الطرق الصوفية بالجزائر.. كيف ساهمت في نجاح الرئيس تبون بولاية ثانية؟

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

تلعب الطرق الصوفية في الجزائر دورا مهما في دعم فوز الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون بولاية ثانية في الانتخابات التي انطلقت في 7 سبتمبر/أيلول 2024.

فالطريق إلى قصر "المرادية" مقر الحكم في الجزائر يستلزم مجموعة من الضوابط والتحالفات مع فئات وقوى مجتمعية نافذة، كان من بينها الطرق الصوفية التي يدعمها تبون.

ولا يغفل أن الطرق الصوفية في البلاد دعمت تبون الذي تشير كل الاستطلاعات إلى قرب إعلان فوزه، خاصة أنه قدمها وخصها بمميزات متعددة، ليحقق الاستفادة من ولاءاتها، ومن كبار أقطابها ومريديهم. 

فمثلا دعت الخلافة العامة للطريقة التيجانية، وهي واحدة من أكثر الطرق انتشارا بالبلاد، جموع الجزائريين إلى المشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية.

وطلب الخليفة العام للطريقة الشيخ علي بلعرابي التيجاني، من الشعب الالتفاف حول "مشروع الجزائر الجديدة"، تحت رعاية الرئيس تبون.

كذلك فعلت الطريقة الطيبية التهامية الجزائرية التي تتمركز في غرب البلاد، حيث أعلنت مساندتها للرئيس المنتهية ولايته.

وهو ما شددت عليه المشيخة العامة للطريقة القادرية بالجزائر وعموم إفريقيا، عندما أعلنت انخراطها في مساعي تبون للم الشمل ورص الصفوف.

فما هي الطرق الصوفية في الجزائر؟ وما عدد أفرادها؟ وكيف يستطيعون التأثير في العملية السياسية؟

الطرق الأمهات 

تتجاوز الطرق الصوفية في العالم 320 طريقة ولكن أشهرها في الجزائر ما تسمى "الطرق الصوفية الأمهات".

وذلك بحسب موسوعة "الطرق الصوفية في الجزائر"، التي تعد الأولى من تأليف وتحقيق الخبير الدولي محمد بن بريكة، وقد أصدرها عام 2011، في 32 جزءا.

والطرق الصوفية الأمهات، تتمثل في الطريقة الرحمانية، والقادرية والشاذلية والطريقة الرفاعية والنقشبندية والخلوتية، والتيجانية. 

ويتفرع من الطرق الأمهات، قرابة 30 طريقة على الأقل، ويقدر عدد أتباعها كما أوردت موسوعة الباحث محمد بن بريكة بنحو 2.5 مليون مريد. 

وتعد أنشطة الطرق الصوفية تربوية وتعليمية واجتماعية بالأساس، حيث ينخرط أتباعها في أكثر من 1600 زاوية (الزاوية هي الحاضنة الأساسية للطرق) في مختلف أنحاء الجزائر.

أما كبار مشايخ الطرق فعلى علاقة وثيقة برجالات الدولة والسلطة، وقال عنهم بن بريكة: "إنهم انتقلوا بوظائف الطرق من الديني إلى الدنيوي، ومن المقدس إلى السياسي".

الطريقة الرحمانية 

وفي ذلك الإطار تظهر الطريقة الرحمانية، وهي من أكبر الطرق الصوفية وأكثرها انتشارا في الجزائر، خاصة في منطقة القبائل. 

ويعود تأسيس الطريقة الرحمانية إلى القرن الثامن عشر على يد الشيخ محمد بن عبد الرحمن الإدريسي، الذي استلهم منهجه من الطريقة الخلوتية. 

واختار اسم "الرحمانية" نسبة إلى اسم جده عبد الرحمن، كما يعد الشيخ عبد القادر الجيلالي، من أبرز خلفاء الشيخ المؤسس.

وقد أسهم في نشر الطريقة في مناطق واسعة من الجزائر، وخرج بها إلى إفريقيا. 

ويعد المناضل والقيادي الجزائري التاريخي ضد الاحتلال الفرنسي، الراحل حسين آيت أحمد، أحد الصوفيين الرحمانيين.

ويوجد بيته العائلي إلى جانب زاوية في بلدة آيت أحمد (أولاد أحمد) في أعالي محافظة تيزي ويزي.

لكن تأثير الطريقة السياسي ظهر بشدة خلال عهد تبون، الذي عين في مارس/ آذار 2022 شيخ الطريقة الرحمانية، محمد مأمون القاسمي الحسيني، عميدا لجامع الجزائر برتبة وزير.

ولمعرفة أهمية الأمر فإن جامع الجزائر مصنف حاليا أنه ثالث أكبر جامع في العالم بعد الحرمين الشريفين بمكة والمدينة، ويتسع لنحو 120 ألف مصل. 

والحسيني من علماء الدين في الجزائر، وأشهر شيوخ الصوفية الرحمانية، وتولى مناصب عدة من بينها، مدير مساعد للبرامج والامتحانات بوزارة التعليم.

ومدير التوجيه الديني بوزارة الشؤون الدينية، ومستشار قائم بتنظيم الحج، ورئيس المعهد القاسمي للدراسات والعلوم الإسلامية، بجنوب الجزائر.

إضافة إلى كونه رئيس الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، وعضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر.

وهو ما يدلل على أن قطب الطريقة الرحمانية من الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي، ويحظى بقرب وثقة الرئيس الحالي. 

الطريقة التيجانية

ثم تأتي الطريقة التيجانية، ومؤسسها الشيخ أحمد التيجاني، الذي ولد عام 1737 في مدينة عين ماضي بولاية الأغواط (400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة).

واستلهم طريقته خلال رحلته في مدينة فاس المغربية، حيث تلقى على يد الشيخ الطيب الوزاني أصول الطريقة ومبادئ التصوف.

إلى أن عاد للجزائر وأخذ في نشر مبادئ التصوف، تحديدا بين مدينة تلمسان والصحراء الجزائرية.

واستقر في منطقة الأبيض سيدي الشيخ لفترة خمسة أعوام، زار خلالها منطقة القبائل وتتلمذ هناك على يد الشيخ عبدالرحمن الأزهري وأخذ منه أصول الطريقة الخلوتية.

ثم دشن الطريقة التيجانية، وجمع أحمد التيجاني فيها بين أصول الطريقة الشاذلية والطيبية والناصرية.

وانتشرت هذه الطريقة بقوة في مساحات كبيرة من البلاد، منها مدينة عين ماضي وباقي ولاية الأغواط ومدن وقرى صحراوية وامتدت إلى الحوض الإفريقي، ووصلت إلى السنغال وانتشرت فيها بكثافة.

وترى الجزائر أن الطريقة التيجانية تحديدا أحد أوجه قوتها الناعمة، نظرا لانتشارها في شمال ووسط إفريقيا. 

الطريقة القادرية

وتأتي الطريقة القادرية التي ظهرت على يد الشيخ مصطفى المختاري الغريسي عام 1786، وكان موطنها يقع في واد الحمام قرب مدينة معسكر.

وكان الشيخ مصطفى المختاري كثير التردد على بلاد الحجاز ومدينة بغداد العراقية.

وهناك تعلم مبادئ وأصول الطريقة القادرية على يد أتباع ومريدي الشيخ عبدالقادر الجيلاني.

توفي الشيخ مصطفى بعد عودته من مناسك الحج، وتولى شؤون الطريقة القادرية من بعده محيي الدين والد المجاهد والمقاوم الشهير ضد المستعمر الفرنسي الأمير عبد القادر الجزائري.

وبعد وفاة الشيخ محيي الدين تولى أمر الزاوية ولده محمد السعيد، أما الأمير عبدالقادر فاهتم بشأن المقاومة واستنفار الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي.

لذلك فهذه الطريقة لها خاصيتها عند شعب الجزائر، لأنه بعد تسليم باي وهران المدينة إلى الفرنسيين، قاوم أتباع الطريقة القادرية رفقة الطريقة الدرقاوية المستعمر الفرنسي ورفضوا الاستسلام والانصياع.

التأثير السياسي 

تبرز أهمية النفوذ الصوفي داخل مؤسسات الدولة الجزائرية من خلال تخصيص منصب مستشار لدى رئاسة الجمهورية مكلف بالزوايا والمدارس القرآنية.

وهو منصب استحدثه الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان هو نفسه من مريدي الزاوية البلقايدية.

وعرفت فترة حكم بوتفليقة بدور فعال للطرق الصوفية في حشد الولاءات للسلطة السياسية.

فضلا عن تدخلها في تعيين شخصيات مقربة منها ضمن الطواقم الحكومية والوظائف العليا.

المفسر لهذا أن الخطاب الصوفي في الجزائر كان متماهيا دائما مع الإدارة السياسية منذ استقلال الدولة عام 1962.

كما أنه يميل بطبيعته سواء داخل الجزائر أو خارجها إلى الهدوء وعدم الثورية، أو الاصطدام بالسلطة بأي شكل كان.

وعملت الزوايا في الجزائر على التعاون مع الأنظمة المتعاقبة، حتى تضمن عدم المجازفة في دعم تيارات إسلامية أو الدخول في معركة تؤثر على وجودها ونفوذها القوي من وراء ستار.

عهدة تبون 

ومنذ بداية فترته الرئاسية، تجاوز تبون الأحزاب السياسية وفضل الاعتماد على قوى المجتمع المدني، وعلى رأسها الزوايا الدينية الصوفية بشكل خاص.

ويقر تبون بانحيازه للزوايا، بحكم سيرة والده الذي كان متصوفا بحسب ما قال في أكثر من لقاء وتصريح. 

وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ألقى تبون كلمة في ملتقى الجزائر الدولي، وتحدث عن ما أطلق عليه رهان الجزائر الجديدة على البعد الإفريقي.

واستذكر الروابط الأيديولوجية التي تربط الجزائر بعمقها الإفريقي وعلى رأسها الطرق الصوفية.

وشدد على ضرورة تعزيز العمل الدبلوماسي وتنشيط السياحة الدينية والاستفادة من عمق الطرق الصوفية وامتداداتها في إفريقيا.

كما أكد على تمسك الجزائر بتوجهها نحو القارة السمراء، عندما قال إنها خدمت إفريقيا في ماضي عهدها وستواصل هذه المسيرة في حاضرها ومستقبلها مستلهمة كل ذلك من مجد الأسلاف والأجداد.

وعلى جانب آخر فإن تبون مستمر على مسار السلطة الجزائرية منذ تسعينيات القرن الماضي، تحديدا حقبة العشرية السوداء المؤلمة، والصراع المرير مع الإسلاميين.

فوقتها ومن بعدها عملت السلطة على زيادة التوظيف السياسي للزوايا الصوفية، نظرا لتأثير هذه المؤسسات الدينية في المجتمع.

وخاصة في المناطق الداخلية والأرياف ومنطقة القبائل، حيث لا تزال الطرق الصوفية تحظى بتأثير كبير عند الناس.

انتقادات للزوايا 

ومع ذلك توجه كثير من الانتقادات للزوايا، وفق ما يقول الباحث الجزائري الدكتور عبدالعزيز بوشنتوف لـ “الاستقلال”.

وأضاف أن "الزوايا والطرق الصوفية رغم دورها العظيم في تاريخ الجزائر، سواء في مقاومة الاستعمار أو وقف أعمال التنصير والتبشير التي كانت تحاول فرنسا نشرها في بلادنا، لكن وضعها في الزمن الحالي لا يبشر بالخير". 

وأضاف: “هذه الزوايا في مجملها باتت محطا للبدع والخرافات ونشر الانحرافات الدينية”.

فمعظم الأضرحة المنتشرة في البلاد خاصة في القرى، تعمل من ورائها مجموعات لكسب الأموال عن طريق النذور والاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان. 

وأكمل: "باتت البدع والأكاذيب تزرع في النفوس، بدلا من التربية الدينية السليمة، وتعليم الناس الفقه والقرآن وعلوم الدين على السنة النبوية، فضلا عن احترام العقول". 

وفي حديثه عن دور الطرق سياسيا، قال: “هي ماضية على عهدها في الدعم المطلق للحاكم وعدم الاصطدام بالسلطة بأي شكل”.

وذكر أن "شيوخ وكبار رواد الزوايا هم في الأساس ضمن تشكيلة السلطة والأمن، حتى إن بعض ضباط الجيش والشرطة هم من مريدي الطرق". 

واستطرد أن “الرؤساء والزعماء في الجزائر دائما ما يربطون أنفسهم بالطرق بشكل أو بآخر، حتى عن طريق امتداداتهم العائلية”.

فغالبا ما يكون لهم جذور صوفية، وبالتالي فإن الحركة الصوفية الجزائرية مؤثر ومتأثرة بالسلطة، فكلاهما لا يفترق، وفق تقديره.