دفاعا عن مصدر رزقهم.. منقبو الذهب بموريتانيا ينتفضون ضد الإمارات وروسيا

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

"التنقيب عن الذهب" في موريتانيا يشكل مصدر دخل لآلاف الأسر شمال البلاد، مما جعلهم على استعداد للدفاع عن مورد رزقهم ضد كل التهديدات، بما فيها شركات أجنبية حلت بالمنطقة، الأمر الذي أدى إلى توترات أمنية.

وطرد منقبون غاضبون، عمال شركة "أميرال ماينينغ" الإماراتية الروسية، والتي تنقب عن الذهب شمال موريتانيا، وسيطروا على معداتها قبل أن تتدخل قوات الأمن لإعادة السيطرة على الوضع.

تقدير موقف

ووفق "وكالة الأخبار" المحلية، في 24 مارس/آذار 2024، يتهم المنقبون السلطات بالتواطؤ مع الشركة الأجنبية "أميرال ماينينغ"، ومنحها مناطق تنقيب سبق أن منحت لهم، كما يتهمونها باحتكار مناطق شاسعة وغنية بالذهب.

وذكر المصدر ذاته، أن المنطقة عرفت مواجهات بين المنقبين المحتجين وقوات الدرك التي كانت تتولى تأمين مركز الشركة، قبل أن يتمكن المنقبون من السيطرة عليه، حيث انسحبت قوات الدرك، وطرد المنقبون عمال الشركة الأجانب. 

وأظهرت مقاطع فيديو منتشرة مجموعة من المنقبين وهم يحيطون بآليات كبيرة تابعة للشركة، ويرمونها بالحجارة من كل جانب.

 

فيما طالبت نقابات عدة السلطات بـ"حماية" مصالح المنقبين الموريتانيين من الشركات المصنعة.

وتفاعلا مع الموضوع، قال الكاتب الصحفي، المصطفى محمدن لولي، إن "التوتر بين المنقبين وشركة (آميرال ماينينغ) غير جديد، حيث كانت طبوله تقرع قبل سنتين حين زرتُ المنطقة في إطار عمل صحفي".

وأضاف محمدن لولي لـ"الاستقلال"، أن "حقيقة الأمر أن الشركة مُنحت ترخيصا للتنقيب عن الذهب من طرف وزارة المعادن في منطقة خارجة عن أروقة (وكالة معادن موريتانيا) التي تعمل على تنظيم قطاع التعدين الأهلي".

واستدرك موضحا "إلا أن بعض المنقبين، وربما بإيعاز من بعض النقابات العاملة في المجال، رأوا أن الشركة منافسة لهم، حيث ستعمل في مناطق قريبة من المناطق التي يمارسون فيها التنقيب".

وتابع: "بل وتقول وكالة معادن موريتانيا إن المنقبين الأهليين مارسوا التعدين في جزء من المنطقة المخصصة للشركة المذكورة (آميرال ماينينغ)"، مشيرا إلى أنه تم "تسوية الموضوع بما يرضي جميع الأطراف".

وبشكل عام، يقول محمدن لولي، إن "قطاع التعدين الأهلي يطبعه قدر كبير من العشوائية، وما زال تنظيمه عصيا على الجهات الوصية عليه نظرا لتجدد مناطق التعدين بشكل مستمر، وتشتت المنقبين في كل شبر من البلاد".

وأضاف "نظرا لأنها منطقة حدودية، فهي تشهد توترا متعدد الاتجاهات، بسبب غياب الوعي لدى هؤلاء المنقبين، ما تسبب في تكرار خروجهم من حدود البلد والاعتداء على حدود بلدان أخرى".

ضوابط صارمة

يذكر أن وزير البترول والطاقة والمعادن الناطق باسم الحكومة الموريتانية، الناني ولد اشروقه، أعلن مقتل 4 مواطنين خارج الحدود، مبرزا أن الأمر يتعلق بمُنقبين عن الذهب، محذرا باقي المنقبين من "مغبة تكرار مثل هذا الأمر".

ولم يتطرق الوزير الموريتاني، خلال ندوة صحفية عقدها في 3 يناير/كانون الثاني 2024، إلى الجهة التي نفذت الضربة الجوية التي أنهت حياة الموريتانيين الأربعة داخل المنطقة العازلة جنوب الجدار الأمني المغربي، بعد أن سبق لتقارير موريتانية أن تحدثت عن أن الأمر يتعلق بعملية عسكرية للجيش المغربي.

 

وعليه، يردف محمدن لولي، أنه "من الضروري وضع ضوابط صارمة على الحدود ومنع المنقبين من الخروج منها".

وأضاف "من جهة أخرى على الجيران وضع الظروف الفوضوية التي تطبع التعدين في الحسبان، وعدم التسرع في مواجهة أي تسلل لحدودها بالعنف قبل تحذير المتسللين".

بدوره، رأى المحلل الاقتصادي، أمم ولد أنفع، أن "ما حدث من اشتباكات بمنطقة الشكات يعود في الأساس إلى سوء تفاهم بين المنقبين التقليديين من جهة، وشركة (إماراتية روسية) لديها رخصة تنقيب بإحدى المناطق التابعة للشكات، أقصى شمال البلاد".

وأوضح ولد أنفع لـ"الاستقلال"، أن "سوء التفاهم حصل بعدما ذهبت الشركة المذكورة للتنقيب عن المياه في مناطق تابعة قانونيا للمنقبين التقليديين، وهو ما أثار حفيظتهم وردوا بالاعتداء على آليات الشركات، مما دفع الحرس الوطني للتدخل".

ولفت إلى أن "الأمور بدأت تذهب للتهدئة بعد تدخل السلطات الإدارية المحلية والجهات الحكومية المنظمة للقطاع".

وأشار ولد أنفع إلى أن "قطاع استخراج الذهب بالبلاد ما يزال يعاني من بعض النواقص، مثل نسبة التهريب المرتفعة التي تقدر بـ70 بالمئة من الإنتاج الإجمالي، والكميات الكبيرة المستخدمة من المواد الكيميائية، وغياب وحدات معالجة ميدانية يمكن عن طريقها خلق قيمة مضافة".

توقيفات وتحقيقات

وأوقف الدرك الموريتاني في منطقة "الشكات"، 10 منقبين عن الذهب، على خلفية الأحداث التي شهدتها المنطقة، وأدت إلى إصابة منقبين اثنين أحدهما في حالة خطيرة.

وأفاد موقع "صحراء ميديا" المحلي، في 28 مارس 2024، بأن "الدرك استعان ببعض الصور والفيديوهات التي التقطها المنقبون أنفسهم، خلال مهاجمتهم عمال وآلية شركة أميرال ماينينغ، وهي الأحداث التي تطورت إلى مواجهة مع وحدة من الحرس الوطني أسفرت عن إصابة منقبين اثنين وانقلاب سيارة للحرس".

وقال إن "السلطات عقدت اجتماعا مع مسؤولين في شركة أميرال ماينينغ، للتحقق من وثائق التنقيب عن المياه التي تتوفر عليها الشركة المختصة في التنقيب عن الذهب".

وأبلغت السلطات هيئتين قياديتين للمنقبين، عزمها فتح تحقيق في الحادثة “يعيد الأمن والسلم للمنطقة ويحق الحق”.

وسمحت السلطات الموريتانية منذ 2018 بالتنقيب يدويا عن الذهب السطحي، في مناطق واسعة من شمالي البلاد، مما جعل عشرات الآلاف من المواطنين يتدفقون إلى تلك المناطق للتنقيب بشكل عشوائي وغير منظم.

وفي عام 2019 تدخلت الحكومة لتنظيم عملية التنقيب التقليدي عن الذهب وفرضت الحصول على ترخيص لممارسة هذا النشاط.

ويواجه المنقبون عن الذهب السطحي شمالي موريتانيا مخاطر متعددة، بينها الانهيارات التي تحدث من حين لآخر للحفر العميقة التي يحفرونها للبحث عن الذهب والتي كثيرا ما تتسبب في حالات وفاة وإصابات.

وسبق للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن أعلن في 10 فبراير/شباط 2022 وفاة ثمانية منقبين عن الذهب في انهيار بئر بمنطقة "أصبيبرات" شمال البلاد.

ويستخدم المنقبون أدوات بدائية للحفر بحثا عن التربة المشبعة بالذهب، ولا يستخدمون أية معايير للسلامة، وهو ما يؤدي في الكثير من المرات إلى انهيار التربة غير المدعمة.

قطاع حيوي

الأهمية الكبيرة لقطاع التعدين بموريتانيا تؤكدها التقارير الرسمية وحصيلة الإنتاج الكبير، سواء من المعدن النفيس أو من غير من المعادن، الأمر الذي له أكبر الأثر الاقتصادي والاجتماعي على البلاد.

وسبق للوزير الأول محمد ولد بلال أن أكد أن موريتانيا أنتجت 33 طنا من الذهب خلال 2023، وهو مجموع الإنتاج الصناعي وشبه الصناعي والأهلي.

وأضاف ولد بلال خلال حديثه أمام البرلمان، في يناير 2024، أن إنتاج خام الحديد بلغ 14.1 مليون طن، فيما بلغ إنتاج النحاس 13 ألف طن.

وأكد أن "إطلاق العمل في منجم افديرك سيؤدي إلى تحسين الإنتاج بحوالي مليوني طن من خام الحديد سنويا، مردفا أن هناك مشاريع أخرى مهمة يجرى تطويرها مثل العوج والتمايه وتزرقاف".

وأشار ولد بلال إلى ما وصفه بـ"التأثير الإيجابي الكبير" لنشاط التعدين الأهلي على النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، مردفا أنه يوفر أكثر من 250 ألف فرصة عمل، 50 ألفا منها مباشرة، ونحو 200 ألف غير مباشرة.

وتحدث عن تحسن ظروف المنقبين، من خلال تقريب الخدمات الصحية والمياه والكهرباء والاتصالات وخدمات الإدارة العمومية.

وتعهد المسؤول الموريتاني بأن يعرف عام 2024 تحسين التأطير الاجتماعي والبيئي للقطاع، والسيطرة على منافذ التسويق، وإنشاء برامج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للسكان، وتعزيز المحتوى المحلي بتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية.

كما تعهد بـ"تشديد الرقابة والتفتيش على أنشطة التعدين في ولايات العصابة وكوركل والبراكنة وكيدماغا من أجل حظر المعالجة خارج المراكز المخصصة لذلك".