النظام السوري الجديد.. كيف نجح سريعا في تخريج دفعات من قوات الشرطة؟

"العناصر الجديدة من جميع المحافظات السورية ويتمتعون بشهادات دراسية ثانوية أو جامعية"
على الرغم من التحدي الأمني الكبير الذي تشهده سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، تمكّنت الحكومة السورية الجديدة من تخريج دورات جديدة لعناصر الأمن والشرطة في مدة قصيرة وبشكل مميز.
فبعد حل الرئاسة السورية الانتقالية للجيش والأجهزة الأمنية وفرار غالبية العناصر الذين يَتْبعون وزارة الداخلية التابعة للنظام البائد، اعتمدت الحكومة الجديدة في البداية على عناصر من فصائل المعارضة لِسَدّ النقص الحاصل.
إلا أنه مع طرح وزارة الداخلية الجديدة شروطا جديدة للانتساب إلى قوات الأمن العام والشرطة، حدثت استجابة كبيرة في المحافظات السورية؛ إذ عكست سرعة الانتساب مدى رغبة الشباب في سوريا في الانخراط في مؤسسات الدولة الجديدة على الرغم من قِلة الإمكانيات المادية.

دفعات متتالية
وقد تمكنت وزارة الداخلية السورية الجديدة من تخريج الدفعة الأولى من أفراد عناصر الشرطة في 14 يناير/ كانون الثاني 2025 وضمّت 400 عنصر.
ثم جرى تخريج الدفعة الثانية من عناصر قوات الشرطة في 5 فبراير/ شباط 2025 والمؤلَّفة من ألف عنصر من قوات الشرطة في دمشق بحضور وزير الداخلية، علي كدة، وإدارة كلية الشرطة.
كما جرى تخريج الدفعة الثالثة المكونة من ألف عنصر جديد في كلية الشرطة بمحافظة دمشق في 20 فبراير 2025، وسيتوزعون على المراكز والأقسام الشرطية والمرور.
وتجمع العناصر الجدد الذين حضروا حفل التخرج بزيهم الأسود في منطقة التدريب بالأكاديمية التابعة لإدارة الأمن العام في وزارة الداخلية، ثم أجروا تدريبات على التشكيلات والسير بالسلاح واتخاذ المواقع تنفيذا للأوامر.
وقال قائد الدورة المسؤول عن تدريب قوات الشرطة معاوية الخطيب: إن هذه الدورة تحمل "رقم 24 أفراد شرطة، وعدد الأفراد نحو ألف متدرب، حصلوا على تدريبات الشرطة".
وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول: "اليوم يحتاج المجتمع إلى توفير عدد من أفراد الشرطة، وتنظيم دورات سريعة، ومع الأيام القادمة سيكون هناك تكثيف في التدريبات ورفع مستوى التدريب".
وأوضح أن العناصر الجدد “ستنتشر في جميع المحافظات السورية على حسب الحاجة (..) سواء شرطة أو أفراد مرور”، مشددا على أن "العناصر الجديدة من جميع المحافظات السورية وتتمتع بشهادات دراسية ثانوية أو جامعية".
من جانبه، وصف وزير الداخلية علي كدة خلال حضوره حفل تخرج الدفعة الثالثة بأنها "دورة مختصرة ومكثفة ومصممة لتزود العناصر بالمهارات لخدمة الشعب".
وأشار كدة إلى أن العناصر "اكتسبوا خلال الدورة قيم الانضباط وتحمل المسؤولية والعمل بروح الفريق كي تكون هذه القيم أساسا في مسيرتهم المهنية لتعزيز الأمن والاستقرار في سوريا، واصفا إياهم بأنهم "سيقفون في الخط الأول من المواجهة".

شروط الانتساب
وتواصل وزارة الداخلية شن عمليات مداهمة لملاحقة فلول نظام الأسد البائد والقبض عليهم لمحاكمتهم. كما تسير قوى الأمن العام في المحافظات السورية دوريات لحفظ الأمن ومنع عمليات السرقة، أو الأعمال المخلة بالسلم المجتمعي.
ومن الواضح أن وزارة الداخلية اعتمدت في تدريبها للدورات الجديدة على ضباط يتبعون كلية الشرطة التي أنشأتها حكومة "الإنقاذ" أواخر عام 2022 والتابعة "لهيئة تحرير الشام" التي كانت عاملة في إدلب.
وبحسب الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، فقد أنهت حتى الآن تدريب قرابة 17 ألف عنصر، يتوزعون ما بين عناصر جهاز الشرطة وجهاز الأمن العام.
وحينما فتحت وزارة الداخلية السورية الجديدة باب الانتساب إلى كلية الشرطة في 16 يناير/ كانون الأول 2024، وضعت عددا من الشروط لقبول المنتسبين هي:
ألا يقل عمر المتقدم عن 20 عاما وألا يتجاوز 30 عاما.
أن يكون المتقدم غير محكوم بأي جرم شائن.
أن يكون حاصلا على الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها على الأقل.
أن يتمتع المتقدم بصحة جيدة وبنية سليمة، ويكون لائقا بدنيا.
أن يجتاز المتقدم الدورات المقررة.
ألا يقل طول المتقدم عن 168 سم.
وفي 29 يناير 2024، أعلنت وزارة الداخلية فتح باب الانتساب لإدارة أمن الحدود، ووضعت عددا من الشروط لقبول المنتسبين هي:
ألا يقل عمر المتقدم عن 18 عاما وألا يتجاوز الـ25.
أن يكون غير محكوم بأي جناية أو جرم شائن.
أن يكون حاصلا على الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها على الأقل.
أن يتمتع بصحة جيدة وبنية سليمة ويكون لائقا بدنيا.
ألا يقل طول المتقدم عن 170 سم كحد أدنى، وأن يجتاز المتقدم الدورات المقررة.
وقد أسهمت تلك الدورات في إعادة تفعيل شملت قيادة الشرطة بأقسامها المختلفة، من الأمن الجنائي وفرع المرور إلى قسم المدينة والقسم الخارجي وقسم البلدية والمخافر في المحافظات السورية.
وأكدت الداخلية على أهمية دور الشرطة في حفظ الأمن وتقديم الخدمات للمواطنين، داعية العناصر إلى التعامل اللائق مع السكان وتحمل المسؤوليات الموكلة إليهم.
كما دعت وزارة الداخلية العسكريين الضباط وصف الضباط المتطوعين الذين كانوا على رأس عملهم عند سقوط نظام بشار الأسد ولم تتلوث أيديهم بدم السوريين إلى تسوية أوضاعهم للاستفادة من خبراتهم.

تحدٍّ أمني كبير
وضمن هذا السياق، أكد المحلل والخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب لـ"الاستقلال" أن "الدولة حاليا في سوريا بحاجة لعناصر في الأمن والشرطة في ظل التحدي الأمني الكبير الذي تشهده البلاد".
وأضاف أيوب قائلا: "بما أن معظم الشباب في سوريا هم من حَمَلة السلاح نتيجة الثورة فإن هذا سهَّل من عمليات الانتساب وسرعة الاستجابة للانضمام في الدورات التي تعلن عنها وزارة الداخلية في المحافظات السورية".
وأردف "خاصة أنه يجرى إعطاء دورة أغرار سريعة لهؤلاء المنتسبين لكيفية استخدام السلاح وكيفية إجراء المداهمات لردف باقي القوات بالعناصر".
ولفت أيوب إلى أن "تخريج مثل هذه الدورات بهذه السرعة لكون هناك حاجة مُلِحّة للأفراد وكذلك فإن مثل هذه الدورات لا تتضمن عمليات تدريب على المواجهة العسكرية؛ بل فقط يقتصر ذلك على عمليات أمنية محدودة وتمشيط وإلقاء القبض على مطلوبين أو حفظ الأمن وحماية المواقع الحيوية والمؤسسات الحكومية".
واستدرك "إن إعداد الشرطي يتطلب دورة منظمة يتم تأهيله فيها للانتقال من الحالة النفسية المدنية إلى العسكرية التي يتعرض فيها لضغوط معينة ويتطلب كذلك معرفته بجملة من القوانين والتي تستغرق عادة من 3 - 6 أشهر؛ ليصبح عقب التخرج قادرا على تلقي الأوامر وتنفيذها والعمل بشكل صحيح في كل مهمة من اختصاصه".
وسبق أن أنشأت "حكومة الإنقاذ" في أكتوبر 2021 "الأكاديمية العسكرية" التي تُعنى بالشؤون العسكرية، وهي تتبع وترتبط بشكل مباشر برئيس مجلس الوزراء لدى الحكومة المذكورة.
إلا أنه بعد تشكيل حكومة انتقالية عقب سقوط نظام بشار الأسد، بدأت وزارة الدفاع بقيادة مرهف أبو قصرة في إعادة تشكيل الجيش السوري الجديد.
إذ ركزت الوزارة على مهمة إعادة توزيع القطع العسكرية وتنظيمها بما يحقق التوازن العسكري في مختلف المحافظات السورية.
وتشمل هذه العملية إعادة تشكيل الوحدات القتالية، وضبط آليات القيادة والسيطرة، بما يضمن تعزيز الجاهزية العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
وتسعى الوزارة إلى إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس جديدة، من خلال تدريب وتأهيل الضباط والعناصر وفق معايير عسكرية حديثة، إضافة إلى دمج بعض التشكيلات ضمن قطاعات أكثر فاعلية.
وقد قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، إن آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد.
وأضاف الشرع في مطلع فبراير في مقابلة مع مدونة صوتية "بودكاست" مع أليستر كامبل المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وروري ستيورات، الوزير البريطاني المحافظ السابق، أنه لم يفرض التجنيد الإجباري بسوريا بل اختار التجنيد الطوعي.
واتخذت السلطات الجديدة خطوات جذرية لفكّ الارتباط مع الحقبة السابقة شملت إلغاء الدستور وحلّ الجيش والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب البعث.
كما أعلنت حلّ الفصائل المسلحة بما فيها هيئة تحرير الشام، والعمل على دمجها ضمن جيش يُعمل على تأسيسه.
وقد تولى العميد فضل الله الحجي منصب مدير الأكاديمية العسكرية العليا في وزارة الدفاع السورية في فبراير 2025.
ويشغل الحجي، منذ عام 2018، قيادة الجبهة الوطنية للتحرير، إضافة إلى منصب نائب رئيس الأركان في الجيش الوطني السوري، وقد تولى مسؤوليات عسكرية بارزة في منطقة إدلب.
وبدأ الحجي مسيرته العسكرية ضابطا في قوات نظام الأسد البائد، لكنه انشق برتبة عقيد نهاية عام 2012، لينخرط في العمل العسكري ضمن الثورة السورية.