النيجيريون ينتفضون.. ماذا وراء احتجاجات الشعب ضد "إصلاحات تينوبو"؟
"واجه الرئيس بولا تينوبو المتظاهرين بالقبضة الأمنية"
مع مطلع أغسطس/ آب 2024، انفجرت احتجاجات غاضبة في عدد من المدن النيجيرية، على رأسها العاصمة أبوجا، وحاضرتها الاقتصادية لاغوس.
ورفع المتظاهرون شعار "أيام الغضب" ونزلوا إلى الشوارع والميادين، إثر دعوات من حركة اجتماعية تسمى "استعدها" أو "Take It Back".
وكان المحرك الرئيس للأحداث تلك "الإصلاحات الاقتصادية" التي أعلنها رئيس البلاد، بولا تينوبو.
لكن الرئيس تينوبو واجه المتظاهرين بالقبضة الأمنية، حيث نزلت قوات الجيش والشرطة إلى الأماكن العامة وبدأت في الاشتباك، ما خلف عددا من القتلى والمعتقلين.
وأعلنت منظمة العفو الدولية "آمنستي" في 7 أغسطس، أن 21 شخصا على الأقل قتلوا خلال الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار وسوء إدارة الرئيس صاحب الـ70 عاما.
قرارات قاسية
بداية الأزمة كانت في 12 يونيو/ حزيران 2024، الموافق لـ"يوم الديمقراطية" في نيجيريا، وهو عطلة وطنية.
وقتها خرج تينوبو عبر بث تلفزيوني وقال كلمة للشعب أقر فيها بـ"الصعوبات" الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية.
وألغى دعم الوقود المستمر منذ عقود، مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 33.69 بالمئة، وهو أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 3 عقود، وبسبب ذلك تآكل الدخل الفردي للمواطن.
ولم يكتف تينوبو، بذلك إذ شمل الارتفاع أسعار الفائدة، مع الإلغاء الجزئي لدعم الكهرباء.
وتحجج الرئيس أن هذا من شأنه أن يخلق أساسا أقوى للنمو في المستقبل.
وأضاف "كان اقتصادنا في حاجة ماسة إلى الإصلاح منذ عقود، وهو غير متوازن، لأنه بني على أساس خاطئ يتمثل في الاعتماد المفرط على عائدات النفط".
وهو الأمر الذي استقبله المواطنون بحنق، ظهر سريعا عندما أعلنت النقابات العمالية إضرابا تمت الدعوة إليه للضغط على الرئيس للتراجع عن القرارات، ووضع حد أدنى وأعلى للأجور.
ومع استمرار النظام النيجيري على موقفه تفاقمت حدة الوقفات إلى تظاهرات ضخمة توسعت رقعتها في عدد كبير من المدن والقرى.
الحل الأمني
كان الرئيس النيجيري قد طالب في خطابه للشعب، في 4 أغسطس، بضرورة عودة المتظاهرين، وفض حراكهم والتوجه إلى الحوار.
وهو ما قابلته حركة "استعدها" وعدد آخر من المنظمات الحقوقية بالرفض، مشددين على مواصلتهم الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم.
وفي نفس اليوم، فرضت حكومة تينوبو حظرا للتجول في ولايات غومبي وجيغاوا وكانو والنيجر ويوبي، حيث تحولت الاحتجاجات فيها إلى أعمال عنف.
واستدعى الرئيس الحل الأمني، بعد عقده اجتماعا مع قادة الجيش والمخابرات في المقر الرئاسي بالعاصمة أبوجا.
عقب الاجتماع، خرج رئيس أركان الجيش كريستوفر موسى، قائلا: "بحثنا خلال الاجتماع رفع علم روسيا من قبل المتظاهرين في بعض المناطق شمالي البلاد".
وشدد على أن الحكومة لن تتسامح مع "دعوات الانقلاب ضدها، ومع رفع بعض المتظاهرين أعلام دول أجنبية".
وكان بعض المتظاهرين قد رفعوا أعلام روسيا في إشارة إلى دعوة الجيش للتدخل ضد النظام، ولأن روسيا تحديدا أسهمت في عدد من الانقلابات العسكرية وسط وغرب إفريقيا خلال الآونة الأخيرة.
ثم أعلن متحدث الشرطة النيجيرية أولومويوا أديجوبي، أن "هناك فرقا بين الاحتجاجات والتمرد".
ومع ذلك تعهد منظمو الاحتجاج، بمواصلة تحركاتهم في الأيام المقبلة رغم تحذيرات السلطات.
وأعلن الناشط النيجيري، داميلاري أدينولا، وهو من قادة الحراك في أبوجا "لقد تم تفريقنا، لكنني أعتقد أن ذلك يعزز عزيمتنا".
وأضاف في تصريحات صحفية أن "الجوع هو الدافع الرئيس لهذه التظاهرة، ولهذا السبب ندعو إلى وضع حد لسوء الإدارة".
فخ “تينوبو”
ومع ذلك فإن بؤرة الغضب المتسعة ضد الرئيس بولا تينوبو ليست وليدة الإجراءات الاقتصادية فقط، بل لها جذور متعددة.
فبالنظر إلى خارطة الأحزاب والقوى السياسية النيجيرية، فهناك حزبين أساسيين يلعبان دور الأقطاب، الأول "حزب الشعوب الديمقراطي التقدمي"، الذي كان مسيطرا على مقاليد الحكم خلال الأعوام 1999 إلى 2015.
بعدها استطاع تحالف المعارضة باسم حزب "مؤتمر التقدميين" بقيادة الحاكم العسكري السابق محمد بخاري، ونائبه آنذاك بولا تينوبو الفوز في الانتخابات.
وأنهى "مؤتمر التقدميين" حكم "الحزب الديمقراطي"، وكانت المرة الأولى التي يخسر فيها رئيس نيجيري أمام مرشح معارض.
وقتها أعلن الحزب الفائز بقيادة بخاري وتينوبو التركيز على العدالة الاجتماعية، واستمد قوته من دعم سكان الغرب والشمال، ومنهم أغلبية كبيرة من المسلمين ومن عرقية الهوسا والفولاني.
حينها استمر تينوبو لاعبا دورا مهما في إدارة بخاري، ودعم سياسات الحكومة، وعام 2019 دعم حملة إعادة انتخاب بخاري لهزيمة مرشح حزب الشعوب الديمقراطي أتيكو أبو بكر.
ونظرا لدوره السياسي حصد "تينوبو" العديد من الألقاب منها "العراب" و"صانع الملوك" و"الزعيم".
لكن "تينوبو" الذي فاز بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في 25 فبراير/شباط 2023، تراجع عن الوعود الاقتصادية ودعم العدالة الاجتماعية، إلى إجراءات صارمة، أضرت بشريحة الفقراء التي تمثل الطبقة الأكبر في البلاد.
فبحسب تقرير البنك الدولي للعام 2023/2024، تصل نسبة الفقر في نيجيريا إلى 40 بالمئة من إجمالي عدد السكان.
سبب الإجراءات
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اتخذ "تينوبو" تلك الإجراءات التي هددت استقرار حكمه وأدخلت البلاد في موجة اضطرابات واسعة؟
هذا ما كشفته تقارير دولية مثل تقرير المفوضية الاقتصادية الأممية "مكتب إفريقيا" الصادر في 24 مارس/ آذار 2024.
وحذر التقرير من تفاقم ديون دول إفريقيا، التي تعاني من أزمات الديون المتراكمة وتداعياتها، وتأثيراتها على حياة الإنسان ومستقبله، في ظل تضاعف قيمة خدمة الديون، والتراجع الاقتصادي.
وكانت نيجيريا التي تقود اقتصاد القارة، وهي المنتج الأول للنفط فيها، في مقدمة تلك الدول التي تواجه أزمة ديون.
وبحسب مؤسسة "بروكنغز" الأميركية، زادت الديون الخارجية في عهد الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري من 7.3 مليارات دولار عام 2015 الذي تسلم فيه الحكم، لتصل إلى 43 مليارا عام 2023.
فيما تحرك سعر الصرف من 197 نيرة نيجيرية مقابل الدولار عام 2015، ليصل إلى 790 نيرة مقابل الدولار عام 2023.
وزاد الدين الخارجي خلال السنوات الست الأخيرة لحكم بخاري إلى 291 بالمئة في حين نما الدين المحلي إلى 86.31 بالمئة.
ووفق تحليلات خلصت إلى أن هذه الحكومة التي يعد الرئيس الحالي تينوبو ضلعا أساسيا فيها، كانت الأكثر اقتراضا في تاريخ البلاد.
وهو ما أدى إلى أن إستراتيجية "تينوبو" الاقتصادية التي بدأها خلال عهد بخاري، ويستمر فيها حتى الوقت الراهن تهدد الأمن القومي للبلاد.
حتى إنه في بدايات العام 2024، حذر صندوق النقد الدولي من الأزمات التي تضرب الاقتصاد النيجيري.
وذكر في تقرير قيم الأوضاع الاقتصادية النيجيرية، أن ارتفاع التضخم وأزمة الصرف وضعف النمو الاقتصادي وإغلاق الأعمال، يؤثر على نمو نصيب الفرد، ويزيد من حدة الفقر وزيادة انعدام الأمن الغذائي، ويؤدي أيضا إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة المستمرة.
ونشر موقع "سويس إنفو" السويسري في 2 أغسطس، تقريره عن التحديات الأمنية لنظام "تينوبو" وإلى أي مدى يمكن أن تصل موجة الغضب والاحتجاجات الحالية.
وقال الموقع إن "نيجيريا تواجه انفلاتات أمنية كبيرة منذ وقت طويل، لكنها تتفاقم حاليا بسبب سوء الإدارة، ويمكن أن تتصاعد إلى نحو كبير، وتأخد شكلا عنيفا مسلحا، خاصة بعد ظهور جماعة (بوكو حرام) على مسرح الأحداث".