأن الفارّين من سوريا إلى لبنان من ضباط وعناصر نظام بشار الأسد المخلوع، وبينهم مقاتلون أجانب يتبعون المليشيات الإيرانية.

فقد أثيرت في الآونة الأخيرة مسألة مصير هؤلاء الذين يقيمون في مناطق لبنانية خاضعة لنفوذ حزب الله حليف إيران في هذا البلد، في ظل حدوث تغير لبناني على صعيد الرئاسة والحكومة.

"لبنان في خطر"

لا سيما أن الحديث يجرى عن وجود مقاتلين من المليشيات الإيرانية لم تتمكن طهران بعد من نقلهم من لبنان على الرغم من سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وتعالت التحذيرات من خطورة هؤلاء على لبنان، لا سيما أن الحكومة اللبنانية لم تتحدث عن أعداد رسمية لمن دخلوا إليها عبر الحدود خاصة من ضباط نظام الأسد البائد أو المليشيات الإيرانية.

إلا أن عضو كتلة "الجمهورية القوية"، النائب اللبناني بيار بوعاصي، حذّر بالقول: "لبنان في خطر.. 130 ألف إيراني وسوري دخلوا البلاد بعد سقوط الأسد باعتراف نائب وزير الخارجية الإيراني (للشؤون القنصلية وحيد جلال زادة) الذي طالب بتأمين الرعاية لهم".

وطالب بوعاصي على حسابه في منصة "إكس" في 13 فبراير/شباط 2025، "الأجهزة الأمنية اللبنانية بتقديم تقرير مفصل في هذا الخصوص وضبط الحدود دون التذرع بالنقص في الإمكانيات".

ودخل ضباط من نظام الأسد البائد برفقة مقاتلين من المليشيات الإيرانية إلى لبنان هربا من القبض عليهم من قِبل فصائل الثورة السورية؛ إما عبر معابر غير شرعية، أو باستخدام وثائق سفر بأسماء مزورة.

فهناك 5 معابر بين سوريا ولبنان موزعة على طول حوالي 375 كيلومترا، بينما يمتلك حزب الله اللبناني معابر خاصة غير شرعية بين البلدين، وكان يستخدمها قبل سقوط نظام الأسد لنقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين.

وكان تسارع التطورات في سوريا وانهيار الأسد بعد عملية عسكرية أطلقتها قوى الثورة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قد أربك إيران التي جلبت الآلاف من المليشيات الأجنبية للقتال إلى جانب النظام منذ عام 2012.

لكن الكثير من مليشيات إيران الأجنبية فرّت عبر الحدود العراقية، أو إلى لبنان ممن تعذر عليهم قطع مسافات صحراوية لبلوغ العراق ليلة سقوط الأسد، خاصة أن طهران تمكنت بمساعدة موسكو من تنفيذ عملية إجلاء عناصر لمليشيات إيرانية من قاعدة حميميم بريف اللاذقية في 10 ديسمبر 2024.

وقد اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 19 ديسمبر أن الجيش الروسي "أخرج أربعة آلاف مقاتل إيراني" من سوريا، بناء على طلب طهران في 10 ديسمبر 2024.

ونشرت إيران الحليف الأكبر لنظام بشار الأسد المخلوع منذ عام 2012، مستشارين عسكريين، وحشدت مليشيات أجنبية، واستثمرت ماليا بكثافة في سوريا لتثبيت نفوذها الذي تبخر الآن.

ففي موقع عسكري اتخذته المليشيات الإيرانية على أحد تلال بلدة خان شيخون في ريف إدلب، فرت العناصر ليلة سقوط الأسد.

وقد تركوا وراءهم وثائق تضم معلومات حساسة، وكلها باللغة الفارسية، وتحتوي على تفاصيل عن معلومات شخصية للمقاتلين، ورموز العسكريين، وعناوين منازلهم، وأسماء أزواجهم وأرقام هواتفهم المحمولة في إيران.

ومن الأسماء، يتضح أن العديد من المقاتلين في هذه القاعدة كانوا من لواء "فاطميون" الأفغاني الذي شكلته إيران للقتال في سوريا، وغالبا ما كان يشرف عليهم عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين.

"رحلة اختفاء"

ويرجح هروب تلك العناصر الأفغانية نحو الساحل السوري، أي على بُعد ساعتين بالسيارة كأقرب نقطة لهم نحو حدود لبنان من جهة محافظة طرطوس الحدودية.

ولم تكن طهران مستعدة لسقوط النظام ما أدى إلى ترك مليشياتها في حالة تخبط وسعيها البحث عن أي نقطة للفرار خارج سوريا، ويرجح عبورهم إلى لبنان.

وأمام ذلك، فإن الإدارة السورية الجديدة لم تعلن عن تمكنها من القبض على عناصر أجنبية تنتمي لإيران عقب سقوط الأسد، على الرغم من أنهم كانوا بالآلاف وانتشارهم كان في أكثر من محافظة سورية.

إلا أن منافذ الهروب لهؤلاء يبدو أنها كانت متاحة إما إلى العراق أو لبنان؛ حيث عبر هؤلاء مع عناصر وضباط من نظام الأسد البائد.

وضمن هذه الجزئية، أكد مصدر لبناني لـ"الاستقلال" وجود أبنية في ضاحية بيروت الجنوبية فيها عناصر وصلوا إليها من سوريا.

وأكد المصدر أن سيارات تابعة لحزب الله تزود هذه العناصر بالطعام والشراب بشكل يومي؛ حيث يتجنبون الخروج أو حتى مراقبة الشوارع من النوافذ.

 ولفت المصدر إلى أن السلطات اللبنانية، لم تداهم أيًّا من هذه الأبنية أو تعمل على تفتيشها.

ويبدو واضحا أن إيران تسعى لتأمين العناصر الأجنبية بشكل مبدئي ومنع تعرضهم لأي تهديد ريثما تتمكن من نقلهم للخارج.

وتعد عملية نقل هؤلاء، وهم بالمئات عبر مطار بيروت الدولي، عملية صعبة ومعقّدة لوجستيا، لا سيما في ظل مراقبة إسرائيل لكل تحركات المطار.

وتشير بعض المصادر إلى أن إيران تعمل على تمكين هؤلاء من تلقي مساعدات من تلك المخصصة للاجئين السوريين، خاصة أن بعضهم يحمل الهوية السورية والتي قيل: إن نظام الأسد البائد منحها لعناصر من مليشيات إيرانية أجنبية بغرض الحصول على خدمات في سوريا آنذاك.

وقد زار نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية وحيد جلال زادة، بيروت نهاية يناير 2025 وقال في تصريح أدلى به في وزارة الخارجية: "توخّيت أن أتحدّث مع زملائي المسؤولين اللبنانيين حول آخر الأمور المرتبطة بالمواطنين السوريين الذين اضطروا للفرار نحو لبنان نتيجة المستجدات ".

وأردف: "طلبنا من المسؤولين اللبنانيين الذين التقينا بهم التعاون الوثيق لتقديم أفضل العناية اللازمة التي يحتاج إليها هؤلاء".

ثم بعد أيام نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن زادة تقييما لزیارته الأخيرة إلى بيروت بقوله: “التقیت عددا من الإيرانيين المقيمين بسوريا في بيروت وتابعنا المشاكل القنصلية التي كانوا یعانونها”.

وأردف: "نحو 130 ألف سوري نزحوا إلى لبنان بعد الأحداث الأخيرة في سوريا، وبعضهم يعاني مشاكل معيشية وصحية وطالبنا السلطات اللبنانية بمعالجتها".

تأمين وحماية

ويحمل حديث زادة إشارة واضحة لسعي إيران إلى تأمين عناصرها الذين اضطروا للفرار إلى لبنان عقب سقوط الأسد.

والنقطة اللافتة هنا، هي أن إيران تبحث عن ممر عبور لمليشياتها سواء الموجودة في لبنان التي دخلت خلسة مع فرار الأسد أو تلك التي ما تزال مختبئة في سوريا.

وقد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 31 يناير/كانون الثاني 2025 عن مصدر أمني مطلع على أجواء زيارة وحيد زادة إلى بيروت، قوله: إن الزيارة لها هدفان، "الأول الاهتمام بالسوريين الفارين إلى لبنان، وخشية إيران من توقيفهم وتسليمهم إلى الدولة السورية الجديدة".

أما الهدف الثاني والأكثر أهمية، "فهو تسهيل عبور عشرات الإيرانيين الذين يحملون الجنسية السورية من دمشق إلى بيروت، وتأمين ترحيلهم جوا إلى طهران عبر مطار رفيق الحريري الدولي".

إلا أن إيران تلقت منعا لبنانيا من هبوط طائراتها بمطار بيروت الدولي منذ 13 فبراير 2025، وهو ما دفع أنصار حزب الله للاحتجاج على طريق المطار ومهاجمة سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيل”.

وهو ما أسفر عن إصابة نائب قائد القوات المنتهية ولايته، الذي كان في طريقه إلى بلاده بعد انتهاء مهمته.

وقد عزت مصادر مطلعة في مطار بيروت سبب المنع إلى "توفر معلومات تفيد بأن هذه الطائرات الإيرانية القادمة تحمل على متنها أموالا لحزب الله، وأن هذا الأمر يعرِّض أمن المطار للخطر".

وحذرت إسرائيل بشكل مباشر لبنان من "استغلال فيلق القدس وحزب الله في الأسابيع الأخيرة مطار بيروت الدولي من خلال رحلات مدنية، في محاولة لتهريب أموال مخصصة لتسلح الحزب".

ويؤكد مراقبون أن إيران لطالما اتبعت إستراتيجية قائمة على استخدام المليشيات كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة بعد تراجع نفوذ حزب الله في لبنان عقب المواجهة مع إسرائيل.

وهذا الخيار وفق المراقبين يتماشى مع سياسة إيران في الاحتفاظ بمليشياتها كأداة إستراتيجية نشطة بأقل تكلفة ممكنة.