الأولى بعد 13 عاما.. ما سر الاهتمام الكبير بزيارة أردوغان إلى العراق؟
"من اللافت للنظر أن تأتي هذه الزيارة مباشرة عقب التوتر غير المسبوق بين إيران وإسرائيل"
في 22 أبريل/ نيسان 2024، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى العراق استمرت يوما واحدا، لكنها حملت أهمية ودلالات كبيرة، فضلا عن أنها هي الأولى له منذ 13 عاما.
ووصل أردوغان رفقة وفد وزاري رفيع إلى بغداد حيث التقى نظيره عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتضمنت الزيارة توقيع اتفاقيات ثنائية عديدة.
وفي مساء نفس اليوم، التقى أردوغان، رئيس إقليم كردستان شمال العراق نيجيرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني، قبل مغادرة البلاد.
وشهدت الزيارة إبرام 26 اتفاقية بين تركيا والعراق، ومذكرة تفاهم رباعية بين تركيا والعراق وقطر والإمارات، للتعاون حول مشروع "طريق التنمية".
ومشروع "طريق التنمية" عبارة عن طريق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
تصريحات مهمة
وفي مؤتمر صحفي مع السوداني، صرّح أردوغان بأن زيارته إلى بغداد والاتفاقيات المبرمة على هامشها ستشكل نقطة تحول في العلاقات التركية العراقية.
وأضاف: "اتفاقية الإطار الإستراتيجي للتعاون المشترك التي وقّعناها مع رئيس الوزراء العراقي تشكل خارطة طريق قوية".
وأشار إلى أن الأمن والتعاون بمكافحة الإرهاب كانا من أهم البنود المطروحة على جدول أعمال المباحثات مع الجانب العراقي.
كما رحّب الرئيس التركي بإعلان حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الإرهابي تنظيما محظورا في العراق.
وأردف: "تشاورنا حول الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها ضد تنظيم بي كا كا الإرهابي الذي يستهدف تركيا من الأراضي العراقية".
من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي إن "أمن العراق وتركيا شيء واحد لا يتجزأ، ولا يمكننا السماح بالهجمات على بلد آخر من الأراضي العراقية".
وتناولت المباحثات، التي جرت بحضور وفدي البلدين، تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية المهمة.
وتتمثل أبرز نتائج المباحثات في توقيع 26 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات مختلفة، تشمل مجالات الطاقة والتجارة والنقل والزراعة والسياحة والتعليم والثقافة.
كذلك استقبل الرئيس أردوغان خلال زيارته للعراق ممثلين عن المكون التركماني والمجتمع السني العراقي.
وخلال زيارته أربيل، أعرب أردوغان عن سعادته لرؤية العراق يبتعد عن العنف يوما بعد يوم، مؤكدا على ضرورة وضع حد لمسألة حزب العمال الكردستاني.
وأوضح أنه يرى أنه يتعين على إدارتي بغداد وأربيل إقامة حوار صحي وعلاقة عمل دون السماح لأطراف ثالثة بالتدخل.
كما التقى أردوغان في أربيل مع مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وفي سياق متصل، رأى الإعلام التركي أن زيارة أردوغان إلى أربيل بعثت أيضا برسالة إلى الشأن الداخلي التركي، حيث رفرف العلم التركي على قلعة أربيل بعد 106 أعوام.
تجديد العلاقات
وفي مقال كتبه لوكالة الأناضول، يقيم رئيس الأكاديمية الوطنية للاستخبارات الأستاذ الدكتور طلحة كوسه زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق.
وقال كوسه إن الفشل في ضمان الاستقرار والثقة بعد الغزو الأميركي عام 2003 أسقط العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى ما هو أبعد عن إمكاناتها الحقيقية.
وأضاف أن "مواصلة حزب العمال الكردستاني الذي يمثل التهديد الأمني الأكثر أهمية لتركيا، لجزء كبير من أنشطته من العراق، مستفيدا من فراغ السلطة في الأراضي العراقية، واضطرار تركيا لمحاربته داخل العراق، تسبب في أضرار جسيمة للعلاقات بين البلدين أيضا".
وتابع كوسه: "من المتوقع أن يكون لتعزيز علاقات أنقرة مع بغداد وتنفيذ مشروع طريق التنمية تأثير إيجابي. فالتغيرات في الوضع الإقليمي والدولي تدعم تشكيل قنوات تجارية إقليمية بديلة".
وفي مقال آخر بالأناضول، قال الدكتور بيلجاي دومان، منسق مركز دراسات العراق "أورسام": "في المرحلة الجديدة بين تركيا والعراق، سيكون من المهم، ليس فقط اتخاذ إجراءات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني ولكن أيضا اتخاذ بعض الخطوات ضد المنظمات غير الحكومية أو المنظمات السياسية المرتبطة به".
وتابع دومان: "في هذه المرحلة، تعد العمليات العسكرية مهمة في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، فضلا عن التضييق عليه فيما يخص القضايا الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية والعديد من القضايا الأخرى".
ثلاثة عناوين
بدوره قال إسماعيل حقي بكين، رئيس الأركان العامة السابق لاستخبارات الدولة التركية، لـ"الاستقلال" إنه "من الممكن جمع رسائل زيارة الرئيس للعراق بشكل عام تحت ثلاثة عناوين".
وأضاف: "أول هذه الأمور، والأكثر أهمية بالنسبة لتركيا، هي القضية الأمنية؛ أي إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في العراق، وكل من حكومتي بغداد وأربيل تسعيان إلى التعاون في هذه القضية".
وتابع بكين قائلا: "القضية الثانية والأكثر أهمية من وجهة نظر العراق هي تنفيذ مشروع طريق التنمية".
وأردف أن "قضايا مهمة أخرى ستكون مطروحة على الطاولة أيضا، مثل ضمان تدفق المياه والنفط والتعويضات".
ولفت الخبير الأمني التركي إلى أن "مصالح تركيا والولايات المتحدة تتداخل أيضا فيما يتعلق بالعراق".
وأوضح ذلك بالقول: لقد شمرت الولايات المتحدة عن سواعدها لإنشاء بنية أمنية تتمحور حول إسرائيل في شرق البحر المتوسط. ودول الخليج مدرجة أيضا في هذه البنية. ولن يكون إنشاء هذه البنية ممكنا إلا إذا شاركت تركيا فعليا في هذا المشروع".
وأردف: "يتضمن المشروع المعني استثمارات أمنية واقتصادية. ويمكن لتركيا توفير التوازن الإقليمي في تنفيذه".
وفي إشارة إلى زيارة السوداني الأخيرة إلى واشنطن، قال: "رغم إصرار العراق على القضايا الاقتصادية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي للولايات المتحدة، إلا أن الجانب الأميركي ركز على الجانب الأمني".
أما عضو هيئة التدريس بجامعة نيغدا، الدكتور عبد الله أيدين فعلق على الزيارة بالقول: "بشكل أو آخر، فإن العراق منقسم بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك من خلال الإدارة الكردية وإدارة بغداد. وبطبيعة الحال، تحاول القوى الموجودة في العراق التخلص من التأثيرات الخارجية. والجميع يعلم أن هذا يتطلب التحرر الاقتصادي والعسكري".
وأضاف لـ"الاستقلال": "في هذه المرحلة، فإن أفضل من يغير قواعد اللعبة بالنسبة للعراق هو تركيا بالطبع، التي لديها توقعات أو مصالح مشتركة مع العراق".
وأكد أيدين على أن "تركيا كانت دائما الشريك الثاني الأكثر قبولا لكل من إدارتي أربيل وبغداد"، مضيفا أن "ما حدث بعد طوفان الأقصى في المنطقة جعل تركيا أكثر موثوقية.
وقال إنه "من اللافت للنظر أن تأتي هذه الزيارة مباشرة عقب التوتر غير المسبوق بين إيران وإسرائيل".
وتابع أيدين حديثه: "حزب العمال الكردستاني، الذي نزل من الجبال إلى المدن العراقية، هو أيضا بند مهم على جدول الأعمال. لأن حقيقة أن حزب العمال الكردستاني أصبح الآن قضية أمن قومي، ليس فقط لتركيا، ولكن أيضًا للعراق وسوريا".
ومضى يقول إن "ضمان الأمن لمشروع طريق التنمية يشير إلى أن تركيا ستكون الآن أكثر فعالية في العملية الأمنية في العراق، ما سيؤدي إلى تعمق الوجود التركي في العراق أكثر".
وختم أيدين بالقول: "في الواقع، يمكن اتخاذ الخطوة الأولى في هذه المرحلة برسم الحدود العراقية التركية من جديد. لأن تركيا ستستمر بإصرار على البقاء داخل العراق لحماية الحدود، وهو أمر صعب للغاية. والسبيل الوحيد للخروج من هذا هو رسم حدود جديدة".