أحياء مُسحِت من الوجود بمتفجرات بشار الأسد.. خريطة الدمار في المدن السورية
“سقوط الأسد كشف اتباعه سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع المناطق الثائرة”
كشف سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حجم الدمار الحقيقي في المدن والأحياء بفعل الآلة العسكرية التي اتبعت سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع المناطق الثائرة.
فقبل سقوط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لم تكن عدسات الكاميرا تظهر الوجه الحقيقي لحجم الدمار، كما أن تحرير البلاد سمح للجان الهندسية في إعطاء تقييمات أولية عن طبيعة الدمار في المحافظات السورية.
أحياء مدمرة
وعقب تحرير معظم أراضي سوريا، ظهرت أرقام صادمة لأعداد وحجم الأحياء والمساحات المدمرة بشكل كامل والتي لم تعد صالحة للسكن.
فقد جرى منذ عام 2011 تدمير روائع معمارية تعود إلى قرون مضت، وتحولت الأسواق الصاخبة والبنية الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والطرق إلى أثر بعد عين في كثير من المدن السورية.
فقد بدا حي القابون الدمشقي على أطراف العاصمة حسب المشاهد التي بثت عقب تحرير دمشق، “كومة” من التراب وقد مسح عن الخريطة ولم تعد تعرف مواقع الأبنية من الشوارع والساحات العامة والأسواق.
ودكت طائرات النظام السابق ومدفعيته وصواريخ (أرض - أرض) الحي منذ عام 2012، مما أدى إلى إحالة معالمه إلى خراب فضلا عن تهجير سكانه البالغ عددهم أكثر من مئة ألف شخص.
وقد ركز النظام البائد عقب تهجير سكان حي القابون بالكامل إلى القيام بعمليات هدم ممنهجة في الحي نالت الأبنية التي لم تتهدم بالقصف والقذائف وتفجير الأبنية السكنية العالية الواقعة على جانبي الأوتوستراد الدولي دمشق- حمص لأهداف أمنية.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن 14 مليون سوري هجروا قسرا عقب قمع الثورة، منهم نحو 7 ملايين نازح داخليا، وأكثر من 6 ملايين لاجئ وطالب لجوء في الخارج.
ويعد حي جوبر امتدادا لمنطقة الغوطة الشرقية التي تقول الأمم المتحدة إن نحو 400 ألف شخص هجروا منها.
وتشير الإحصاءات المحلية الجديدة إلى أن حجم الدمار في حي جوبر الدمشقي بلغ أكثر من 90 بالمئة حيث لا يوجد بناء صالح للسكن علاوة على أن الأبنية متصدعة الأساسات.
وفي مخيم اليرموك الذي يبعد عن العاصمة دمشق 8 كيلومترات لا يوجد فيه حي إلا ودمر بشكل كامل.
ومخيم اليرموك هو أكبر مخيمات الشتات للاجئين الفلسطينيين بسوريا والعالم، وكانت تسكنه أعداد من السوريين أيضا الذين اضطروا جميعهم إلى النزوح لخارجه.
كذلك، فإن العديد من أحياء الغوطة الشرقية بريف دمشق مثل حرستا وعربين وعين ترما مدمرة وباتت غير قابلة للسكن.
إضافة إلى أن البنية التحتية شبه متضررة بشكل كبير، فضلا عن غياب شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات عنها.
ففي عام 2018 هجرت قوات النظام السابق معظم أبناء الغوطة الشرقية نحو الشمال السوري.
أما في حلب عاصمة اقتصاد سوريا، فإن أحياءها الشرقية شبه مدمرة بالكامل والتي تعرض سكانها إلى عملية تهجير قسري نهاية عام 2016.
إذ بد عدد من الأحياء ككومة حجر لا تصلح للسكن في أحياء حلب الشرقية.
كما تعد مدينة حمص من أكثر المحافظات التي دمرت جراء قصف قوات نظام بشار الأسد المخلوع، وقد كان حي الخالدية الأكثر تضررا، إذ تجاوزت نسبة الدمار فيه 60 بالمئة، كما أن العوائل التي نزحت من الحي لم تتمكن من العودة إليه.
وهناك أحياء في حمص أيضا شاهدة على جرائم نظام الأسد، وهذا ينطبق على أحياء بابا عمرو وشارع القاهرة وحي الوعر والذي لا يخلو شارع فيه من أبنية مدمرة.
أما مدينة دير الزور شرق سوريا، فإن هناك 17 حيا فيها مدمر بشبه كامل من أصل 25، حيث بلغت نسبة الدمار بحي الرُّشدية مئة بالمئة وفي حي الحويقة 95 بالمئة.
بينما هناك أحياء كاملة في مدينتي الميادين والبوكمال جنوب دير الزور مدمرة بشبه كامل.
أرقام أممية
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن صور الأقمار الصناعية التي تثبت حجم الدمار الهائل الذي لحق بمدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، يتشابه إلى حد كبير مع ما تعرضت له منطقة الغوطة الشرقية بدمشق بين فبراير/ شباط وأبريل/ نيسان 2018، وقبل ذلك أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016.
وبناء على صور أقمار صناعية لمدينة خان شيخون التقطت في 2 أغسطس/ آب 2019، فإن 35 بالمئة من مساحة المدينة قد دمرت بالكامل، و40 بالمئة منها دمرت جزئيا، وهذا يعني أن نحو 75 بالمئة من مباني المدينة إما مدمرة جزئيا أو كليا.
وأشارت الشبكة في تقرير لها نشر عام 2019 إلى أن هدف التحالف الروسي مع نظام الأسد البائد هو تطبيق نموذج غروزني والغوطة الشرقية وتدمير أكبر قدر ممكن من المباني لمعاقبة المجتمع السوري.
وبينت الشبكة حينها أن التدمير الواسع الذي حدث عبر القصف الجوي المكثف ليس عملية فوضوية، بل هو "إستراتيجية مدروسة تهدف إلى تدمير أكبر قدر ممكن من المباني والمنشآت لمعاقبة سكان تلك المناطق وإجبارهم على دفع أكبر ثمن ممكن للمطالبة بالحرية".
وسبق أن تحدث تقرير لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث نشر عام 2019، تعرض 16 مدينة رئيسة تتوزع على مساحة سوريا لدمار كبير، لحق بعشرات الآلاف من المباني السكنية والمنشآت العامة والخاصة.
وذكرت الدراسة التي اعتمدت على تحليل الأضرار المكتشفة بواسطة الأقمار الصناعية، أن حلب أكبر المدن المتضررة، حيث وصل عدد المباني المدمرة فيها إلى نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بـ 35 ألف منزل.
وجاءت في المرتبة الثالثة مدينة حمص، التي دمر فيها نحو 14 ألف مبنى، ثم الرقة بنحو 13 ألفا، إضافة إلى 7 آلاف مبنى في كل من حماة ودير الزور، فضلا عن 5500 مبنى في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق.
وهذه الأرقام هي على صعيد المدن أو التجمعات السكنية الكبرى، بينما لحق الدمار الكبير أيضا بالأرياف، ما دفع منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلى التأكيد على أن عودة أعداد كبيرة من النازحين السوريين إلى ديارهم ستضغط على البلاد، وقد تؤثر على عملية السلام الهشة هناك، على حد وصفها.
"مشروع مارشال"
وفي الوقت الراهن، يؤكد أهالي سوريا الذين دمرت بيوتهم أن فرحتهم بـ"انتصار الثورة" لن تكتمل حتى يعودوا إلى منازلهم.
ومن الصعب تحديد تكاليف إعادة الإعمار بسوريا، لكن التقديرات لعام 2019 التي نقلها مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” تضعها في مكان ما بين 250 مليار دولار و400 مليار دولار.
وهذه الأرقام تعكس الأضرار التي لحقت بالمباني والخدمات والمؤسسات العامة والبنى التحتية والقدرات الإنتاجية للاقتصاد السوري.
ففي عام 2010، قُدر الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنحو 60 مليار دولار، لكنّ صناعتي النفط والزراعة اللتين كانتا ذات يوم من الركائز الأساسية لاقتصاد البلاد دمرتا بفعل حرب النظام البائد على الشعب، وقد بلغ الرقم الرسمي للناتج المحلي الإجمالي عام 2023 نحو 10 مليارات دولار.
ومن ثم فإن الدعم من جانب الشركاء الدوليين سيكون حاسما لأي محاولة لإعادة بناء سوريا.
كما لا تزال العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سارية على سوريا، ويقولان إنهما لن يرفعا إلا إذا تم اتخاذ خطوات كبيرة نحو تشكيل حكومة شاملة.
وأمام ذلك، يرى اقتصاديون سوريون أن البلاد بحاجة لإعادة بنية تحتية شاملة وإلى طرح "مشروع مارشال سوريا" بدعم من الدول الصديقة.
وخطة مارشال أو "مشروع مارشال" هو المشروع الاقتصادي لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وتقوم الخطة على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء الدول اقتصاداتها من جديد، وذلك عبر تقديم هبات عينية ونقدية، بالإضافة إلى حزمة من القروض الطويلة الأمد.