“خارطة طريق” السعودية لحل أزمة اليمن.. لماذا أخفت التفاصيل؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، جملة من الأسئلة حول طبيعة وتفاصيل خارطة الطريق ”السرية" التي أعلن عنها لحل الأزمة اليمنية المستمرة منذ سنوات.

وتزامنت هذه التصريحات مع انعقاد مشاورات بين وفدي الحكومة الشرعية ومليشيا “الحوثي” في العاصمة العمانية مسقط، حول ملف الأسرى والمختطفين، دون أي ذكر من أي طرف طبيعة هذه الرؤية السعودية وتفاصيلها.

رؤية الحل

وخلال جلسة نقاش "حول إنهاء الحرب باليمن" في اجتماعات المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في 4 يوليو/ تموز 2024 بالعاصمة مدريد، قال ابن فرحان “خارطة الطريق في اليمن جاهزة ونأمل التوقيع عليها عاجلا".

فيما أعقب التصريحات السعودية، خطاب شديد اللهجة لزعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، والذي توعد المملكة وبنوكها ومطاراتها بالاستهداف، ما يبقى أسئلة مفتوحة، هل هذا التصريح الأخير مرتبط بتصريحات "الحل النهائي" أم بتشعبات أخرى. 

وقال الصحفي والناشط محمد أحمد غالب: "بعد ترويض الحوثي طيلة السنوات التسع من عاصفة الحزم، لم يعد حكمه لليمن أمرا يشغل حيزا في شواغل الإستراتيجية السعودية، وقد أمكن الدخول معه بتفاهمات صاغت العلاقات على قاعدة المصالح المشتركة".

وأضاف غالب لـ"الاستقلال" أن "السعودية لا تنظر إلى اليمن بوصفه شعبا له مطالب وتطلعات تنموية وسياسية يجب احترامها أو أخذها في الحسبان، ولو في الحد الأدنى، وإنما كتهديد دائم يلقي تبعاته بصورة مباشرة على مركز تحركات الرياض السياسية الخارجية". 

وعد تصريح وزير خارجية السعودية وحديثه عن أن خارطة الطريق جاهزة ويجب التوقيع عليها عاجلا وليس آجلا، تحت مبرر الوضع الاقتصادي والإنساني السيئ في اليمن، "يعود إلى حمى الانتخابات الرئاسية الأميركية حيث جعلت الرياض في سابق مع الزمن وفي مهمة مستعجلة لإنجاز الملف اليمني قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2024". 

وتخشى السعودية من وصول المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم، وخلط الأوراق بخلق حالة تشجع “الحوثي” على استهداف الرياض من جديد، وتسويق بيع الحماية الأمنية الأميركية للمنطقة مقابل المزيد من المال.

من جانبه، يرى الباحث أنور الخضري أن "رؤية السعودية للحل غير معلنة حتى الآن، وهي تستجيب لأجندات الفاعلين الدوليين بدرجة رئيسة في الملف اليمني (الولايات المتحدة وبريطانيا) إضافة إلى أجنداتها الخاصة". 

وقال الخضري لـ"الاستقلال" إن "جميع هذه الأجندات تراعي توازن القوى التي فرضت على أرض الواقع، وإبقاء حالة الارتهان للخارج لعدم خروج اليمن عن سيطرة الفاعلين الإقليميين والدوليين، ومِن ثمَّ توطين وتسكين المليشيات المختلفة والقوى المتمردة على الدولة والإجماع الوطني في جسد الدولة، مع إبقاء عدة ملفات عالقة ومرتهنة بضمانات دولية وإقليمية، سواء على صعيد الملفات العسكرية والأمنية أو الاقتصادية".

وأشار  إلى أن "عجلة السياسة ستبقى في إطار التحكم الخارجي والارتهان للقوى الإقليمية والدولية، وسيتم معالجة بعض الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لتخفيف حالة الاحتقان التي قد تنفجر في الجميع شمالا وجنوبا".

وشدد الخضري على أن "الأطراف السياسية اليمنية مغلوبة على أمرها وباتت تسير في حدود السقف المتاح لها، وتريد الخروج بالبلاد إلى بر الأمان بأي ثمن خصوصا في ظل عدم حسم التحالف الذي تدخل في اليمن عسكريا لأكثر من 10 سنوات بذريعة استعادة الدولة ولم يحقق النتائج المرتبطة بتلك الشعارات". 

أبرز مبادرات السلام 

وفي غياب أي تفاصيل عن “خارطة الطريق” الجديدة، كانت أول مبادرة هي ما عرفت باسم مبادرة مجلس التعاون الخليجي عام 2011، والتي نصت على تنحي الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ونقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وفاق وطني، وإجراء حوار وطني شامل يرافقه إصلاحات دستورية وانتخابات. 

ورغم تنفيذ بعض بنودها بصعوبة بالغة، فإن التحديات الأمنية والسياسية حالت دون تحقيق استقرار دائم في البلاد، ترتب عليه انقلاب مليشيا “الحوثي”، واستيلاؤها على السلطة في سبتمبر/ أيلول 2014.

ومع بدء تحرك "الحوثيين" باتجاه صنعاء ومحاولة التملص من استحقاقات الحوار الشامل الذي نجح وبدأت الخطوات التالية، رعت الأمم المتحدة "اتفاق السلم والشراكة" عام 2014، والذي جاء بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء بدعم إقليمي ضمن ما يعرف بالثورات المضادة.

ونص الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، ودمج المليشيات في الجيش، والحقيقة لم يُنفذ من هذا الاتفاق ولا بند واحد، بل كان السبب الرئيس في تجدد العنف والصراع بشكل أوسع. 

مع تدخل التحالف السعودي الإماراتي في عاصفة الحزم أواخر مارس/ آذار 2015، بدأ الحديث عن مبادرة لوقف الحرب، فتمت محادثات الكويت عام 2016، والتي جمعت أطراف الصراع (الحكومة الشرعية والحوثي) واستمر الحوار لمدة ثلاثة أشهر لمناقشة إنهاء الحرب.

وركزت على ترتيبات سياسية وأمنية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الجولة فشلت بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول القضايا الرئيسة بسبب تعنت جماعة الحوثي التي كانت تريد الاعتراف بالوضع القائم ووقف السعودية للحرب فقط.

وعام 2018 عندما بدأ "التحالف" والشرعية لتحرير محافظة الحديدة الشريان الأبرز للحوثيين، رعت الأمم المتحدة اتفاقا عرف بـ"ستوكهولم" وتضمن ثلاثة محاور رئيسة، وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة وإعادة انتشار القوات، وتبادل الأسرى والمعتقلين بين الأطراف المتنازعة، وفتح ممرات إنسانية لتسهيل وصول المساعدات.

وهذا الاتفاق جاء بوساطة أممية بهدف تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن، إلا أن التنفيذ واجه صعوبات كبيرة بسبب استمرار الخروقات وعدم التزام الحوثيين بما تم الاتفاق عليه.

ومع تزايد الصراع بين المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات وبين الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية تم رعاية ما يعرف بـ"اتفاق الرياض" عام 2019، والذي وُقِّع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ونص على تقاسم السلطة بين الطرفين وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة، وتوحيد القوات العسكرية والأمنية تحت وزارتي الدفاع والداخلية. 

لكن الاتفاق أعطى شرعية جديدة وخطيرة للمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، وترتب عليه إضعاف جسيم للحكومة الشرعية وتبديد قواتها العسكرية والأمنية وصعود صوت الانفصال والذي تحول إلى جزء رئيس من الشرعية فيما بعد. 

وفي مارس/ آذار 2021، أعلن وزير الخارجية السعودي ابن فرحان عن مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في اليمن، لقيت ترحيبا من قبل الحكومة اليمنية، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وقطر، ونظام مصر، وعدد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي. 

وتضمنت المبادرة الجديدة وفق ما نشر "التحالف"، إعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة، إضافة إلى تخفيف حصار ميناء الحديدة في الساحل الغربي، وإيداع إيرادات الضرائب من الميناء في حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي. 

لم يدم الأمر طويلا، حتى قابلت جماعة الحوثي المبادرة السعودية بالرفض، وأنها حسب ناطق الجماعة "محمد عبدالسلام"، لم تأت بجديد، وأنه لا مقايضة للجانب الإنساني بالسياسي والعسكري، مالم توقف الرياض الحرب تماما وترفع الحصار عن البلاد جوا وبحرا. 

مقاربات الحل 

السعودية، تقديرها للحل في اليمن بعد تسع سنوات من الحرب “ليس واضحا تماما بما فيه الكفاية”، وتشير تصريحات مسؤوليها إلى الرغبة في إنهاء الصراع، ثم تأمين الحدود، ووقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحو أراضيها. 

كما تقوم مقاربتها على عدد المحددات يمكن إجمالها من خلال السياسيات الممتدة لعقود والمرتبطة أيضا بالتدخل مع انطلاق “عاصفة الحزم” عام 2015 على النحو التالي، عدم عودة حزب الإصلاح "الإسلامي" إلى السلطة، ضمن مزاج إقليمي يحارب الإسلاميين بضراوة، وقام بإبعادهم عن السلطة، بعد أن أقام عليهم ثورات مضادة في دول الربيع العربي.

ويقوم المحدد الثاني للسعودية باليمن في عدم عودة اليمن موحدا في ظل قيادة مركزية قوية، وذلك بدعم الانفصال حاليا في الجنوب وجعله رقما يصعب تجاوزه والإمساك ببعض خيوطه وخاصة في ظل حضور قوي للإمارات في هذا الملف. 

أما المحدد الثالث فهو عدم إفراز المجتمع اليمني أي فصيل يمني منافس في البلاد، وبالتالي خلال السنوات الأخيرة تم استهداف وضرب جميع الكتل الصلبة داخل البلاد سواء المتعلقة بالمجتمع أو بالأحزاب أو حتى بالجيش والأمن. 

ويقوم المحدد الرابع فيما يتعلق بمليشيا “الحوثي” عبر العمل على قطع علاقتها بإيران فقط وإبقائها حاضرا في البلاد، وهي نقطة الخلاف القائمة بين الطرفين حتى الآن، فالسعودية تضع شرط الاعتراف بالحوثيين ودفع جميع التزامات الحرب بهذا الموقف. 

الحكومة الشرعية، تسعى لاستعادة الشرعية الكاملة في جميع مناطق اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون والجماعات المسلحة الأخرى، وتهدف أيضا إلى تفكيك خطاب الانفصال في جنوب اليمن المدعوم من الإمارات، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى العودة إلى مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي جمع المكونات السياسية اليمنية كافة عام 2013.

الحوثيون، هناك مقاربة خاصة بهم، تقوم على المحافظة على ما كسبوه خلال سنوات الحرب، ورفض العودة إلى ما قبل 2014.

فيما المقاربة الثانية، هي المشاركة في تقاسم السلطة مع الحكومة لكن بما يضمن بقاءهم كقوة حاضرة ومعطلة لأي حل دون أن يكونوا جزءا كبيرا فيه.  

وفيما يتعلق بطهران، رفض أي بند أو توجه يقوم بعزلهم عن إيران وتحت أي ظرف كان، وهي نقطة الخلاف الطويلة مع السعودية.