المشروع القومي.. هل أطاحت ثورة بنغلاديش بالحلم الهندوسي جنوب آسيا؟
كان يُنظر إلى بنغلاديش باعتبارها واحدة من النجاحات اللامعة للهند
أظهرت الأحداث الأخيرة في بنغلاديش مدى الضرر الذي أحدثه المشروع القومي الهندوسي بالمصالح الإقليمية للهند.
هذا ما تؤكده مجلة "فورين بوليسي" الأميركية التي رأت أن سياسات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "تعوق علاقات الهند مع جيرانها".
وبينت المجلة في مقال للمحاضر في "جامعة ييل" الأميركية، سوشانت سينغ، أنه: "عندما أصبح مودي رئيسا للوزراء قبل 10 سنوات، كان من بين المدعوين إلى أداء اليمين قادة كل دول جنوب آسيا".
"الجوار أولا"
وقد عكس هذا سياسته الخارجية "الجوار أولا"، والتي كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الودية والتعاون الاقتصادي مع جيران الهند الأصغر حجما.
لكن "سرعان ما تعثر هذا النهج بسبب النزاعات الحدودية والخلافات الثنائية، وتأخر الهند بتنفيذ مشاريع التنمية، والنفوذ الصيني المتزايد في المنطقة".
واستدرك: "مع ذلك، كان يُنظر إلى بنغلاديش بصفتها واحدة من النجاحات اللامعة للهند".
ذلك أن رئيسة وزراء بنغلاديش آنذاك، الشيخة حسينة -التي تولت السلطة لمدة 15 عاما متتالية قبل أن تستقيل تحت الضغط في 5 أغسطس/آب 2024- عملت بشكل وثيق مع مودي، وبدا أن علاقتهما الودية كانت مربحة للجانبين.
وأوضح أن "حسينة تحولت إلى مستبدة على الرغم من بداياتها الديمقراطية، وعلى هذا، تصاعد الغضب الشعبي ضدها، إلى أن اندلعت احتجاجات طلابية ضد قرار يتعلق بتوزيع حصص الوظائف الحكومية".
"وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات لتكون ضد حسينة نفسها، مما أدى إلى اضطرابات عمّت البلاد، فرت على إثرها الأخيرة إلى الهند".
وقال سينغ: "على الرغم من أنها لا تحظى بشعبية، فقد جاءت استقالة حسينة كصدمة للمؤسسة السياسية والأمنية في الهند".
إذ كانت الهند تدعم حسينة بكامل قوتها أثناء فترة ولايتها، متجاهلة في كثير من الأحيان مخاوف شعب بنغلاديش والأطراف المعنية الأخرى.
فبعد اغتيال والدها، الشيخ مجيب الرحمن -الزعيم المؤسس لبنغلاديش- في انقلاب عسكري عام 1975، لجأت حسينة وشقيقتها إلى الهند.
وعادت إلى بنغلاديش للقتال من أجل الديمقراطية، حيث شغلت منصب رئيسة الوزراء لأول مرة من 1996 إلى 2001 قبل العودة إلى منصبها عام 2009.
ثم اتخذ حكمها منعطفا استبداديا بعد عام 2014، حيث لاحقت المعارضين السياسيين والصحفيين والناشطين.
واستهدف حزب حسينة العلماني المعروف باسم "رابطة عوامي"، الجماعات الإسلامية، وعلى النقيض من خصومها، لم تسمح للجماعات المسلحة المناهضة للهند بإنشاء قواعد في بنغلاديش.
وفي المقابل، دعمت الهند حسينة، حيث زعم المسؤولون الهنود أنها إذا فقدت السلطة، ستصبح بنغلاديش "أرضا خصبة للجماعات الإسلامية التي تشكل تهديدا للأمن القومي للهند".
ويقول الكاتب: "هذا العام 2024، بعد فوز حسينة بولاية رابعة في انتخابات تعرضت لانتقادات شديدة، أوعزت الهند لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بضرورة وقف الضغط على نظام حسينة بشأن التراجع الديمقراطي".
فشل استخباراتي
وتابع أن “حسينة قادت البلاد لنمو اقتصادي مرتفع، وسيطرت على جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش”.
ونتيجة لذلك، افترضت الهند أنها ستستمر في الحكم على الرغم من الاحتجاجات.
واستدرك: "لكن في فشل استخباراتي ودبلوماسي هندي مذهل، صُدمت نيودلهي عندما طلب الجيش من حسينة مغادرة البلاد".
وتابع: "لم تعرض عليها أي حكومة غربية اللجوء، مما تركها محاصرة في نيودلهي، حيث استقبلها مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، عندما هبطت على الأراضي الهندية".
وأشار إلى أنه "في عهد مودي، تبنت نيودلهي هذا النهج مع معظم جيرانها الأصغر حجما، الأمر الذي قاد إلى عواقب مؤسفة في بعض الأحيان".
ففي ميانمار، تجنبت الهند المحتجين المؤيدين للديمقراطية، بينما دعمت المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 2021.
وفي أفغانستان، أقامت علاقات ودية مع حكام طالبان، وأهملت العلاقات الطويلة الأمد مع الأفغان القوميين.
وفي بنغلاديش، تجلى النهج المتمركز حول القضايا الأمنية في فرض الأمن على طول حدود البلدان، وكثرت الشكاوى من السلوك القاسي لقوة أمن الحدود الهندية.
كما "أضيف النهج الصارم لشرطة الحدود الهندية إلى المظالم العامة بشأن تصرفات نيودلهي، والتي تشمل أيضا تقاسم المياه ومرافق العبور وغيرها من القضايا المتعلقة بالتجارة".
"وفي دولة شابة ذات قومية هشة كبنغلاديش، بدا أن الشعب حوّل غضبه ضد الهند لانتهاكها سيادة دكا، إلى غضب ضد حسينة نفسها".
ونوه الكاتب إلى أن "حكومة حسينة عززت بشكل متزايد التصور بأنها تتلقى أوامر من نيودلهي".
فعندما أدلى متحدث باسم "حزب بهاراتيا جاناتا"، الحاكم في الهند، بتصريحات مسيئة للرسول محمد عام 2022، أثار ذلك غضب العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بينما قالت حكومة حسينة إن الأمر "قضية داخلية".
حرق الجسور
وأوضح الكاتب أن "النهج الأمني المفرط الذي تنتهجه نيودلهي في التعامل مع الجوار -كدعمها غير المشروط لحسينة- يتعارض مع جوهر الروابط التاريخية والثقافية والإثنية والجغرافية والاقتصادية التي تربط الهند في مختلف دول جنوب آسيا".
وأردف: "لقد أضاعت نيودلهي الفرص لكسب ثقة جيرانها، الأمر الذي أدى فعليا إلى نشوء حالة من انعدام الأمن في هذه البلدان".
واستطرد: "باتت الهند بعيدة عن التواصل مع المشاعر الشعبية الأوسع نطاقا في المنطقة، فأحرقت الجسور مع المعارضة السياسية في بلدان الجوار، في ظل تراجع الديمقراطية في تلك الدول".
ويرى الكاتب أن "من الواضح أن إخفاق السياسة الهندية في دول الجوار لا يرجع فقط إلى أحداث تتعلق بالسياسة الخارجية، بل إن من أسبابها أيضا بعض مظاهر السياسات الداخلية الحالية".
"فمن إضفاء الطابع الأمني على الدبلوماسية إلى تصوير مودي كرجل قوي، قوضت نيودلهي أوراق اعتمادها الليبرالية بين شعوب جنوب آسيا".
وأوضح الكاتب أن تفضيل بعض الحكومات -مثل حكومة حسينة- للشركات المرتبطة بـ"مودي"، أثار المزيد من الشكوك حول نوايا نيودلهي، بتقدير أن هذه السياسة امتداد دولي للمحسوبية داخل الهند.
علاوة على ذلك، فإن “التزام حزب بهاراتيا جاناتا بالأيديولوجية القومية الهندوسية، لعب دورا رئيسا في الإضرار بالمصالح الإقليمية للهند، وخاصة في بنغلاديش”.
كما أن "قانون تعديل المواطنة لعام 2019، الذي سرّع من منح الجنسية الهندية للأقليات المضطهدة في البلدان المجاورة مع استبعاد المسلمين، أثار انتقادات الشعب البنغلاديشي".
كذلك "أدى سوء معاملة النظام الهندي للمسلمين داخل الهند إلى تأجيج انتقادات لمودي في الخارج، منها أن زيارته لبنغلاديش عام 2021 قوبلت بأعمال شغب عنيفة".
وأوضح الكاتب أن "استقالة حسينة أتاحت الفرصة للحكومة الهندية لمراجعة سياساتها، ولكن يبدو أنها غير قادرة على تصحيح سياساتها".
وقال: "إن صورة الهند الملطخة في بنغلاديش ليست أول فشل كبير لحكومة مودي في جنوب آسيا، ولن يكون الأخير".
وشدد على أن "سعي حكومة مودي إلى إقامة دولة هندوسية (Hindu Rashtra) بحكم الأمر الواقع، لا يضر بالهند فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى نتائج كارثية في جنوب آسيا".
وأردف: "بدلا من إلقاء اللوم على باكستان أو الصين أو الإسلاميين في الأحداث التي أدت إلى استقالة حسينة في بنغلاديش، يتعين على الهند أن تعترف بأن مواطني الدول المجاورة قادرون على استعادة سلطتهم من الأنظمة الاستبدادية".
وأضاف: "رغم أن الهند تحظى بإشادة بصفتها قوة صاعدة في بلدان بعيدة، فإنها في نظر جيرانها ضعيفة نسبيا".
وختم بالتأكيد على أن "الجغرافيا تفرض على جيران الهند الأصغر حجما أن يتعاونوا معها، ولكن الأمر متروك الآن لنيودلهي للتفاوض على شروط جديدة لهذا التعاون".