حتى بين حلفاء أميركا.. ماذا وراء توجه العالم نحو الابتعاد عن الدولار؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي حول العالم في عام 2023 إلى أقل من 58.41 بالمئة، بالغة أدنى مستوى لها منذ عام 1995.

ونتيجة لذلك، نقل موقع "روسيا اليوم"، عن خبراء، أن بنوكا مركزية عديدة حول العالم بدأت تصنف الأصول الدولارية ضمن "الأقل موثوقية".

وفي هذا السياق سلط الموقع الضوء على ما عده "تقويض مكانة الدولار على الساحة العالمية"، مدعيا أن "محاولات البيت الأبيض للتأثير على المعارضين أصبحت خطأ إستراتيجيا".

جاذبية محدودة

في بداية التقرير، يشير الموقع الروسي إلى أنه بجانب العزوف عن العملة الأميركية، فإن الكثير من الدول أصبحت الدول أقل توجها للاحتفاظ بأموالها بعملات منطقة اليورو وبريطانيا العظمى والصين أيضا.

ففي الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأول 2023، انخفضت حصة اليورو في الأسهم العالمية من 20.4 إلى 19.98 بالمئة، والجنيه الاسترليني من 4.92 إلى 4.84 بالمئة، واليوان من 2.61 إلى 2.29 بالمئة. 

في المقابل، ارتفعت الحصة الإجمالية لجميع العملات الأخرى من 13.56 إلى 14.49 بالمئة.

وبهذا الشأن، يقول الموقع إن الكثير من الناس أصبحوا أكثر نشاطا في تحويل الأموال إلى عملات البلدان النامية. 

وفي رأيه، يرتبط هذا الاتجاه بزيادة العلاقات التجارية بين هذه الدول ورغبة البنوك المركزية في العالم في تنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي. 

ولأن جاذبية الدولار تستمر في الانخفاض تدريجيا، بدأ المنظمون في عده أصلا أقل موثوقية على نحو متزايد"، وفق الموقع الروسي.

وبالعودة إلى عام 2000، يذكر أن "العملة الأميركية كانت تمثل أكثر من 72 بالمئة من الاحتياطيات العالمية لكن القيمة انخفضت بالفعل في عام 2002 إلى أقل من 70 بالمئة، ثم انخفضت إلى أقل من 60 بالمئة في عام 2022". 

ثقة ضائعة

وبشأن وضع الدولار داخل الولايات المتحدة، تلفت ناتاليا ميلتشاكوفا، المحللة البارزة في "Freedom Finance Global"، إلى أنه "على الرغم من أن مستوى الثقة الدولية في الدولار لا يزال مرتفعا نسبيا، إلا أن العديد من المستثمرين يشعرون بقلق متزايد بشأن الوضع المتعلق بالميزانية والدين العام للولايات المتحدة".

وتلاحظ ميلتشاكوفا أنه "على مدار الـ 22 عاما الماضية، ظلت الولايات المتحدة تنفق باستمرار أكثر مما تكسب".

ففي عام 2023، تجاوزت نفقات الخزانة الأميركية حجم الدخل بنحو 1.7 تريليون دولار، أي ما يقرب من 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لما ذكرته المحللة. 

وفي هذه النقطة، يبرز الموقع أن "واشنطن، لتغطية العجز في الميزانية، يتعين عليها أن تقترض المزيد والمزيد من الأموال كل عام". 

ونتيجة لهذه السياسة، تضاعف الدين الوطني الأميركي منذ عام 2002 بمقدار 5.5 أمثاله، واليوم يقترب من مستوى قياسي بلغ 34.6 تريليون دولار. 

علاوة على ذلك، يشير الموقع الروسي إلى أنه "في نهاية عام 2023، كان حجم الدين يعادل ما يقرب من 122 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي".

ومع تزايد الدين الوطني الأميركي، يقول الموقع إن "تكاليف خدمته ترتفع إلى عنان السماء". 

فعلى سبيل المثال، أنفقت واشنطن في عام 2020 حوالي 345 مليار دولار على مدفوعات الفائدة على التزاماتها، ففي عام 2023 كان هذا المبلغ بالفعل 659 مليار دولار، وفي عام 2024 يمكن أن يصل إلى 870 مليار دولار.

وهنا، تؤكد ميلتشاكوفا أن "الولايات المتحدة ستنفق هذا العام ولأول مرة على خدمة ديونها أموالا أكبر من تلك التي تنفقها على الدفاع، والتي تبلغ 822 مليار دولار". 

وكما يتوقع خبراء من قسم الميزانية في الكونغرس الأميركي، فإن "هذا الاتجاه لن يتغير في السنوات العشر المقبلة".

ومن ناحية أخرى، بخلاف المخاوف بشأن الديون الضخمة، ظهرت مخاوف أخرى في الآونة الأخيرة من أن "وكالات التصنيف، التي بدأت بالفعل في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة تدريجيا، قد تخفضه بشكل كبير تماما". 

ويوضح الموقع أن هذا بدوره "سيؤدي إلى انهيار سوق السندات الأميركية، التي كانت حتى الآن تتمتع بسمعة جيدة بصفتها الأوراق المالية الحكومية الأكثر موثوقية في العالم".

فضلا عن ذلك، بحسب تصريح سابق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن "الثقة العالمية في الدولار تتقوض أيضا بسبب المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة لاستخدام عملتها بصفتها (أداة لصراع السياسة الخارجية)". 

وفي مقابلة له مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون، قال بوتين: "حتى على خلفية المستوى القياسي المرتفع للدين العام والطباعة غير المحدودة للأوراق النقدية الجديدة، ظل الدولار (السلاح الرئيس للحفاظ على قوة الولايات المتحدة في العالم)". 

ويعتقد بوتين أن "الرغبة في استخدام عملتها الوطنية للضغط على المعارضين، بما في ذلك الحد من المدفوعات لروسيا، أصبحت أكبر خطأ إستراتيجي لواشنطن".

وأكمل بوتين حديثه قائلا: "لقد وجهوا ضربة لهذه القوة الأميركية. لا أريد أن أستخدم أي تعبيرات غير أدبية، لكن هذا غباء وخطأ فادح، إن احتياطيات الدولار آخذة في الانخفاض الآن حتى بين حلفاء الولايات المتحدة". 

حل ذهبي

وبالعودة إلى عام 2022، يذكر الموقع الروسي أنه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، فُصلت البنوك الروسية عن المنصة الدولية لتبادل المعلومات المالية بين المؤسسات المالية والبنوك في جميع أنحاء العالم "سويفت"، وكذلك عن أنظمة الدفع "فيزا" و"ماستر كارد". 

إلى جانب ذلك، فرضت الولايات المتحدة حظرا كاملا على تصدير وبيع وتوريد الأوراق النقدية بالدولار إلى الاتحاد الروسي.

ويضيف الموقع أنها" جمدت، بالتعاون مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، ما يقرب من نصف احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية الروسية، بقيمة 300 مليار دولار".

وفي هذا الصدد، يقول ألكسندر أبراموف، رئيس مركز تحليل المؤسسات والأسواق المالية في معهد البحوث الاقتصادية التطبيقية التابع للأكاديمية الرئاسية الروسية: "إن تجميد الاحتياطيات الروسية يزيد من مستوى المخاطر وانعدام الثقة في الدولار في نظر بعض الدول. حيث تعمل بعض الدول على زيادة احتياطياتها عن طريق تحويل أموالها إلى الذهب، لأنه الأصل الأكثر أمانا". 

ولأن قيمة الذهب وصلت الآن إلى قمم تاريخية، يؤكد المحلل في حديث لـ"روسيا اليوم" أن "هذا يحفز تدفقا إضافيا للاستثمارات في المعدن الثمين".

وبهذا الشأن، يذكر أن البنوك المركزية في العالم اشترت في عام 2022 رقما قياسيا بلغ 1082 طنا من المعدن الثمين. وفي عام 2023، انخفض حجم المشتريات بشكل طفيف إلى 1037 طنا، لكنه ظل عند مستوى ضعف متوسط ​​السنوات العشر الماضية تقريبا.

ويوضح الموقع أن "المشترين الأكثر نشاطا للذهب في عام 2023 هم الصين (225 طنا)، وبولندا (130 طنا)، وسنغافورة (77 طنا)، وليبيا (30 طنا)، وجمهورية التشيك (19 طنا)، والهند (16 طنا)، والعراق (12 طنا)". 

ووفقا لدراسة أجراها مجلس الذهب العالمي في مايو/ أيار 2023، بدأت المزيد والمزيد من الدول في النظر في المعدن الثمين كبديل للدولار لتخزين احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية.

وفي هذا السياق، مع الأخذ في الحسبان الاتجاهات الحالية، يرجح أبراموف أن "تستمر حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية في الانخفاض، في حين أن دور الأدوات المالية الأخرى على الساحة العالمية سوف يتزايد". 

ومن وجهة نظره، فإن "الاقتصادات الناشئة ستنمو بسرعة أكبر من الولايات المتحدة، وهذا يعني أن حصة الدولار ستنخفض وربما تنخفض إلى أقل من 50 بالمئة على مدى السنوات العشر المقبلة". 

وفي الختام، يقول "روسيا اليوم" إن "هذا الوضع سيكون مؤلما إلى حد ما بالنسبة للولايات المتحدة، لأن شعبية الدولار تعزز الوضع المالي لها". 

وأشار إلى أن "البلاد سيتعين عليها التكيف مع الظروف الجديدة وزيادة القدرة التنافسية لبضائعها على منصات التجارة العالمية".