"سيناريو الكساد العظيم".. تداعيات انهيار البورصة الأميركية على العالم
“إذا سقط حجر في وول ستريت فإن الكوكب كله يسمع صوت ارتطامه”
لم يكن يوم الجمعة 2 أغسطس/ آب 2024، عاديا داخل مقر البورصة الأميركية، المعروفة باسم “بورصة نيويورك” والتي تقع في شارع وول ستريت الشهير.
وفي نزيف هائل للبورصة الأكبر في العالم من حيث القيمة السوقية، هوت الأسهم الأميركية بشكل مدو.
وتعد بورصة نيويورك واحدة من أكبر وأقدم البورصات في العالم، وتلعب دورا محوريا في حركة الاقتصاد العالمي.
خسائر كبيرة
وسجلت بورصة نيويورك في 2 أغسطس خسائر كبيرة في قطاعات الخدمات الاستهلاكية، وقطاعات النفط والغاز الطبيعي والصناعات.
كما أغلقت الأسهم عند نهاية تداولات ذلك اليوم، بانخفاض مؤشر داو جونز الصناعي عند 1.51 بالمئة، بينما هوى مؤشر ستاندرد آند بور 500 بنحو 1.84 بالمئة ومؤشر ناسداك هبط بنحو 2.45 بالمئة.
وتعرضت أسهم شركة "إنتل" الأميركية الشهيرة المصنعة لأشباه الموصلات لانهيار بنسبة 28 بالمئة، ثم أعلنت عن خطة كبرى لتسريح أكثر من 15 بالمئة من موظفيها بحلول نهاية عام 2024.
وبذلك خسرت المجموعة الأميركية العملاقة أكثر من 30 مليار دولار من قيمتها السوقية.
عدوى انهيار بورصة نيويورك سرعان ما امتدت وضربت الأسواق الآسيوية والأوروبية حتى وصلت إلى الأسواق العربية.
وهو ما ترك مجموعة تساؤلات عن أسباب انهيار بورصة الولايات المتحدة، والتداعيات المنتظرة في العالم تحديدا الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وما السيناريوهات والمخاوف المتوقعة جراء ذلك الانهيار.
وبدأت الأزمة على وقع تقارير اقتصادية سلبية صدرت عن وزارة العمل الأميركية.
وقالت الوزارة إن الوظائف غير الزراعية زادت 114 ألف وظيفة في يوليو/ تموز 2024، وهو رقم أقل بكثير من متوسط التوقعات البالغ 175 ألف وظيفة.
هذا التقرير تسبب في قلق بالغ، دفع المستثمرين إلى سحب استثماراتهم من الأسواق.
أسباب الانهيار
لكن هذا لم يكن السبب الوحيد، ففي 6 أغسطس أصدرت شبكة "سي إن إن" الأميركية، تقريرها عن عوامل تهاوي بورصة نيويورك.
وذكرت أن التوترات الجيوسياسية، وتصاعدات وتيرة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، زاد من عدم استقرار الأسواق العالمية.
وهو ما جلب في النهاية الانهيار، حيث يشعر المستثمرون بقلق بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي فاقم الأوضاع، علاوة على الحرب المستعرة في أوكرانيا.
أيضا من العوامل التي تضافرت وأوصلت البورصة إلى تلك النقطة السلبية، الارتفاع الذي أظهرته بيانات البطالة الأميركية، حيث وصلت إلى 4.3 بالمئة في يوليو، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما أثار مخاوف من دخول الاقتصاد الأميركي في ركود.
إلى جانب ذلك، أدت عملية بيع شركة "بيركشاير هاثاوي" جزءا من حصتها في شركة "أبل" بقيادة وارن بافيت، إلى عده إشارة على أن سهم "أبل" العملاق قد بلغ ذروته، ويجب أن يتم بيعه.
وذهبت "سي إن إن" إلى المشهد السياسي المتغير بسرعة في الولايات المتحدة والذي شهد صعود المرشحة الديمقراطية المحتملة كامالا هاريس إلى مستوى متعادل تقريبا مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب في العديد من استطلاعات الرأي.
حتى إن ترامب استغل الأحداث وأطلق تصريحات حادة، هاجم فيها كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي سلسلة من التغريدات على منصة “إكس”، ألقى ترامب اللوم على هاريس والديمقراطيين في الانحدار الاقتصادي وقال إن المساهمين يرفضون ترشيحها.
وكتب "الناخبون لديهم خيار، إما ازدهار ترامب أو انهيار كامالا، وعودة الكساد العظيم في عام 2024".
تسونامي عالمي
تداعيات انهيار البورصة الأميركية، ضربت الأسواق المالية في أوروبا بقوة في 5 أغسطس، حتى أطلق المتداولون على ذلك اليوم "الإثنين الأسود".
وأعلنت "وكالة الأنباء الفرنسية"، أن الأسواق العالمية خسرت في هذا اليوم، حوالي 6.4 تريليونات دولار من قيمتها السوقية.
وهوت الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوياتها في نحو 6 أشهر وسط عمليات بيع عالمية، مدفوعة بمخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وجاءت معدلات انخفاض البورصات في العواصم الأوروبية على النحو التالي، باريس 2.42 بالمئة، ولندن 1.95 بالمئة، وفرانكفورت 2.49 بالمئة، وأمستردام 3.05 بالمئة، وميلانو 3.31 بالمئة، وزيورخ 2.97 بالمئة، ومدريد 2.79 بالمئة.
فيما تراجع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 2.68 بالمئة إلى 484.45 نقطة، وذلك بعد أن هبط إلى 482.42 نقطة.
وخفضت قيمة عملة البيتكوين من حوالي 62 ألف دولار إلى نحو 52 ألف دولار.
ومن أوروبا إلى آسيا، بلغ التأثير السيئ بورصة "طوكيو" واحدة من أهم وأكبر البورصات في القارة الآسيوية والعالم.
ورفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة، الأمر الذي زاد من كلفة القروض على المستثمرين اليابانيين الذين اقترضوا واشتروا أسهما أميركية، مما أدى إلى عمليات بيع واسعة لسداد القروض.
ونتيجة لذلك، انخفض مؤشر "نيكاي" الياباني بنسبة 12 بالمئة في جلسة 5 أغسطس، في أسوء أداء له منذ عام 1987.
البورصات العربية
ووصلت أمواج الأزمة العالمية سريعا إلى الأسواق العربية، إذ هبطت غالبية البورصات العربية في نهاية تداولات 5 أغسطس.
وهبطت بورصة السعودية، الأكبر في العالم العربي، مع تراجع مؤشرها الرئيس "تاسي" بنسبة 0.28 بالمئة إلى 7587 نقطة، مع تراجع بعض الأسهم القيادية في قطاعي المصارف والمواد الأساسية.
وكذلك سقط المؤشر الرئيس للبورصة المصرية بـ2.12 بالمئة، وسط عمليات شراء قوية للمؤسسات الأجنبية.
بينما أعلنت شركة "الماسة كابيتال" للاستشارات المالية (مقرها دبي)، في تقرير أن "الأسواق الإقليمية ستتأثر في الفترة المقبلة بالأداء العالمي السلبي، ما يدفع بالمؤشرات الإقليمية نحو التداول الجانبي مع الميل نحو الاتجاه الهبوطي".
وبالفعل جاءت بورصة قطر في صدارة الأسواق الخاسرة مع هبوط مؤشرها الرئيس بنسبة 1.36 بالمئة إلى 8837 نقطة، مع انخفاض شبه جماعي لأسهمها، يتصدرها العقارات بنسبة 2.93 بالمئة والصناعة بنسبة 2.15 بالمئة والبنوك بنحو 1.1 بالمئة.
ثم هبطت بورصة البحرين للجلسة الثانية على التوالي، وانخفض مؤشرها بنسبة 0.78 بالمئة إلى 1344 نقطة، مع تراجع أسهم مثل "الإثمار القابضة" بنسبة 6.82 بالمئة و"الخليجي التجاري" بنسبة 4.17 بالمئة.
وفي الإمارات، انخفض مؤشر بورصة دبي بنسبة 0.23 بالمئة إلى 3378 نقطة مع تراجع سهم "إعمار العقارية" لأدنى مستوياته في أكثر من عام.
كذلك هبط مؤشر بورصة العاصمة أبوظبي بنحو 0.06 بالمئة إلى 4581 نقطة وسط ضغوط بيع على أسهم "بنك أبوظبي الأول".
وتدهورت أوضاع بورصة الأردن، بعدما هبطت بنسبة 0.16 بالمئة إلى 2203 نقطة، مع تراجع جماعي للمؤشرات القطاعية يتصدرها الصناعة بنسبة 0.49 بالمئة إثر تراجع سهمي "حديد الأردن" و"العالمية للزيوت".
غرفة تحكم
وعن أسباب تأثر العالم بانهيار البورصة الأميركية، أوضح الباحث الاقتصادي أحمد محيي الدين، أن "أحد الأسباب الرئيسة هو أن الولايات المتحدة، هي أكبر اقتصاد في العالم، وبورصة وول ستريت تحديدا هي غرفة عمليات وتحكم ذلك الاقتصاد، وبالتالي إذا سقط حجر في وول ستريت فإن الكوكب كله يسمع صوت ارتطامه".
وأضاف محيي الدين لـ"الاستقلال" أن "الأمر وصل مثلا أنه في عام 2011، تأسست حركة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى (احتلوا وول ستريت) هدفها مهاجمة جشع الرأسماليين، حيث بدأت الحركة بمسيرات صغيرة في الشارع ثم تحولت إلى حركة احتجاجية عالمية شملت 25 دولة".
ولفت إلى أنه "كذلك لا يمكن إغفال أن من 80 إلى 90 بالمئة من السلع العالمية يتم تسعيرها بالدولار، وبالتالي بمجرد اهتزاز وول ستريت يتحرك الدولار صعودا وهبوطا، لذلك يمتد الأمر إلى جميع دول العالم".
وأضاف عند سؤاله عن إمكانية حدوث ركود اقتصادي بأن "هناك تخوفا من حدوث ركود حاد للاقتصاد الأميركي، وهو السيناريو المتوقع الذي ستنجم عنه تداعيات سلبية على اقتصادات دول العالم الصغرى منها والكبرى".
يذكر أن البورصة الأميركية مرت بلحظات انهيار تاريخية متعددة، من أبرزها انهيار 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1929 المعروف باسم “الكساد العظيم”، وأطلق عليه مسمى "الخميس الأسود"، وحدث بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع في يوم واحد لكنها لم تجد مشترين لفقدان قيمتها.
كذلك في عام 1962، انهارت بورصة وول ستريت، وهو السقوط الذي عرف بالهبوط السريع لأسواق المال الأميركية إبان حكم الرئيس جون كنيدي، وامتد الانهيار من ديسمبر/كانون الأول 1961 إلى يونيو/حزيران 1962.
ومن أشد الأزمات، انهيار 19 أكتوبر 1987، الذي عرف باسم "الإثنين الأسود"، وتكبدت أسواق المال العالمية فيه خسائر ضخمة، حيث انطلقت موجة الهبوط الشديد من هونغ كونغ وباقي الأسواق الآسيوية، وانتقلت إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة.
كما انهارت بورصة نيويورك في 6 أكتوبر 2008 بعد هبوط الأسواق الأميركية متأثرة بتداعيات أزمة القروض العقارية وشبح الركود الاقتصادي، وهو الانهيار الذي رفع سوق العقارات في العالم كله، ومازالت آثاره ممتدة.
المصادر
- الاثنين الأسود.. تراجع حاد في البورصات الأوروبية والآسيوية
- عدوى انهيار البورصة تصل الأسواق العربية..سقوط عنيف لبورصة مصر ومؤشر تاسي
- Stock markets rally after global rout
- هبوط غالبية البورصات العربية مقتفية أثر الأسواق الأمريكية
- الاثنين الأسود.. فوضى أسواق المال تمحو تريليونات الدولارات بالعالم
- Wall Street and global markets tumble over fears of US recession