على طريقة "معالي الوزير".. كيف يجرى اختيار المسؤولين في مصر؟
اختيار الوزراء في عهد السيسي يحمل علامات استفهام متعددة
تحولت قصة الفيلم المصري الشهير “معالي الوزير” إلى واقع فيما يتعلق بطريقة اختيار الوزراء في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
في هذا الفيلم الذي عُرِض عام 2002، لعب الفنان الراحل أحمد زكي أحد أهم أدواره على الإطلاق، وتدور أحداث الفيلم حول دكتور في الجامعة جرى اختياره وزيرا بمحض الصدفة عن طريق تشابه أسماء.
قصة الفيلم المنتمي إلى عالم الكوميديا السياسية، وطبيعة اختيار "زكي" الهزلية، أصبحت بعد ذلك مضربا للأمثال مع كل حكومة يتم اختيارها في مصر، أو مع أي وزير تحوم حوله الشبهات المتعلقة بالفساد أو الكفاءة.
وفي 3 يوليو/ تموز 2024، قدمت حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، اليمين الدستورية أمام السيسي، كأول حكومة في عهدته الثالثة، وثالث حكومة خلال سنوات حكمه التي شملت 12 تعديلا وزاريا.
الملفت أنه بمجرد إعلان أسماء الوزراء، بدأت الصحافة في تتبعهم واكتشاف ثغرات كبيرة تتعلق بمسيرتهم ومدى أهليتهم ليصبحوا في هذه المكانة.
وجرى اكتشاف أن منهم من يحمل شهادة تعليمية مزورة وآخر متورط في وقائع فساد، وآخرين جمعوا بين العمل الخاص والعام.
فتح هذا تساؤلا مهما حول مدى معرفة رئيس النظام تلك المعلومات؟ وما الجهات الأمنية والحكومية التي يعرض عليها ملف الوزير؟ وهل غفلت أم غضت الطرف عن تلك المعلومات؟
هيئات معنية
بحسب التراتيب الإدارية داخل الجهاز الحكومي للدولة، فإن رئيس الجمهورية هو الذي يختار عددا من الوزراء مباشرة وفقا لمعاييره، وغالبا يختار بنفسه ما اصطلح على تسميته بالوزارات السيادية أو غيرها.
والوزارات السيادية في مصر هي (الدفاع - الداخلية - الخارجية)، أما ما يتبقى منها بعد اختيارات الرئيس تترك لرئيس الوزراء حرية الترشيح لها.
بعد ذلك يرشح رئيس الوزراء المكلف عددا من الشخصيات التي يعرفها لبعض الوزارات، ثم يعرضها على عدد من الأجهزة التي تبدي رأيها فيها فيما يتعلق بعدم وجود موانع من حيث النزاهة الشخصية والمالية.
كما تقدم تقارير أمنية خاصة بأمن الدولة والأمن القومي، وتقارير أخرى تتعلق بحسن السير والسلوك، والكفاءة والأهلية الفنية لتولي ذلك المنصب.
وتشمل أجهزة اختيار الوزراء وإعداد التقارير اللازمة لاعتمادهم، كلا من: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، وجهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، وجهاز الأمن الوطني، ثم مباحث الأموال العامة.
مهازل تاريخية
وكان مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية السياسي المصري يحيى حسين عبدالهادي، قد كتب مقالة لصحيفة "اليوم السابع" المحلية، في 16 يونيو/ حزيران 2014، ذكر فيها أن المعيار الأول والحقيقي لاختيار الوزير هو رغبة رئيس الجمهورية.
وبين أن الرئيس هو الذي يعزلهم أيضا، في ظل انعدام الحياة الحزبية وضعف الحياة البرلمانية.
المثير أن مقال حسين، روى قصة هزلية عن تاريخ اختيار الوزراء في مصر، أشبه ما تكون بقصة فيلم "معالي الوزير".
وقال: كان (الرئيس الأسبق جمال) عبدالناصر بعد بيان 30 مارس/آذار 1968 يشكل وزارة جديدة يحاول أن يدخل فيها بعض الأسماء التي تتمتع بشعبية وبتقديرٍ عام ومن المعروفين بالنزاهة والاستقامة واستقلال الرأي حتى عن رأيه نفسه".
وأضاف: ووقع اختياره على الدكتور إسماعيل غانم عميد حقوق عين شمس المعروف بميوله الاشتراكية واستقلاله بالرأي".
وأردف: “فعبر عبدالناصر عن رغبته في أن يدخل الوزارة، مستخدما جملة (الدكتور غانم بتاع حقوق عين شمس)”.
وأشار إلى أن عبدالناصر لم يلتفت إلى أن في كلية حقوق عين شمس غانمين وليس غانما واحدا، حيث العميد إسماعيل غانم والوكيل حافظ غانم.
وأتبع حسين: لسبب ما فإن الوزارة عرضت على الوكيل حافظ غانم، وكان رجلا فاضلا، لكن لم يعرف عنه استقلال الرأي كالعميد إسماعيل غانم.
وأردف: كان هذا الخطأ، هو السبب فى وجود حافظ غانم لنحو 10 أعوام في أعلى مستويات السلطة.
فقد تنقل من وزارة لأخرى، ومن عهد عبدالناصر إلى عهد أنور السادات، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح المسؤول الأول عن الاتحاد الاشتراكي.
وهو ما يؤكد أن الجهات المعنية باختيار الوزراء وتقييمهم في مصر، تسقط في كثير من الأخطاء الصعبة.
وتساءل: كيف لأكثر من 6 جهات معنية بإعداد تقارير تفصيلية أن تقع جميعها في إشكاليات كهذه؟
وزراء وفسدة
وإذا كان الحديث عن تاريخ اختيار الوزراء به وقائع تحمل طرفة، فإن اختيارهم في عهد السيسي وتجاوز الجهات الرقابية لتاريخهم وفسادهم، يحمل علامات استفهام متعددة.
ومن الأمثلة الحاضرة أنه في 3 يوليو/تموز 2024، أدى بدر عبدالعاطي اليمين الدستورية وزيرا لحقيبة الخارجية والهجرة، أمام السيسي بقصر الاتحادية.
ومن المعروف أن الخارجية من الوزارات السيادية، ومن يتولاها يجب أن يكون خاضعا لمعايير صارمة، وأن تكون ملفاته وتقاريره لا يشوبها شائبة.
ومع ذلك هناك كثير من الشبهات التي أحاطت بوزير الخارجية المصري الجديد، خاصة أنه متهم في عدد من وقائع الفساد.
ففي 18 مايو/أيار 2017، كشف موقع "مدى مصر" المحلي، عن إجراء بعثة من الرقابة الإدارية في مصر، زيارة مفاجئة للسفارة المصرية ببرلين في الشهر الذي سبقه.
وجرى وقتها “مداهمة مقر إقامة السفير بدر عبدالعاطي، للتحقيق معه في تبديد مقتنيات للسفارة”، قيل إن من بينها سجادة تراثية ولوحة زيتية، قيمتهما تصل إلى ربع مليون يورو.
فوق ذلك جرى اتهام عبدالعاطي بشراء سيارة مرسيدس موديل العام نفسه للسفارة المصرية وتسجيلها باسمه الشخصي.
ثم علم موقع "مدى مصر" أن عبدالعاطي أقر بالمخالفات المنسوبة إليه، ووافق على رد المبالغ محل التحقيقات.
ومن الفساد إلى التزوير، يحضر ذكر وزير التربية والتعليم الجديد محمد عبداللطيف.
وفقا لسيرته الذاتية، التي تداولتها معظم المواقع المحلية إبان تعيينه، فإنه حائز على شهادة دكتوراه من جامعة "كارديف سيتي" الأميركية.
وفي الحديث عنه في البداية، انتقد البعض "ضعف" مؤهلات الوزير، قبل أن تتحول الاتهامات إلى تحقيق مفصل حوله.
ففي 6 يوليو 2024، كشفت منصة "ما تصدقش" المحلية المتخصصة في تتبع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، أن الوثيقة المنشورة التي تشهد فيها "جامعة كارديف سيتي" المزعومة، بحصول عبداللطيف على شهادة دكتوراه، مذكور فيها أنه حصل عليها "في إطار نظام APEL".
وأوردت أن نظام "APEL"، يسمح لأي شخص يظن أنه يتمتع بخبرات عملية ومهنية، التقدم بما يثبت هذه الخبرة لاعتمادها والحصول بها على شهادة.
وكشفت أن هذه الشهادة لا تعد درجة أكاديمية معتمدة، ولا يسمح لحاملها بالتدريس الجامعي.
أما منصة "Fact Check بالعربي" المختصة أيضا بالتحقق من المعلومات، فقالت إن الورقة التي يزعم عبداللطيف، أنها شهادة دكتوراه، صادرة من جامعة وهمية ليس لها حرم جامعي أو أعضاء هيئة تدريس أو صور لطلاب يدرسون بها.
تلك الواقعة دفعت المحامي المصري عمرو عبدالسلام، لتقديم بلاغ للنائب العام، بفتح تحقيق قضائي عاجل فيما جرى نشره، وذلك للوقوف على صحة الدرجة العلمية المدعى حصول وزير التربية والتعليم عليها من الجامعة الوهمية.
وأورد المحامي في دعواه أنه في حال ثبوت صحة المعلومات المتداولة فإننا نكون بصدد جريمة تزوير للدرجة العلمية لشهادة الدكتوراه الخاصة بالوزير محمد عبداللطيف.
ولاء وسيطرة
ويرى الموظف السابق بوزارة الأوقاف المصرية والباحث في "جامعة قبرص الدولية" عمر هلال أنه: “لا يمكن أن يكون الأمر عشوائيا أو مجرد خطأ غير مقصود، فالجهات الأمنية والاستخباراتية في مصر تعلم كل صغيرة وكبيرة عن موظفي الدولة الكبار”.
وأوضح لـ"الاستقلال": “هؤلاء لا يتم تعيينهم إلا بناء على تقارير أمنية شديدة الرقابة والحساسية، فما بالك أن يكون وزيرا داخل حكومة تخضع لسيطرة عسكرية وأمنية شرسة؟”
وأتبع: “لذلك فإن معرفة أن الوزير فاسد أو مزور أو ضعيف لا يفقه شيئا معلوما تماما، وفوق ذلك مقصود لعدة أمور”.
أولها ما يتعلق بالولاء فكونه يعلم أنه فاسد أو عليه شبهات يجعله أكثر خضوعا وتحت السيطرة المستمرة، ولا يخرج عن النص والخط المرسوم له.
ثم أضاف: "الأمر الثاني يتعلق بأن من يتحكم في القرارات ويصدر الأوامر ليس الوزير نفسه بل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، ومجموعة اللواءات الذين يتحكمون في الوزارات والقطاعات والمصالح الحكومية".
وضرب هلال مثلا بأن تلك الحالات حدثت في عهود سابقة، خاصة خلال حكم حسني مبارك الذي استعان بوزراء مثل صفوت الشريف وكمال الشاذلي ويوسف والي.
وعقب: لكن الأمر استفحل تماما خلال العهد الحالي، فجميع الوزراء تقريبا عليهم علامات وشبهات.
وكان وزير الأوقاف السابق محمد مختار جمعة متهما بالفساد وخرجت وثائق تؤكد استيلاءه على المال العام من قبل الوزارة وبعدها لكنه استمر (في منصبه)، وفق قوله.
كذلك وزراء سابقون، مثل وزيرة الصحة “هالة زايد”، ووزير التموين “علي المصيلحي”، وجميعهم كانوا محل شبهة، ولم تتحرك الجهات الرقابية لمحاسبتهم أو تتبعهم.
أضف إلى ذلك وجود برلمان "ديكوري" لا يحل ولا يربط كما يقول المصريون في أمثالهم، بحسب تعبير هلال.