صديق الأمس عدو اليوم.. كيف تحولت البرازيل لواحدة من أشد خصوم إسرائيل؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

لم تقف المواقف القوية للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، تجاه المنطقة العربية عند حدود فلسطين وانتقلت أخيرا إلى لبنان التي تشهد هي الأخرى عدوانا إسرائيليا متصاعدا.

ففي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفي إطار عدوان دولة الاحتلال على الأراضي اللبنانية، وصلت مجموعة من اللبنانيين إلى البرازيل، قدر عددهم بـ 225 معظمهم يحمل الجنسية البرازيلية إضافة إلى أقاربهم.

المميز أن دا سيلفا وزوجته، كانوا في طليعة مستقبليهم داخل المطار، واحتفوا بهم، وأكد الرئيس البرازيلي على دعمه الكامل لهم.

وقال دا سيلفا: "إننا بلد ذو قلب سخي للغاية، ونعلم أهمية الشعب العربي للثقافة البرازيلية، التي تم تأسيسها في جميع أنحاء العالم".

ويعد دا سيلفا من أكبر مناهضي الكيان المحتل في أميركا اللاتينية، فكيف كانت مواقفه؟ وكيف تحولت البرازيل على يده من حليف إستراتيجي لإسرائيل إلى خصم عنيد لها؟

اتهامات لإسرائيل 

كانت واحدة من المواقف القوية التي اتخذها رئيس البرازيل، تلك التي وقعت في 25 سبتمبر/ أيلول 2024، داخل مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، عندما سئل عن التقارير التي تشير إلى مقتل أكثر من 500 مدني في لبنان خلال يوم واحد.

ثم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن استعداده لشن عملية برية في لبنان، وعما إذا كان الوقت قد حان للدعوة إلى حظر أسلحة عالمي على إسرائيل.

حينها وصف دا سيلفا، ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية بأنها "إبادة جماعية".

وأوضح أن إسرائيل قتلت العديد من المدنيين في الضفة الغربية المحتلة أيضا، وأنه "من ناحية أخرى، هناك قتل ممنهج".

وأكمل أن هناك إجراءات قانونية تجرى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المحكمة الجنائية الدولية، المتهم في جرائم حرب، مشيرا إلى ضرورة أن يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بهذا الشأن.

وتابع: "لهذا السبب نكافح من أجل تقوية الأمم المتحدة لكي تتمكن من اتخاذ القرارات والتحرك".

غير مرغوب 

إجراءات دا سيلفا لم تقف عند هذا الحد، بل كان عقبة أساسية أمام التعاون الدفاعي والعسكري بين البرازيل وحكومة الاحتلال. 

ففي 7 سبتمبر 2024، عارض إتمام عقد بقيمة 200 مليون دولار لشراء 36 مدفعا ذاتيا من نوع ATMOS من شركة إلبيت سيستمز "Elbit Systems" الإسرائيلية

وهذا القرار، جاء مدفوعا بدعم لولا دا سيلفا لفلسطين، في سياق العدوان على غزة، وهو ما تعارض مع رغبات وزير دفاعه، خوسيه موسيو، لصالح الحصول على هذه المعدات العسكرية. 

وكانت إسرائيل قد صنفت في 19 فبراير/ شباط 2024، دا سيلفا شخصا غير مرغوب فيه في إسرائيل، حتى يتراجع عن تصريحاته التي شبه فيها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بالإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. 

وورد في البيان الصادر عن مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن الأخير قال لسفير البرازيل "لن ننسى ولن نغفر، إنه هجوم معاد للسامية خطير.. فلتبلغ الرئيس لولا باسمي وباسم مواطني إسرائيل، بأنه شخص غير مرغوب". 

وقبل بيان كاتس بيوم، كان دا سيلفا حاضرا في قمة الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعلى هامشها أدلى بتصريحات اتهم فيها إسرائيل بارتكاب "إبادة" في غزة، مشبها ما تفعله هناك بـ"محرقة اليهود" إبان الحرب العالمية الثانية. 

وأورد حينها " أن الأوضاع في غزة ليست حربا لجنود ضد جنود، إنها حرب بين جيش على درجة عالية من الاستعداد، ضد النساء والأطفال".

قبل دا سيلفا

وبالحديث عن مفارقات العلاقات البرازيلية الإسرائيلية، فقد أخذت منحى مختلفا منذ تولى الرئيس البرازيلي مهامه مطلع يناير/ كانون الثاني 2023.

وقتها، تزايد الجدل بشأن مستقبل سياساته الخارجية، لا سيما على صعيد القضية الفلسطينية.

ورأى مراقبون أنه بصعود دا سيلفا إلى سدة الحكم في البرازيل، تكسب فلسطين صديقا قويا مؤيدا لحقوقها في أكبر دول أميركا اللاتينية وأكثرها تأثيرا داخل المنظومة الدولية.

خاصة أن الرئيس صاحب التوجهات اليسارية تعهد في معرض حملاته الانتخابية بأن يعمل على حلحلة الوضع الفلسطيني المتأزم، ومجابهة الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. 

وعلى مدار السنوات الأخيرة، حقق الكيان الإسرائيلي تقدما ملحوظا في أميركا اللاتينية، في محاولة لكسر حالة الكراهية والعداء ضده في القارة البعيدة. 

وقبل تولي دا سيلفا، طورت إسرائيل مع البرازيل، علاقات قوية إبان حكم الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو (2019- 2023)، الذي كان معروفا بحماسه الشديد في توثيق التعاون والتحالف مع تل أبيب. 

حتى إن زوجته ميشيل بولسونارو، ظهرت خلال تصويتها في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر 2022، إلى جوار زوجها (الخاسر) مرتدية قميصا عليه علم إسرائيل.

وكشف المحلل العسكري الإسرائيلي “إيتي ماك”، أنه من خلال الوثائق المتوفرة بوزارة الخارجية، يتضح أن إسرائيل كانت تتمنى أن يطول عمر النظام العسكري البرازيلي، الذي حكمها لمدة عشرين عاما بين 1964-1985.

وأوضح خلال مقال نشر في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 أن التعاون بينهما في ذلك الوقت، وصل إلى المجال النووي، وقامت علاقتهما على التأييد المتبادل والتعاون الأمني والاستخباراتي الوثيق.

صعود مقلق

ولكن، تثير عودة لولا دا سيلفا إلى الحكم، القلق مجددا في إسرائيل مع صعوبة التنبؤ بمستقبل العلاقات بين الجانبين.

ففي 12 يناير 2023، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن "الرئيس البرازيلي الجديد، شرع في إحداث تحولات جذرية على علاقات بلاده بإسرائيل بعد صعوده للحكم". 

وأشارت إلى أن أولى القرارات التي اتخذها دا سيلفا تمثلت في الإطاحة بالسفير البرازيلي في تل أبيب الجنرال جريسا دا فرنتيس، الذي عينه سلفه بولسونارو. 

وكان دا فرنتيس من المقربين بشدة للحكومة الإسرائيلية، وعمل على تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين، إضافة إلى إعلانه نية نقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة.

وشددت الصحيفة العبرية على أن مستقبل العلاقات بين البلدين مبهم في ظل وجود لولا كرئيس للبرازيل.

وأضافت أن من الشواهد الباعثة على القلق من توجهاته تجاه إسرائيل، إعلان وزير خارجيته ماورو فييرا بأن بلاده "ستتعاون مع الدول العربية، وعلى رأسها فلسطين".