بينهم معارضون سياسيون.. لماذا جردت الكويت عشرات المواطنين من جنسيتها؟
ملف الجنسية والتجنيس من "أعمال السيادة" التي لا تمتد يد القضاء إليها
تشهد الكويت منذ 4 مارس/آذار 2024، موجة سحب جنسيات غير مسبوقة من المواطنين أثارت جدلا غير مسبوق كونها تتعلق بالمعارضة السياسية في البلاد.
وأوضحت صحيفة "القبس" الكويتية المحلية، أن عدد من تم تجريدهم من جنسيتهم وصل إلى 211 مواطنا.
فيما أشارت صحيفة "الرأي" المحلية عن مصادرها الخاصة أن اللجنة العليا لتحقيق الجنسية تواصل دراسة الملفات والتقارير، وذكرت أنه من المتوقع أن يصل إجمالي حالات سحب وفقدان الجنسية خلال الفترة المقبلة إلى أكثر من ألف شخص.
وكانت وزارة الداخلية الكويتية قد أعلنت في 16 مارس، عن تخصيص خط ساخن للإبلاغ عما أطلقت عليه “جرائم الجنسية والجوازات الكويتية”، وهو ما وصفه معارضون بأنه يندرج تحت مقولة كويتية دارجة "كل مواطن خفير".
وقد عُد الأمر سابقة فتحت معها باب الجدل السياسي حول ملف التجنيس بالكويت، خاصة أن الدولة الخليجية تمتلك تاريخا شائكا من معاقبة المعارضين السياسيين عن طريق سحب جنسيتهم، وتجريدهم وعوائلهم منها.
وقد أثارت قرارات الحكومة الأخيرة تساؤلات عن أسباب فتح الملف الشائك في هذا التوقيت تحديدا، وعن تداعياته ومدى ملائمته لحقوق الإنسان، وحق المواطن في التمسك بهويته وعدم انتزاعه منها.
حاكم المطيري
السبب الرئيس الذي أعلنته اللجنة العليا لتحقيق الجنسية التابعة لمجلس الوزراء الكويتي، وراء هذا الكم من قرارات إسقاط الجنسية عن المواطنين، هو التزوير والغش والتدليس في الحصول عليها.
وكذلك المزدوجون الذين لديهم جنسيات أخرى، وهؤلاء يخيرون بين التنازل عنها أو التمسك بالجنسية الكويتية.
أيضا المتزوجات من كويتيين بغرض الحصول على الجنسية الكويتية وطلاقهن بعد تجنيسهن فورا "أي باتفاق الزوج مع الزوجة على الطلاق قبل زواجهما".
ومع ذلك يوجد أشخاص آخرون وسياسيون بارزون شملهم القرار الأخير، على رأسهم حاكم المطيري، الأمين العام لمؤتمر الأمة، ورئيس حزب الأمة، وهو أيضا أستاذ التفسير والحديث بجامعة الكويت.
وجاء في المرسوم الخاص بالمطيري أن "الجنسية سحبت منه، رفقة أربعة آخرين هم: سارة العجمي وعبد الرحمن العيسى وظافر العجمي وجميلة العتيبي".
وكان المطيري قد غادر الكويت منذ سنوات، بعد أن تم ترصده على خلفية مواقفه المعارضة، ووصل الأمر إلى أن السلطات أصدرت ضده أحكاما بالسجن وصلت إلى المؤبد.
ويرجع السبب المعلن لسحب الجنسية من المعارض المطيري أنه يحمل الجنسية التركية، فيما ينص قانون الجنسية على أن يحمل المواطن الكويتي جنسية بلده فقط، وفي حال حمل جنسية أخرى تسقط جنسيته وفقا لقرار من اللجنة العليا لتحقيق الجنسية.
وفي حال تنازل المواطن عن جنسيته الثانية خلال عام، فمن حقه أن يطلب استعادة جنسيته الكويتية.
قبيلة العجمان
ومن أبرز المشمولين بقرار مجلس الوزراء الكويتي المتعلق بسحب الجنسيات، 20 مواطنا من قبيلة العجمي أو العجمان.
وتعد العجمان من القبائل البدوية المهمة في الكويت، خاصة في المناطق الشرقية، حيث يتوزع أفرادها في عدة مناطق من الدولة.
وتتميز القبيلة بتاريخ عريق يعود إلى قرون مضت، ولها انتشار كذلك في دول مثل الإمارات والسعودية وسوريا.
وجاءت الأسباب "المعلنة" لسحب الجنسية من أفراد قبيلة العجمان، إما لاتهام الحاصلين عليها بالتزوير خلال مراحل التقدم للجنسية، أو للازدواجية.
ومن الجدير بالذكر أن قبيلة العجمان يصل عددها داخل الكويت إلى أكثر من 30 ألف مواطن، وقد احتل أبناؤها العديد من المناصب الرفيعة في دولاب الدولة.
ومع ذلك ليست هذه المرة الأولى التي تسحب فيها الجنسية من بعض أبناء العجمان، ففي 17 مايو/أيار 2015، تجمع الآلاف من أبناء القبيلة جنوب العاصمة الكويتية.
وكان السبب يتمثل في التضامن مع عائلة آل البرغش (من بطون العجمان) التي سحبت الحكومة الجنسية من 57 فردا منها دفعة واحدة.
وسحبت المواطنة من هؤلاء بسبب المواقف السياسية المعارضة التي اتخذها النائب السابق عبدالله البرغش، وحصوله على تضامن من المجموعة المجردة من الجنسية.
وقتها وقف البرغش ووجه كلمة للمحتجين، قال فيها: "إن الجنسية سحبت من دون تحقيق أو مراعاة لكرامة البشر، وقد يكون هذا مصير كل فرد منكم أيضا".
خطاب الأمير
ويتزامن قرار التجريد من الجنسيات مع حراك سياسي مضطرب تشهده الكويت منذ 15 فبراير/ شباط 2024، عندما أصدر أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح مرسوما أميريا قضى بحل مجلس الأمة (البرلمان).
وذلك بسبب ما وصفها بـ"التجاوزات للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي" ثم دعا إلى انتخابات جديدة لمجلس الأمة.
وجاء قرار الأمير بعد يوم واحد من امتناع الحكومة عن حضور جلسة برلمانية احتجاجا على ما وصفوها بأنها "إساءة" ضمنية صدرت من أحد النواب أثناء مناقشة الرد على الخطاب الأميري الذي ندد بأداء المجلس.
وكان الأمير مشعل الصباح الذي تولى السلطة في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2023، بوصفه الحاكم الـ 17 للكويت، قد ندد خلال أول خطاب له، في 20 ديسمبر، بأداء السلطات التنفيذية والتشريعية في بلاده.
إذ اتهم تلك السلطات بانتهاج سياسة وصفها بأنها "أضرت بالبلاد والعباد" على حد قوله.
ووجه الأمير خطابا حادا كشف فيه عن موقفه من أربع قضايا يعود بعضها إلى سلفه الراحل الأمير نواف الأحمد وهي "رد الاعتبار وإعادة الجنسية والعفو والتعيينات".
وأشار إلى أنه استخدم صلاحيات الأمير الراحل عندما كان وليا للعهد لوقف بعضها، وخص منها مسألة إعادة التجنيس.
طريق مسدود
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، صدر مرسوم أميري بتشكيل اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، وتكون تحت رئاسة وزير الداخلية، فيما تتشكل عضويتها من وزيري الدفاع والعدل.
عد المرسوم حينها خطوة أولية لحل ملف الجنسيات الشائك، الذي يعد أحد أسباب وصول العلاقة بين المعارضة داخل مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة إلى طريق مسدود.
خاصة أنه في يونيو/ حزيران 2021، طالبت المعارضة بشكل واضح، بتعديلات صارمة تسمح للقضاء الكويتي بالنظر في قوانين الجنسية الكويتية ومنحها وإسقاطها، والتشديد على وجوب منع الحكومة من سحب جنسية أي مواطن إلا بحكم قضائي.
لكن الديوان الأميري والحكومة، رفضا هذا المقترح قطعيا، لأنه سيؤدي إلى إضعاف السيطرة على أحد أهم الملفات الحساسة في البلاد.
ويصنف ملف الجنسية والتجنيس قانونا بأنه من "أعمال السيادة" التي لا تمتد يد القضاء إليها.
ووفقا لتقرير صادر عام 2018، عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يبلغ عدد البدون (عديمي الجنسية) في الكويت حوالي 100 ألف شخص.
ونظرا لعدم حصولهم على جنسية فإنهم "يعانون من الحرمان من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الكويتي"، حسب مؤسسات حقوقية محلية ودولية، منها منظمة العفو الدولية "أمنستي".
ويخول قانون الجنسية الكويتي للسلطات إمكانية تجريد الأفراد وعائلاتهم من جنسيتهم الكويتية لعدة أسباب أخطرها الواقع تحت بند “مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي”.
ولا تخضع قرارات إسقاط الجنسية لأي عملية طعن قضائي أو إداري.
المرسوم الأميري
وتستند السلطة الكويتية في قرار سحب الجنسيات على المادة 11 من المرسوم الأميري رقم 15 لعام 1959، الذي سبق دستور الدولة نفسه.
فالدستور الكويتي تم إقراره في 11 نوفمبر 1962، من قبل الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت (آنذاك).
ويمنح قانون الجنسية لعام 1959 السلطات نطاقا واسعا من الصلاحيات على صعيد تجريد الأشخاص من الجنسية إذا كانوا اكتسبوها عن طريق التجنيس أصلا.
ويتضمن القانون المواد 4 و 13 التي تخول للنظام جواز سحب الجنسية الكويتية في حال توافرت أدلة تثبت قيام الشخص المعني "بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد أو انتماؤه لهيئة سياسية أجنبية".
تلك المواد تحديدا تطرقت إليها منظمة العفو الدولية، في تقرير أصدرته عام 2017 ينتقد استخدام السلطة الكويتية لآلية سحب الجنسية من المعارضين.
وقالت في تقريرها: "إن مثل هذه الأحكام تمنح السلطات نطاقا واسعا من الصلاحيات لسحب جنسيات الأفراد الذين يمارسون سلميا حقهم في حرية التعبير عن الرأي".
كما تنص المادة 15 من القانون على جواز رد الجنسية بمرسوم من الحكومة. ومع ذلك، لا يمكن الطعن أمام المحاكم في قرار السلطات بسحب الجنسية.
ووفقا لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 20 لعام 1981 بشأن إنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، لا تتمتع المحاكم باختصاص النظر في القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بقضايا الجنسية.
وسبق أن أطلقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، حملة في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، تندد بسحب الجنسية الكويتية من المعارضين السياسيين.
وقالت في بيانها: "إنه على السلطات الكويتية أن تتوقف فورا عن تجريد المواطنين من جنسيتهم بسبب ممارستهم حرية التعبير أو غيرها من حقوق الإنسان المشروعة".
وطالبت بإعادة الجنسية إلى الأشخاص الذين تم سحب الجنسية منهم على هذا الأساس.
وأوصت: "ينبغي على السلطات أن تعدل القانون المتعلق بإسقاط الجنسية للتأكد من وجود أسباب محددة ودقيقة، وأن يكون قرار الإلغاء متناسبا مع الجرم المرتكب، وأن يكون لدى المتضررين الحق في قيام جهة مستقلة بمراجعة للقرار".