عبر أذرع استخباراتية.. لماذا يكثف طحنون بن زايد وجود الإمارات بأفغانستان؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

فتحت العلاقات المتطورة بين الإمارات وحكام أفغانستان الجدد، باب التساؤلات واسعا عن أهداف أبوظبي من فتح قصورها لمسؤولي حركة طالبان الذين يتعامل معهم النظام الدولي بحذر شديد.

وفي زيارة مثيرة للجدل 4 يونيو/ حزيران 2024، فتح رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد أبواب قصره، لوزير داخلية أفغانستان “سراج الدين حقاني”، الذي جاء إلى أبوظبي ضمن وفد رفيع. 

وحقاني ليس رجلا عاديا، فهو من كبار المسؤولين في حكومة طالبان، ومطلوب لدى الولايات المتحدة، مقابل مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لدوره في هجوم أدى إلى مقتل مواطن أميركي وهجمات أخرى.

وفتحت هذه الزيارة باب التساؤلات حول التعاون الأمني والاستخباراتي بين الإمارات وأفغانستان، رغم كل القيود والعراقيل الدولية على التعامل مع الحركة.

وهو تعاون يعمل على هندسته مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، الذي يعزز علاقاته في كابول من خلال شبكة حقاني التي تسيطر على الأمن الداخلي هناك.

صفقة جديدة

تجلى هذا الأمر يوم 3 مايو/ أيار 2024، عندما جرى الإعلان عن توقيع شركة "الاتحاد للطيران" الإماراتية اتفاقية شراكة متبادلة مع شركة الطيران الأفغانية الخاصة "كام إير"، مما يتيح للشركتين بيع التذاكر على رحلات بعضهما البعض.

وكان ذلك الإعلان عابرا، لم يلحظه كثيرون، خاصة أن هذا النوع من الاتفاقيات شائع جدا في مجال الطيران، بين الدول. 

لكنه كشف أيضا عن توسع نفوذ الإمارات في أفغانستان، تحديدا جهاز الاستخبارات الذي مازال يلعب أدوارا متعددة هناك، ويصعد بشكل نافذ، تحت أعين طحنون، شقيق رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان.

وفي 29 مايو 2024، ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أنه على رغم من أن الاتفاق يبدو للوهلة الأولى مجرد إستراتيجية تجارية، فإنه مع ذلك يعزز وجود أبوظبي الأمني في أفغانستان.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عمل المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية في أبو ظبي، الذي يضم جميع الأمراء في الدائرة الداخلية لمحمد بن زايد، على نقل شركة الاتحاد للطيران غير المربحة إلى محفظة صندوق الثروة السيادية ADQ، الذي يرأسه طحنون بن زايد.

وقد مكنت هذه الخطوة رئيس التجسس الإماراتي من بدء عملية حشد جميع أصول الطيران في الإمارة بين يديه.

وأتبعت المجلة أنه من وجهة نظر تجارية بحتة، فإن اتفاقية صندوق الثروة السيادي الإماراتي ADQ مع شركة الطيران المملوكة لرجل الأعمال الأفغاني زاماري كامغار هي امتداد منطقي للسيطرة الإماراتية على الأجواء الأفغانية.

وبينت أن كامغار هو رئيس مجموعة KAM Group المملوكة للعائلة، والمعروفة بأنها مقربة من الرئيس الأسبق حامد كرزاي، الذي تولى السلطة من عام 2001 وحتى 2014، وكانت بينه وبين الإمارات علاقة وطيدة.

مناطق النفوذ

وأضافت المجلة الفرنسية أن التوغل الإماراتي اصطدم بمجموعة من القوى الأخرى منها تركيا.

إذ استأنفت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى كابول في 21 مايو 2024، ومع ذلك لم يُسمح إلا لشركتين أجنبيتين فقط بالسفر إلى أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان.

وهما: "فلاي دبي" شركة الطيران المملوكة لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، والتي تحلق إلى كابول منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. 

وشركة "العربية للطيران" التي تتخذ من الشارقة مقرا لها، والتي يجرى تداول أكثر من 55 بالمئة من أسهمها، وتحلق إلى أفغانستان منذ يناير/ كانون الثاني 2024.

واستدلت "إنتيليجنس أونلاين" في تقريرها بحجم صراع القوى الدولية داخل أفغانستان، بما حدث في الأيام التي أعقبت عودة طالبان إلى العاصمة، حيث قوضت أبوظبي تشكيل تكتل تركي قطري، يتكون إلى حد كبير من أفراد عسكريين أتراك. 

وقد حاول التكتل استبدال الشركة الإماراتية شديدة السرية GAAC Holding في إدارة مطار كابول. 

ووصل الأمر أن أثار طحنون بن زايد الأمر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 أغسطس/ آب 2021، خلال زيارته إلى تركيا لإحياء العلاقات الثنائية.

ومع ذلك، في سبتمبر/أيلول 2022، فازت GAAC، التي شاركت بعد ذلك مع شركة الذكاء الاصطناعي Group 42 ويرأسها أيضا طحنون، بعقد امتياز مدته 10 سنوات لتقديم الخدمات الأرضية والأمن ومراقبة الحركة الجوية لأربعة مطارات أفغانية (كابول، قندهار، مزار الشريف، هرات).

وقد كشفت "إنتيليجنس أونلاين" بالفعل، أن GAAC، هي شركة تابعة لمجموعة Terminals Holding، وهي مجموعة من عشرات الشركات التي تدير المطارات في مناطق نفوذ الإمارات، مثل أستانا في كازاخستان ومالابو في غينيا الاستوائية. 

وترتبط شركة Terminals Holding ارتباطا وثيقا بصندوق الثروة السيادي ـADQ والشركات التابعة لها في قطاع النقل، مثل AD Ports Group.

وجميعهم يمثلون أذرع نافذة للإمارات ورجل الاستخبارات القوي طحنون بن زايد داخل أفغانستان.

التحالف مع “الإرهابيين”

لكن اللافت أن تحالفات طحنون لا تقوم على هذه الاتفاقيات والشركات فقط، بل تتعداها إلى توسيع وجوده في أفغانستان، عبر التواصل مع أعضاء شبكة حقاني، وعقد تحالف إستراتيجي مهم.

وشبكة حقاني فرع من طالبان، وتعدها معظم الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا جماعة إرهابية.

وقد أسسها الراحل جلال الدين حقاني، الذي أقام علاقات قوية مع النظام الإماراتي، ووصل الأمر أن إحدى زوجاته مقيمة في الإمارات حتى الآن.

وما جذب أبوظبي إلى هذا التحالف أن ابنه سراج الدين حقاني هو الذي ورث السلطة منه مع زيادة نفوذه في شبكات استخبارات طالبان. 

والآن أصبح وزير الداخلية الأفغاني، سراج الدين حقاني، هو الرجل المسؤول عن منح العقود الأمنية في البلاد، بما في ذلك العقود الخاصة بالمطارات.

وجرى تعيين بدر الدين حقاني أحد أشقائه ومستشاره المقرب، رئيسا للسفارة الأفغانية بأبوظبي في يونيو/ حزيران 2022. 

ومنذ الاستيلاء على كابول في أغسطس/آب 2021، أشرف على قسم المشتريات في وزارة الداخلية التابعة لشقيقه. 

وكان بدرالدين حقاني، مستشار والده جلال الدين، يشرف بنفسه على شؤون الأسرة في أبوظبي منذ التسعينيات، حتى إنه كان بمثابة نقطة اتصال بين الإمارات وحكومة طالبان الأولى (1996-2001).

وجاء هذا التعيين في وقت جرت فيه مفاوضات ثنائية مكثفة، ونظرا لعدم رغبته في احتكار شبكة حقاني للارتباط مع الإمارات، حيث تتنافس مع شبكات القائد الأعلى لطالبان هيبة الله أخونا زاده.

ولكن استسلم وزير الخارجية أمير خان متقي أخيرا للضغط الإماراتي، وقبل بجميع اتفاقيات المطارات وشركات الطيران، التي ستفتح الباب للجواسيس الإماراتيين، وتسهل عمليات سيطرة طحنون على الشبكة الأمنية والمعلوماتية هناك.

لماذا أفغانستان؟ 

بصورة لافتة، مدت الإمارات ذراعيها للتحالف مع حركة طالبان الأفغانية، رغبة في إخراجها من العزلة الدولية المفروضة عليها، منذ سيطرتها على البلاد عقب الانسحاب الأميركي نهاية أغسطس 2021.

وقتها أدركت أبوظبي أن طالبان منذ تسلمها السلطة في أفغانستان، كانت تتعامل بحذر فيما يتعلق بتسليم الخط الجوي الرئيس لهذا البلد غير الساحلي إلى جهة دولية.

وتسعى طالبان التي تعاني من نقص الاعتراف الدولي بشرعيتها، للحصول على ضمانات اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى بعد تسليم الإمارات الخدمات الجوية لمطارات أفغانستان.

لكن كان احتكار الإمارات عقد الخدمات الجوية لأفغانستان ليس سوى جسر، وفق مراقبين، للنفوذ الأمني والاستخباراتي الذي تأمله هناك، ومنافسة جارتها وخصمها اللدود قطر.

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ظهرت النقلة النوعية في العلاقات بين الإمارات وأفغانستان، عندما بحث محمد بن زايد مع وزير الدفاع الأفغاني بالإنابة الملا محمد يعقوب، علاقات التعاون والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

ونقلت وكالة "أنباء الصوت الأفغاني" عن وزارة دفاع حركة طالبان، أن الهدف من زيارة يعقوب، وهو نجل زعيم طالبان الراحل الملا عمر، لقاء قادة الإمارات والمواطنين الأفغان المقيمين في هذا البلد وتعزيز علاقات الحكومة مع الدول العربية الخليجية.

ونشرت وكالة أنباء الإمارات صورا، أظهرت حضور أنس حقاني، وهو شخصية بارزة أخرى في طالبان، في المحادثات مع قادة الإمارات.

كما حددت قناة "تولو نيوز" الأفغانية الخطوط العريضة، لزيارة الملا يعقوب إلى الإمارات، موضحة أنها تأتي في إطار تحسين العلاقات بين كابول وأبوظبي والمشاكل التي تواجه المهاجرين الأفغان الذين يعيشون في الدولة الخليجية.

تكرار التجربة

ويعد التلاقي بين النظامين الأفغاني والإماراتي في التوقيت الحالي، نتاج مجموعة من التحديات.

إذ تواجه طالبان التي عادت للحكم بعد 20 عاما من الإطاحة بنظامها السابق، أزمة مالية خانقة.

جزء من هذه الأزمة مرده تجميد أميركا أصولا وأموالا أفغانية كانت تحت تصرف الحكومة السابقة التي أطاحت بها الحركة، لذلك تحتاج إلى الدعم الإماراتي.

وفي الوقت ذاته، فإن الإمارات ترغب في تكرار التجربة السابقة لها مع النفوذ في أفغانستان.

إذ تعد من الدول التي اعترفت بحكومة طالبان السابقة في تسعينيات القرن العشرين، وتريد أن تجعلها مركزا قويا لترسيخ أقدامها في آسيا الوسطى، ولعب دور محوري في تلك المنطقة الإستراتيجية.

وكانت الإمارات قد شاركت عام 2001 في الاحتلال الأميركي لأفغانستان، ولعبت دورا فعالا طوال تلك الفترة، كما وفرت لحلفائها العديد من مقاتلات إف 16.

وبالمحصلة، فإن آل زايد يدركون الفراغ الاقتصادي والثقافي الحالي في أفغانستان، ولذا يسعون لاستغلال ذلك الفراغ لتعزيز نفوذهم في البلاد من جديد، مستندين إلى سنوات وجودهم السابق هناك.

خاصة أنه عندما أعادت أبوظبي فتح سفارتها في كابول في فبراير/ شباط 2018، واصلت إنشاء مدارس دينية ووحدات سكنية بقيمة 180 مليون دولار في الولايات الغربية من أفغانستان لتعزيز تأثيرها ونفوذها في البلاد، وفق ما قالت وكالة الأناضول التركية في 4 ديسمبر 2020.