ألمانيا نموذجا.. كيف أسقطت حرب غزة قناع حقوق الإنسان المزعوم غربيا؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

منذ اتهام اليهود لها بإبادتهم خلال حكم أدولف هتلر النازي، تتخذ برلين موقفا منبطحا أمام المصالح الإسرائيلية و"تتصهين" أكثر من الصهاينة في محاربتها لأي أنشطة معادية لإسرائيل.

الموقف الألماني اتخذ أبعادا أكثر تطرفا في دعم العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصل حد عقاب منظمات حقوقية مصرية أدانت العدوان الصهيوني، بحجب التمويل عنها، ما دعا حقوقيين للرد بتجميد تعاونهم مع برلين.

كم تم ربط الجنسية الألمانية باعتراف من يرغب فيها بإسرائيل وإدانة معاداة السامية، فضلا عن منع المظاهرات ضد إسرائيل واعتقال مؤيدين لغزة ومضاعفة صادرات السلاح الألمانية لتل أبيب.

وخلال المراجعة الدورية التي تجريها الأمم المتحدة لسجل ألمانيا في مجال حقوق الإنسان في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، شجب العديد من الدول ذات الغالبية المسلمة دعم برلين لإسرائيل وحظرها التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.

خيبة أمل

وفي 26 أكتوبر 2023، وقع رؤساء 254 جمعية أهلية في مناطق مختلفة من العالم على بيان يندد بالجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين في فلسطين.

وناشد البيان الدول الأعضاء في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 1948، بمطالبة محكمة العدل الدولية بمقاضاة إسرائيل والدول الداعمة لها بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

كما طالب البيان بمقاطعة إسرائيل اقتصاديا، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وعدم الاعتراف بأي مواقف قد تنشأ نتيجة الحرب على غزة.

ولأن المحامية عزة سليمان رئيسة "مؤسسة قضايا المرأة" في مصر كانت أحد الموقعين على هذا البيان، فقد عاقبتها الحكومة الألمانية، مطلع نوفمبر، بوقف تمويل مشروع "مناهضة الاتجار بالنساء" الذي تنفذه المؤسسة.

المحامية سليمان قالت لموقع "مدى مصر" في 7 ديسمبر 2023 أنها عبرت في خطاب للسفارة الألمانية بالقاهرة، عن خيبة أملها من موقف حكومة ألمانيا من الحرب على غزة، ومن قراراتها بعقاب المنظمات الحقوقية الرافضة للحرب، رغم ادعاءاتها المستمرة بدعم حقوق الإنسان والسياسة الخارجية النسوية.

وتضامن معها رئيس "المبادرة المصرية لحقوق الانسان"، حسام بهجت، الذي وصف موقف ألمانيا من الحرب في فلسطين بأنه "الأكثر انحطاطا بعد الولايات المتحدة عن باقي الدول الغربية"، بسبب مضاعفة صادراتها من السلاح لإسرائيل بهدف "قتل المدنيين في غزة".

وأعلن بهجت وقف التعاون الحالي والمستقبلي مع الحكومة الألمانية بشأن المشاريع التنموية، كما رفض قبوله للجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، التي كان مرشحا لها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 2023.

وقال بهجت لموقع "مدى مصر" في 7 ديسمبر 2023 إن منظمته أبلغت السفارة الألمانية بالقاهرة، كتابة، في 25 أكتوبر 2023، بوقف جميع أشكال التعاون معها، اعتراضا على موقفها من الحرب في غزة.

وشرح أن الحكومة الألمانية كانت تمول مشروعا خاصا بتقديم المساعدة القانونية المجانية لضحايا حقوق الإنسان في مصر بالتعاون مع منظمته الحقوقية، لكنه أوقف العلاقات مع برلين بعد موقفها ضد الفلسطينيين ورفضها وقف إطلاق النار في غزة.

وأكد بهجت أنه أبلغ السفير الألماني في القاهرة خلال الأسبوع الثالث من الحرب على غزة، بأن موقف برلين تجاه الحرب وقتل المدنيين في غزة "يجعل مساحات القيم المشتركة للحقوقيين والإعلام المستقل في مصر مع ألمانيا محل شك كبير".

موقف مشرف من المنظمات الحقوقية المصرية@hossambahgat pic.twitter.com/Pw2fQH9MHW

— أيمن الصياد Ayman Al-Sayyad (@a_sayyad) December 7, 2023

أقنعة زائفة

وبررت السفارة الألمانية بالقاهرة في بيان لـ"مدى مصر" حجب التمويل عن داعمي غزة بمزاعم أن أحد معاييرها للتمويل الحكومي هو أن تكون المنظمات غير متحالفة مع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) أو تدعو إلى مقاطعة إسرائيل.

وأرجعت السفارة قرارها إلى أن القانون الألماني لا يسمح بدعم منظمات غير حكومية تدعو لمقاطعة إسرائيل والتشكيك فيها.

وهو ما عده سليمان "تضليلا من حكومة برلين التي تتحجج بقرار غير ملزم سبق وأبطلته كثير من المحاكم الألمانية، وتعبيرا عن رغبتها في التطهر من تاريخ بلدها الدموي تجاه اليهود على جثث المنظمات الأهلية وجثث المدنيين في غزة".

وقالت: "نحن في مرحلة تاريخية منحطة وحرجة تسقط فيها الأقنعة من وجوه كل الداعمين لحقوق الإنسان".

ولفتت سليمان إلى أنها تعمدت في عدة خطابات إلى السفارة "توضيح حالة التضليل التي تتبعها الحكومة الألمانية التي تتحدث عن حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تقف ضد وقف الحرب في غزة، وتعاقب من يعبر عن رأيه تجاه الجرائم الإسرائيلية".

ولم تر الحكومة الألمانية أن الحرب على غزة تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وهو ما عدته سليمان "شكلا من أشكال الفاشية والقمع والاستعمار".

حقوقيون رأوا أن هذه العقوبات الألمانية بحق زملائهم الذين أدانوا الإبادة في غزة وانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان الفلسطيني، أسقطت "الأقنعة الزائفة" عن مدعي حماية حقوق الإنسان في الحكومة الألمانية وحكومات الغرب ككل.

مصدر حقوقي مصري عقب على هذه الضجة قائلا لـ"الاستقلال" إن حجب ألمانيا دعمها لمنظمات حقوقية لمجرد أنها دافعت عن حق الفلسطينيين في العيش وعدم إبادة إسرائيل لهم، أثبت أن الدعم الذي ترسله هي والدول الغربية للمنظمات العربية "موجه".

المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح أن الدول الغربية أظهرت بذلك أنها تمنح دعمها للمنظمات الأهلية العربية حين تنفذ برامج متوافقة مع أجندة الغرب ونشر أفكاره، مثل الدفاع عن الشواذ والإلحاد والنسوية والجندر، وغيرها، أما حين تدافع عن حقوق الفلسطينيين فتعاقبها.

واستنكر نشطاء ألمان موقف حكومتهم من حجب مساعدة منظمات حقوقية مصرية أدانت العدوان الإسرائيلي وقالوا إن "السياسة الخارجية الألمانية في سباق نحو القاع الأخلاقي".

German foreign policy in a race to the moral bottom.

What signal is will this send?

We cooperate w/ brutal regimes that kill and torture their people but not w/renowned human rights defender bec of their principled stances on issues that aren't even related to the cooperation? https://t.co/QV5BK3ihpL

— Jannis J Grimm (@jannisgrimm.bsky.social) (@jannisgrimm) December 8, 2023

ورأوا قرار ألمانيا بحجب دعم حقوقيين أدانوا مجازر إسرائيل رسالة تعني "أننا نتعاون مع الأنظمة الوحشية التي تقتل وتعذب، ولكننا لا نتعاون مع المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب مواقفهم المبدئية بشأن قضايا حقوقية".

عقدة أم عنصرية

مواقف حكومة ألمانيا الداعمة بصورة كبيرة للعدوان والإبادة الصهيونية لغزة، أثارت تساؤلات حول السبب وهل هو ناتج عن "عقدة الذنب" تجاه اليهود في السياسة الألمانية، أم أن برلين تتخذ مواقف عنصرية بطبعها ضد القضايا العربية، وتسير وفق السياسة الأميركية.

وأكدت وكالة الأنباء الألمانية في 8 نوفمبر 2023 أن الحكومة وافقت على زيادة أذون صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل خلال عام 2023 بمعدل عشرة أضعاف مقارنة بنفس الفترة من عام 2022.

وأوضحت أن عدد طلبات السلاح لإسرائيل التي تمت الموافقة عليها بشكل نهائي، بلغت 185 طلبا منذ عملية "طوفان الأقصى" لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر 2023.

وأعلنت ألمانيا في 7 أكتوبر أنها ستجمد تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، واتخذ الاتحاد الأوروبي وسويسرا خطوات مماثلة لتجميد التمويل لعدة منظمات غير ربحية فلسطينية، بما في ذلك "الأونروا".

كما طلبت ولايات ألمانية من المتقدمين للجنسية التوقيع على إقرار يقول: "أعترف بدولة إسرائيل وأدين كل أشكال معاداة السامية ولم أشكك ولن أشكك يوما في حق دولة إسرائيل في الوجود"، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية في 8 ديسمبر 2023.

وفي الثاني من نوفمبر 2023، حظرت ألمانيا الأنشطة المرتبطة بحركة "حماس" على أراضيها، خصوصا تلك التي تقوم بها منظمة "صامدون".

و"صامدون"، شبكة تدعم المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وتتهمها السلطات الألمانية بأنها قامت بتوزيع حلويات في برلين لـ"الاحتفال" بهجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل.

وفي 23 نوفمبر 2023 نفذ حوالي 500 عنصر من الشرطة في ألمانيا، عمليات تفتيش استهدفت 11 منزلا ومقرا قالت إنها لـ"أعضاء ومتعاطفين" مع حركتي حماس و"صامدون" بعد حظرهما في ألمانيا. 

ووفقا للأرقام الرسمية، يبلغ عدد أعضاء حماس في ألمانيا حوالي 450، وكان الاتحاد الأوروبي قد صنف الحركة في العام 2003 بأنها "إرهابية".

وقالت وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، في بيان إنه "من خلال حظر حماس وصامدون في ألمانيا، أرسلنا إشارة واضحة مفادها أننا لا نتسامح مع دعم الإرهاب الهمجي الذي تمارسه حماس ضد إسرائيل"، وفق ادعائها.

وأضافت: "نواصل التحرك ضد الإسلاميين المتطرفين، ويجب ألا يشعر الإسلاميون والمعادون للسامية بالأمان في أي مكان".

عقيدة "سبب الدولة"

وفي 18 نوفمبر 2023، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى برلين لهذا التخاذل الألماني وازدواجية حقوق الإنسان حين قال إن برلين تدعم إسرائيل في حربها على غزة "بدافع الشعور بالذنب من محارق النازية".

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار أولاف شولتس قال أردوغان إنه "يجب عدم تقييم الحرب الإسرائيلية الفلسطينية بإحساس نفسي بالمديونية (أي أن ألمانيا تعد نفسها مدينة لإسرائيل بسبب المحرقة).

وأضاف أردوغان: "أنا أتحدث بحرية لأننا لا ندين بأي شيء لإسرائيل".

وفي مارس/آذار 2008، ألقت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل خطابا أمام الكنيست بمناسبة الذكرى الستين لما يسمى "تأسيس الدولة الإسرائيلية"، أعلنت فيه أن الدعم لإسرائيل هو سبب وجود الجمهورية الاتحادية الألمانية أو ما أسمته بالألمانية "Staatsräson" أي "سبب الدولة"، وهو ما تم تقديمه عقيدة للسياسة الخارجية الألمانية.

وبسبب عقيدة "سبب الدولة"، انتقد ماتياس دوبفنر، الرئيس التنفيذي لشركة الإعلام الألمانية "أكسل سبرينغر"، التي تمتلك صحيفة "بيلد"، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والناشطة البيئية السويدية جريتا ثونبرج، لدعمهما حق الفلسطينيين في الحياة قائلا إنه "عندما يتعلق الأمر بدعم إسرائيل ليس ثمة نعم.. ولكن، وإنما دعم أعمى وأخرس!".

وحين استحوذ "دوبفنر" على الموقع الإعلامي الشهير "بوليتيكو" مقابل مليار دولار، في أكتوبر 2021 قال للمحررين: "من الآن فصاعدا، يجب على الموظفين، من بين أمور أخرى، دعم أوروبا الموحدة وحق إسرائيل في الوجود".

وبسبب ذلك، قدمت صحيفة "بيلد" الألمانية تغطية مصورة لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين في صورتين متقابلين، الأولى ملائكية تُظهر عائلة إسرائيلية التئم شملها بعد عودة أفرادها من الأسر، مع تعليق "آباء إسرائيليون يحتضنون في سلام أبناءهم المفرج عنهم".

بالمقابل، قدمت مشهدا أقرب لتجسيد الشر بإظهار محتفلين فلسطينيين بخروج أسراهم وكتبت تقول: "الإفراج عن إرهابي فلسطيني!!".

وبسبب هذه العقيدة أيضا اتهم نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، المتظاهرين ضد إسرائيل بـ"التحول ضد قيم ألمانيا وتبني سردية المقاومة الكبيرة"، بحسب موقع "المنصة" المصري في 5 ديسمبر 2023. بل ودعا هابيك الشرطة للتصدي بقوة للمتظاهرين، حتى وإن أدى الأمر للترحيل القسري.

الكلمات المفتاحية