الشيكل يترنح.. كيف تسهم عملية "طوفان الأقصى" في انهيار الاقتصاد الإسرائيلي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

وجهت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية بعمق مستوطنات غلاف غزة وخلفت أكثر من 1400 قتيل إسرائيلي وأسر العشرات، ضربة غير مسبوقة للاقتصاد الإسرائيلي وأضرت بتعاملاته التجارية داخليا وخارجيا.

وألقت تلك العملية بظلالها منذ اليوم الأول لها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الحركة الاقتصادية للشركات التي تتعامل مع إسرائيل، إذ لجأت بعضها إلى إلغاء عقودها أو تجميد نشاطاتها أو مطالبة العاملين لديها بالعمل من المنزل.

اهتزاز اقتصاد

لكن الصورة الأكثر دلالة على التأثير الكبير لعملية "طوفان الأقصى" هو إعلان وكالتي "موديز" و"فيتش" أنهما وضعتا قيد المراجعة تصنيف الديون السيادية الإسرائيلية الطويلة الأجل - حاليا "إيه1" -، تمهيدا لاحتمال خفضه بسبب العملية المذكورة للمقاومة الفلسطينية.

وأعلنت "موديز" هذا القرار في بيان بعد يومين على خطوة مماثلة قامت بها "فيتش" التي وضعت تحت المراقبة السلبية علامة الدين السيادي لإسرائيل الطويل الأجل والقصير الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية.

وبررت "فيتش" احتمال خفض التصنيف في 17 أكتوبر 2023 "بتزايد خطر اتساع النزاع الحالي في إسرائيل ليشمل اشتباكات عسكرية واسعة مع جهات فاعلة عديدة، لفترة طويلة".

من جهتها، قالت "موديز" إن "هذه المراجعة تقرّرت بسبب النزاع المفاجئ والعنيف بين إسرائيل وحماس"، محذرة من أن التداعيات الأكثر خطورة لهذا النزاع هي "كلفته البشرية".

وأكدت أن هذا الإعلان "مرتبط بتداعيات الحوادث الأخيرة على الائتمان".

وذكرت موديز أن توقعاتها للديون السيادية الإسرائيلية "كانت في السابق مستقرة"، وقالت إنّها "ستدرس خلال المراجعة مستقبل الحرب الراهنة وتداعياتها".

وأشارت إلى أنها ستقوم خلال هذه المراجعة "بتقييم ما إذا كان من الممكن أن يتحرك النزاع باتجاه حل أو ما إذا كان هناك احتمال لتصعيد كبير ولفترة طويلة".

وأوضحت موديز أن "المراجعة ستركز على المدّة المحتملة للنزاع ونطاقه، وعلى تقييم آثاره على المؤسسات الإسرائيلية، ولا سيما فعالية سياساتها وماليّتها العامة واقتصادها".

ولفتت إلى أن "فترة المراجعة يمكن أن تكون أطول من الأشهر الثلاثة المعتادة"، نظرا للطبيعة غير العادية لهذه الحرب بالمقارنة مع سابقاتها، وفق قولها.

وحذرت موديز من أنه "كلما كان النزاع العسكري أطول وأكثر حدة، زاد تأثيره على فعالية السياسات والمالية العامة والاقتصاد" في إسرائيل.

ومع ذلك، قالت فيتش إنه قد لا يتم خفض التصنيف إذا جرى "خفض للتصعيد مما يحد من مخاطر التأثير المادي طويل الأمد على الاقتصاد والمالية العامة" لإسرائيل.

لكن من الناحية الاقتصادية، فإن الوضع في الوقت الراهن يشبه انتفاضة الأقصى في الفترة ما بين 2000-2005، وقد اتسم تأثيرها على إسرائيل بالانخفاض الحاد في قطاع السياحة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي وتدفق العمالة إلى الخارج.

كما أن سوق العمل الإسرائيلي معرض لخطر أن يصبح أكثر توترا بعض الشيء بسبب حقيقة أنه لم يجر التغلب على بعض عواقب وباء كورونا.

فضلا عن الاستدعاء الجماعي لجنود الاحتياط في إسرائيل الذي سيضر بالاقتصاد، كما أن تجار التجزئة اليوم هم أول من أطلق ناقوس الخطر من تعرضه للتدهور.

ولهذا عقد اجتماع طارئ لوزارة العمل الإسرائيلية واتحاد نقابات العمال في 8 أكتوبر 2023، مما أدى إلى الاتفاق على إمكانية زيادة صندوق وقت العمل مع زيادة مدفوعات العمل الإضافي إلى 150 بالمئة.

نتائج أولية

ويتوقع المختصون أن عملية "طوفان الأقصى" ستؤدي لانخفاض في اهتمام الأجانب الذين يبحثون عن عمل مستقبلا في إسرائيل، وما يقابل ذلك من قيود تفرضها حكوماتهم على سفرهم إلى هناك.

ومنذ 9 أكتوبر 2023، وبسبب خطر الضربات الصاروخية من المقاومة الفلسطينية تقرر تجميد "حقل تمار"؛ ويذهب الغاز المنتج منه إلى الأسواق المحلية والأجنبية.

ولهذا يؤكد المختصون أنه في حالة استمرار الصراع لفترة طويلة، وخاصة إغلاق منصات الإنتاج الأخرى لأسباب أمنية، قد تجد إسرائيل صعوبة في تنفيذ إستراتيجية طويلة المدى للصناعة، سواء من حيث جذب الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية أو بناء صورة مورد موثوق به.

وفي حال تصعيد أكثر حدة فتشير تقديرات وكالة "بلومبيرغ إيكونوميكس" إلى أن أسعار النفط قد ترتفع إلى 150 دولارا للبرميل، وينخفض ​​النمو العالمي إلى 1.7 بالمئة، وهو الركود الذي يقتطع حوالي تريليون دولار من الناتج العالمي.

وفي الظروف الراهنة، غالبا ما يتم إجراء مقارنة بين التصعيد الحالي في الشرق الأوسط وحرب 6 أكتوبر 1973.

ويمكن للصراع في الشرق الأوسط أن يرسل هزات عبر العالم لأن المنطقة مورد حيوي للطاقة وممر شحن رئيس.

وتعد حرب عام 1973 ضد إسرائيل والتي أدت إلى حظر النفط وسنوات من الركود التضخمي في الاقتصادات الصناعية، أوضح مثال على ذلك.

وكمثال آخر  فإنه في حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل جنوب لبنان قفز سعر النفط الخام وقتها بمقدار 5 دولارات للبرميل.

ولهذا فإن أي تحرك مماثل اليوم من شأنه أن يرفع السعر بنسبة 10 بالمئة إلى حوالي 94 دولارا، وفق وكالة "بلومبيرغ".

وأوقفت شركة "شيفرون" الأميركية العملاقة أنشطتها في منصة "تمار" قبالة الساحل الإسرائيلي.

ويمثل هذا الحقل "حوالى 1.5 بالمئة من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال في العالم"، كما يزود السوق الداخلية بشكل أساسي، وفق ما قال المحلل ستيفن إينيس، لوكالة "فرانس برس" في 21 أكتوبر 2023.

وحقل غاز تمار، الذي تديره شركة شيفرون وتقع منصته على بعد 25 كيلومترا على ساحل البحر المتوسط جنوب إسرائيل، أنتج 10.25 مليارات متر مكعب من الغاز في عام 2022، وتم استخدام 85 بالمئة من هذا الإنتاج في السوق المحلية، مع تصدير نسبة 15 بالمئة المتبقية إلى مصر والأردن.

وستكون العواقب أكثر إثارة للقلق في حال جرى إغلاق حقل "ليفياثان" أكبر حقل للغاز في إسرائيل، حسبما يقول المحللون الذين يشيرون إلى ارتفاع الأسعار في بداية الحرب في أوكرانيا، إلى 345 يورو لكل ميغاوات/ساعة، وهو رقم قياسي.

ضرب الشيكل

وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، نشر في 19 أكتوبر فإن التجار زادوا رهاناتهم ضد "الشيكل" الإسرائيلي، ما يضغط على "بنك إسرائيل" لإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير وتحقيق الاستقرار في العملة.

وانخفض الشيكل بنسبة 3.8 بالمئة مقابل الدولار منذ تعهد "بنك إسرائيل" في 9 أكتوبر 2023 ببيع ما يصل إلى 30 مليار دولار من احتياطيات الدولار لدعم العملة الإسرائيلية.، ومنذ هجوم حركة "حماس" انخفض بنسبة 4.8 بالمئة.

وكان لدى البنك المركزي الإسرائيلي حوالي 200 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية بداية أكتوبر 2023، وهذا من شأنه أن يغطي أكثر من عامين من واردات إسرائيل في ظل الظروف العادية.

وقال رئيس بنك إسرائيل، سايمون هارفي: "في حالة تصعيد الحرب، نعتقد أن البنك لديه احتياطيات كافية لمنع حدوث أزمة عملة شاملة، خاصة وأن التدفقات المالية الكبيرة من الخارج من المرجح أن تدعم الشيكل".

وأوصى "سيتي بنك" باتخاذ موقف قصير الأجل بشأن الشيكل، محذرا من أن التكاليف المرتبطة بالحرب قد تتصاعد قريبا وأن البنك المركزي الإسرائيلي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعا.

وعقب عملية "طوفان الأقصى" قدر الإعلام الإسرائيلي، أن الحرب المستمرّة ستكلف إسرائيل "نحو 4 مليارات شيكل" (984 مليون دولار) في أسبوع واحد، وفق تقديرات أولية.

وعندها أقر وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أنه من المتوقع أن تكون للحرب "آثار مدمرة" على الاقتصاد الداخلي.

وذكرت تقارير إعلامية عبرية، أن أغلب الشركات والمصانع الإسرائيلية أغلقت أبوابها، إضافة إلى إغلاق ميناء عسقلان.

وتمتلك شيفرون حصة 25 بالمئة في تمار، في حين تمتلك إسرامكو 28.75 بالمئة، وشركة مبادلة للطاقة الإماراتية 11 بالمئة، ويونيون إنرجي 11 بالمئة، وتمار بتروليوم 16.75 بالمئة، ودور غاز 4 بالمئة، وإيفرست 3.5 بالمئة.

وأيضا، علقت عشرات شركات الطيران الأميركية والكندية والأجنبية الأخرى رحلاتها إلى إسرائيل، كما قدّرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" خسائر اليوم الأول فقط لعملية "طوفان الأقصى" بـ30 مليون دولار، إضافة إلى توقف مشروع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا من خلال أنابيب البحر المتوسط الذي يعد بديلا من الغاز الروسي.

كما أعلنت شركة "ماريان أباريل" الهندية وهي إحدى الشركات الرئيسة التي تزود شرطة إسرائيل بالزي الرسمي، أنها أنهت عقدها بسبب الغارات على غزة، وعزت الأمر إلى أسباب "ذات طبيعة أخلاقية".

وتزود شركة "ماريان أباريل" الشرطة الإسرائيلية بحوالي 100 ألف زي سنويا منذ عام 2015، وفقا لبياناتها.

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المدير التنفيذي للشركة، توماس أوليكال، قوله في 20 أكتوبر 2023 إن قرار التعليق، الذي اتخذ بعد غارة على مستشفى في غزة خلفت العديد من القتلى، "ذو طبيعة أخلاقية".

وأوضح أوليكال "سنوافق على استئناف أعمالنا التجارية (مع إسرائيل) عندما يعود السلام".

وأضاف أنه في حال فشل ذلك، فإن شركته ستنفذ عقدها الحالي الذي ينتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لكنها لن تجدده.

سلسلة إغلاقات

أما شركة "نستله" السويسرية، فقررت الإغلاق المؤقت لأحد مصانعها للإنتاج في إسرائيل "كإجراء احترازي" في 19 أكتوبر 2023.

وأيضا أغلقت مجموعة شركات "إنديتكس" الإسبانية العالمية مؤقتا 84 متجرا تابعا لها في إسرائيل، بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى".

وتملك "إنديتكس" علامات تجارية بارزة من قبيل متاجر "زارا" و"بول آند بير" و"ماسيمو دوتي" و"بيرشكا"، وقالت الشركة، إنها أبلغت عملاءها بإغلاق المتاجر عبر المواقع الإلكترونية الخاصة بعلاماتها التجارية.

من جهتها، أخبرت سلسلة متاجر "إتش آند إم" السويدية -التي تمتلك 20 متجرا في إسرائيل- عملاءها أنه "بسبب الوضع الراهن، قد يكون هناك تأخير في مواعيد التسليم"، بالنسبة لعمليات الشراء عبر الإنترنت.

وفي قطاع الأعمال طلب بنك "جي بي مورغان تشيس" من 200 موظف في إسرائيل العمل من المنزل.

كما طلب كل من بنكي "غولدمان ساكس" و"مورغن ستانلي" من العديد من موظفيهما في إسرائيل الشيء نفسه.

وقالت مصادر ملاحية وتجارية، إن ميناء عسقلان ومنشأة النفط التابعة له في إسرائيل أُغلقا كذلك أخيرا، ولا سيما أن إسرائيل تواجه رشقات صاروخية كثيفة من المقاومة الفلسطينية بما في ذلك في الجنوب، مما أدى إلى إغلاق ميناء عسقلان أقرب الموانئ إلى غزة.

بدوره، فرض ميناء أسدود قيودا على نقل المواد الخطرة، مما أدى إلى تباطؤ عبور السفن.

وعلاوة على تكبيد عمليات المقاومة الفلسطينية الاقتصاد الإسرائيلي خسائر بعدد من القطاعات المالية والإنتاجية، فإن السكان في تل أبيب يعربون عن شعورهم بأنهم "عرضة للخطر" وعن فقدان الثقة بـ"المنظومة الأمنية" الإسرائيلية.

يذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب في 20 أكتوبر 2023 مخصصات أمنية ضخمة بـ105 مليارات دولار، تتضمن مساعدات عسكرية قدرها 61 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار للاحتلال الإسرائيلي.