"انهيار المركز السياسي".. كيف أضعفت النخب الغربية الثقة بالنظم الديمقراطية؟
أدى التدهور في السياسة التقليدية في الغرب إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية
كيف قتلت النخب الغربية "المركز السياسي التقليدي"؟ سؤال طرحه موقع "أتلانتيكو" الفرنسي، مؤكدا أن "السياسات الفاشلة والممارسات القائمة على الأكاذيب من قبل الحكومات والأنظمة السياسية التقليدية في الغرب أدت إلى فقدان الثقة وزيادة الانقسام".
استشهد المقال بأمثلة من فرنسا والولايات المتحدة، حيث أدى التدهور في السياسة التقليدية إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، مطالبا بضرورة "إعادة التفكير في النهج السياسي والاهتمام بمشاكل المواطنين الحقيقية لتجنب المزيد من الاضطرابات".
حقيقة ثابتة
يستهل الموقع الفرنسي تقريره بالقول إنه "منذ أن اعتلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، المنصة لمناظرة دونالد ترامب في الأيام الماضية، كان القرار السياسي الأكثر كارثية وغباء هذا العام هو قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا إلى انتخابات مبكرة بعد النتائج المبهرة التي حققها التجمع الوطني في الانتخابات البرلمانية الأوروبية".
وفي هذا الصدد، بعد الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة، يعتقد الموقع أنه "لا يزال من غير الواضح ما الخطأ الذي سيؤدي إلى أعظم العواقب".
ومهما كانت النتيجة، في رأي الموقع، فإننا "سنشهد جميعا انهيار الأنظمة الفاسدة في الوقت الحقيقي، مما ينتج عنه نوع من الإصلاح، والولادة الفوضوية لنظام جديد".
"وهذا هو الحال في فرنسا أكثر منه في الولايات المتحدة"، وفق ما يعتقده الموقع الفرنسي. إذ أثارت النتائج الجيدة التي حققها حزب "التجمع الوطني" اليميني في الجولة الأولى من التصويت موجة من الاحتجاجات في شوارع فرنسا.
ففي بعض المدن الفرنسية، أشعل بعض المتظاهرين وغيرهم من الناشطين اليساريين النيران للتعبير عن غضبهم من النتائج.
وبشكل خاص في باريس، تظاهر آلاف الإسلاميين والناشطين اليساريين ضد اليمين المتطرف، بحسب ما ذكره الموقع.
وفي مقابل ذلك، تقارن "أتلانتيكو" ذلك "المشهد الغاضب -الذي لا يظهر فيه أي وجود للعلم الفرنسي- بمشهد انتصار حزب "التجمع الوطني" الذي يتضمن الآلاف والآلاف من الناخبين الفرنسيين الذين يلوحون بالألوان الثلاثة ويغنون النشيد الوطني الفرنسي".
وفي تعليقه على هذا التباين، يقول الموقع إنه "تأكيد بصري على أن الاستبدال الكبير والتغيير ليس نظرية مؤامرة، بل حقيقة ثابتة".
الاستبدال الكبير
وفي هذا السياق، ينقل الموقع عن رينو كامو، الناشط الفرنسي السياسي، تعريفه للاستبدال الكبير بأنه "تغيير الأشخاص واستبدال شعب أو أكثر بشعب له جذور أسلافه، والذي تزامن تاريخه لمئات أو آلاف السنين مع المنطقة المعنية".
وهنا، يشير الموقع الفرنسي -ساخرا- إلى أن "كل هؤلاء الفرنسيين، وسط هذا الحشد من اليساريين، يخجلون من فرنسا لدرجة أنهم لا يرفعون علمها".
وهذه الحالة -في نظر الموقع- تبرهن على أن "الاستبدال الكبير يشكل أيضا حالة ذهنية".
وبشكل عام، يسلط الموقع الضوء على أن "فرنسا اليوم في خضم صراع من أجل مستقبلها كأمة".
مدعيا أن "أعداء فرنسا هم الفرنسيون الذين يكرهونها والأجانب الذين جلبوهم ليحلوا محل الفرنسيين المقاومين".
وبعد الانتخابات الفرنسية الأخيرة، يزعم الموقع أن "فرنسا تواجه الآن مستقبلا مخيفا يتمثل في صراع بين اليسار واليمين، والذي قد يؤدي في النهاية، بسبب تطرف اليسار واستعداده للجوء إلى العنف، إلى نشوب حرب أهلية طالما خاف منها الفرنسيون".
"ورغم أن النخب السياسية والإعلامية طالما حذرت من أن اليمين المتطرف يشكل تهديدا للديمقراطية، إلا أن الواقع يثبت أن من أشعل الحرائق احتجاجا على نتائج التصويت الديمقراطي ليسوا أنصار مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني"، حسب ادعاء التقرير.
نهاية حقبة
في هذه الأثناء، وعلى الجانب الآخر من العالم، تلفت "أتلانتيكو" إلى الطبقة السياسية الديمقراطية، وبالطبع الصحفيين، الذين أعربوا عن صدمتهم من الأداء المثير للشفقة الذي قدمه جو بايدن خلال مناظرته مع ترامب.
ومن المضحك للغاية -بالنسبة للموقع- أن "نرى الخبراء والمعلقين السياسيين مندهشين من أن الرئيس الحالي للولايات المتحدة يجد صعوبة في تجميع الجمل معا".
وفي هذا الصدد، يقول الموقع الفرنسي: "إن ما يوضح اندهاش الخبراء من حالة بايدن وتصديقهم عكس ذلك طوال الفترة الماضية، هو أن ذلك يخدم مصالحهم السياسية، وخاصة مصالحهم المتعلقة بمنع دونالد ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض".
وهنا، يلفت الموقع الأنظار إلى أن "الديمقراطيين يواجهون الآن كارثة".
حيث إن الحزب الديمقراطي يواجه حاليا مشكلة كاملا هاريس، حسب زعم "أتلانتيكو".
وتابع متسائلا: "ماذا يفعل الديمقراطيون بمرشحة رئاسية مكروهة على نطاق واسع اختارها بايدن فقط لأنها سوداء البشرة، والتي سوف يهزمها ترامب بشدة؟".
وعلى جانب آخر، يذهب الموقع إلى أن "التحول السياسي الجذري الذي تشهده الولايات المتحدة لا يشكل تهديدا للنظام العام مثل الزلزال الذي ضرب فرنسا".
مؤكدا في الوقت نفسه أن “هذه الفترة في مختلف أنحاء الغرب تمثل نهاية الحقبة السياسية الحالية”.