لعنة برلين.. ما قصة تدريس "الشذوذ الجنسي" في المدارس الألمانية بمصر ؟

داود علي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

مناهج ألمانية على أرض مصرية تدرس وتروج لـ"الشذوذ الجنسي" ومفاهيم دخيلة على أبناء مصر المحافظين بمختلف طوائفهم ومعتقداتهم الدينية. 

بدأت القصة في 10 أبريل/ نيسان 2024، عندما كان ولي أمر أحد طلاب مدرسة "ران" الألمانية بمنطقة "التجمع الخامس" في العاصمة المصرية القاهرة، يتصفح الكتاب الدراسي الخاص بنجله كنوع من الفضول. 

جاءت صدمة الأب عندما تفاجأ أن الكتاب الكبير المجلد بطريقة فاخرة، يتضمن بعض صور "الشذوذ الجنسي" في مجموعة صفحات مع فقرات شارحة باللغة الألمانية. 

محتوى "شاذ" 

فورا أخذ ولي الأمر الكتاب وذهب لترجمته ترجمة معتمدة من مكتب "الألسن للخدمات التعليمية"، ليصدم مرة أخرى ويعرف أن ابنه كان يدرس مناهج تروج لقبول "الشذوذ الجنسي". 

ففي كتاب مادة "البيولوجي" الخاص بطلاب الصف السادس الابتدائي، بمدرسة "ران" الألمانية، يفتتح الفصل الأول بعنوان "الميل الجنسي".

ويتضمن هذا الفصل عدة أسئلة، منها: ما هو الميل الجنسي؟ وهل الحب والجنس مرتبطان ببعضهما البعض؟ وما هي أشكال النمط الجنسي؟

أما الصفحة الثانية، فتحتوي على مصطلحات تعبر عن "الشذوذ" بشكل صريح، حيث يقول النص: "ما أنا؟ يبدأ العديد من المراهقين تجربتهم الجنسية الأولى مع أشخاص من نفس الجنس، إلا أن هذا لا يعني أن الشخص غير طبيعي".

ويشير الكتاب الألماني في الصفحة الثانية، إلى "أزواج الميل الجنسي"، ويقول: "يحتاج بعض الأشخاص إلى إقامة علاقات جنسية عاطفية مع أشخاص من الجنسين على حد سواء، وهؤلاء المزدوجون يمكن أن يكونوا في علاقات مزدوجة ومتبادلة مع أكثر من شخص".

سرعان ما انتشر الأمر بين أولياء أمور طلاب المدرسة الذين تحركوا على نحو عاجل وتقدموا ببلاغات رسمية ضد الإدارة التي حاولت إخفاء الأمر. 

وعمت التساؤلات عن كيف تسللت تلك المناهج إلى مصر؟ ومن الذي يراقب المدارس الدولية؟ وكيف لمدرسة ألمانية أن تنشر ثقافتها بشكل مطلق داخل دولة كبيرة كمصر دون حسيب أو رقيب؟ 

أفكار دخيلة 

وبالفعل في 15 أبريل 2024، تقدم المحامي المصري أشرف ناجي، ببلاغ للنائب العام ضد إدارة مدارس "ران" الألمانية يتهمها بتدريس "الشذوذ".

وصرح ناجي في ذلك اليوم خلال مداخلة مع قناة "النهار" الفضائية أن هناك مقررات تروج للشذوذ الجنسي مثل مادة "البيولوجي" بكتاب الصف السادس الابتدائي.

وشدد على أن الكتب تتضمن مواد دراسية غير سوية تتضمن أفكارا شاذة وهدامة تدعو إلى إتيان الرذيلة وهدم القيم والأخلاق والدعوة للشذوذ الجنسي، وأن يميل الشاب لنفس جنسه وترتبط الفتاة والميل لنفس جنسها".

ووصلت أزمة مدرسة "ران" إلى البرلمان المصري حينما قدم النائب محمود عصام، سؤالا برلمانيا إلى رئيس المجلس حنفي جبالي، موجها لوزير التربية والتعليم “رضا حجازي”.

وطلب النائب توضيحات الوزير بشأن شروع مدرسة ألمانية في القاهرة بتدريس مواد تتضمن الدعوة للتسامح مع الشذوذ الجنسي بالمخالفة للقيم المستقرة في المجتمع المصري المسلم، بوصفه فعلا شاذا ومنبوذا تحرمه الأديان والشرائع السماوية. 

وقد أدلى عصام بتصريحات لفضائية "صدى البلد"، واصفا فعل المدرسة الألمانية بـ"الصاعقة".

 وأكد أن الغرب يقف خلف الأمر، وأنه يحاول اقتحام المجتمعات الشرقية، وتمرير هذه الأفكار عبر وسائل مختلفة وأبرزها منصة "نتفليكس" الشهيرة للأفلام والمسلسلات.

المدارس الألمانية  

وبالنظر إلى توغل المدارس الألمانية في مصر، فقد كتبت الصفحة الرسمية، لسفارة برلين في القاهرة، عبر صفحتها الرسمية: "تعد مصر منذ القدم واحدة من أهم الدول التي يرتكز عليها نظام التعليم المدرسي خارج ألمانيا". 

وذكرت في الخبر المكتوب بتاريخ 14 فبراير/ شباط 2022، أنه يبلغ إجمالي عدد تلاميذ وتلميذات المدارس الألمانية في عموم مصر في الوقت الراهن حوالي 4500 تلميذ وتلميذة يحمل معظمهم الجنسية المصرية. 

وأوردت أنه تم إنشاء المدرسة الألمانية الإنجيلية الثانوية بالقاهرة والمدرسة الألمانية سان شارل بورومي بالقاهرة والإسكندرية منذ ما يزيد عن مئة عام وتعد من أقدم المدارس الدولية في مصر.

وفي 7 مارس/ آذار 2024، أعلن مدير إدارة الثقافة والمجتمع بوزارة الخارجية الألمانية رالف بيستى، عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزير التربية والتعليم رضا حجازي لإقامة 100 مدرسة مصرية –ألمانية في مختلف أنحاء البلاد.

وأضاف أن برلين تسعى إلى زيادة عدد الذين يتعلمون اللغة الألمانية في مصر، مشيرا إلى وجود 7 مدارس ألمانية في مصر و30 مدرسة يتم دعمها من قبل معهد جوته الألماني.

وكان التعاون يمضي وثيقا حتى وقعت حادثة مدرسة "ران" الألمانية المروجة للشذوذ الجنسي في مصر.

وأمام تضخم المشكلة ووصولها للرأي العام والبرلمان، مع وجود بلاغ أمام النائب العام، بدأت وزارة التربية والتعليم التحرك.

وفي 17 أبريل 2024، أكدت الوزارة صدور أول تحرك، بعدما وجه وزير التعليم بتشكيل لجنة من قيادات الوزارة وإرسالها للمدرسة للوقوف على الموقف واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة على الفور في حال ثبوت المخالفات التي تم تداولها.

حالة حرب 

الغريب أنه أمام تلك العاصفة على مدرسة "ران" الألمانية، كانت ردود فعل المدرسة مثيرة للجدل. 

ففي 18 أبريل ذكرت صحيفة "السبورة" المحلية أن المدرسة تحاول تبرئة نفسها من التهم الموجهة لها من خلال التواصل مع أولياء الأمور ومطالبتهم بإرسال الكتب إليها وإخفاء حقيقية تدريس مناهج الشذوذ الجنسي وإلا ستغلق المدرسة.

وأوردت أن "ران بدأت الاتجاه إلى أمور غريبة حتى لا يكشف أمرها مثل التواصل مع أولياء الأمور وتهديدهم".

أما صحيفة "المصري اليوم" فقد أضافت في خبر نشرته يوم 16 أبريل أن إدارة المدرسة طلبت من أولياء الأمور تمزيق الصفحات التي تحتوي على مثل هذه المواد، والتوقيع على إقرار بأنها موجودة بالمنهج، ولكن لا يتم تدريسها.

وأوضحت نقلا عن مصدر من أولياء أمور الطلاب، أن هناك مدرسين يرفضون تدريس هذه المواد، لكن الإدارة الألمانية تستبدلهم بآخرين من أجل تدريسها، تحت بند برامج تدريبية للطلبة.

وعلق الخبير التعليمي المصري خالد خيري لـ "الاستقلال" عن ما حدث في واقعة مدرسة "ران" الألمانية، واصفا الأمر بـ "الفوضى". 

وقال: "نحن في حالة حرب شاملة تستهدف الدين والقيم والثوابت والوطن نفسه، ولا يمكن أن تدرس مدرسة ألمانية مناهج تتعلق بالشذوذ الجنسي في بلد دون تخطيط وقصد مسبق ومعد له". 

وأكمل: “نحن أمام مجموعة من السيناريوهات، الأول أن المدرسة الألمانية أقدمت على الأمر بمعزل عن وزارة التربية والتعليم، ولعلمها أنه لا يوجد رقيب ولا متابع مررت ما تريد تمريره”.

أما الثاني وهو الأخطر أن يكون هناك تنسيق غير معلن مع الجهة المصرية وهذا أمر محتمل ووارد خاصة وأن عائدات تلك المدرسة مغرية وبالعملة الصعبة.

وهذه المدرسة الراقية يصل سعر مصروفات بعض مراحلها إلى 138 ألف جنيه مصري (2860 دولارا) سنويا، بحسب موقعها الرسمي. 

وتساءل خيري: "هناك العديد من المدارس الأجنبية والدولية في مصر، قد تنشر قيما مخالفة وشديدة الخطورة، قد لا تكون متعلقة بأمر مثل الشذوذ، لكن هناك أمور أخرى كالإلحاد والتطبيع مع الصهاينة وغيرها، فأين الدولة من كل هذا، خاصة ونحن أمام حالة تعليمية محلية متردية".

سوابق أخرى 

واقعة المدرسة الألمانية ليست الأولى فيما يتعلق بمحاولات اختراق المجتمع المصري عن طريق المدارس الدولية، ونشر جريمة "الشذوذ الجنسي". 

ففي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2017، أجرت وزارة التربية والتعليم تحقيقات عاجلة في واقعة صورة من المناهج في مصر جرى تداولها عبر وسائل مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تروج للشذوذ الجنسي.

وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة آنذاك أحمد خيري في تصريحات صحفية "إن الوزارة قررت تشكيل لجنة، من قطاع التعليم العام، للتأكد من صحة الصورة المتداولة، وهل هي خاصة بكتب المدارس الدولية أو الكتب الخارجية لاتخاذ الإجراءات الصارمة في أي من الحالتين".

ونشر ناشطون على "فيسبوك" و"إكس" وقتها صورة أحد الكتب الخاصة باللغة الإنجليزية، التي أكد ناشروها أنها من أحد كتب اللغة بالمدارس الدولية في مصر.

كانت الصورة تشرح للطلاب تكوين الأسرة من خلال 4 صور، "الأولى تضم الجد والجدة والأبوين، والثانية تضم الأب والأم والأطفال، والثالثة تضم امرأتين وطفلا مصحوبة بتعليق (two mums and child)، والرابعة تضم أبوين وطفل مصحوبة بتعليق (two dads and child)". 

ورأى ناشطون وقتها أن الصورة تروج للشذوذ الجنسي، وترسخ ثقافة زواج الشواذ في الجيل الجديد من الأطفال المصريين.

تملك الأجانب

في سياق ذي صلة يثير الشبهات، لطالما عبر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عن رؤيته بضرورة تغيير الخطاب الديني داخل أروقة التعليم المصري.

وفي فبراير/ شباط 2015، شكلت وزارة التعليم لجنة لمراجعة المناهج، حذفت أغلب النصوص التي تتعلق بـ"الجهاد"، وبدولة الاحتلال وباليهود في كتب الدين، واللغة العربية والتاريخ.

وفي سبتمبر/ أيلول 2019 اعتمد نظام السيسي توجها خاصا لتشجيع الأجانب على الاستثمار في مجال التعليم، حيث ألغى قرارا كان قد صدر بتحديد ملكيتهم في أي مدرسة بـ20 بالمئة فقط.

وفي يناير/ كانون الثاني 2021، قننت الحكومة المصرية تملك الأجانب للمدارس الدولية والخاصة دون حد أقصى، ولأفراد يحملون أي جنسية (يمكن أن تكون إسرائيلية).

كما سمح بأن تكون ملكية المدارس لشركة مسجلة في مصر، ويمكن أن يتملكها شركات وصناديق وأفراد يحملون أي جنسية أجنبية أخرى أيضا.

‌وفي المقابل المناقض لإطلاق يد المدارس الدولية، تحفظ نظام السيسي، على المدارس الخاصة والدولية التي يديرها ويمتلك أسهمها أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين، أو جمعيات أهلية إسلامية، أو أشخاص أصحاب توجهات إسلامية عموما.

ومما حدث أنه في عام 2018، قررت "لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية" بحسب توصيف نظام السيسي، التحفظ على 104 مدارس إسلامية ومنح إدارتها لوزارة التعليم.

وهو الإجراء الذي لم يحدث أبدا مع مدارس ألمانية كـ "ران" تروج للشذوذ الجنسي بين الطلاب المصريين.