لإنهاء "إصلاح" اليمن.. كيف استعانت الإمارات بمرتزقة من "تنظيم القاعدة"؟

14815 | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

وقفت الإمارات بثقلها المالي وراء الثورات المضادة وسعت لإفشال ثورات الربيع العربي لأنها جاءت بإسلاميين للسلطة، ونفذت سلسلة من الاضطرابات المخططة واغتيالات لقيادات سياسية تنتمي لتيار الإخوان المسلمين، خصوصا في اليمن. 

لكن المفارقة الغريبة التي كشفها الفيلم الوثائقي الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يوم 23 يناير/كانون الثاني 2024، كانت استعانة أبو ظبي بفرق اغتيالات ومرتزقة من تنظيم "القاعدة" ومعهم أجانب لقتل قادة أحزاب إسلامية وأئمة مساجد في جنوب اليمن.

التحقيق كشف تفاصيل حول تمويل نظام الإمارات الاغتيالات ضد محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) بدوافع سياسية في اليمن، من أجل إشعال النزاع بين الفصائل المتناحرة هناك ونشر الفوضى.

أوضح أن أبو ظبي تمول مرتزقة أجانب ليقوموا بعمليات القتل، وفي الوقت ذاته استعانت بمقاتلين سابقين من تنظيم "القاعدة" لاغتيال قادة محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. 

وهو ما أثار تساؤلات عن سبب الاستعانة بمرتزقة من تنظيم القاعدة للقيام بعمليات اغتيال في إطار محاربة "الإرهاب"، علما أن "القاعدة" أحد التنظيمات المُصنفة "إرهابية" لدى الإمارات؟

تعاون مع القاعدة

في الفيلم الوثائقي الذي أعدته الصحفية اليمنية "نوال المقحفي"، قالت "بي بي سي" إن تدريبات مكافحة الإرهاب التي وفرتها قوات من المرتزقة الأميركيين لوحدات إماراتية عاملة في اليمن استخدمت في تدريب عناصر محليين يمكنهم العمل بتستّر".

وأضافت أن ذلك "أدى إلى زيادة ظاهرة في الاغتيالات السياسية المقصودة، وفقا لما أفصح عنه أحد المبلِّغين لـ"بي بي سي".

التحقيق كشف استئجار الإمارات شركة مرتزقة أجنبية هي "مجموعة عمليات سبير" أو "سبير أوبريشنز جروب" (Spear Operations Group) ‏ التي يديرها عسكري إسرائيلي يدعى "أبراهام غولان".

وهي متخصصة في الاغتيالات، وارتكبت قرابة 127 جريمة اغتيال في عدن لسياسيين في حزب الإصلاح الإسلامي وناشطين وأئمة مساجد، من بين 160 حالة اغتيال جرت بين عامي 2015 و2018.

لكن مفاجأة التحقيق كانت كشف "رجل"، أخفت اسمه، في شهادته للشبكة البريطانية، أنه كان مسجونا في أحد السجون الإماراتية ووعدوه بالإفراج عنه مقابل أن يقوم باغتيال شخصية سياسية يمنية رفيعة المستوى، لكنه رفض تنفيذ المهمة.

وقد أكدت الشبكة أن هذا الرجل أرسل إليها "وثيقة" تتضمن أحد عشر اسما لعناصر سابقين في تنظيم القاعدة قال إنهم يعملون حاليا لصالح وحدة النخبة في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهو تنظيم أنشأته الإمارات ويتلقى التعليمات منها.

وأكد التحقيق أنه تحقق من بعض تلك الأسماء الـ 11 التي وردت في الوثيقة من المنتمين للقاعدة الذين استعانت بهم الإمارات، ومنهم اسم "ناصر الشيبة"، الذي كان مسؤولا عملياتيا رفيع المستوى بالتنظيم.

وكان "الشيبة" مسجونا بتهم إرهاب ثم أفرج عنه، كما "كان ضمن المتهمين المعروفين في الهجوم على البارجة الأميركية "يو إس إس كول" في أكتوبر/ تشرين الأول 2000 والذي قتل فيه 17 من مشاة البحرية الأميركيين، حسبما قال وزير يمني لـ"بي بي سي".

وهو ما أكدته أيضا مصادر متعددة قالت إن "الشيبة" أصبح قائدا في مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، التابع للإمارات.

لأول مرة، يتحدث مرتزقة من مجموعة عمليات "سبير" أمام الكاميرا عن عمليات الاغتيال التي نفذوها في اليمن تحت رعاية الإمارات.
لمشاهدة الفيلم كاملاً من خلال الرابط التالي على قناة بي بي سي على يوتيوب:https://t.co/xxPiV85P1X pic.twitter.com/1SLZS9xEoa

— BBC News عربي (@BBCArabic) January 23, 2024

دور محمد دحلان

ونقل التحقيق الاستقصائي عن قائد "مجموعة عمليات سبير" إسحق غيلمور، أن قائد أمن سابقا في منظمة فتح الفلسطينية ومستشارا سابقا لرئيس الإمارات محمد بن زايد، كان هو "وسيط" الشركة للعمل في اليمن.

أوضح أنه كان يدير العمليات معهم بتكليف إماراتي، ولم يذكر اسمه، لكن التحقيق نشر صورا تضم رئيس جهاز اﻷمن الوقائي الفلسطيني السابق محمد دحلان، مع "غيلمور" ومؤسس شركة المرتزقة "سبير" الإسرائيلي إبراهام غولان، لتأكيد أنه "دحلان".

أيضا تم نشر صور أظهرت المرتزقة "غيلمور" و"غولان" مع جنود آخرين أمام طائرة عسكرية إماراتية قبل نقلهم لليمن.

وأكد "غيلمور" في التحقيق، أن شركته تلقت أموالا من الإمارات مقابل تنفيذ اغتيالات في اليمن بزعم "الضغط على تنظيمي القاعدة والدولة هناك"، فضلا عن اغتيال سياسيين لأهداف سياسية.

لكن الحقيقة التي كشفها التحقيق أن "محاربة الإرهاب" كانت "حجة" كي تدعي الإمارات أنها تحارب "إرهاب القاعدة وتنظيم الدولة" في اليمن، بينما كانت تقتل في الواقع قادة من إخوان اليمن.

وأنها استعانت، في الواقع، بأفراد من "القاعدة"، كانت تسجنهم، كي ينفذوا هجماتها ضد المنتسبين لجماعة الإخوان في حزب الإصلاح ثم تدعي أنها تحارب "الإرهاب"، حيث إنها تصنف جماعة الإخوان "إرهابية".

والمفارقة أن المرتزق "غيلمور" أبلغ التحقيق أنهم كانوا يستهدفون بالقتل قوائم اغتيالات لقيادات من حزب الإصلاح، المنتسب لجماعة الإخوان، بحجة أن الجماعة "تُصنف كجماعة إرهابية في عدة دول منها مصر والسعودية والإمارات".

لكن حين قالت مُعدة التحقيق لـ"غيلمور"، إن "حزب الإصلاح" المحسوب علي جماعة الإخوان ليس مدرجا ضمن التصنيف الأميركي للتنظيمات الإرهابية، تحجج بأن "طبيعة النزاعات الحديثة مُبهمة".

قال: "من يُعد قياديا مدنيا أو رجل دين عند البعض، يكون قياديا إرهابيا عند البعض الآخر"، في إشارة إلى أنه ينفذ رغبات الإمارات التي تضع التصنيفات التي يجرى بناء عليها القتل والاغتيالات.

أما المرتزق "غولان" فقال حين سُئل عن أخلاقيات وشرعية قتل القادة السياسيين للإصلاح غير المسلحين "أنهم ربما أشخاص لا يحبهم ابن زايد".

وترى الإمارات أن حزب الإصلاح، هو الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها أبو ظبي منظمة إرهابية وتعاديها.

وفاز حزب الإصلاح الإسلامي بأكثر من 20 بالمئة من الأصوات في آخر انتخابات برلمانية أجريت في اليمن عام 2003.

واستجوب التحقيق اللواء "عيدروس الزُبيدي" القيادي اليمني الموالي للإمارات، حول دور الأخيرة في الاغتيالات باليمن، وواجهته بصورة له وهو بجانب القيادي السابق في القاعدة ناصر الشيبة، فتلعثم وحاول الإنكار.

عند الحديث عن أحد عناصر القاعدة الذي تعاملت معه الامارات في تنفيذ سلسلة اغتيالات طالت مناهضي الاحتلال الإماراتي ، قال عيدروس الزبيدي ، اذا كان الشيبة وهو عضو في الانتقالي ،متهم ، فعلى السفارة الأمريكية أن ترسل كلمتين فقط ونحن نلقي القبض عليه ، هكذا ورد في التحقيق الصحفي… pic.twitter.com/kIkvUhvr5V

— د.قاسم أحمد الحمران (@Qasim_AlHamran) January 24, 2024

أما الطريف فهو أنه عقب نشر التحقيق الاستقصائي بيومين والذي فضح استعانة الإمارات بأعضاء في تنظيم القاعدة كانت تسجنهم لقتل قادة الإخوان في اليمن مقابل الإفراج عنهم، ظهر فيديو مشبوه قيل إنه لتنظيم القاعدة يعلن فيه عن استهداف من أسماهم "مرتزقة الإمارات وعملاء إسرائيل في اليمن".

قال فيه، من ظهر متخفيا في الفيديو، إن هذا "ضمن دعمهم للجهاد في فلسطين"، بيد أن محللين رجحوا أن يكون الفيديو "مفبركا" وأن يكون "حيلة إماراتية"، لنفي استعانة أبوظبي بعناصر من التنظيم للقيام بعمليات اغتيال لصالحها، خاصة أنها نفت ما جاء في تحقيق الشبكة البريطانية.

تعاون مع تنظيم الدولة

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أكدت مجلة "فورين بوليسي" في تقرير أن الإمارات ارتكبت جرائم في اليمن وأن السلاح الأميركي الذي تسلمته الإمارات قامت بتسليمه لعناصر القاعدة وتنظيم الدولة في اليمن.

ودعت المجلة الإدارة الأميركية للتوقف عن منح أبوظبي "شيكا مفتوحا" للقيام بانتهاكات حقوقية وسياسية جسيمة، مؤكدة إن السلوك السيئ لدولة الإمارات يضر بمصالح الولايات المتحدة في الداخل وفي الشرق الأوسط.

قالت إن الإمارات الملقبة بـ"إسبرطة الصغيرة" من قبل وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس بسبب القدرات العسكرية غير المتناسبة لأبوظبي بالنسبة لحجمها الجغرافي الصغير، أصبحت عبئا على واشنطن بسبب سلوكياتها.

ذكرت أن "السياسات التي تتبعها الإمارات في الشرق الأوسط مزعزعة للاستقرار بطبيعتها، وفاقمت العديد من الحروب الأهلية المستمرة في المنطقة، وتنتهك القوانين الدولية، وتعمل بنشاط على تخريب محاولات التغيير الديمقراطي".

أكدت أن افتقار أبوظبي إلى المساءلة في الداخل وحصولها على شيك على بياض من الولايات المتحدة شجع على قيامها بأعمال تزعزع الاستقرار بطبيعتها وتؤدي مصالح الولايات المتحدة.

ولفت إلى أنه بجانب قيامها بدعم انقلابات في مصر وليبيا واليمن وغيرها، "نقلت الإمارات الأسلحة الأميركية التي تمتلكها إلى مقاتلين مرتبطين بالقاعدة وميليشيات سلفية متشددة أخرى (تنظيم الدولة)".

وكانت تقارير نشرتها صحيفة "الشرق" القطرية عام 2019 كشفت أيضا أن الإمارات تعاملت واستقطبت "عناصر من تنظيم الدولة للقتال باليمن".

وقد كشف تحقيق "بي بي سي" أن بعد افتضاح أمر استعانة الإمارات بهؤلاء المرتزقة بدأت في الاستعانة بيمنيين للقيام بعمليات الاغتيال بدل الأجانب.

لكن الأموال الإماراتية ظلت تتدفق على مجموعة المرتزقة "سبير" حتى عام 2020 رغم ادعاء توقف الاستعانة بها عام 2018.

بمناسبة تقرير BBC الاستقصائي الذي سلط الضوء امس على تمويل الإمارات اغتيالات بدوافع سياسية، وتجنيدها عناصر سابقة في القاعدة لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني للقتال في اليمن.
فقد كشفنا 2019 بالشرق القطرية ما هو أهم واخطر من ذلك وهو استقطاب الامارات لعناصر داعشية للقتال باليمن pic.twitter.com/ASO3ORZoSL

— عبدالحميد قطب (@AbdAlhamed_kotb) January 23, 2024

جرائم قتل بالجملة

وقصة هذه الاغتيالات الإماراتية لقادة من حزب الإصلاح اليمني الإسلامي عبر مرتزقة، وسبق أن أكد موقع "بازفيد" الأميركي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018 أن الإمارات استعانت بمجموعة "سبير" لتنفيذ عمليات اغتيال لقيادات حزب "الإصلاح" في اليمن، منها محاولة اغتيال القيادي "إنصاف مايو" في عدن في ديسمبر 2015. 

ونقل الموقع عن مرتزقة شاركوا في الاغتيالات أن "محمد دحلان كان هو من استضافهم خلال غداء في مطعم إيطالي بنادي الضباط في قاعدة عسكرية إماراتية بأبوظبي، تم فيه الاتفاق مع شخصين أحدهما إسرائيلي على صفقة اغتيالات الإسلاميين اليمنيين.

أكد "بازفيد" أن المرتزقة اغتالوا أكثر من 20 من قادة حزب الإصلاح السياسي الإسلامي وفشلوا في اغتيال القيادي "إنصاف مايو" الذي غادر اليمن.

وأوضح أن عشرات المرتزقة وصلوا إلى قاعدة في صحراء الإمارات ومنها إلى إريتريا على متن طائرة عسكرية إماراتية، وأن ضابطا إماراتيا قدم للمرتزقة قائمة اغتيالات بها 23 اسما لأعضاء في حزب الإصلاح الإسلامي وعلماء مسلمين آخرين.

وأن المرتزقة كانوا يحصلون على 1.5 مليون دولار شهريا مع مكافآت خاصة عن كل عملية اغتيال ناجحة.

وقد استبعد خبراء لموقع "بازفيد" ألا تكون واشنطن على علم بتعاقد أبو ظبي مع عسكريين أميركيين سابقين لقتل إسلاميين يمنيين وغيرهم.

وكانت الإمارات تستعين أيضا بمرتزقة من القوات الفرنسية السابقة، يحصلون على 10 آلاف دولار شهريا، أي أقل مما كان مخصصا لنظرائهم الأميركيين، بحسب المرتزق الإسرائيلي "غيلمور".

وسبق لـ"الاستقلال" أن كشفت في أبريل/نيسان 2023 قتل الميليشيا الموالية للإمارات شيوخا وشخصيات سياسية محسوبة على حزب الإصلاح وجماعة الإخوان في شبوة وعموم اليمن لتصديهم لنفوذها وهيمنتها هناك.

كان منها تفجير سيارة "عبد الله آدم الألباني" عضو مجلس محلي عن حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي في محافظة شبوة، والذي يعمل مديرا لمكتب الصحة في مديرية بيحان.

واغتيال "محمد الشجينة" مدير فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية بعدن بعد ساعات من اختطافه من أمام منزله يوم 2 أكتوبر 2018.

ومحاولة اغتيال الدكتور "عارف أحمد علي" القيادي في التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة عدن 31 يوليو/تموز 2018، من خلال وضع عبوة ناسفة بسيارته فأصيب وبترت قدم ولده أحمد الذي كان معه.

واغتيال القيادي في التجمع اليمني (الإصلاح) بعدن، الشهيد بلال منصور الميسري الذي اغتيل أمام منزله يوليو/تموز 2021.

وضمن مشروعها "الانفصالي" في جنوب اليمن، تحرض الإمارات المرتزقة الموالين لها (دفاع شبوة وألوية العمالقة) و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم منها ضد الإسلاميين خصوصا.

وقتلت هذه الميليشيات الموالية للإمارات أئمة مساجد وشخصيات إسلامية سنية خاصة من الإخوان في اليمن في عدة حوادث سابقة، لفرض ارهابها المسلح على اليمنيين وتعزيز احتلالها لمناطق نفطية وساحلية مثل شبوة.

ومع تأكيد تحقيق "بي بي سي" أن جرائم الاغتيالات الإماراتية مستمرة، ونقله عن "أكثر من عشرة" من المصادر اليمنية واعترافات مرتزقة من مجموعة "سبير" أمام الكاميرا بتفاصيل عمليات الاغتيال التي نفذوها في اليمن برعاية أبو ظبي، بدأت مطالبات بمحاسبتها.

حيث طالب نشطاء قيادة حزب الاصلاح برفع دعاوى قانونية في محاكم دولية ضد مجموعة "سبير"، وقيادة المجلس الانتقالي الموالية للإمارات وأبو ظبي أيضا لتعاونهم مع قيادات القاعدة لقتل سياسيين ودعاة ليس لهم علاقة بالإرهاب.